الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمنع من لبس المخيط، وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها. وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها، وفعل بها ما يفعل بغيرها؛ لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها، وقد أمن ذلك بموتها.
[باب الصلاة على الميت]
وهي فرض على الكفاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على من قال لا إله إلا الله» ويكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة، فلم يشترط لها العدد كالظهر، ويجوز في المسجد لأن عائشة قالت:«ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد» . رواه مسلم. وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد. وتجوز في المقبرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة، ويجوز فعلها فرادى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه فرادى، والسنة فعلها في جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه، ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف لما روى مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب» وهذا حديث حسن. وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة، أو فرادى فلا بأس؛ لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد بن أبي وقاص.
فصل:
وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصى إليه بذلك، لإجماع الصحابة على الوصية بها فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وابن مسعود أوصى بذلك الزبير، وأبو بكرة أوصى به أبا برزة، وأم سلمة أوصت به سعيد بن زيد، وعائشة أوصت إلى أبي هريرة، وأوصى أبو سريحة إلى زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم، فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيداً. ولأنها حق للميت، فقدم وصيه بها كتفريق ثلثه. ثم الأمير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه»
وقال أبو حازم: شهدت حسيناً عليه السلام حين مات الحسن وهو يدفع في قفا
سعيد بن العاص ويقول: تقدم، لولا السنة ما قدمتك. وسعيد أمير المدينة؛ لأنها إمامة في صلاة فأشبه سائر الصلوات. ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل، ثم أقرب العصبة، ثم الرجال من ذوي أرحامه، ثم الأجانب. وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان:
أشهرهما: تقديم العصبة؛ لأن عمر رضي الله عنه قال لقرابة امرأته: أنتم أحق بها، ولأن النكاح يزول بالموت والقرابة باقية.
والثانية: الزوج أحق بها؛ لأن أبا بكرة صلى على امرأته دون إخوتها، ولأنه أحق منهم بغسلها فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإمامة في المكتوبات، للخبر فيه، والحر أولى من العبد القريب، لعدم ولايته، فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم.
فصل:
ومن شرطها الطهارة والاستقبال والنية؛ لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن، والسنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة، لما روي «أن أنساً صلى على رجل، فقام عند رأسه، ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المرأة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم» . وهذا حديث حسن.
ويجوز أن يصلي على جماعة دفعة واحدة، ويقدم إلى الإمام أفضلهم، ويسوى بين رؤوسهم، فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء. قدم الرجال وإن كانوا عبيداً، ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء، لما روى عمار مولى الحارث بن نوفل قال:«شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم، ووضعت المرأة وراءه فصلي عليهما، وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة، فسألتهم، فقالوا: السنة.» رواه أبو داود. ولأنهم هكذا يصفون في صلاتهم، وقال الخرقي: يقدم النساء على الصبيان لحاجتهن إلى الشفاعة، ويسوى بين رؤوسهم؛ لأن ابن عمر كان يسوي بين رؤوسهم، وعن أحمد ما يدل أنه يجعل صدر الرجل حذاء وسط المرأة، واختاره أبو الخطاب ليقف كل واحد منهما موقفه.
فصل:
وأركان صلاة الجنازة ستة:
أحدها: القيام: لأنها صلاة مكتوبة فوجب القيام فيها كالظهر.
الثاني: أربع تكبيرات؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً» . متفق عليه.
الثالث: أن يقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن» «وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن، وقال: إنه من السنة، أو من تمام السنة» ، حديث صحيح، رواه البخاري. ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كالظهر.
والرابع: أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، لما روى أبو أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن «السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه» . رواه الشافعي في " مسنده ". وليس في الصلاة عليه شيء مؤقت، وإن صلى كما يصلى عليه في التشهد فحسن.
الخامس: أن يدعو للميت في الثالثة لذلك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» رواه أبو داود. ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، وما دعا به أجزأه.
السادس: التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحليلها التسليم» .
فصل:
وسننها سبع:
أولها: رفع اليدين مع كل تكبيرة؛ لأن عمر كان يرفع يديه في تكبير الجنازة والعيد، ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود، فسن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام.
والثاني: الاستعاذة قبل القراءة، لقول الله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . الثالث: الإسرار بالقراءة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بها.
الرابع: أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: اللهم
اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا» حديث صحيح.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وزاد: «اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده» وفي آخر: «اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له» رواه أبو داود. وعن عوف بن مالك قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: الله اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت» . رواه مسلم. وإن كان طفلاً جعل مكان الاستغفار له: «اللهم اجعله لوالديه ذخراً وفرطاً وسلفاً وأجراً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم» وإن لم يعلم شراً من العبد قال: «اللهم لا نعلم إلا خيراً»
الخامس: أن يقف بعد الرابعة قليلاً، وهل يسن فيها ذكر على روايتين.
السادس: أن يضع يمينه على شماله، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله» .
السابع: الالتفات على يمينه في التسليمة.
فصل:
ولا يسن الاستفتاح؛ لأن مبناها على التخفيف، ولا قراءة شيء بعد الفاتحة لذلك.
وعنه: يسن الاستفتاح ولا يسن تسليمه ثانية؛ لأن عطاء بن السائب روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة» . رواه الجوزجاني ولأنه إجماع. قال أحمد: التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. ولا تسن الزيادة على أربع تكبيرات؛ لأنها المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات، وقال: هو أطول الصلاة. فإن كبر خمساً جاز وتبعه المأموم؛ لأن «زيد بن أرقم كبر على جنازة خمساً وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها» . رواه مسلم.
وعنه لا يتابع فيها، اختاره ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة. وإن كبر ستاً أو سبعاً ففيه روايتان:
إحداهما: يجوز ويتابعه المأموم فيها؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر سبعاً وكبر على أبو قتادة سبعاً.
والثانية: لا يجوز، ولا يتبعه المأموم فيها؛ لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها، لكن لا يسلم قبله وينتظره حتى يسلم معه؛ لأنها زيادة قول مختلف فيه؛ لأنه لا يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به، كالقنوت في الصبح، وإن زاد على سبع لم يتابعه، ولم يسلم قبله قال أحمد: وينبغي أن يسبح به.
فصل:
وإن كبر على جنازة فجيء بأخرى كبر الثانية عليهما، ثم إن جيء بثالثة كبر الثالثة عليهن، ثم إن جيء برابعة كبر الرابعة عليهن، ثم يتمم سبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات، فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع، أو نقصان الخامسة من أربع، وكلاهما غير جائز. وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز؛ لأن السلام ركن لم يأت به. ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة. وفي الخامسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز.
فصل:
ومن سبق ببعض الصلاة فأدرك الإمام بين تكبيرتين دخل معه، كما يدخل في سائر الصلوات.
وعنه: أنه ينتظر تكبير الإمام فيكبر معه؛ لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها فإذا سلم الإمام قضى ما فاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وما فاتكم فاقضوا» . قال الخرقي: يقضيه متتابعاً. فإن سلم ولم يقضه فلا بأس؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه قال: لا يقضي، ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها، كتكبيرات العيد.
وقال القاضي وأبو الخطاب: يقضيه على صفته، إلا أن ترفع الجنازة فيقضيه متوالياً لعدم من يدعى له، فإن سلم ولم يقضه فحكى أبو الخطاب عنه رواية أنها لا تصح قياساً على سائر الصلوات.
فصل:
وإذا صلي عليه بودر إلى دفنه ولم ينتظر حضور أحد إلا الولي، فإنه ينتظر ما لم
يخش عليه التغيير فإن حضر من لم يصل عليه صلى عليه جماعة وفرادى. قال أحمد رضي الله عنه: ولا بأس بذلك، قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له إعادتها؛ لأنها نافلة، وصلاة الجنازة لا يتنفل بها، ومن فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره، لما روى ابن عباس «أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه» . متفق عليه. ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل؛ لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر» . رواه الترمذي. ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر فتقيد به.
فصل:
وتجوز الصلاة على الغائب.
وعنه: لا تجوز؛ لأن حضوره شرط، بدليل ما لو كانا في بلد واحد، والأول المذهب، لما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه، فصف بهم في المصلى وكبر بهم أربعاً» . متفق عليه. فإن كان الميت من أحد جانبي البلد لم يصل عليه في الجانب الآخر؛ لأنه يمكن حضوره، فأشبه ما لو كانا من جانب واحد، وقال ابن حامد: يجوز قياساً على البعيد، وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر؛ لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه، أشبه من في القبر.
فصل:
ويصلى على كل مسلم لما تقدم، إلا شهيد المعترك، وإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل وصلي عليه.
وعنه: لا يصلى عليه كما لا يصلى على يد الحي إذا قطعت، والمذهب الأول؛ لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس. ولا يصلي الإمام على الغال ولا قاتل نفسه، لما روى جابر بن سمرة قال:«أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه» . رواه مسلم. وعن زيد بن خالد قال: «توفي رجل من جهينة يوم خيبر، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم، إن صاحبكم غل من الغنيمة» احتج به أحمد. ويصلى على سائر الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صلوا على صاحبكم» .
قال الخلال: الإمام ههنا أمير المؤمنين وحده، وعن أحمد رضي الله عنه أن إمام كل قرية واليهم. وأنكر هذا الخلال وخطأ ناقله.