الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني: تصح، لأنه ليس بمظنة للنجاسة، ولا يتناوله النهي.
[باب ستر العورة]
وهو الشرط الثالث للصلاة، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو داود. وعورة الرجل ما بين سرته وركبتيه لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة» رواه أبو بكر بإسناده. وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غط فخذك فإن الفخذ من العورة» رواه أحمد رضي الله عنه في المسند، وليست السرة والركبة من العورة، لما ذكرنا.
وعنه: أنها الفرجان، لما روى أنس أن «النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم» . رواه البخاري. وعورة الحر والعبد سواء، لعموم الأحاديث.
فصل:
والمرأة كلها عورة إلا الوجه، وفي الكفين روايتان: لقول الله تعالى:
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]
قال ابن عباس: وجهها وكفيها، ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام، وستر الكفين بالقفازين، ولو كانا عورة، لم يحرم سترهما.
والثانية: أن الكفين عورة لأن المشقة لا تلحق في سترهما فأشبها سائر بدنها، وما عدا هذا عورة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» وعن أم سلمة قالت: «يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال: نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها» رواه أبو داود.
فصل:
وما يظهر غالباً من الأمة، كالرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين، ليس بعورة، لأن عمر رضي الله عنه نهى الأمة عن التقنع والتشبه بالحرائر، قال القاضي في الجامع: وما عدا ذلك عورة، لأنه لا يظهر غالباً، أشبه ما تحت السرة.
وقال ابن حامد: عورتها كعورة الرجل، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة يريد عورة الأمة» ، رواه الدارقطني. ولأنه من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة، كالرجل والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالقن، لأنهما مثلها في البيع وغيره. وأم الولد والمعتق بعضها كذلك، لأن الرق باق فيهما إلا أنه يستحب لهما التستر، لما فيهما من شبه الأحرار.
وعنه: أنها كالحرة لذلك.
وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل، لأن الأصل عدم وجوب الستر، فلا نوجبه بالشك، وإن قلنا: العورة الفرجان، لزمه ستر قبله وذكره، لأن أحدهما واجب الستر، ولا يتيقن ستره إلا بسترهما.
فصل:
وإن انكشف من العورة شيء يسير عفي عنه، لأن اليسير يشق التحرز منه. وإن كثر بطلت الصلاة به، لأن التحرز منه ممكن، وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته، فأعاده بسرعة، لم تبطل صلاته، لأنه يسير فأشبه اليسير في العورة.
فصل:
ويجب ستر العورة بما يستر لون البشرة من الثياب أو الجلود أو غيرها، فإن وصف لون البشرة، لم يعتد به. لأنه ليس بساتر. ويجب أن يجعل على عاتقه شيئاً من اللباس في الصلاة المفروضة، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء» متفق عليه. فإن ترك عليه شيئاً من اللباس أجزأه وإن لم يسترها؛ استدلالاً بمفهوم الحديث. وقال القاضي: ستر المنكبين واجب في الفرض، وقيل: يجزئه وضع خيط، وظاهر الحديث يدل على ما ذكرناه.
فصل:
ويستحب للرجل أن يصلي في قميص ورداء أو إزار وسراويل، لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال عمر: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما» . رواه أبو داود. فإن اقتصر على ثوب واحد أجزأه؛ لأن «النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد» . متفق عليه. والقميص أولى من الرداء، لأنه أعم في الستر، فإن كان واسع الجيب ترى منه عورته، لم يجزئه، لما روى سلمة بن الأكوع قال: قلت: «يا رسول الله إنا نصيد أفنصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم وازرره ولو بشوكة» حديث حسن. فإن كان ذا لحية تسد جيبه فلا ترى عورته جاز. وإن صلى في رداء، وكان واسعاً، التحف به. وإن كان
ضيقاً خالف بين طرفيه على منكبيه، كالقصار، لما روى عمر بن أبي سلمة قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد، قد ألقى طرفيه على عاتقيه» . متفق عليه. وإن لم يجد ما يستر عورته أو منكبيه، ستر عورته، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا كان الثوب واسعاً، فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به» رواه البخاري.
ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وجلباب تلتحف به، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار. وإن صلت في درع وخمار يستر جميع بدنها أجزأ، لما روينا من حديث أم سلمة وقد روي عن أم سلمة وميمونة أنهما كانا يصليان في درع وخمار، ليس عليهما أزار. رواه مالك.
فصل:
فإن عدم السترة، وأمكنه الاستتار بحشيش بربطه عليه، أو ورق، لزمه، لأنه ساتر للبشرة، أشبه الثياب. وإن وجد طيناً لم يلزمه أن يطين عورته، لأنه يلوثه ولا يغيب الخلقة. وإن وجد بارية تؤذي جسمه، ويدخل القصب فيه، لم يلزمه لبسها، لما فيه من الضرر. وإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه، وإن كان كدر، لأنه ليس يستره، ويمنعه التمكن من الصلاة.
فصل:
فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين، لأنهما أغلظ، وإن لم يكف إلا أحدها ستر الدبر في أحد الوجهين لأنه أفحش، وفي الآخر القبل، لأنه به يستقبل القبلة، والدبر يستتر بالأليتين، وأيهما ستر أجزأه.
فصل:
فإن عدم بكل حال صلى عرياناً جالساً يومئ بالسجود، لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة ، وهو آكد لما ذكرناه، وعنه يصلي قائماً ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط. يصلي العراة جماعة صفاً واحداً لئلا يرى
بعضهم عورات بعض، ويقوم إمامهم في وسطهم ليكون أستر له، فإن لم يسعهم صف واحد صلوا صفين وغضوا أبصارهم، فإن كان فيهم نساء صلى كل نوع لأنفسهم، فإن ضاق المكان صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال.
فصل:
وإن وجد السترة بعد الصلاة لم يعد لأنه شرط للصلاة عجز عنه، أشبه القبلة، وإن وجدها في أثناء الصلاة قريبة، ستر وبنى، لأنه عمل قليل، وإن كانت بعيدة بطلت صلاته لأنه يفتقر إلى عمل كثير. وإن عتقت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فكذلك، فإن لم تعلم حتى صلت أعادت، كما لو بدت عورتها ولم تعلم بها.
فصل:
إذا كان معهم ثوب لأحدهم لزمته الصلاة فيه، فإن آثر غيره وصلى عرياناً لم تصح لأنه قادر على السترة، فإذا صلى استحب أن يعيره لرفقته، فإن لم يفعل لم يغصب لأن صلاتهم تصح بدونه. وإن أعاره لواحد لزمه قبوله وصار بمنزلته لأن المنة لا تلحق به، ولو وهبه له لم يلزمه قبوله، لأن فيه منة، فإن أعاره لجميعهم صلى فيه واحد بعد واحد إلا أن يخاف ضيق الوقت، فيصلي فيه واحد والباقون عراة. ويستحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم حتى يؤمهم، ويقوم بين أيديهم فإن أعاره لغيره، جاز.
قال القاضي: ويصلي وحده، لأنه قادر على شرط الصلاة، فلم يجز أن يأتم بالعاجز عنه، كالمعافى يأتم بمن به سلس البول.
فصل:
ويحرم لبس الثوب المغصوب، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، فإن لم يجد غيره، صلى وتركه، ويحرم على الرجال استعمال ثياب الحرير، في لبسها وافتراشها، وكذلك المنسوج بالذهب، والمموه به، لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وإن صلى في ذلك، ففيه روايتان. مضى توجيههما في المواضع المنهي عنها.
وإن صلى في عمامة محرمة، أو خاتم ذهب، صحت صلاته، لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة.
ولا بأس في صلاة المرأة في الحرير والذهب، لحله لها. ولا بأس بلبس الرجل الخز، لأن الصحابة رضي الله عنهم لبسوه. ومن لم يجد إلا ثوب حرير، صلى فيه، ولا يعيد، لأنه مباح له في تلك الحال، ويباح علم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين، أو ثلاث أو أربع» . حديث صحيح.
وقال أبو بكر: يباح وإن كان مذهباً، وكذلك الرقاع، ولبنة الجيب، وسجف الفراء، وما نسج من الحرير وغيره، جاز لبسه إذا قل الحرير عن النصف، لما روي عن ابن عباس أنه قال:«إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت، أما العلم وسدى الثوب، فليس به بأس» . رواه أبو داود. وإن زاد على النصف حرم لأن الحكم للأغلب، وإن استويا ففيه وجهان:
أحدهما: إباحته للخبر.
والثاني: تحريمه، لعموم خبر التحريم.
ويباح لبس الحرير للقمل والحكة، لأن أنساً روى أن «عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرخص لهما في قميص الحرير» . متفق عليه.
وعنه: لا يباح، لعموم التحريم، واحتمال اختصاصهم بذلك. وهل يباح لبسه في الحرب، فيه روايتان:
إحداهما: لا يجوز لعموم الخبر.
والثانية: يجوز، لأن المنع منه للخيلاء، وهي غير مذمومة في الحرب، وكان لعروة يلمق من ديباج، بطانته من سندس، يلبسه في الحرب.
وليس لولي الصبي أن يلبسه الحرير، لأنه ذكر فيدخل في عموم الخبر.
وعنه: يباح، لأن الصبي غير مكلف، فأشبه ما لو ألبسه الدابة.
فصل:
ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر. لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن يتزعفر الرجل» . متفق عليه. وعن علي رضي الله عنه قال: «نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر» . رواه مسلم. ولا بأس بذلك للنساء. فأما ما عليه صور الحيوان فقال أبو الخطاب: يحرم لبسه، لأن أبا طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا صورة» . وقال ابن عقيل: يكره وليس بمحرم، لأن في سياق الحديث:«إلا رقم في ثوب» متفق عليه.
فصل:
ويكره اشتمال الصماء، لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «نهى عن اشتمال