الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنزعه، مسح عليه، نص عليه. وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة، فألقمها مرارة، فكان يتوضأ عليها.
[باب نواقض الطهارة الصغرى]
وهي ثمانية: الخارج من السبيلين، وهو نوعان:
معتاد فينقض بلا خلاف، لقول الله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولكن من غائط وبول ونوم» وقوله: «فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» وقال في المذي: «يغسل ذكره ويتوضأ» متفق عليه.
النوع الثاني: نادر كالحصى والدود والشعر والدم، فينقض أيضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للمستحاضة:«تتوضأ عند كل صلاة» رواه أبو داود، ودمها غير معتاد، ولأنه خارج من السبيل، أشبه المعتاد، ولا فرق بين القليل والكثير.
فصل:
الثاني: خروج النجاسة من سائر البدن، وهو نوعان:
غائط وبول فينقض قليله وكثيره، لدخوله في النصوص المذكورة.
الثاني: دم وقيح وصديد وغيره، فينقض كثيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لفاطمة بنت أبي حبيش:«إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي، فعلل بكونه دم عرق، وهذا كذلك، ولأنها نجاسة خارجة من البدن، أشبهت الخارج من السبيل. ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشا فعليه الإعادة، قال الإمام أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه، ابن عمر عصر بثرة فخرج دم، فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملا، وذكر غيرهما، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا.
وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش، لقول ابن عباس.
وقال ابن عقيل: إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس، لا المتبذلين، ولا الموسوسين، كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه نفوس الأوساط.
وعن أحمد: أن الكثير شبر في شبر.
وعنه: قدر الكف فاحش.
وعنه: قدر عشر أصابع كثير، وما يرفعه بأصابعه الخمس يسير.
قال الخلال: والذي استقر عليه قوله: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
فصل:
الثالث: زوال العقل، وهو نوعان:
أحدهما: النوم فينقض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ولكن من غائط وبول ونوم» . وعنه عليه السلام أنه قال: «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود. ولأن النوم مظنة الحدث، فقام مقامه كسائر المظان. ولا يخلو من أربع أحوال:
أحدها: أن يكون مضجعا أو متكئا أو معتمدا على شيء، فينقض الوضوء قليله وكثيره، لما رويناه.
والثاني: أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله، لما روى أنس «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون، ولا يتوضؤون» رواه مسلم بمعناه. ولأن النوم إنما نقض، لأنه مظنة لخروج الريح من غير علمه، ولا يحصل ذلك ههنا، لأنه يشق التحرز منه لكثرة وجوده من منتظري الصلاة، فعفي عنه، وإن كثر واستثقل، نقض، لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه.
الحال الثالث: القائم، ففيه روايتان:
إحداهما: إلحاقه بحالة الجلوس، لأنه في معناه.
والثانية: ينقض يسيره، لأنه لا يتحفظ حفاظ الجالس.
الرابع: الراكع والساجد، وفيه روايتان:
أولاهما: أنه كالمضطجع لأنه ينفرج محل الحدث، فلا يتحفظ، فأشبه المضطجع.
والثانية: أنه كالجالس، لأنه على حال من أحوال الصلاة، أشبه الجالس.
والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف، ما عد كثيرا فهو كثير، وما لا فلا، لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف، كالقبض والإحراز، وإن تغير عن هيئته انتقض وضوءه لأنه دليل على كثرته استثقال فيه.
النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ينقض الوضوء، لأنه لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء، لأنها أبلغ في إزالة العقل، ولا فرق بين الجالس وغيره، والقليل والكثير، لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال، بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه، وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في نومه أحس به.
فصل:
الرابع: أكل لحم الجزور فينقض الوضوء، لما روى جابر بن سمرة «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: " إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ " قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: " نعم توضأ من لحوم الإبل» رواه مسلم. قال أبو عبد الله: فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث البراء بن عازب، وجابر بن سمرة. ولا فرق بين قليله وكثيره، ونيئه ومطبوخه، لعموم الحديث.
وعنه في من أكل وصلى ولم يتوضأ: إن كان يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالوضوء منه، فعليه الإعادة، وإن كان جاهلا فلا إعادة عليه.
وفي اللبن روايتان:
إحداهما: لا ينقض؛ لأنه ليس بلحم.
والثانية: ينقض، لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها» رواه أحمد في المسند.
وفي الكبد والطحال، وما لا يسمى لحما وجهان:
أحدهما: لا ينقض؛ لأنه ليس بلحم.
والثاني: ينقض، لأنه من جملته، فأشبه اللحم، وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه.
ولا ينقض الوضوء مأكول غير لحم الإبل، ولا ما غيرت الناس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الغنم:«وإن شئت فلا توضأ» ويروى أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترك الوضوء مما غيرت النار» . رواه أبو داود.
فصل:
والخامس: لمس الذكر فيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا ينقض [الوضوء] ، لما روى قيس بن طلق [عن أبيه]«أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الرجل يمس ذكره، وهو في الصلاة. قال: " هل هو إلا بضعة منك» رواه أبو داود. ولأنه جزء من جسده، أشبه يده.
والثانية: ينقض وهي أصح، لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من مس ذكره فليتوضأ» . قال أحمد رضي الله عنه: هو حديث صحيح. وروى أبو هريرة نحوه، وهو متأخر عن حديث طلق، لأن في حديث طلق أنه قدم، وهم يؤسسون المسجد، وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخا له.
والثالثة: إن قصد إلي مسه نقض، ولا ينقض من غير قصد، لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء.
وفي لمس حلقة الدبر، ومس المرأة فرجها روايتان:
إحداهما: لا ينقض لأن تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه من غيره.
والثانية: ينقض، لأن أبا أيوب وأم حبيبة قالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح. وهذا عام؛ ولأنه سبيل فأشبه الذكر.
وحكم لمسه فرج غيره حكم لمس فرج نفسه صغيرا كان أو كبيرا، لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه، ولم يهتك به حرمة وهذا تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
وفي مس الذكر المقطوع وجهان:
أحدهما: لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة.
والآخر: ينقض، لأنه مس ذكر. وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه، لأنه ليس بفرج. ولا ينقض مس فرج البهيمة، لأنه لا حرمة لها، ولا مس ذكر الخنثى المشكل، ولا قبله، لأنه لا يتحقق كونه فرجا. وإن مسهما معا نقض لأن أحدهما فرج. وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض، لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره، وإن كانت امرأة فقد مسها لشهوة. وإن مست امرأة قبله لشهوة فكذلك
لما ذكرنا. واللمس الذي ينقض هو اللمس بيده إلى الكوع، ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه، لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ» من " المسند "، ورواه الدارقطني بمعناه. واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم.
ولا ينقض غير الفرج كالعانة والأنثيين وغيرهما، لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
فصل:
السادس: لمس النساء وهو أن تمس بشرته بشرة أنثى، وفيه ثلاث روايات:
إحداهن: ينقض بكل حال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]
الثانية: لا ينقض لما روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ» . رواه أبو داود، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه، وهما منصوبتان، وهو ساجد» . رواه النسائي ومسلم. ولو بطل وضوءه لفسدت صلاته.
والثالثة: هي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة، ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار، ولأن اللمس ليس بحدث، إنما هو داع إلى الحدث، فاعتبرت فيه الحالة التي تدعو فيها إلى الحدث كالنوم.
ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة، وذوات المحارم وغيرهن، لعموم الأدلة فيه.
وإن لمست امرأة رجلا ففيه روايتان:
إحداهما: أنها كالرجل، لأنها ملامسة توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع.
والثانية: لا ينقض وضوءها، لأن النص لم يرد فيها، ولا يصح قياسها على المنصوص، لأن اللمس منه أدعى إلى الخروج.
وهل ينقض وضوء الملموس؟ فيه روايتان.
وإن لمس سن امرأة أو شعرها أو ظفرها لم ينقض وضوءه. لأنه لا يقع عليها
الطلاق بإيقاعه عليه، وإن لمس عضوا مقطوعا، لم ينقض وضوءه، لأنه لا يقع عليه اسم امرأة، وإن مس غلاما أو بهيمة أو مست امرأة امرأة، لم ينقض الوضوء، لأنه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا.
فصل:
السابع: الردة عن الإسلام، وهو أن ينطق بكلمة الكفر، أو يعتقدها، أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام، فينتقض وضوءه لقول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ولأن الردة حدث لقول ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان. فيدخل في عموم قوله عليه السلام: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه. ولأنها طهارة من حدث، فأبطلتها الردة كالتيمم.
فصل:
الثامن: غسل الميت. عده أصحابنا من نواقض الوضوء، لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء. وقال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء، لأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث. ولا فرق بين الميت المسلم، والكافر، والصغير والكبير في ذلك، لعموم الأمر والمعنى.
وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب، فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ. وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفا على أبي هريرة والوضوء كذلك، ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا هو في معنى المنصوص، والأصل عدم وجوبه، فيبقى عليه، وما عدا هذا لا ينقض بحال.
فصل:
ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهو على طهارته، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج شيء أو لم يخرج؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه مسلم والبخاري، ولأن اليقين لا يزال بالشك.
وإن تيقن الحدث، شك في الطهارة، فهو محدث لذلك.
وإن تيقنهما، وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة، بحدث وشك هل زال أم لا، فلم يزل يقين الحدث بشك الطهارة، وإن كان قبلهما محدثا، فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها.
فصل:
ولا تشترط الطهارتان معا إلا لثلاثة أشياء:
الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» .
والطواف: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» رواه
الشافعي في مسنده.
ومس المصحف: لقول الله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] . وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» رواه الأثرم. ولا بأس بحمله في كمه أو بعلاقته، وتصفحه بعود، لأنه ليس بمس له، ولذلك لو فعله بامرأة لم ينتقض وضوءه.
وإن مس المحدث كتاب فقه، أو رسالة فيها آي من القرآن جاز لأنه لا يسمى مصحفا، والقصد منه غير القرآن، ولذلك «كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في رسالته:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الآية» متفق عليه. وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن.
وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لما ذكرنا.
والثاني: لا يجوز لأنه معظم ما فيه من القرآن.
وفي مس الصبيان ألواحهم، وحملها على غير طهارة وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنهم محدثون، فأشبهوا البالغين.