الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منعك أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء عندي، قال: عليك بالصعيد فإنك يكفيك» متفق عليه.
ويجوز التيمم للنجاسة على البدن، لأنها طهارة مشترطة للصلاة، فناب فيها التيمم، كطهارة الحدث.
واختار أبو الخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء.
وقيل في وجوب الإعادة روايتان:
إحداهما: لا يجب، لقوله عليه السلام:«التراب كافيك ما لم تجد الماء» وقياسا على التيمم الحدث.
والأخرى: تجب الإعادة، لأنه صلى بالنجاسة، فلزمته الإعادة، كما لو تيمم.
ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن، لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء.
[فصل في شرائط التيمم]
فصل:
ولجواز التيمم ثلاث شروط:
أحدها: العجز عن استعمال الماء، وهو نوعان:
أحدهما: عدم الماء، لقول الله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإن وجدت الماء فأمسه جلدك» رواه أبو داود.
النوع الثاني: الخوف على نفسه باستعمال الماء، لمرض أو قرح يخاف باستعمال الماء تلفا أو زيادة مرض أو تباطؤ البرء أو شيئا فاحشا في جسمه، لقول الله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43]، وقَوْله تَعَالَى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش، أو شرب رفيقه أو بهائمه، أو بينه وبينه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله، أو خاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء، فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله، فهو كالمريض. وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى، لما روى عمرو بن العاص قال:«احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت وصليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، ثم قلت سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا» . رواه أبو داود.
ولأنه خائف على نفس، أشبه المريض، ولا إعادة عليه إن كان مسافرا، لما ذكرنا.
وإن كان حاضرا ففيه روايتان:
إحداهما: لا يلزمه الإعادة لذلك.
والثانية: يلزمه، لأنه ليس بمريض، ولا مسافر، فلا يدخل في عموم الآية، ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء، فالعجز عنه عذر غير متصل.
وإن قدر على إسخان الماء، لزمه كما يلزمه شراء الماء، ومن كان واجدا للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله، أو استسقائه لم يبح له التيمم، لأن الله تعالى قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وهذا واجد.
وإن خاف فوات الجنازة فليس له التيمم لذلك.
وعنه: يجوز، لأنه لا يمكن استدراكها.
فصل:
والثاني: طلب الماء شرط في الرواية المشهورة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، ولا يقال: لم يجد إلا لمن طلب، ولأنه بدل، فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل، كالصيام في الظهار.
وعنه: ليس بشرط، لأنه ليس بواجب قبل الطلب، فيدخل في الآية.
وصفة الطلب أن ينظر يمينه، وشماله، وأمامه، ووراءه، وإن كان قريبا من حائل، من ربوة، أو حائط، علاه فنظر حوله. وإن رأى خضرة أو نحوها استبرأها.
وإن كان معه رفيق، سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله. لأن المنة لا تكثر في قبوله.
وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة بماله، وهو واجد للثمن، غير محتاج إليه، لزمه شراؤه، كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة.
فإن لم يبذله له صاحبه، لم يكن له أخذه قهرا، وإن استغنى عنه صاحبه، لأن له بدلا، وإن علم بماء قريب، لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو فوت الوقت أو الرفقة وإن تيمم ثم رأى ركبا، أو خضرة، أو شيئا يدل على الماء، أو سرابا ظنه ماء قبل الصلاة، لزمه الطلب؛ لأنه وجد دليل الماء، وبطل تيممه، لأنه وجب عليه الطلب، فبطل تيممه، كما لو رأى ماء. وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة، لم تبطل؛ لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة، فلا يبطلها بالشك.
فصل:
الثالث: دخول الوقت شرط، لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم، فلم يصح تيممه، كما لو تيمم وهو واجد للماء، وإن كان التيمم لنافلة، لم يجز في وقت النهي عن فعلها، لأنه قبل وقتها، وإن تيمم لفائتة أو نافلة قبل وقت الصلاة، ثم دخل الوقت بطل تيممه، وإن تيمم لمكتوبة في وقتها، فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها، ويقضي فوائت، ويجمع بين الصلاتين، لأنها طهارة أباحت فرضا، فأباحت سائر ما ذكرناه، كالوضوء.
ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب، لأنها طهارة عذر وضرورة، فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة.
وعنه: يصلي بالتيمم حتى يحدث، قياسا على طهارة الماء.
فصل:
والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء، لقول علي رضي الله عنه في الجنب: يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت، ولأن الطهارة بالماء فريضة. وأول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى. وإن يئس من الماء، استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو.
ومتى تيمم وصلى صحت صلاته، ولا إعادة عليه، وإن وجد الماء في الوقت، لما روى عطاء بن يسار، قال:«خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: " أجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد: " لك الأجر مرتين» رواه أبو داود. وقال: قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه مرسل، ولأنه أدى فريضة بطهارة، فأشبه ما لو أداها بطهارة الماء.
فإن علم أن في رحله ماء نسيه، فعليه الإعادة، لأنها طهارة واجبة، فلم تسقط بالنسيان، كما لو نسي عضوا لم يغسله، وإن ضل عن رحله، أو ضل عنه غلامه الذي معه الماء، فلا إعادة عليه، لأنه غير مفرط، وإن وجد بقربه بئرا أو غديرا علامته ظاهرة، أعاد لأنه مفرط في الطلب، وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه.
فصل:
وإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله، وتيمم للباقي إن كان جنبا، لقول الله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وهذا واجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» رواه البخاري. وقال: «إذا وجدت الماء فأمسه جلدك» ولأنه مسح أبيح للضرورة، فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة.
وإن كان محدثا ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه استعماله لذلك.
والآخر: لا يلزمه، لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي، فبطلت طهارته، بخلاف غسل الجنابة.
وإن كان بعض بدنه صحيحا، وبعضه جريحا، غسل الصحيح، وتيمم للجريح جنبا كان أو محدثا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أصابته الشجة:«إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود، لأن العجز ههنا ببعض البدن، وفي الإعواز العجز ببعض الأصل، فاختلفا، كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة، فله العدول إلى الصوم، ولو كان بعضه حرا فملك بنصفه الحر مالا، لزمه التكفير بالمال، ولم تكن كالتي قبلها.