المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب جزاء الصيد] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[باب حكم الماء الطاهر]

- ‌[باب الماء النجس]

- ‌[باب الشك في الماء]

- ‌[فصل في اشتباه الماء النجس بالطاهر]

- ‌[أقسام الحيوان]

- ‌[فصل في أقسام الحيوان الطاهر]

- ‌[باب الآنية]

- ‌[التطهر من آنية الذهب والفضة]

- ‌[فصل في استعمال آنية أهل الكتاب]

- ‌[فصل في حكم ثياب الكفار]

- ‌[فصل في حكم طهارة الميتة]

- ‌[باب السواك وغيره]

- ‌[باب فرائض الوضوء وسننه]

- ‌[باب المسح على الخفين]

- ‌[فصل في مدة المسح على الخفين]

- ‌[فصل في نواقض المسح على الخفين]

- ‌[فصل في المسح على العمامة]

- ‌[فصل في المسح على الجبيرة]

- ‌[باب نواقض الطهارة الصغرى]

- ‌[باب آداب التخلي]

- ‌[باب ما يوجب الغسل]

- ‌[فصل فيما يحرم على الجنب]

- ‌[باب صفة الغسل من الجنابة]

- ‌[باب التيمم]

- ‌[فصل في فرائض التيمم]

- ‌[فصل فيما يباح بالتيمم]

- ‌[فصل في شرائط التيمم]

- ‌[فصل في مبطلات التيمم]

- ‌[فصل فيما يجوز التيمم به]

- ‌[فصل في حكم فاقد الطهورين]

- ‌[باب الحيض]

- ‌[باب النفاس]

- ‌[باب أحكام النجاسات]

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[باب أوقات الصلوات]

- ‌[باب الأذان]

- ‌[باب شرائط الصلاة]

- ‌[باب ستر العورة]

- ‌[باب استقبال القبلة]

- ‌[باب اشتراط دخول الوقت لصحة الصلاة]

- ‌[باب النية في الصلاة]

- ‌[باب صفة الصلاة]

- ‌[باب صلاة التطوع]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[باب ما يكره في الصلاة]

- ‌[باب صلاة الجماعة]

- ‌[باب صفة الأئمة]

- ‌[باب موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[فصل في حكم المرور بين يدي المصلي]

- ‌[باب قصر الصلاة]

- ‌[باب الجمع بين الصلاتين]

- ‌[باب صلاة المريض]

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[باب صلاة الكسوف]

- ‌[باب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[باب غسل الميت]

- ‌[باب الكفن]

- ‌[باب الصلاة على الميت]

- ‌[باب حمل الجنازة والدفن]

- ‌[باب التعزية والبكاء على الميت]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[باب زكاة الإبل]

- ‌[باب صدقة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[باب حكم الخلطة]

- ‌[باب زكاة الزرع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب]

- ‌[باب زكاة المعدن]

- ‌[باب حكم الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب صدقة الفطر]

- ‌[باب إخراج الزكاة والنية فيه]

- ‌[باب قسم الصدقات]

- ‌[باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم]

- ‌[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]

- ‌[باب صدقة التطوع]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[باب النية في الصوم]

- ‌[باب ما يفسد الصوم وما يوجب الكفارة]

- ‌[باب قضاء رمضان]

- ‌[باب ما يستحب وما يكره للصائم]

- ‌[باب صوم التطوع]

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج]

- ‌[باب مواقيت الحج]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌[باب محظورات الإحرام]

- ‌[باب الفدية في الحج]

- ‌[باب جزاء الصيد]

- ‌[باب دخول مكة وصفة العمرة]

- ‌[باب صفة الحج]

- ‌[باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي]

- ‌[باب الأضحية]

- ‌[باب العقيقة]

- ‌[باب الذبائح]

- ‌[باب الصيد]

- ‌[باب ما يحل وما يحرم من الحيوان]

الفصل: ‌[باب جزاء الصيد]

إحداهما: أن الواجب هدي واحد عليه دونها؛ لأنها معذورة؛ لم يلزمها كفارة، كالمكرهة على الوطء في الصيام.

والثانية: يجب هديان؛ لأنه إفساد حج اثنين، فعلى هذا يحتمل الرجل عنها؛ لأن الإفساد وجد منه، فكان موجبه عليه، كما تجب عليه نفقة قضائها، ويحتمل أن تكون عليها؛ لأنها وجبت لفساد حجها، وإن وطئ في العمرة، أو وطئ في الحج بعد التحلل الأول، فعليه شاة؛ لأنه فعل محظور لم يفسد حجاً، فلم يوجب بدنة، كالقبلة.

ومتى وطئ المحرم دون الفرج، أو قبل أو لمس لشهوة، فلم ينزل، فعليه شاة لأنه فعل محرم بالإحرام؛ لم يفسد الحج، فوجبت به الشاة كالحلق، وإن أنزل فعليه بدنة؛ لأنه استمتاع، بالمباشرة أوجب الغسل، فأوجب البدنة كالوطء في الفرج، وإن نظر فلم ينزل، فلا شيء عليه. وإن نظر فصرف بصره فأنزل، فعليه شاة، وإن كرر النظر حتى أنزل ففيه روايتان:

إحداهما: شاة، يروى ذلك عن ابن عباس، ولأنه ليس بمباشرة، فلم يوجب البدنة، كما لو صرف بصره.

والثانية: فيه بدنة، اختارها الخرقي لأنه إنزال باستمتاع، فأوجب البدنة كالمباشرة، وإن فكر فأنزل، فلا شيء عليه؛ لما ذكرنا في الصوم، وإن أمذى في هذه المواضع، فهو كمن لم ينزل؛ لأنه خارج؛ لا يوجب الغسل أشبه البول.

فصل:

ومن لزمته بدنة، أجزأته بقرة؛ لأن جابراً قال: وهل هي إلا من البدن، ولأنها تقوم في الأضاحي والهدايا مقامها، فكذا هاهنا، ويجزئه سبع من الغنم لذلك، وإن لم يجد هدياً، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، ولأن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو، قالوا للواطئين: اهديا هدياً، فإن لم تجدا فصوما، ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم، وهم الأصل في ثبوت حكم الوطء، وإليهم المرجع فيه، فكذا في بدله، وقال أصحابنا: تقوم البدنة فيشتري بقيمتها طعاماً يتصدق به، فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً قياساً على البدنة الواجبة في فدية النعامة.

[باب جزاء الصيد]

يجب الجزاء في الصيد لقول الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الآية. وهو ضربان:

ص: 500

ما له مثل من النعم: وهي بهيمة الأنعام، فيجب فيه مثله للآية، وهو نوعان، ما قضت الصحابة فيه، فيجب فيه ما قضت؛ لأنه حكم مجتهد فيه، واجتهادهم أحق أن يتبع.

فمن ذلك الضبع، قضى فيها عمر وابن عباس بكبش، وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيها بذلك» . رواه أبو داود وغيره، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

والنعامة، قضى فيها عثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية ببدنة.

وحمار الوحش، وفيه روايتان:

إحداهما: فيه بقرة؛ لأن عمر قضى فيه بها.

والثانية: فيه بدنة؛ لأن أبا عبيدة وابن عباس قضيا فيه بها، وقضاء عمر أولى. لأنه أقرب إلى ما قضي به، وعن ابن مسعود أنه قضى في بقرة الوحش، ببقرة.

وقال ابن عباس: في الإبل، بقرة. وقال ابن عمر: في الأروى، بقرة.

وقضى عمر في الظبي، بشاة، وفي اليربوع بجفرة وهي التي لها أربعة أشهر في المعز.

وفي الأرنب بعناق، وهي أصغر من الجفرة. وفي الضب بجدي.

والضرب الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة، فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة؛ لقول الله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ويجوز أن يكون القاتل أحدهما؛ لدخوله في العموم، ولما روى طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجاً، فأوطأ منا رجل - يقال له إربد - ضباً، ففزر ظهره، فقدمنا على عمر فسأله إربد، فقال له: احكم فيه يا إربد. قال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر: إنما أمرتك أن تحكم، ولم آمرك أن تزكيني، فقال إربد: أرى فيه جدياً، قد جمع الماء والشجر، فقال عمر: فذلك فيه. رواه سعيد بن منصور، ولأنه واجب لحق الله فجاز أن يكون من وجب عليه أميناً فيه كالزكاة.

وفي كبير الصيد كبير مثله، وفي الصغير صغير مثله، وفي كل واحد من الصحيح والمعيب مثله، وإن فدى الذكر بالأنثى، جاز؛ لأنها أفضل، وإن فدى الأنثى بالذكر، ففيه وجهان:

ص: 501

أحدهما: لا يجزئ لذلك.

والآخر: يجزئ؛ لأن لحمه أوفر وهو المقصود، وإن فدى أعور من عين، بأعور من أخرى، جاز لأن المقصود منهما واحد، وإن فدى معيباً بمعيب من جنس آخر؛ لم يجز؛ لأنهما مختلفان.

وإن أتلف صيداً ماخضاً، ففيه قيمة مثله ماخض، قال القاضي؛ لأن قيمته أكثر من مثله.

وقال أبو الخطاب: فيه مثله ماخض للآية. وإن جنى على ماخض، فأتلف جنينها، ففيه ما نقصها، كما لو جرحها، وإن جرح حياً ثم مات ضمنه بمثله.

فصل:

الضرب الثاني: ما لا مثل له: وهو الطير وشبهه من صغار الصيد، ففيه قيمته، إلا الحمام، فإن فيه شاة؛ لأن عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن عباس قضوا في حمام الحرم بشاة، والحمام: كل ما عب الماء وهدر، كالحمام المعروف، واليمام والجوازل والقماري، والرقاطي، والدباسي، والقطا؛ لأن هذا كله حمام، وقال الكسائي: كل مطوق حمام، فعلى قوله يكون الحجل حماماً، وعلى الأول ليس بحمام، وما كان أصغر من الحمام، ففيه قيمته؛ لأن لا مثل له، وما كان أكبر منه، ففيه وجهان:

أحدهما: فيه قيمته لأن القياس يقتضيها في جميع الطير، تركناه في الحمام؛ لقضاء الصحابة، ففيما عداه يبقى على القياس.

والثاني: فيه شاة؛ لأن إيجابها في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه. وقد روي عن ابن عباس وجابر، أنهما قالا في الحجلة والقطا والحبارى: شاة شاة. وإن نتف ريش طائر ففيه ما نقص، فإن عاد فنبت، ففي ضمانه وجهان، كغصن الشجرة إذا نبت، وفي بيض الصيد قيمته.

فصل:

ومن وجب عليه جزاء صيد، فهو مخير بين إخراج المثل، أو يقوم المثل، ويشتري بقيمته طعاماً، ويتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوماً؛ لقول الله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] و [أو] للتخيير، وعنه: أنها على الترتيب، فيجب

ص: 502

المثل، فإن لم يجد [أطعم فإن لم يجد] صام، ككفارة القتل. وعنه: لا طعام في الجزاء، وإنما ذكره ليعدل به الصيام، والمذهب الأول؛ لأنه ظاهر النص فلا تعويل على ما خالفه.

فصل:

وإن اشترك جماعة في قتل صيد، فعليهم جزاء واحد.

وعنه: على كل واحد جزاء؛ لأنها كفارة قتل، أشبهت كفارة قتل الآدمي.

وعنه: إن كفروا بالمال فجزاء واحد، وإن كفروا بالصيام فكفارات، والأولى أولى؛ لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، ولأنه بدل متلف يتجزأ، فيقسم بدله بين المشتركين، كالديات وقيم المتلفات، وإن اشترك حلال وحرام، فلا شيء على الحلال. وهل يكمل الجزاء على الحرام، أو يكون حكمه، حكم المشارك لحرام؟ فيه وجهان:

وإن جرح صيدا، ضمنه، وفي ضمانه وجهان:

أحدهما: يضمنه بمثله؛ لأن ما وجب ضمان جملته بمثله، وجب في بعضه مثله، كالمكيلات.

والآخر تجب قيمة قدره، من مثله؛ لأن الجزء يشق إخراجه، فصرنا إلى قيمته.

وإن جرح صيدا فأزال امتناعه، فقتله حلال، أو سبع، فعلى المحرم جزاء جميعه؛ لأنه سبب تلفه، وإن قتله محرم آخر، فعلى الأول ما نقصه، والباقي على الثاني. وإن برئ وزال نقصه فلا شيء فيه، كالآدمي، وإن نقص فعليه نقصه، وإن برئ غير ممتنع، فعليه جزاء جميعه؛ لأنه عطله، فصار كالتالف، وإن غاب ولم يعلم خبره، فعليه نقصه؛ لأنه المتيقن.

فصل:

والقارن والمفرد والمعتمر سواء في جزاء الصيد، وسائر الكفارات؛ لأنهم سواء في الإحرام، فوجب استواؤهم في ذلك.

فصل:

وصيد الحرم حرام على الحلال والحرام؛ لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 503

عليه. وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام؛ لأنه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء، والسمك في التحريم كصيد البر؛ لعموم قوله:«لا ينفر صيدها» ولأن حرمته بمحله، وهما في المحل سواء، وعنه: لا يحرم؛ لأنه لا يحرمه الإحرام، فلم يحرمه الحرم كالسباع. وسائر الحيوانات حكمها في الحرم حكمها في الإحرام، فما حرمه الإحرام من الصيد حرمه الحرم، وما أبيح فيه من الأهلي وغير المأكول؛ لم يحرمه الحرم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم» رواه مسلم. إلا أن القمل لا يحرمه الحرم، رواية واحدة. ويجب الجزاء على كل قاتل في الحرام، مسلماً كان أو كافراً، صغيراً أو كبيراً؛ لأن حرمته لمحله، وهو ثابت بالنسبة إلى كل قاتل، ولو قتل محرم صيداً حرمياً؛ لزمه جزاء واحد؛ لأن المقتول واحد، فكان جزاؤه واحداً كما لو قتله حلال.

فصل:

ومن ملك صيداً في الحل، فأدخله الحرم؛ لزمه رفع يده عنه وإرساله، فإن تلف في يده أو أتلفه، ضمنه، وإن ذبحه، صار ميتة؛ لأن الحرم سبب لتحريم الصيد، فحرم استدامة إمساكه، كالإحرام. وإن أمسكه في الحرم، فأخرجه إلى الحل؛ لزمه إرساله كالمحرم إذا مسك الصيد حتى حل.

وإن رمى من الحرم صيداً في الحل، أو أرسل كلبه عليه، أو قتل صيداً على غصن في الحل، أصله في الحرم، فلا ضمان فيه؛ لأنه صيد حل، قاتله حلال فلم يضمن، كما لو كان قاتله في الحل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ينفر صيدها» يدل بمنطوقه على تحريمه في المسألة الأولى، وبمفهومه على حله في الثانية. وإن رمى من الحل صيداً في الحرم، أو أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيداً على غصن في الحرم، أصله في الحل، ضمنه؛ لأنه صيد حرمي معصوم بمحله. وعن أحمد فيهما جميعاً روايتان.

ص: 505

فإن كانا جميعاً في الحل، فدخل السهم أو الكلب الحرم، ثم خرج، فقتل صيداً في الحل؛ لم يضمن بحال؛ لأن الصيد والصائد جميعاً في الحل.

وإن رمى صيداً في الحل، فدخل السهم الحرم، فقتل فيه صيداً، ضمنه لأن العمد والخطأ واحد في الضمان. وإن أرسل كلبه على صيد في الحل، فدخل فقتله في الحرم، أو قتل غيره، ففيه روايتان:

إحداهما: لا يضمن؛ لأن للكلب اختياراً، وقد دخل باختياره، فلم يضمن جنايته، بخلاف السهم.

والثانية: إن كان الصيد قريباً من الحرم، ضمنه؛ لتفريطه بتعرضه للاصطياد في الحرم وإن كان بعيداً؛ لم يضمن؛ لعدم تفريطه، ولا يؤكل لأنه صيد حرمي.

وقال أبو بكر: عليه الضمان بكل حال. وإن جرحه في الحل، فدخل الحرم فمات فيه؛ لم يضمنه، وحل أكله لأنه ذبحه في الحل. وإن وقف صيد في الحرم والحل، فقتله ضمنه، تغليباً للتحريم.

وإن أمسك طائراً في الحل، فهلك فراخه في الحرم، ضمن الفراخ وحدها؛ لأنه أتلفها في الحرم.

وإن أمسك الطائر في الحرم، فهلك الفراخ في الحل، ضمن الطائر وحكم الفراخ، حكم ما لو رمى من الحرم صيداً في الحل؛ لأن صيد الحل، هلك بسبب كان منه في الحرم.

وإن نفر صيداً حرمياً، فهلك في نفوره بسبع أو غيره، في حل أو حرم ضمنه؛ لأنه هلك بتنفيره المنهي عنه، وإن سكن من نفوره، ثم هلك؛ لم يضمنه لأن هلاكه بغير سببه. وقد روي عن عمر رضي الله عنه: أنه دخل دار الندوة، فعلق رداءه، فوقع عليه حمام، فخاف أن يبول عليه، فأطاره، فانتهزته حية فقال: أنا أطرت، فسأل من معه، فحكم عليه عثمان ونافع بن عبد الحارث بشاة.

فصل:

ويحرم قلع شجر الحرم، وحشيشه كله؛ لحديث ابن عباس، «إلا الإذخر» . وما زرعه الإنسان؛ لأنه كالحيوان الأهلي، وإن غرس شجرة، فقال أبو الخطاب: له قلعها لأنه أنبتها الآدميون، فأشبه الزرع. وإن أخذه من الحرم، فغرسه؛ لم يبح قلعه؛ لأنه حرمي، ويحتمل كلام الخرقي تحريم قلع الشجر كله؛ لقوله عليه السلام: «لا يعضد

ص: 506

شجرها» وذكر القاضي وأبو الخطاب: أنه يباح قطع الشوك والعوسج؛ لأنه بمنزلة السباع من الحيوان، والحديث صريح في أنه لا يعضد شوكها، واتباعه أولى.

ولا بأس بقطع ما يبس؛ لأنه بمنزلة الميت، وأخذ ما تناثر أو يبس من الورق، أو تكسر من الشجر والعيدان بغير فعل الآدمي لذلك، وما قطعه الآدمي لم يبح له ولا لغيره الانتفاع به لظاهر كلام أحمد؛ لأنه قطع محرم؛ لحرمة الحرم، فأشبه ذبح الصيد. ولا يجوز أخذ ورق الشجر الأخضر؛ لأن في بعض الألفاظ:«ولا يخبط شجرها» ولأنه يضر بالشجر، أشبه نتف ريش الطير.

فصل:

ويجب الجزاء في ذلك، فيجب في الشجرة الكبيرة، بقرة، وفي الصغيرة شاة؛ لما روي عن ابن عباس أنه قال: في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة، والدوحة: الكبيرة، والجزلة: الصغيرة. وإن قطع غصناً، ضمنه بما نقص، كأغصان الحيوان، فإن خلف مكانه، فهل يسقط الضمان؟ على وجهين:

أحدهما: لا يضمنه، كشعر الآدمي وسنه.

والثاني: يضمنه؛ لأنه أتلفه.

وإن قلع شجرة؛ لزمه ردها إلى موضعها، كمن صاد صيداً لزمه إرساله، فإن أعادها فيبست، ضمنها؛ لأنه أتلفها، وإن نبتت كما كانت؛ لم يضمنها، كالصيد إذا أرسله، وإن نقصت، ضمن نقصها، كالصيد سواء.

فصل:

ويحرم قطع حشيش الحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يختلي خلاها» ويضمنه بقيمته، كما يضمن صغار الصيد بقيمته، وإن استخلف فهل يسقط الضمان؟ على وجهين.

وفي إباحة رعيه وجهان:

أحدهما: يباح؛ لأن الحاجة تدعو إليه فأشبه قطع الإذخر.

والثاني: يحرم؛ لأنه تسبب في إتلافه، فهو كإرسال الكلب على الصيد، وتباح الكمأة لأنه لا أصل لها، فأشبهت الثمرة.

فصل:

ويكره إخراج تراب الحرم وحصاه؛ لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما

ص: 507

كرهاه. ولا يكره إخراج ماء زمزم؛ لأنه يستخلف، ويعد للإتلاف، فأشبه الثمرة.

فصل:

ويحرم صيد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشجرها؛ لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال: «اللهم إني أحرم ما بين جبليها، مثل ما حرم إبراهيم مكة» وفي لفظ: «ولا يقطع شجرها» متفق عليه.

ولا جزاء في صيدها وشجرها؛ لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام، فأشبه صيد وج، ولأن الإيجاب من الشارع، ولم يرد به، وعنه: فيه الجزاء، وهو سلب القاتل لأخذه؛ لما روي «أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد، جاء أهل العبد، فكلموه أن يرد عليهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم» . رواه مسلم. وفي لفظ. قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم» وقال: «من وجد أحداً يصيد منه فليسلبه» رواه أبو داود.

وحد حرمها: ما بين لابتيها، بريد في بريد، وقال أحمد: كذا فسر أنس بن مالك، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما بين لابتيها حرام» متفق عليه.

فصل:

ويفارق حرم مكة، في أن من أدخل إليها صيداً من خارج، فله إمساكه وذبحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:«يا أبا عمير ما فعل النغير»

ص: 508

متفق عليه. وهو طائر كان يلعب به، فلم ينكر عليهم إمساكه.

ويجوز أن يأخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل، ومن حشيشها ما تدعو الحاجة إليه للعلف؛ لما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا: يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح، وإنا لا نستطيع أرضا غير أرضنا، فرخص لنا. فقال: القائمتان والوسادة والعارضة والمسند، فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شيء» رواه الإمام أحمد، فأما صيد وج وشجره، وهو واد من أودية الطائف، فحلال؛ لأن الأصل الحل. وقد روي فيه حديث، ضعفه أحمد، وذكره الخلال في كتاب العلل.

فصل:

وما وجب من الهدي والإطعام جزاء للصيد؛ لزمه إيصاله إلى مساكين الحرم؛ لقول الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . وكذلك دم التمتع والقران؛ لأنه نسك، فأشبه الهدي. ودم فدية الأذى، يختص بالمكان الذي وجب سببه فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالذبح والإطعام بالحديبية، ولم يأمر بإيصاله إلى الحرم، ونحر علي رضي الله عنه حين حلق رأس الحسين بالسقبا. وفي معناه ما وجب بلبس أو طيب أو نحوه، وقال القاضي: ما وجب بفعل محظور، فيه روايتان:

إحداهما: محله، حيث وجد سببه، كفدية الأذى والإحصار.

والثانية: محله الحرم؛ لقول الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وقال ابن عقيل: إن فعل المحظور لعذر يبيحه، فحمل هديه موضع فعله، وإن فعل لغير عذر، فمحله الحرم. وأما هدي المحصر، فمحل نحره محل حصره؛ لما روى ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحالت كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية» ، روى البخاري نحوه، وبين الحديبية والحرم ثلاثة أميال، ولأنه جاز التحلل في غير موضعه للحصر، فيجوز النحر في غير موضع النحر، وعن أحمد: لا يجوز نحره إلا في الحرم. لقول الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فعلى هذا يبعثه إلى الحرم، ويواطئ من يبعثه على اليوم الذي ينحره فيه، فيحل حينئذ. وأما الصيام كله

ص: 509