الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإذا ولدت توأمين، فالنفاس من الأول؛ لأنه دم خرج عقيب الولادة، فكان نفاساً، كما لو كان منفرداً، وآخره منه، فإذا أكملت أربعين من ولادة الأول انقضت مدتها؛ لأنه نفاس واحد، لحمل واحد، فلم تزد العادة منه على أربعين.
وعنه: أنه من الأول، ثم تستأنفه في الثاني؛ لأن كل واحد منهما سبب للمدة، فإذا اجتمعا اعتبر أولها من الأول، وآخرها من الثاني، كالوطء في إيجاب العدة.
[باب أحكام النجاسات]
بول الآدمي نجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يعذب في قبره: «إنه كان لا يستتر
من بوله» متفق عليه، والغائط مثله.
والودي: ماء أبيض يخرج عقيب البول، حكمه حكم البول لأنه في معناه.
والمذي نجس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في المذي: «اغسل ذكرك» ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد، أشبه البول، وعنه: أنه كالمني: لأنه خارج بسبب الشهوة، أشبه المني.
وبول ما لا يؤكل لحمه، ورجيعه نجس؛ لأنه بول حيوان غير مأكول، أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة، فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد.
وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر، وعنه أنه كالدم؛ لأنه رجيع، والمذهب الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلوا في مرابض الغنم» حديث صحيح، وكان يصلي فيها قبل بناء
مسجده، وقال للعرنيين:«انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها» متفق عليه.
ومني الآدمي طاهر؛ لأن عائشة قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلي فيه» ، متفق عليه، ولأنه بدء خلق آدمي، فكان طاهراً كالطين، وعنه: أنه نجس، يجزئ فرك يابسه، ويعفى عن يسيره لما روي عن عائشة رضي الله عنها، «أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم» هذا حديث صحيح؛ لأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي.
وفي رطوبة فرج المرأة روايتان: إحداهما: أنها نجس؛ لأنها بلل من الفرج، لا يخلق منه الولد، أشبه المذي.
والثانية: أنها طاهرة؛ لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من جماع؛ لأن الأنبياء لا يحتلمون، وهو يصيب رطوبة الفرج.
والقيء نجس؛ لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد، أشبه الغائط.
وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه، في حكم بوله في الطهارة والنجاسة؛ لأنه في معناه.
والنخامة طاهرة، سواء خرجت من رأس، أو صدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه، فإن لم يجد، فليقل هكذا ووصف القاسم، وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض» رواه مسلم.
وذكر أبو الخطاب: أن البلغم نجس، قياساً على القيء، والأول أصح، والبصاق والمخاط والعرق، وسائر رطوبات بدن الآدمي طاهرة؛ لأنه من جسم طاهر، وكذلك هذه الفضلات، من كل حيوان طاهر.
فصل
والدم نجس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم: «اغسليه بالماء» متفق عليه، ولأنه نجس لعينه، بنص القرآن، أشبه الميتة، إلا دم السمك، فإنه طاهر؛ لأن ميتته طاهرة مباحة.
وفي دم ما لا نفس له سائلة، كالذباب والبق والبراغيث والقمل، روايتان: إحداهما: نجاسته؛ لأنه دم أشبه المسفوح.
والثانية: طهارته؛ لأنه دم حيوان، لا ينجس بالموت، أشبه دم السمك، وإنما حرم الدم المسفوح.
والعلقة نجسة؛ لأنها دم خارج من الفرج، أشبه الحيض، وعنه: إنها طاهرة؛ لأنها بدء خلق آدمي، أشبهت المني.
والقيح نجس؛ لأنه دم استحال إلى نتن وفساد، والصديد مثله، إلا أن أحمد قال: هما أخف حكماً من الدم، لوقوع الخلاف في نجاستهما، وعدم النص فيهما.
وما بقي من الدم في اللحم معفو عنه، ولو علت حمرة الدم في القدر، لم يكن نجساً؛ لأنه لا يمكن التحرز منه.
فصل
والخمر نجس؛ لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر، فكان نجساً كالدم، والنبيذ مثله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» رواه مسلم، ولأنه شراب فيه شدة مطربة، أشبه الخمر، فإن انقلبت الخمرة خلاً بنفسها طهرت؛ لأن نجاستها لشدتها المسكرة، وقد
زال ذلك، من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر، كالماء الذي تنجس بالتغير [إذا زال تغيره] .
وإن خللت لم تطهر لما روي: «أن أبا طلحة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أيتام ورثوا خمراً فقال: أهرقها، قال: أفلا أخللها؟ قال: لا» ، رواه أحمد في مسنده والترمذي، ولو جاز التخليل، لم ينه عنه، ويتخرج أن تطهر لزوال علة التحريم، كما لو تخللت، ولا يطهر غيرها من النجاسات بالاستحالة، فلو أحرقت فصارت رماداً أو تركت في ملاحة، فصارت ملحاً لم تطهر؛ لأن نجاستها لعينها بخلاف الخمر، فإن نجاستها لمعنى زال بالانقلاب.
ودخان النجاسة وبخارها نجس، فإن اجتمع منه شيء، أو لاقى جسماً صقيلاً، فصار ماءً، فهو نجس.
وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة، وغبارها، فلم يجتمع منه شيء، ولا ظهرت صفته فهو معفو عنه، لعدم إمكان التحرز منه.
فصل
ولا يختلف المذهب، في نجاسة الكلب والخنزير، وما تولد منهما، إذا
أصابت غير الأرض أنه يجب غسلها سبعاً إحداهن بالتراب، سواء كان من ولوغه أو غيره، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب» متفق عليه، ولمسلم:«أولاهن بالتراب» .
وعنه: «يغسله سبعاً، وواحدة بالتراب» ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب» رواه مسلم والأولى أصح؛ لأنه يحتمل أنه عد التراب ثامنة، لكونه مع الماء، من غير جنسه، والأولى جعل التراب، في الأولى للخبر، وليكون الماء بعده، فينظفه، وحيث جعله جاز، لقوله في اللفظ الآخر:«وعفروه الثامنة بالتراب» فيدل على أن عين الغسلة غير مرادة.
وإن جعل مكان التراب جامداً آخر كالأشنان، ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يجزئه؛ لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف.
والثاني: لا يجزئه؛ لأنه تطهير ورد الشرع فيه بالتراب، فلم يقم غيره مقامه كالتيمم.
والثالث: يجزئه إن عدم التراب، أو كان مفسداً للمغسول للحاجة، وإلا فلا.
وإن جعل مكانه غسلة ثامنة، لم يجزه؛ لأنه أمر بالتراب معونة للماء، في قلع النجاسة، أو للتعبد، ولا يحصل بالماء وحده، وقد ذكر فيه الأوجه الثلاثة، وإن ولغ في الإناء كلاب، أو وقعت فيه نجاسة أخرى، لم تغير حكمه؛ لأن الغسل لا يزداد بتكرار النجاسة، كما لو ولغ الكلب فيه مرات.
وإن أصاب الثوب من ماء الغسلات، ففيه وجهان: أحدهما: يغسل سبعاً إحداهن بالتراب؛ لأنها نجاسة كلب.
والثاني: حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه في الغسل بالتراب وفي عدد الغسلات؛ لأن المنفصل كالبلل الباقي، وهو يطهر بباقي العدد كذلك هذا.
فصل
والنجاسات كلها على الأرض، يطهرها أن يغمرها الماء، فيذهب عينها ولونها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء» متفق عليه، ولو كانت أرض البئر نجسة فنبع عليها الماء طهرها.
ولا تطهر الأرض النجسة بشمس، ولا ريح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بغسل بول الأعرابي، ولأنه محل نجس، أشبه الثوب.
وإن طبخ اللبن المخلوط بالزبل النجس، لم يطهر، لكن ما يظهر منه يحترق فيذهب عينه، ويبقى أثره، فإذا غسل طهر ظاهره، وبقي باطنه نجساً لو حمله مصل، لم تصح صلاته، وإن ظهر من باطنه شيء فهو نجس.
فصل
إذا أصاب أسفل الخف، أو الحذاء نجاسة، ففيه ثلاث روايات: إحداهن: يجزئ دلكه بالأرض، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه، فطهورهما التراب» وفي لفظ: «إذا وطئ بنعله» ، رواه أبو داود؛ لأنه محل تتكرر فيه النجاسة، فأجزأ فيه المسح، كمحل الاستنجاء.
والثانية: يجب غسله؛ لأنه ملبوس فلم يجز فيه المسح كظاهره.
والثالثة: يجب غسله من البول والعذرة لفحشهما، ويجزئ دلكه من غيرهما، فإن قلنا: يجزئ المسح، ففيه وجهان: أحدهما: يطهر اختاره ابن حامد، للخبر.
والثاني: لا يطهر؛ لأنه محل نجس فلم يطهره المسح كغيره، وفي محل الاستنجاء بعد الاستجمار وجهان أيضاً: أحدهما: يطهر، قال أحمد رضي الله عنه في المستجمر: يعرق في سراويله: لا بأس به، «وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الروث والرمة: لا يطهران» دليل على أن غيرهما يطهر.
والثاني: لا يطهر، لما ذكرنا من القياس.
فصل
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضح، وهو أن يغمره بالماء، وإن لم يزل عنه لما «روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه
فدعا بماء فنضحه ولم يغسله» متفق عليه.
ولا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل، لما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل» رواه أحمد في
" المسند " فإن أكلا الطعام وتغذيا به غسل بولهما؛ لأن الرخصة وردت فيمن لم يطعم، فبقي من عداه على الأصل.
وفي المذي روايتان: إحداهما: يجزئ نضحه، لما «روى سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فقلت: يا رسول الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء، فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه» ، قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
والثانية: يجب غسله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه، ولأنه نجاسة من كبير، أشبه البول.
فصل
وما عدا المذكور من النجاسات، في سائر المحال، فيه روايتان: إحداهما: يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها من غير عدد، قياساً على نجاسة الأرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء في الدم:«اغسليه بالماء» ولم يذكر عدداً، «وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل، حتى جعل الغسل من البول مرة» رواه أبو داود.
والثانية: يجب فيها العدد، وفي قدره روايتان: إحداهما: سبع؛ لأنها نجاسة في غير الأرض، فأشبهت نجاسة الكلب، وفي اشتراط التراب وجهان.
والثانية: ثلاث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء، حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده» أمر بالثلاث، وعلل بوهم النجاسة، ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها.
فإن قلنا بالعدد، لم يحتسب برفع الثوب من الماء غسلة، حتى يعصره، وعصر كل شيء بحسبه، فإن كان بساطاً ثقيلاً أو زلياً فعصره بتقليبه ودقه، حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء.
فصل
وإذا غسل النجاسة، فلم يذهب لونها أو ريحها لمشقة إزالته، عفي عنه، لما «روي
أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، أرأيت لو بقي أثره، تعني: الدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء يكفيك، ولا يضرك أثره» رواه أبو داود بمعناه.
فصل
ويعفى عن يسير الدم في غير المائعات؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن الغالب أن الإنسان، لا يخلو من حبة وبثرة، فألحق نادره بغالبه، وقد روي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع الدم، ولم يعرف لهم مخالف، وحد اليسير ما لا ينقض مثله الوضوء، وقد ذكر في موضعه.
والقيح والصديد كالدم لأنه مستحيل منه، وفي المني إذا حكمنا بنجاسته روايتان: إحداهما: أنه كالدم؛ لأنه مستحيل منه.
والثانية: لا يعفى عنه؛ لأنه يمكن التحرز منه.
وفي المذي، وريق البغل والحمار وعرقهما، وسباع البهائم وجوارح الطير وبول الخفاش، روايتان: إحداهما: يعفى عن يسيره، لمشقة التحرز منه، فإن المذي يكثر من الشباب، ولا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها، فعفي عن يسيرها كالدم.
والثانية: لا يعفى عنها، لعدم ورود الشرع فيها.
وفي النبيذ روايتان: إحداهما: يعفى عن يسيره، لوقوع الخلاف فيه.
والثانية: لا يعفى عنه؛ لأن التحرز عنه ممكن.
وما عدا هذا من النجاسة، لا يعفى عن شيء منه، ما أدركه الطرف منها، وما لم يدركه؛ لأنها نجاسة، لا يشق التحرز منها، فلم يعف عنها كالكثير.