الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإذن ولم يؤذن له في ذلك، ويحتمل الجواز؛ لأن قيس بن أبي حازم روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها، فقال المصدق: إني ارتجعتها بإبل فسكت» . رواه سعيد بن منصور. ومعنى الارتجاع أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها.
[باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم]
وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] .
فلا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت؛ لأن الله تعالى خصهم بها بقوله: إنما وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه. ولا يجب تعميمهم بها.
وعنه: يجب تعميمهم والتسوية بينهم. وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعداً؛ لأنه أقل الجمع، إلا العامل، فإن ما يأخذه أجرة فجاز أن يكون واحداً، وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل. وهذا اختيار أبي بكر؛ لأن الله تعالى جعلها لهم بلام التمليك، وشرك بينهم بواو التشريك، فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس، والأول: المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «قال لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» أمر بردها في صنف واحد. «وقال لقبيصة لما سأله في حمالة: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» وهو صنف واحد. وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد، فتبين بهذا أن مراد الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم؛ ولذلك لا يجب تعميم كل صنف، ولا التعميم بصدقة واحد إذا أخذها الساعي، بخلاف الخمس.
فصل:
إذا تولى الإمام القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته؛ لأنه يأخذ عوضاً فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة. وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه، وله أن يبعثه من غير شرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعياً ولم يجعل له أجرة فلما جاء أعطاه، فإن عين له أجرة دفعها إليه، وإلا دفع إليه أجرة مثله. ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب
والعداد والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال ونحو ذلك؛ لأنه من مؤنتها فقدم على غيره.
فصل:
والفقراء والمساكين صنفان، وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه، والفقراء أشد حاجة؛ لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله تعالى قال:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] . فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال:«اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين» رواه الترمذي. فدل على أن الفقراء أشد، فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته من مكسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهما ما تتم به كفايته. وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين؛ لأن الأصل عدم المال، وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاث من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش» رواه مسلم. وإن رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين، لما روى عبيد الله بن عدي بن الخيار:«أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئاً، فصعد بصره فيهما وصوبه، وقال لهما: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» رواه أبو داود.
وإن ادعى أن له عيالاً: فقال القاضي وأبو الخطاب: يقلد في ذلك كما قلد في حاجة نفسه.
وقال ابن عقيل: لا يقبل إلا ببينة؛ لأن الأصل عدم العيال، فلا تتعذر إقامة البينة عليهم، وإن كان لرجل دار يسكنها، أو دابة يحتاج إلى ركوبها، أو خادم يحتاج إلى خدمته، أو بضاعة يتجر بها، أو ضيعة يستغلها، أو سائمة يقتنيها، ولا يقوم بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزمه بيع شيء من ذلك قل أو كثر.
فصل:
الصنف الرابع: المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم، وهم ضربان: كفار ومسلمون، فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام.
والمسلمون أربعة أضرب:
منهم من له شرف، يرجى بإعطائه إسلام نظيره، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة، وأعطى الزبرقان بن بدر، مع ثباتهما وحسن نياتهما.
الثاني: ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام، فيعطون لتقوى نيتهم فيه، فإن أنساً قال «حين أفاء الله على رسوله أموال هوزان طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل وقال: إني أعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتالفهم» متفق عليه.
الثالث: قوم إذا أعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين.
الرابع: قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة، ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة. وقد سمى الله تعالى لهم سهماً.
وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع؛ لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئاً. والمذهب الأول. فإن سهمهم ثبت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان عطيتهم، وإنما كان لغناهم عنهم. والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم، فإن استغني عنهم فلا شيء لهم.
فصل:
الخامس: الرقاب. وهم المكاتبون، يعطون ما يؤدونه في كتابتهم، ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها، فإن صدقه المولى ففيه وجهان:
أحدهما: يقبل؛ لأن السيد يقر على نفسه.
والثاني: لا يقبل؛ لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه. وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه؛ لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي، ويجوز أن يردها المكاتب إليه؛ لأنه يأخذها وفاء عن دينه، فأشبه الغريم. ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته، ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ كتابته. وهل يجوز الإعتاق من الزكاة فيه روايتان:
إحداهما: يجوز؛ لأنه من الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها، وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها، ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه، فإن فعل عتق عليه ولم تسقط الزكاة؛ لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة، ويجوز أن يفتك منها أسيراً مسلماً؛ لأنه فك رقبته من الأسر.
والرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقضي الدفع إلى الرقاب، لقوله:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] ، يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه.
فصل:
السادس: الغارمون، وهم ضربان: ضرب غرم لإصلاح ذات البين، وهو من يحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة، وإصلاح بين طائفتين، فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته، وإن كان غنياً، لما روى قبيصة بن مخارق قال:«تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. ثم قال: يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاث، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك» رواه مسلم، ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين، فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي.
الضرب الثاني: من غرم لمصلحة نفسه في مباح، فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه، ولا يعطي مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير. وإن غرم في معصية، لم يدفع إليه قبل التوبة؛ لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية، وفي إعطائه بعد التوبة وجهان:
أحدهما: يعطى؛ لأنه يأخذ لتفريغ ذمته، لا لمعصية فجاز، كإعطائه لفقره.
والثاني: لا يعطى؛ لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية، ولا يقبل قوله: إنه غارم إلا ببينة فإن صدقه الغريم فعلى وجهين. ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب.
فصل:
السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان إذا نشطوا غزوا، ويعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم، من نفقة طريقهم وإقامتهم، وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرساناً، وما يعطون السايس وحمولتهم إن كانوا رجالاً مع الغنى؛ لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين. ولا يعطى الراتب في الديوان؛ لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء. وفي الحج روايتان:
إحداهما: هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج به حجة الإسلام، أو يعينه فيها مع الفقر، لما روي «أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اركبيها فإن الحج في سبيل الله» رواه أبو داود.
والثانية: لا يجوز ذلك؛ لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو، ولأنه لا مصلحة للمسلمين في حج الفقير، ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه، فلم يدفع إليه كحج النفل.
فصل:
الثامن: ابن السبيل. وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في بلده، فيعطى من الصدقة ما يبلغه، فأما المنشئ للسفر من بلده فليس بابن سبيل؛ لأن السبيل الطريق، وابنها الملازم لها الكائن فيها، والقاطن في بلده ليس بمسافر، ولا له حكم المسافر. فإن كان هذا فقيراً أعطي لفقره، وإلا فلا. ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه بعد التوبة ما يرجع به؟ على وجهين، كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية.
فصل:
ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما يدفع به حاجته، فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما، ولا العامل على أجرته، ولا المؤلفة على ما يحصل به التأليف، ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما، ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه، ولا ابن السبيل على ما يوصله بلده؛ لأن الدفع لحاجة، فوجب أن يتقيد بها، وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما؛ لأن كل واحد منهما سبب للأخذ، فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد.
فصل:
وأربعة يأخذون أخذاً مستقراً لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة، وأربعة يأخذون أخذاً مراعى، الرقاب والغارمون والغزاة وابن السبيل، إن صرفوه فيما أخذوا له، وإلا استرجع منهم. وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء غرمه، أو مع الغازي بعد غزوه، أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع منهم وإن استغنوا عن الجميع ردوه، وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن الدفع إليهم لمعنى لم يوجد.
وقال الخرقي: إذا عجز المكاتب ورد في الرق، وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده. وأربعة يأخذون مع الغنى؛ الغازي والعامل والغرم للإصلاح والمؤلفة؛ لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم. والحاجة توجد مع الغنى، وسائرهم لا يعطون إلا مع الفقر؛ لأنهم يأخذون لحاجتهم، فاعتبر ذلك فيهم، إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه، وإن كان له مال في بلده؛ لأنه غير مقدور عليه، فهو كالمعدوم. ولا يستحب إعلام