الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قصر الصلاة]
ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع؛ لأن قصر الصبح يجحف بها لقلتها، وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترًا، ويجوز قصر الرباعية فيصليها ركعتين بشروط ستة:
أحدها: أن تكون في سفر طويل قدره أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخًا، ثمانية وأربعون ميلًا بالهاشمي، وذلك نحو من يومين قاصدين؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد، ما بين عسفان إلى مكة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشدة، فجاز القصر فيها كمسيرة ثلاثة أيام.
وسواء كان في بر أو بحر؛ لأن الاعتبار بالفراسخ، وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر؛ لأن الأصل الإتمام، فلا يزول بالشك والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر، فلو نوى سفرًا طويلًا، فقصر ثم بدأ له فأقام أو رجع، كانت صلاته صحيحة، ولو خرج طالبًا لآبق أو منتجعًا غيثًا، متى وجده رجع أو أقام لم يقصر، ولو سافر شهرًا.
ولو خرج مكرهًا كالأسير يقصد به بلدًا بعينه فله القصر؛ لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر، فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ، نص عليه، وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة، فسلك البعيدة ليقصر فله ذلك؛ لأنه سفر يقصر في مثله، فجاز له القصر، كما لو لم يكن له طريق سواه.
فصل:
والثاني: أن يكون السفر مباحًا، فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر، ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يرد الشرع بذلك.
فصل:
والثالث: شروعه بالسفر بخروجه من بيوت قريته؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] ، ولا يكون ضاربًا
في الأرض حتى يخرج، فله القصر بين حيطان البساتين؛ لأنها ليست من حيطان البلد، ولا تبنى للسكنى.
وإن خرب بعض البلد فصار فضاء فهو كالصحراء، وإن كانت حيطانه قائمة، فقال القاضي: لا يقصر حتى يفارقها؛ لأنه يمكن السكنى فيها، وقال الآمدي: له القصر بينهما؛ لأنها غير معتمدة للسكنى، فهي كالبساتين.
فصل:
الرابع: أن ينوي القصر مع نية الإحرام، وقال أبو بكر: لا يحتاج إلى النية؛ لأن من خير في العبادة قبل الدخول فيها خير بعد الدخول فيها كالصيام، ولنا أن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه، كما لو نوى الصلاة مطلقًا انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل، فإن شك نية القصر لزمه الإتمام؛ لأنه الأصل، فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة، أو في أثنائها، أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة، أو قلب نيته إلى سفر قريب أو معصية؛ لزمه إتمام الصلاة، ولزم من خلفه متابعته؛ لأن نية الأربع أو ما قد يوجبها قد وجد، فلزمته الأربع كما لو نوى في الابتداء، ومن قصر معتقدًا تحريم القصر فصلاته فاسدة؛ لأنه فعل ما يعتقد تحريمه.
فصل:
الخامس: ألا تكون الصلاة وجبت في الحضر، فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها؛ لأنه تعين فعلها أربعًا، فلم يجز النقصان فيها، كما لو نوى أربع ركعات، ولأن القضاء معتبر بالأداء، والأداء أربع، ومن سافر بعد دخول وقت صلاة، لم يقصرها لذلك، وحكي عنه أن له قصرها؛ لأنها صلاة مؤداة في السفر، فأشبه ما لو دخل وقتها فيه.
ولو أحرم بها في سفينة في الحضر، فخرجت به في أثناء الصلاة، أو أحرم بها في
السفر، فدخلت البلد في أثناء الصلاة، لم يقصر؛ لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، ووجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب حكمه كالمسح.
وإن نسي صلاة سفر، فذكرها في الحضر، أتمها لذلك، وإن ذكرها في السفر أو في سفر آخر قصرها؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر، فكان له قصرها كما لو أداها، ويتخرج أن يلزمه إتمامها إذا ذكرها في سفر آخر؛ لأن الوجوب كان ثابتًا في ذمته في الحضر.
فصل:
السادس: أن لا يأتم بمقيم، فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها؛ لأن «ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة» رواه الإمام أحمد. وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة، ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعًا، لائتمامه بالمقيم، ومن ائتم بالمقيم ففسدت صلاته، لم يجز له قصرها بعد ذلك؛ لأنها تعينت عليه تامة لائتمامه بمقيم.
ومن أحرم مع من يظنه مقيمًا أو يشك فيه، لزمه الإتمام، وإن قصر إمامه اعتبارًا بالنية، وإن غلب على ظنه أنه مسافر لدليل، فله أن ينوي القصر، ويتبع إمامه، فيقصر بقصره، ويتم بإتمامه، وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله، فله القصر؛ لأن الظاهر أنه مسافر.
وإن أم المسافر مقيمًا لزم المقيم الإتمام، ويستحب للإمام أن يقول لهم: أتموا فإنا قوم سفر، لما «روى عمران بن حصين قال: شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يصلي إلا ركعتين، ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا فإنا سفر» رواه أبو داود.
وإن أتم الإمام بهم صحت الصلاة.
وعنه: تفسد صلاة المقيمين؛ لأنهم ائتموا بمتنفل في الركعتين الأخيرتين، والأول المذهب؛ لأن الإتمام يلزمه بنيته.
وإن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس، ولا يلزمه الإتمام؛ لأن الموجب للإتمام نيته، أو ائتمامه بمقيم ولم يوجد، فإن جلس سجد للسهو، وله أن يتم.
فإن لم يعلم المأمومون هل سها أو نوى الإتمام؟ لزمته متابعته؛ لأن حكم وجوب المتابعة ثابت، فلا يزول بالشك، فإذا اتبعوه فصلاتهم صحيحة لما ذكرناه، وإن علموا أن قيامه لسهو فلهم مفارقته، فإن تابعوه، فقال القاضي: تفسد صلاتهم؛ لأنهم زادوا في الصلاة عمدًا، والصحيح أنها لا تفسد؛ لأنها زيادة لا تفسد بها صلاة الإمام عمدًا، فلا تفسد بها صلاة المأموم، كزيادات الأقوال، وإذا صلى بهم الأربع سهوًا سجد للسهو، وليس بواجب عليه؛ لأنها زيادة لا يبطل عمدها، فلا يجب لها السجود كقراءة السورة في الثالثة.
فصل:
وللمسافر أن يقصر، وله أن يتم؛ لقول الله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] فمفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها، «وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان، فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت، فقال: أحسنت» رواه أبو داود الطيالسي.
ولأنه تخفيف أبيح للسفر، فجاز تركه كالمسح ثلاثًا، والقصر أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه داوموا عليه، وعابوا من تركه. «قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى عثمان أربعًا، فقال عبد الله: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق، ولوددت أن حظي من أربع، ركعتان متقبلتان» متفق عليه. وأتى ابن عباس رجل فقال: إني
كنت مع صاحب لي في السفر، فكنت أتم وصاحبي يقصر، فقال: بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم.
فصل:
وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وإن نوى دونها قصر، وعنه: إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم؛ لأن الثلاث حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا» رواه أبو داود. فإذا أقام أربعًا فقد زاد على حد القلة، فيتم، والأول المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم لصبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح ثم خرج، فمن أقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم، ذكره الإمام أحمد، «قال أنس: أقمنا بمكة عشرًا نقصر الصلاة» ، ومعناه ما ذكرناه؛ لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشرة، وفي هذا الحديث دليل على أن من قصد بلدًا ينوي الرجوع عنه قريبًا فله القصر فيه؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وهي مقصده، وفيه دليل على أن من قصد رستاقًا، يتنقل فيه لا ينوي إقامة في موضع واحد فله القصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة ومنى وعرفة عشرًا، ومن كان بمكة مقيمًا فخرج إلى عرفة عازمًا على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم بها، فله القصر من حين خروجه، ولو خرج المسافر، فذكر حاجة في بلده قصر في رجوعه إليها، فإذا وصل البلد، فإن كان له به أهل أو مال أتم، وإلا قصر فيه أيضًا.
ومتى مر المسافر ببلده له به أهل أو ماشية أتم؛ لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهما.
فصل:
ومن لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر، وإن أقام دهرًا، مثل من يقيم لحاجة يرجو إنجازها، أو جهاد أو حبس سلطان أو عدو أو مرض، سواء غلب