الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن جعل في كل ركعة أربع ركوعات جاز أيضاً؛ لأنه يروى عن علي وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمختار الأول؛ لأنه أصح وأشهر.
فصل:
ووقتها من حين الكسوف إلى حين التجلي، فإن فاتت لم تقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم «صلوا حتى يكشف الله ما بكم» وإن تجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها، وإن سلم قبل انجلائها لم يصل أخرى واشتغل بالذكر والدعاء، وإن استترت بغيم صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف، وإن غابت كاسفة فهو كانجلائها؛ لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها. وإن طلعت الشمس والقمر خاسف فكذلك لما ذكرنا، وإن غاب ليلاً وهو كاسف لم يصل كالشمس إذا غابت. وقال القاضي: يصلي لأن وقت سلطانه باق.
فصل:
قال القاضي: لم يذكر لها أحمد خطبة، ولا رأيته لأحد من أصحابنا، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة دون الخطبة.
فصل:
إذا اجتمع الكسوف والجنازة بدئ بالجنازة؛ لأنه يخاف عليها وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بدئ بها؛ لأنها آكد. وإن كان في أول وقتها بدئ بصلاة الكسوف؛ لأنه يخشى فواتها. وإن اجتمع هو والوتر وخيف فواتهما بدئ بالكسوف لأنه آكد.
فصل:
ولا يصلى لغير الكسوف من الآيات؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من خلفائه. إلا أن أحمد رضي الله عنه قال: يصلي للزلزلة الدائمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع لصلاة.
[باب صلاة الاستسقاء]
وهي سنة عند الحاجة إليها. لما روى عبد الله بن زيد قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم -
يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» . متفق عليه. وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد. وهل يكبر فيهما تكبير العيدين؟
على روايتين:
إحداهما: لا يكبر لأن عبد الله بن زيد لم يذكره.
والثاني: يكبر؛ لأن ابن عباس روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين» ، حديث صحيح. وعن جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعاً، وخمساً» . رواه الشافعي في " مسنده ". ولا وقت لها معين، إلا أن الأولى فعلها في وقت صلاة العيد، لشبهها بها. وذكر ابن عبد البر أن الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء.
فصل:
وفي إذن الإمام روايتان، بناء على صلاة العيد:
إحداهما: هو شرط لها. قال أبو بكر: فإن خرجوا بغير إذن الإمام صلوا ودعوا بغير خطبة.
والثانية: يصلون ويخطب بهم أحدهم، والأولى للإمام إذا أراد الاستسقاء أن يعظ الناس، ويأمرهم بتقوى الله، والخروج عن المظالم، والتوبة من المعاصي وتحليل بعضهم بعضاً، والصيام والصدقة، وترك التشاحن؛ لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب البركات، قال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] . ويعد الناس يوماً يخرجون فيه، ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس:«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاً، متواضعاً متخشعاً، متضرعاً حتى أتى المصلى، فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد» . هذا حديث صحيح. ويسن التنظيف وإزالة الرائحة لئلا يؤذي الناس بها، ولا يلبس زينة ولا يتطيب؛ لأن هذا يوم استكانة وخضوع.
فصل:
ويخرج الشيوخ والصبيان، ومن له ذكر جميل ودين وصلاح؛ لأنه أسرع للإجابة.
ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه؛ لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي، وروي أن معاوية أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم، فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في الغرب، كأنها ترس، وهب لها ريح، فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. ولا يستحب إخراج البهائم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها، ولا إخراج الكفار؛ لأنهم أعداء الله فلا يتوسل بهم. فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم، ويفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم.
فصل:
واختلفت الرواية في الخطبة فروي: أنه لا يخطب وإنما يدعو، لقول ابن عباس:«لم يخطب خطبتكم هذه» ، وروي أنه يخطب قبل الصلاة، لقول عبد الله بن زيد:«فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه ثم صلى» .
وعنه: أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها؛ لأن الجميع مروي.
وعنه: يخطب بعد الصلاة؛ لأن أبا هريرة قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا» . وهذا صريح. ولأنها مشبهة بصلاة العيد، وخطبتها بعد الصلاة. فإذا صعد المنبر جلس، ثم قام فخطب خطبة واحدة، يفتتحها بالتكبير لأنه لم ينقل أحد من الرواة خطبتين، ويكثر فيها الاستغفار، وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11]، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] . ويكثر الدعاء والتضرع ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى ابن قتيبة بإسناده عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء، فتقدم فصلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه ورفع يديه، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعاً، وجداً طبقاً، غدقاً مغدقاً، مونقاً، هنيئاً مريئاً مريعاً، مربعاً، مرتعاً، سابلاً، مسبلاً مجللاً، دائماً، دروراً، نافعاً، غير ضار عاجلاً غير رائث، اللهم تحيي به البلاد وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد، اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها، اللهم أنزل علينا من
السماء ماء طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، واسقه مما خلقت لنا أنعاماً وأناسي كثيراً» . فالحيا الذي يحيى به الأرض.
والجدا: المطر العام.
والطبق: الذي يطبق الأرض.
والغدق: الكثير.
والمونق: المعجب.
والمريع: ذو المراعة والخصب.
والمربع: المقيم، من قولك: ربعت بالمكان إذا أقمت فيه.
والمرتع: من قولك: رتعت الإبل إذا رعت.
والسابل: المطر.
والمسبل: الماطر.
والسكن: القوة لأن الأرض تسكن به.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: «اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، غدقاً، مجللاً، طبقاً، عاماً، سحاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً» . ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة، ويحول رداءه، يجعل اليمين يساراً واليسار يميناً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلاً أن يحول الله تعالى الجدب خصباً، ولا يجعل أعلاه أسفله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ويدعو الله في استقباله فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا. لأن عبد الله بن زيد روى:«أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، فاستقبل القبلة ودعا، وحول رداءه وجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» .
ويرفع يديه؛ لأن أنساً قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه» . متفق عليه. فإن سقوا قبل الصلاة
صلوا وشكروا الله تعالى، وسألوه المزيد من فضله، وإن صلوا ولم يسقوا عادوا في اليوم الثاني والثالث لأن الله يحب الملحين في الدعاء.
فصل:
والاستسقاء على ثلاثة أضرب:
أحدها: مثل ما وصفنا.
والثاني: أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر كما روى أنس: «أن رجلاً دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله قائماً ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وتقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» ، وذكر الحديث، متفق عليه.
الثالث: أن يدعو عقيب الصلوات، ويستحب أن يقف في أول المطر، ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس في حديثه «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر من لحيته» . [رواه البخاري] .
فصل:
فإن كثر المطر بحيث يضرهم، أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها، استحب أن يدعو الله تعالى حتى يخففه؛ لأن في حديث أنس قال:«فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، وقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم على ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت عن المدينة انجياب الثوب» . متفق عليه. وفي حديث آخر: «اللهم حوالينا ولا علينا ويقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] » .