الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكره أن يؤم قومًا أكثرهم له كارهون؛ لما روى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون» وهذا الحديث حسن.
فإن كانوا يكرهونه لسنته أو دينه فلا يكره، قال منصور: قيل لنا: إنما عنى بهذا أئمة الظلم، فأما من أقام بالسنة، فإنما الإثم على من كرهه.
ويكره أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن، ويكره أن يتقدم المفضول من هو أولى منه؛ لأنه جاء في الحديث:«إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» احتج به أحمد رضي الله عنه.
[باب موقف الإمام والمأموم في الصلاة]
باب موقف الصلاة إذا كان المأموم واحدًا، وقف عن يمين الإمام، فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه، فإن جاء آخر كبر وتأخر فصفا خلفه، ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقًا، فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه؛ لما «روى جابر قال: سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فقام يصلي فتوضأت، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي، فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعًا حتى أقامنا خلفه» من المسند. وإن صليا عن يمينه، أو أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره جاز؛ لما روي:«أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل» رواه أبو داود. ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء.
فإن كان معهم امرأة قامت خلفهم؛ لما «روى أنس قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا، فصلى بنا ركعتين» متفق عليه. فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء، تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء؛ لما «روى أبو مالك الأشعري أنه قال: ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أقام الصلاة، فصف الرجال، ثم صف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، ثم قال: هكذا قال عبد الأعلى، لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي» رواه أبو داود.
فإن لم يكن مع الرجال إلا امرأة، وقفت خلفه، فإن كان معه صبي وقف عن يمينه، لما «روى ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت فوقفت عن يساره، فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه» متفق عليه.
فإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما، كما في حديث ابن مسعود،
وجعل الرجل عن يمينه، أو جعلهما عن يمينه، وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس.
فصل:
فإن وقف المأموم قدام الإمام لم تصح صلاتهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» .
وإن وقف الواحد خلف الصف، أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابرا لما وقفا عن يساره، «وروى وابصة بن معبد: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد» رواه أبو داود. «وعن علي بن شيبان قال: صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فانصرف ورجل فرد خلف الصف، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استقبل صلاتك، فلا صلاة لفرد خلف الصف» رواه الأثرم. قال أحمد رضي الله عنه فيه وفي حديث وابصة: هذا حديث حسن.
ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته، كما لو وقف قدام الإمام، فإن صلى ركعة واحدة لم تصح صلاته، وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته؛ لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة، وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: يصح؛ لأنه لم يصل ركعة واحدة، أشبه ما لو أدرك الركوع.
والثانية: لا يصح؛ لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة، أشبه من صلى ركعة.
والثالثة: إن كان جاهلًا لم يعد، وإن كان عالمًا أعاد؛ لما روى البخاري «أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصًا ولا تعد» فلم يأمره بالإعادة لجهله، ونهاه عن العود، والنهي يقضي الفساد، فإن ذلك لغير عذر، ولا خشي الفوات، فحكمه حكم من خاف الفوات؛ لأن الموقف لا يختلف لخيفة الفوات وعدمه، ويحتمل أن لا يصح؛ لأن الرخصة وردت في حق المعذور، فلا يلحق به غيره.
فصل:
ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة، فحكمه حكم
الفذ؛ لأنهم من غير أهل الوقوف معه، وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفًا: لأنهم من أهل الوقوف معه، وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفًا لحديث أنس، وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفًا؛ لأنه كالمتنفل، واحتمل أن لا يصح؛ لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة.
وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ، وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته؛ لأنه لو كان إمامًا له صحت صلاته.
وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره، ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها، وقال أبو بكر: تبطل صلاة من يليها؛ لأنه خالف الموقف، والأول أولى؛ لأنها هي التي خالفت بوقوفها مع الرجال، فلم تبطل صلاتها، فصلاته أولى.
فإن وقف اثنان خلف الصف، فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف، أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه، فإن لم يمكنه نوى مفارقته، وأتم منفردًا؛ لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث.
فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها، فإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام، فإن لم يمكنه نبه رجلًا يتأخر معه، فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده، أو ينتظر جماعة أخرى.
فصل:
السنة للمرأة إذا أمت نساء، أن تقوم وسطهن؛ لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وإن كانت معهما امرأة وقفت عن يمينها، وإن وقفت خلفها جاز؛ لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها؛ بدليل حديث أنس.
فصل:
والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل» رواه أبو داود. وأن يتموا الصف الأول؛ لما روى أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتموا الصف الأول، فما كان من نقص، فليكن في الصف الآخر» رواه أبو داود.
وخير صفوف الرجال أولها، وخير صفوف النساء آخرها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» رواه مسلم. قال أحمد: ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن، ويؤخر الصبيان والغلمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» رواه مسلم.
فصل:
والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين، لما «روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ بيده، واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم وقال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي» رواه أبو داود. فإن فعل فقال ابن حامد: تبطل صلاته لارتكابه النهي، وقال القاضي: لا تبطل؛ لأن عمارًا بنى على صلاته، وعن أحمد رضي الله عنه: لا بأس بهذا؛ لما «روى سهل قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر، فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم ركع ثم رفع، فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم قال: أيها الناس، إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» متفق عليه. ولا بأس بالعلو اليسير؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه، بخلاف الكثير، ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك، ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره، إذا اتصلت الصفوف.
فصل:
يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد، وإن تباعد؛ لأن المسجد كله موضع للجماعة، فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة، وسماع التكبير لم يصح الائتمام به، لتعذر اتباعه، وإن منع المشاهدة دون السماع؛ ففيه وجهان:
أصحها صحة الصلاة؛ لأن أحمد قال في المنبر: إذا قطع الصف لم يضر، ولأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير، فأشبه المشاهد.
والثاني: لا يصح؛ لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب، والحجاب موجود هاهنا، فإن كان المأموم في غير المسجد، وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه لم تصح الصلاة؛ لحديث عائشة، وقال ابن حامد: يمنع في الفرض، وفي النافلة روايتان.
وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة، وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس، ويشترط اتصال الصفوف، وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله، واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن، ولا طريق، والصحيح أن هذا لا يمنع؛ لأنه لا يمنع المتابعة، إلا أن يكون عريضًا يمنع الاتصال.
فصل:
ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها؛ لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها» رواه الأثرم. «قال سهل: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة» رواه البخاري ومسلم.
وقدر السترة مثل آخرة الرحل، وقد قدر الذراع أو عظم الذراع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبال ما مر وراء ذلك» رواه مسلم.
ويجوز أن يستتر بعصًا أو حيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة، فيصلي إليها، ويعرض البعير فيصلي إليه، وقال نافع: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلًا إلى سارية، قال: ولني ظهرك، فإن لم يجد سترة خط خطًا؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصب عصًا، فإن لم يكن معه عصًا فليخط خطًا، ثم لا يضره ما مر أمامه» رواه أبو داود. قال أحمد رضي الله عنه: الخط عرضًا مثل الهلال، وقد قالوا طولًا، وقالوا عرضًا.
قال الشيخ: وأنا أختار هذا، فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط، عرضها بين يديه؛ لأنها تقوم مقام الخط، ولا يصمد للسترة، لكن ينحرف عنها يسيرًا؛ «لقول المقداد: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن، ولا يصمد له صمدًا» رواه أبو داود.
وسترة الإمام سترة لمن خلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة، ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء.