الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيجزئه بكل مكان؛ لأنه لا نفع فيه لأهل المكان، فلا يختص بالمكان، كرمضان.
فصل:
وما وجب لمساكين الحرم؛ لم يجز ذبحه إلا في الحرم، وفي أي موضع منه ذبح جاز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر وطريق» رواه ابن ماجة. مفهومه أنه لا يجوز النحر في غيره مما ليس في معناه. إذا نحر ففرقه على المساكين، فإن أطلقها لهم يقتطعونها، جاز «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنات خمساً، ثم قال: من شاء فليقتطع» رواه أبو داود. ومساكين الحرم من حله من أهله وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها لمن حضره.
[باب دخول مكة وصفة العمرة]
ويستحب لمن أراد دخول مكة أن يغتسل، ويدخلها من أعلاها من ثنية كداء، ويخرج من أسفلها؛ لما روي «عن ابن عمر أنه كان يغتسل، ثم يدخل مكة، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله» ، وقال:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من ثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى» ، متفق عليهما، ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة؛ لقول جابر:«إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة، ودخل المسجد.» رواه مسلم.
ويستحب أن يدعو عند رؤيته البيت، ويرفع يديه؛ لما روى ابن جريح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمر تشريفاً وتعظيماً وبراً» رواه الشافعي في مسنده، وعن سعيد بن المسيب: أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام)) . ذكر الأثرم هذا الدعاء وزاد: الحمد لله رب العالمين كثيراً كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، الحمد لله الذي بلغني بيته، ورآني لذلك أهلاً، الحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك، اللهم تقبل مني، واعف عني، وأصلح لي شأني كله؛ لا إله إلا أنت، وما زاد من الدعاء فحسن.
فصل:
ويبدأ بالطواف؛ لما روت عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، توضأ ثم طاف بالبيت» ، متفق عليه، ولأن الطواف تحية المسجد، فاستحبت البداءة به، كالركعتين في غيره من المساجد، وينوي المتمتع به طواف العمرة، وينوي المفرد والقارن الطواف للقدوم.
ويسن الاضطباع فيه، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، ويتركه مكشوفاً، ويرد طرفيه على منكبه الأيسر؛ لما روى ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى» رواه أبو داود.
ويطوف سبعاً، يبتدئ بالحجر الأسود فيستلمه؛ لقول جابر:«حتى أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً» ، ومعنى استلامه: مسحه بيده، ويستحب تقبيله؛ لما روى أسلم قال:«رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر، وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.» متفق عليه، فإن لم يمكنه تقبيله، استلمه، وقبل يده؛ لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده» ، رواه مسلم، فإن استلمه بشيء في يده قبله؛ لما روى ابن عباس قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في البيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن» . رواه مسلم. وإن لم يمكنه أشار بيده إليه؛ لما روى ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير كلما أتى الركن أشار إليه، وكبر.»
ويستحب أن يقول عنده ما روى عبد الله بن السائب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند استلامه: بسم الله والله أكبر إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم» . ويحاذي الحجر بجميع بدنه؛ ليستوعب جميع البيت بالطواف، ثم يأخذ في الطواف على يمين نفسه، ويجعل البيت على يساره، ويطوف سبعاً يرمل في الثلاث الأول منها، وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى، ولا يثب وثباً، ويمشي أربعاً لحديث جابر، وروى ابن عمر قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً، ومشى أربعاً.» متفق عليه. ولا يرمل في غير هذا الطواف لذلك. فإن ترك الرمل في الثلاث لم يقضه في الأربع؛ لأنه سنة فات محلها، فلم يقضه في غيره كالجهر في الأوليين، ولا يقضى في الأخريين.
ولو فاته الرمل والاضطباع في هذا الطواف؛ لم يقضه فيما بعده، كمن فاته الجهر في الصبح لم يقضه في الظهر، ويكون الحجر داخلاً في طوافه؛ لأن الحجر في البيت،
ولا يطوف على جدار الحجر، ولا شاذروان الكعبة؛ لأنه من البيت، فيجب أن يطوف به.
ولا يستلم الركن العراقي ولا الشامي؛ لما روى ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني، وما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء» ، رواه مسلم، وقال:«ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركنين اللذين يليان الحجر، إلا لأن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم عليه السلام.» متفق عليه، ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك، كلما حاذى الحجر كبَّر. ويقول بين الركنين:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] لما روى عبد الله بن السائب: أنه «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ما بين ركن بني جمح والركن الأسود.» رواه أبو داود. ويقول في بقية الطواف: «اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم» ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بما أحب، ويستحب أن يدنو من البيت؛ لأنه المقصود.
فإن كان يمكنه الرمل بعيداً، ولا يمكنه قريباً، فالبعيد أولى؛ لأنه يأتي بالسنة المهمة.
ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف؛ لأنه صلاة، والصلاة محل القرآن.
ويجوز الشرب في الطواف؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب في الطواف» . رواه ابن المنذر.
ويستحب أن يدع الحديث كله، إلا ذكر الله أو قراءة القرآن، أو دعاء أو أمراً بمعروف، أو نهياً عن منكر؛ لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الطواف في البيت صلاة، إلا أن الله أباحكم فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير» رواه الترمذي.
فصل:
فإذا فرغ من الطواف، صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم، يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وسورة الإخلاص. لما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في البيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين، قرأ فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » رواه مسلم. وإن صلاهما في غير هذا الموضع، أو قرأ غير ذلك أجزأه.
فصل:
ويشترط لصحة الطواف تسعة أشياء:
الطهارة من الحدث والنجس، وستر العورة؛ لحديث ابن عباس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يطوف بالبيت عريان» . متفق عليه؛ ولأنها عبادة تتعلق بالبدن، فاشترط فيها ذلك، كالصلاة.
وعنه، فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارته حتى رجع، فحجه ماض، ولا شيء عليه، وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان. وعنه، فيمن طاف للزيارة غير متطهر: أعاد ما كان بمكة، فإن رجع، جبره بدم، وهذا يدل على أن الطهارة ليست شرطاً، إنما هي واجب، يجبره الدم، فكذلك يخرج في طهارة النجس والستارة؛ لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال، فلم يشترط فيها ذلك كالسعي والوقوف.
الرابع: النية؛ لأنها عبادة محضة، فأشبهت الصلاة.
الخامس: الطواف لجميع البيت، فإن سلك الحِجْر، أو طاف على جدار الحجر، أو على شاذروان الكعبة؛ لم يجزئه؛ لأن الله تعالى قال:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] . وهذا يقتضي الطواف لجميعه، والحِجْر منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الحِجْر من البيت» متفق عليه.
السادس: الطواف سبعاً، فإن ترك منها شيئاً وإن قل؛ لم يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً، فيكون تفسيراً لمجمل قَوْله تَعَالَى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فيكون ذلك هو الطواف المأمور به، وقد قال عليه السلام:«خذوا عني مناسككم» .
السابع: أن يحاذي الحجر في ابتداء طوافه، بجميع بدنه، فإن لم يفعل لم يعتد بذلك الشوط، واعتد له بما بعده.
ويأتي بشوط مكانه، ويحتمل أن لا يجب هذا؛ لأنه لما لم يجب محاذاة جميع الحجر؛ لم تجب المحاذاة بجميع البدن.
الثامن: الترتيب، وهو أن يطوف على يمينه، فإن نكسه؛ لم يجزئه لما ذكرنا في السادس؛ ولأنها عبادة تتعلق بالبدن، فكان الترتيب فيها شرطاً كالصلاة.
التاسع: الموالاة شرط لذلك، إلا أنه إذا أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة، فإنه يصلي، ثم يبني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» رواه مسلم.
وعنه: إذا أعيا في الطواف، فلا بأس أن يستريح، وقال: إذا كان له عذر، بنى، وإن قطعه من غير عذر، أو لحاجة، استقبل الطواف.
وعنه: فيمن سبقه الحدث، روايتان:
إحداهما: يستأنف قياساً على الصلاة.
والثانية: يتوضأ. ويبني إذا لم يطل الفصل، فيخرج في الموالاة روايتان:
إحداهما: هي شرط كالترتيب.
والثانية: ليست شرطاً حال العذر؛ لأن الحسن غشي عليه، فحمل، فلما أفاق أتمه.
فصل:
وسننه: استلام الركن، وتقبيله، أو ما قام مقامه، من الإشارة والدعاء، والذكر في مواضعه، والاضطباع، والرمل، والمشي في مواضعه؛ لأن ذلك هيئة في الطواف، فلم تجب كالجهر والإخفات في الصلاة. وركعتا الطواف ليست واجبة؛ «لأن الأعرابي؛ لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرائض، ذكر الصلوات الخمس، قال: فهل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع» متفق عليه.
ولأنها صلاة لم يشرع لها جماعة، فلم تجب، كسائر النوافل، ولكنها سنة مؤكدة، وإن صلى المكتوبة بعد طوافه، أجزأته عنهما، فإن جمع بين الأسابيع، وصلى لكل أسبوع ركعتين، جاز؛ لأن عائشة والمسور بن مخرمة فعلا ذلك، ولا تجب الموالاة بينهما لما ذكرنا، وأن يطوف ماشياً، وإن طاف راكباً أجزأه؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره، وأمر أم سلمة فطافت راكبة من وراء الناس» . حديث أم سلمة متفق عليه، ويجوز أن يحمله إنسان فيطوف به؛ لأنه في معنى الراكب، وإن طاف راكباً أو محمولاً لغير عذر، ففيه روايتان:
إحداهما: يجزئه؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقاً، وهذا قد طاف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وهو صحيح.
والثانية: لا يجزئه لأنها عبادة تتعلق بالبدن، فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر، كالصلاة، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس قال:«إن الناس كثروا عليه، يقولون: هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب» ، رواه مسلم.
فصل:
والمرأة كالرجل، إلا أنها إذا قدمت مكة نهاراً، استحب لها تأخير الطواف إلى الليل؛ لأنه أستر لها، إلا أن تخاف الحيض، فتبادر الطواف؛ لئلا يفوتها التمتع، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، بل تشير بيدها إليه، قال عطاء: كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين. قالت: انطلقي عنك، وأبت، وليس في حقها رمل، ولا اضطباع؛ لأنه يستحب لها التستر، ولأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجَلَد والقوة، ولا يقصد ذلك في المرأة، ولذلك لا يسن الرمل في حق المكي، ومن جرى مجراهم. وقال ابن عباس وابن عمر: ليس على أهل مكة رمل. وكان ابن عمر رضي الله عنه، إذا أحرم في مكة لم يرمل.
فصل:
إذا فرغ من الركعتين، سعى بين الصفا والمروة، ويستحب أن يستلم الحجر ثم يخرج إلى الصفا من بابه، فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويدعوه؛ لأن جابراً قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم:«ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا، قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] نبدأ بما بدأ الله تعالى به. فبدأ في الصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله، فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات» .
قال أحمد: ويدعو بدعاء ابن عمر، ذكر نحواً من هذا. وزاد: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك، ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك، وإلى ملائكتك، وإلى رسلك، وإلى عبادك الصالحين. اللهم يسرني لليسرى، وجنبني العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى. واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وإنك لا تخلف الميعاد،
اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا على الإسلام، اللهم لا تقدمني لعذاب، ولا تؤخرني لسوء الفتن، رواه سعيد بن منصور. وما دعا به فحسن، ثم ينزل ويمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحواً من ستة أذرع، فيسعى سعياً شديداً، حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس، ثم يمشي حتى يصعد المروى، فيرقى عليها، ويقول كما قال على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، حتى يكمل ذلك سبعاً، يحتسب بالذهاب سعية، وبالرجوع أخرى، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة؛ لأن جابراً قال:«ثم نزل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعدنا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، فلما كان آخر طوافه على المروة» . . . وذكر الحديث. رواه مسلم. ويدعو فيما بينهما، ويذكر الله تعالى.
قال أبو عبد الله: كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله» وهو حديث حسن صحيح.
فصل:
والواجب من هذا ثلاثة أشياء، استيفاء السبع، فإن ترك منها شيئاً وإن قل، لم يجزئه، وإن لم يرق على الصفا والمروة، وجب استيعاب ما بينهما، بأن يلصق عقبيه بأسفل الصفا، ثم يلصق أصابع رجليه بالمروة، ليأتي بالواجب كله، والبداءة بالصفا، لخبر جابر، فإن بدأ بالمروة لم يعتد له بذلك الشوط، واعتد له بما بعده. وترتيب السعي على الطواف، فلو سعى قبله لم يجزئه؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد طوافه، وقال: خذوا عني مناسككم» ولو طاف وسعى، ثم علم أن طوافه غير صحيح لعدم الطهارة، أو غيرها: لم يعتد له بسعيه، لفوات الترتيب.
فصل:
ويسن الطهارة والستارة.
وعنه: أنهما واجبتان؛ لأنه أحد الطوافين، أشبه الطواف في البيت، والأول المذهب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت:«اقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت» أخرجه مسلم والبخاري. ونحوه قالت عائشة: إذا طافت المرأة في البيت، فصلت ركعتين، ثم حاضت، فلتطف بالصفا والمروة؛ ولأنها عبادة لا تتعلق بالبيت، فلم يشترط لها ذلك
كالوقوف، ويسن أن يرقى على الصفا والمروة، ويرمل بين العلمين، ويمشي ما سوى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولا يجب لما روي عن ابن عمر أنه قال:«أنا أمشي، فقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير» . رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. ويسن الموالاة بينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بينه، ولا يجب؛ لأنه نسك لا يتعلق بالبيت، فلم يشترط له الموالاة كالرمي. وقد روي أن سودة بنت عبد الله بن عمر سعت، فقضت طوافها في ثلاثة أيام، ويسن أن يمشي، فإن ركب جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى راكباً، ولما ذكرنا في الموالاة، والمرأة كالرجل، إلا أنها لا ترقى على الصفا والمروة، ولا ترمل في طواف ولا سعي، لما ذكرنا في الرمل في الطواف. وليس على أهل مكة رمل لذلك. نص عليه.
فصل:
فإذا فرغ من السعي، فإن كان متمتعاً، لا هدي معه قصر من شعره، وحل من عمرته، فما روى ابن عمر قال:«تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجته، ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت، وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل» متفق عليه، وإنما جعل التقصير هاهنا ليكون الحلق للحج، فأما من ساق الهدي فليس له التحلل للحديثين وعنه: أنه يقصر من شعره خاصة، ولا يلمس شاربه ولا أظفاره، لما روى معاوية قال:«قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص عند المروة» . حديث صحيح رواه مسلم.
وعنه: إن قدم في العشر، لم يحل لذلك، وإن قدم قبل العشر نحر وتحلل كالمعتمر غير المتمتع. ومن لبد فهو كمن أهدى، لما روت حفصة أنها قالت:«يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هدياً، فلا أحل حتى أنحر» متفق عليه. فأما المعتمر الذي لا يريد التمتع، فإنه يحل، وإن كان في أشهر الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من ذي القعدة، فحل ونحر هديه.
فصل:
والسعي ركن لا يتم الحج إلا به؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، فطاف المسلمون، فكانت سنة، ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بينهما» . رواه مسلم. وعن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -