الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن وجب عليه بدنة بنذر، أو قتل نعامة، أو وطء أجزأه بسبع من الغنم؛ لأنها معدولة بسبع، والشياه أطيب لحماً. وقد روي عن ابن عباس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن علي بدنة، وأنا موسر لها، ولا أجدها، فأشتريها. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن» . رواه ابن ماجه.
وقال ابن عقيل: إنما يجزئ ذلك مع عدم البدنة؛ لأنها بدل، فيشترط فيه عدم المبدل، والأول أولى لما ذكرناه وإن وجبت عليه بدنة فذبح بقرة أجزأته، لما روى جابر قال:«كنا ننحر البدنة عن سبعة. فقيل له والبقرة؟ فقال: وهل هي إلا من البدن» ! رواه مسلم. وقال ابن عقيل: إن نذر بدنة، لزمه ما نواه، فإن لم ينو شيئاً، ففيه روايتان:
إحداهما: هو مخير على ما ذكرناه.
والثانية: إن لم يجد بدنة أجزأته بقرة.
فإن لم يجد فسبعاً من الغنم.
وعنه: عشر؛ لأنه بدل، فلا يجزئ مع وجود الأصل. فأما من وجب عليه سبع من الغنم، فإنه يجزئه بدنة، أو بقرة؛ لأنها تجزئ عن سبع في حق سبعة، ففي حق واحد أولى.
[باب الأضحية]
وهي سنة مؤكدة، لما روى أنس قال:«ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما» . متفق عليه. قال أبو زيد: الأملح: الأبيض الذي فيه سواد، وقال ابن الأعرابي: هو الأبيض النقي. والتضحية أفضل من الصدقة بقيمتهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آثرها على الصدقة. وليست واجبة؛ لأنه روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجباً. وروت أم سلمة عن رسول الله قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن
يضحي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظافره شيئاً حتى يضحي» . رواه مسلم. وقال القاضي: هذا نهي كراهية، لا تحريم بدليل قول عائشة:«كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي» . متفق عليه. ويمكن حمل الحديث على ظاهره في التحريم، ولا تعارض بين الحديثين؛ لأن أحدهما في الأضحية والآخر في الهدي المرسل. ولو تعارضا لكان حديث أم سلمة خاصاً في الشعر والظفر، فيجب تقديمه. فإن فعل، استغفر الله تعالى ولا فدية عليه.
فصل:
ولا يجزئ إلا بهيمة الأنعام؛ لقول الله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، والثني من غيره؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عسر عليكم، فاذبحوا الجذع من الضأن» رواه مسلم. والثنية من البقر هي المسنة. ومن الإبل ما كمل لها خمس سنين. قاله الأصمعي. ويستحب استحسانها، وأفضلها البياض؛ لأنه صفة أضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ما كان أحسن لوناً.
فصل:
وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة لقول جابر:«كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها» . رواه مسلم. ويجوز أن يشتركوا فيها، سواء أراد جميعهم القربة، أو بعضهم القربة والباقون اللحم لأن كل سبع مقام شاة، ويجوز أن يقسموا أنصباءهم لأن القسمة إفراز حق والحاجة داعية إليه.
فصل:
ويستحب أن ينحر الهدي والأضحية بيده، لحديث أنس. ويجوز أن يستنيب فيه، لما ذكرنا في الهدي، ويجوز أن يستنيب كتابياً؛ لأنه من أهل الذكاة. ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم؛ لأنها قربة، فالأفضل أن لا يليها كافر بالله.
وعنه: لا يجوز أن يليها كافر لذلك. ويستحب لمن استناب أن يحضرها، لما
روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «أحضري أضحيتك، يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها» ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر. لحديث أنس، وإن قال: اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني أو من فلان فحسن، لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على أضحيته: «اللهم هذا منك، ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر» ثم ذبح وفي رواية قال: «بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد ثم ضحى» . رواه مسلم، وليس عليه أن يقول عن فلان؛ لأن النية تجزئ.
فصل:
وأول وقت الذبح في حق أهل المصر إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر، لما روى البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكناً فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» متفق عليه. وفي حق غير أهل المصر قدر الصلاة والخطبة؛ لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة، فاعتبر قدرها. وقال الخرقي: المعتبر قدر الصلاة والخطبة في حق الجميع؛ لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت، فتعلق أولها بالوقت، كالصوم، فمن ذبح قبل ذلك لم يجزئه، وعليه بدلها إن كانت واجبة، لحديث البراء. وآخر وقتها آخر اليومين الأولين من أيام التشريق؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث» . متفق عليه. قال الخرقي: لا يجوز الذبح ليلاً؛ لقول الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] . وقال غيره من أصحابنا: يجوز ليلاً لأنه زمن يصح فيه الرمي، فصح فيه الذبح كالنهار، وقال بعضهم: فيه روايتان. فإن فات وقت الذبح، ذبح الواجب قضاء؛ لأنه قد وجب ذبحه، فلم يسقط بفوات وقته. وإن كان تطوعاً فقد فاتته سنة الأضحية.
فصل:
ولا يجزئ في الأضحية معيبة عيباً ينقص لحمها، لما روى البراء قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقى» رواه أبو داود، يعني: التي لا مخ فيها، والعوراء البين عورها: التي انخسفت عينها، وذهبت، فنص على هذه الأربعة الناقصة اللحم، وقسنا عليها ما في معناها.
ولا تجزئ العضباء، لما روى علي رضي الله عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن، أو القرن» . قال سعيد بن المسيب: العضب النصف فأكثر من ذلك. رواه النسائي. يعني التي ذهب أكثر من نصف أذنها، أو قرنها، وتجزئ الجماء التي لم يخلق لها قرن، والصمعاء: وهي الصغيرة الأذن والبتراء: التي لا ذنب لها، والشرقاء: التي شقت أذنها، والخرقاء: التي انشقت أذنها؛ لأن ذلك لا ينقص لحمها، ولا يمكن التحرز منه، وغيرها أفضل منها؛ لقول علي رضي الله عنه:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء» . قال أبو إسحاق السبيعي: المقابلة: قطع طرف الأذن، والمدابرة: القطع من مؤخرة الأذن، والخرقاء: تشق الأذن للمسة، والشرقاء: تشق أذنها السمة. رواه أبو داود. وهذا نهي تنزيه لما ذكرنا.
وقال ابن حامد: لا تجزئ الجماء، ويجزئ الخصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين، ولأنه يذهب عضو غير مستطاب، يطيب اللحم بذهابه.
فصل:
ويستحب أن يأكل الثلث من الأضحية، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية قال:«ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث» قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن. ولقول ابن عمر: الضحايا والهدايا: ثلث لك وثلث لأهلك، وثلث للمساكين. وإن أطعمها كلها أو أكثرها فحسن، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز، وإن أكلها كلها، ضمن القدر الذي تجب الصدقة به؛ لقول الله تعالى:{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . والأمر يقتضي الوجوب. وإن نذر الأضحية، فله الأكل منها؛ لأن النذر محمول على المعهود قبله، والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها، ولأكل منها، ولا يغير النذر من صفة المنذور إلا الإيجاب.
قال القاضي: ومن أصحابنا من منع الأكل منها، قياساً على الهدي المنذور.
فصل:
ولا يجوز بيع شيء من الهدي، والأضحية، ولا إعطاء الجازر بأجرته شيئاً منها، لما روي عن علي رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أقوم بدنه، وأن أقسم