الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره الاستحقاق؛ لأن فيه كسر قلبه. قال أحمد: ولم يبلغه بها، يعني: لا يعلمه. فإن شك في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين.
[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]
وهم ستة أصناف: الكافر، لا يجوز الدفع إليه لغير التأليف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» ، ولأنها مواساة تجب على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة.
الثاني: المملوك؛ لأن ما يعطاه يكون لسيده، ولأن نفقته على سيده فهو غني بغناه.
الثالث: بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد» وسواء أعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر، ولأن منعهم لشرفهم، وشرفهم باق، فينبغي المنع.
الرابع: مواليهم: وهم معتقوهم، فحكمهم حكمهم، لما روى أبو رافع، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصب منها، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم» وهذا حديث صحيح، ولأنهم ممن يرثهم بني هاشم بالتعصيب، فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم.
وفي بني المطلب روايتان:
إحداهما: تحل لهم؛ لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو هاشم فلا يلحق بهم غيرهم.
والثاني: يحرم عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك أصابعه» أخرجه البخاري [والحديث بتمامه أخرجه الشافعي في مسنده] . ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم.
الخامس: الغني، لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حظ فيها
لغني ولا لقوي مكتسب» ، وقوله:«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» وهذا حديث حسن. وفي ضابطه روايتان: إحداهما: أنه الكفاية على الدوام، إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه. اختارها أبو الخطاب وابن شهاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة:«فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سدادا من عيش» مد إباحة المسألة إلى حصول الكفاية، ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية، وتوجد مع عدمها.
والثانية: أنه الكفاية أو ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجهه، فقيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب» . قال الترمذي: هذا حديث حسن. فعلى هذه الرواية: إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين، نص عليه. ولو ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته؛ جاز الأخذ رواية واحدة، وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية؛ لأن كفايتها واجبة عليه وجوباً متأكداً، فأما من تجب نفقته على نفسه فله الأخذ من الزكاة؛ لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره، فيلزم من وجوبها له وجود الفقر، بخلاف نفقة الزوجة، ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها.
السادس: من تلزمه مؤنته: كزوجته ووالديه وإن علوا، وأولاده وإن سفلوا، الوارث منهم وغيره، ولا يجوز الدفع إليهم؛ لأن في دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه، فكأنه صرفها إلى نفسه، وفيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان:
إحداهما: لا يدفع إليه؛ لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] .
والثانية: يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له، فجاز الدفع إليه، كالأجانب فإن كان محجوباً عن ميراثه، أو من ذوي الأرحام جاز الدفع إليه، وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع زكاته إلى الوارث؛ لأنه لا يرثه، وفي دفع الوارث زكاته إلى موروثه الروايتان. وهل للمرأة، دفع زكاتها إلى زوجها؟ على روايتين:
إحدهما: يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: «زوجك وولدك أحق
من تصدقت به عليهم» رواه البخاري، ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي.
والثانية: لا يجوز؛ لأنها تنتفع بدفعها إليه، لوجوب نفقتها عليه، وتبسطها في ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد.
فصل:
ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع؛ لأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، وقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من وصايا الفقراء والنذور؛ لأنها صدقة تطوع بها، وفي أخذهم من الكفارة وجهان.
وعنه: منعهم من صدقة التطوع، لعموم الخبر. والأول أظهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل معروف صدقة» حديث صحيح. ويجوز اصطناع المعروف إليهم. وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل ابتاعها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني» رواه أبو داود. ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تصدق به على أم عطية نسيبة وقال: إنها قد بلغت محلها» . متفق عليه.
فصل:
وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيراً ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجزئه؛ لأنه دفعها إلى غير مستحقها، فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه.
والثانية: يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالظاهر لقوله للرجلين: «إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني» ، وهذا يدل على أنه يجزئ، ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق، ولهذا قال الله تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] . وإن بان كافراً أو عبداً أو هاشمياً، لم تجزئه رواية واحدة؛ لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم، بخلاف الغني.