الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قسم الصدقات]
يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه؛ لأن عثمان رضي الله عنه قال: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه ثم يزكي بقية ماله. وأمر علي رضي الله عنه واجد الركاز أن يتصدق بخمسه. وله دفعها إلى الإمام عدلاً كان أو غيره، لما روى سهيل بن أبي صالح قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى. فقال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد رضي الله عنهم، فقالوا مثل ذلك، ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم. قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وذلك لأنه على ثقة من نفسه، ولا يأمن من السلطان أن يصرفها في غير مصارفها.
وعنه: ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه رضي الله عنهم كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة. وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل؛ لأنه أعلم بالمصارف، والدفع إليه أبعد من التهمة، ويبرأ بها ظاهراً وباطناً، ودفعها إلى أهلها، يحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ بها باطناً.
فصل:
ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لقبض الصدقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يفعلونه، ولأن في الناس من لا يؤدي صدقته أو لا يعلم ما عليه، ففي إهمال ذلك ترك للزكاة. ومن شرط الساعي أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً؛ لأن الصبي والمجنون لا قبض لهما، والخائن يذهب بمال الزكاة، ولا يشترط كونه فقيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث عمر وعمله وكان غنياً، ولأن ما يعطيه أجرة، فأشبه أجرة حملها، ولا كونه حراً؛ لأن المقصود يحصل منه من غير ضرر، فأشبه الحر، ولا فقيهاً إذا كتب له ما يأخذ وحد له، أو بعث معه من يعلمه ذلك. لأنه استئجار على استيفاء حق فلم يشترط له الفقه كاستيفاء الدين
قال أبو الخطاب: في إسلامه روايتان:
إحداهما: لا يشترط ذلك، ولأنه قد يعرف منه الأمانة بالتجربة، بدليل قَوْله تَعَالَى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] .
والأخرى: هو شرط؛ لأن الكفر ينافي الأمانة. وقد قال عمر رضي الله عنه: لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى. قال أصحابنا: وجوز أن يكون من ذوي القربى؛ لأن ما يأخذه أجرة فلم يمنع منها كأجرة الحمل، وظاهر الخبر يمنع ذلك، فإن «الفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، لو بعثتنا على هذه الصدقة فنصيب منها ما يصيب الناس، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس. فأبى أن يبعثهما، وقال: إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس» رواه مسلم.
فصل:
وإذا كان الساعي يبعث لأخذ العشر بعث في وقت إخراجه، وإن بعث لقبض غيره، بعث في أول محرم؛ لأنه أول السنة. ويستحب أن يعد الماشية على أهلها على الماء أو في أفنيتهم، لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تؤخذ صدقات الناس على مياههم وأفنيتهم» ، وإن أخبره صاحب المال بعدده قبل منه، وإن قال: لم يكمل الحول أو فرقت زكاته ونحو هذا مما يمنع الأخذ منه، قبل منه ولم يحلفه؛ لأن الزكاة عبادة وحق لله تعالى، فلا يحلف عليهما كالصلاة والحد. وإن أعطاه صدقته، استحب أن يدعو له، لقول الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] . وروى عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» متفق عليه. ولا يجب الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر سعاته بذلك. ويستحب أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً. ويستحب للمعطي أن يقول: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً. وإن وجد الساعي مالاً لم يكمل حوله، فسلفه ربه زكاته أخذها، وإن أبى لم يجبره؛ لأنه ليس بواجب عليه، فإما أن يوكل من يقبضها منه عند حولها، وإما أن يؤخرها إلى الحول الثاني.
فصل:
ويؤمر الساعي بتفريق الصدقة في بلدها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ:«أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» . ولا يجوز نقلها عنهم إلى بلد تقصر فيه الصلاة لذلك، ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم، فإن نقلها رب المال ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجزئه؛ لأنه حق واجب لأصناف بلد، فلم يجزئ إعطاؤه لغيرهم كالوصية لأصناف بلد.
والأخرى: يجزئه؛ لأنهم من أهل الصدقات، فإن استغنى عنها أهل بلدها جاز نقلها، لما روي أن معاذاً بعث إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني. رواه أبو عبيد في كتاب الأموال. فإن كان مال الرجل غائباً عنه زكاه في بلد المال، فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو، فإن كان نصاباً من السائمة ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه في كل بلد من الرفض بقدر ما فيه من المال، لئلا تنقل زكاته إلى غير بلده.
والثاني: يجزئه الإخراج في بعضها، لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان. وإن كان ماله تجارة يسافر به. قال أحمد رضي الله عنه: يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه.
وعنه: يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا. وقال القاضي: يخرج زكاته حيث حال حوله؛ لأن المنع من هذا يفضي إلى تأخير الزكاة. وإن كان ماله في بادية، فرق زكاته في أقرب البلاد إليها.
فصل:
إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمها، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها عن غنم الجزية والضوال، ولترد إلى مواضعها إذا شردت، ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها؛ لأنه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه، وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم الغنم في آذانها، فيكتب عليها: لله أو زكاة. وإن وقف من الماشية في الطريق شيء، أو خاف هلاكه جاز بيعه؛ لأنه موضع ضرورة، وإن باع لغير ذلك فقال القاضي: البيع باطل وعليه الضمان؛ لأنه متصرف