الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أخبره ثقة عن علم، عمل به، وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده، واجتهد حتى يغلب على ظنه دخوله، فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده، أجزأه، لأنه صلى بعد الوجوب.
وإن وافق قبله، لم يجزه، لأنه صلى قبل الوجوب.
[باب الأذان]
الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها، وهو من فروض الكفاية؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة، فلم يجز تعطيله، كالجهاد، فإن اتفق أهل بلد على تركه، قوتلوا عليه، وإن أذن واحد في المصر أسقط الفرض عن أهله، ولا يجزئ الأذان قبل الوقت، لأنه لا يحصل المقصود منه، إلا الفجر، فإنه يجزئ الأذان لها بعد نصف الليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»
متفق عليه. ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت، لينتبه النائم ويتأهب للصلاة، بخلاف سائر الصلوات.
ولا يؤذن قبل الوقت، إلا من يتخذه عادة لئلا يغر الناس. ويكون معه من يؤذن في الوقت، كفعل بلال وابن أم مكتوم.
ولا يجوز تقديم الإقامة على الوقت، لأنها تراد لافتتاح الصلاة ولا تفتتح قبل الوقت.
فصل:
ويذهب أبو عبد الله رضي الله عنه إلى أذان بلال الذي أريه عبد الله بن زيد، كما روي عنه أنه قال: «لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، فال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله
أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها رؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى طوتاً منك» رواه أبو داود. فهذه صفة الأذان والإقامة المستحب، لأن بلالاً كان يؤذن به حضراً وسفراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات.
وإن رجع في الأذان، أو ثنى الإقامة، فلا بأس لأنه من الاختلاف المباح.
ويستحب أن يقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين، لما روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«إن كان في أذان الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، مرتين» رواه النسائي. ويكره التثويب في غيره، لما روى بلال قال:«أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء» . رواه ابن ماجه.
ودخل ابن عمر مسجداً يصلي فيه، فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر، فخرج وقال: أخرجتني البدعة.
فصل:
ويسن الأذان للفائتة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته الصبح فقال:«يا بلال قم فأذن ثم صلى ركعتين، ثم أقام، ثم صلى الغداة» . متفق عليه.
وإن كثرت الفوائت، أذَّن وأقام للأولى، ثم أقام للتي بعدها، لما روى ابن
مسعود أن «المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، ثم أمر بلالاً، فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» ، رواه الأثرم.
وإن جمع بين الصلاتين، فكذلك، لما روى جابر أن «النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين» . رواه مسلم.
وإن ترك الأذان للفائتة، أو المجموعتين في وقت الآخرة منهما، فلا بأس، لما روي أن «النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بإقامة لكل صلاة من غير أذان» ، متفق عليه.
فصل:
ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل، ولا يصح من كافر ولا طفل ولا مجنون، لأنهم من غير أهل العبادات. ولا يشرع الأذان للنساء، ولا الإقامة، ولا يصح منهن، لأنه يشرع فيه رفع الصوت، ولسن من أهل ذلك، ولا لخنثى مشكل، لأنه لا يعلم كونه رجلاً.
وفي أذان الفاسق والصبي العاقل وجهان:
أحدهما: يصح، لأنه مشروع لصلاتهما، وهما من أهل العبادات.
والثاني: لا يصح لأنه إعلام بالوقت، ولا يقبل فيه خبرهما. وفي الأذان الملحَّن وجهان:
أحدهما: يصح، لأنه أتى به مرتباً فصح كغيره.
والثاني: لا يصح، لما روى ابن عباس، قال:«كان لرسول صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن» رواه الدارقطني.
وفي أذان الجنب وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه أحد الحدثين، فلم يمنع صحته، كالحدث الأصغر.
والثاني: لا يصح؛ لأنه ذكر مشروع للصلاة يتقدمها، أشبه الخطبة.
فصل:
ويستحب للمؤذن أن يكون أميناً لأنه مؤتمن على الأوقات. صيتاً، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد: ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك» رواه أبو داود. ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان. وأن يكون عالماً بالأوقات، ليتمكن من الأذان في أوائلها. وأن يكون بصيراً، لأن الأعمى لا يعلم، إلا أن يكون
معه بصير يؤذن قبله، كبلال مع ابن أم مكتوم، فإن تشاح اثنان في الأذان، قدم أكملهما في هذه الخصال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالا على عبد الله بن زيد، لكونه أندى صوتاً، وقسنا عليه باقي الخصال. فإن استويا في ذلك، أقرع بينهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه
لاستهموا» متفق عليه. وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية، فأقرع بينهم سعد.
وعنه: يقدم من يرضاه الجيران، لأن الأذان لإعلامهم، فكان لرضاهم أثر في التقديم.
ولا بأس أن يؤذن اثنان أحدهما بعد الآخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يؤذن له بلال وابن أم مكتوم، إذا نزل هذا طلع هذا» . ولا يسن أكثر من هذا إلا أن تدعو إليه حاجة فيجوز، لأن عثمان رضي الله عنه اتخذ أربعة مؤذنين.
فصل:
يستحب أن يؤذن قائماً، «لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: قم فأذن» ولأنه أبلغ في الإسماع، فإن أذن قاعداً أو راكباً في السفر جاز، لأن الصلاة آكد منه، وهي تجوز كذلك. وأن يؤذن على موضع عال، لأنه أبلغ في الإعلام. وروي أن «بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة، ويرفع صوته» ، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «قال للمؤذن: يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس» رواه أبو داود. ولا يجهد نفسه فوق طاقته؛ لئلا ينقطع صوته، ويؤذي نفسه. وإن أذن لفائتة أو لنفسه في مصر، لم يجهر لأنه لا يدعو أحداً وربما غر الناس. وإن كان في الصحراء جهر في الوقت، فإن أبا
رواه البخاري، ويستحب أن يؤذن متوضئاً، لأن أبا هريرة قال:«لا يؤذن إلا متوضئ» ، وروي مرفوعاً، أخرجه الترمذي. ويستحب أن يؤذن مستقبل القبلة، ويلتفت يميناً إذا قال: حي على الصلاة، ويساراً إذا قال: حي على الفلاح، ولا يزيل قدميه، ويجعل إصبعيه في أذنيه، لما روى أبو جحيفة قال:«أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قبة حمراء من أدم، وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يميناً وشمالاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح» . متفق عليه. وفي لفظ: «ولم يستدر وأصبعاه في أذنيه» ، رواه الترمذي.
ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا بلال إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» رواه أبو داود. ولأن الأذان إعلام الغائبين والترسل فيه أبلغ في الإسماع، والإقامة إعلام الحاضرين، فلم يحتج إلى الترسل
فيه، ويكره التمطيط والتلحين لما تقدم.
فصل:
ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً، لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما، فإن سكت فيه سكوتاً طويلاً أعاد. ولا يصح أن يبني على أذان غيره، لأنه عبادة بدنية، فلم يبن فعله على فعل غيره، كالصلاة، فإن أغمي عليه، ثم أفاق قريباً بنى، وإن طال الفصل ابتدأ لتحصيل الموالاة. وإن ارتد في أثنائه بطل أذانه لقول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . ويكره الكلام فيه، فإن تكلم بكلام طويل ابتدأ، لإخلاله بالموالاة، وإن كان يسيراً بنى، لأن ذلك لا يبطل الخطبة، وهي آكد منه، إلا أن يكون كلاماً محرماً، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يبطل، لأنه لا يخل بالمقصود.
والثاني: يبطل، لأنه فعل محرماً فيه.
فصل:
ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليعلم الناس بوقت الصلاة فيتهيؤوا لها، وقد روي أن «بلالا كان يؤذن في أول الوقت، وربما أخر الإقامة شيئاً» . رواه ابن ماجه.
ويؤخر الإقامة. لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» رواه أبو داود. ولأن الإقامة لافتتاح الصلاة فينبغي أن تتأخر قدراً يتهيؤون فيه للصلاة. فإن كان للمغرب جلس جلسة خفيفة، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة» رواه تمام في الفوائد.
ويستحب أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه، لكونه قد أذن في مكان بعيد، «لقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين» . لأنه لو أقام في موضع صلاته لم يخف سبقه بذلك.
ويستحب لمن أذن أن يقيم لما «روى زياد بن الحارث الصدائي أنه أذن فجاء بلال ليقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم» من المسند. وإن أقام غيره جاز لما روى أبو داود في حديث الأذان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألقه على بلال فألقاه عليه فأذن بلال، فقال عبد الله: أنا رأيته، وأنا كنت أريده قال: فأقم أنت» .
فصل:
ولا يجوز أخذ الأجرة عليه، لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه قال:«إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على الأذان أجراً» . قال الترمذي:
هذا حديث حسن. ولأنه قربة لفاعله، أشبه الإمامة، وإن لم يوجد من يتطوع به رزق الإمام من بيت المال من يقوم به، لأن الحاجة داعية إليه، فجاز أخذ الرزق عليه، كالجهاد. وإن وجد متطوعاً به لم يرزق
لأن المال للمصلحة فلا يعطى في غير مصلحة.
فصل:
ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول، لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول» متفق عليه.
ويقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله
أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، دخل الجنة» رواه مسلم. قال الأثرم: هذا من الأحاديث الجياد.
فإن سمع الأذان في الصلاة لم يقل مثل قوله، لأن في الصلاة شغلاً، فإذا فرغ قال ذلك.
وإن كان في قراءة قطعها، وقال ذلك، لأن القراءة لا تفوت وهذا يفوت. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء:
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود
الذي وعدته، حلت له الشفاعة يوم القيامة» أخرجه البخاري. وروى [سعد] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قال حين يسمع النداء: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، غفر له ذنبه» رواه