الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: رفع اليدين
في (تاريخ بغداد) 13/389 من طريق وكيع: «سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الركوع فقال أبو حنيفة: يريد أن يطير فيرفع يديه؟ قال وكيع: وكان ابن المبارك رجلاً عاقلاً فقال: إن كان طار في الأولى فإنه يطير في الثانية. فسكت أبو حنيفة ولم يقل شيئاً» .
قال الأستاذ ص 83: «
…
(1) مع ظهور الحجة في حديث ابن مسعود
…
(2) لم يسلم سند من أسانيد الرفع عند الركوع من علة (3) بل لم يصح حديث في الرفع غير حديث ابن عمر (4) وهو لم يأخذ به في رواية أبي بكر بن عياش
…
(5) ودعوى أحد الفرقين التواتر في موضع الخلاف المتوارث غير مسموعة (6) وإنما المتواتر أن جماعة من الصحابة كانوا لا يرفعون، وجماعة منهم كانوا يرفعون (7) فيدل ذلك على التخيير الأصلي (8) وإنما خلافهم فيما هو الأفضل» .
أقول: أما الأمر الأول فحديث ابن مسعود كما قال الدارقطني: «تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفاً عن حماد عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلاً عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب» ومحمد بن جابر ذكره الأستاذ ص 116 بمناسبة ما جاء عنه أنه قال: «سرق مني أبو حنيفة كتاب حماد» فقال الأستاذ: «الأعمى قال فيه أحمد لا يحدث عنه إلا من هو شر منه» .
وترى ترجمته في قسم التراجم والحاصل أنه ليس بعمده. وحماد بن سليمان سيء الحفظ حتى قال حبيب بن أبي ثابت: «كان حماد يقول: قال ابراهيم: فقلت له والله إنك لتكذب على ابراهيم أو إن إبراهيم ليخطئ» وقال شعبة: «قال لي حماد بن سليمان يا شعبة لا توقفني على إبراهيم فإن العهد قد طال، وأخاف أن أنسي أو أكون قد نسيت» أنظر (تقدمه الجرح والتعديل) ص 165 وقوله: «لا توقفني إلخ» معناه إذا قلت: «قال إبراهيم» أو نحو ذلك فلا تسألني أسمعته من إبراهيم لا؟ فيتبين بهذا أنه قد كان يقال ك «قال إبراهيم» ونحوه فيما لا يتحقق أنه سمعه من إبراهيم. وقد أجاب ابن التركماني عن الكلام الدارقطني فدافع عن محمد بن جابر بما لا يجدي وقال: «إذا تعارض الوصل مع الإرسال، والرفع مع الوقف، فالحكم عند أكثرهم للرافع والواصل، لأنهما زادا وزيادة الثقة مقبولة» . كذا قال وقد علم أن محمد بن جابر ليس بثقة وحماداً سيء الحفظ، فالحديث ضعيف من أصله فكيف مع الخلاف؟ وقد قال الأستاذ ص153: «من أصوله - يعنى أبا حنيفة - أيضاً رد الزائد متنا كان أو سنداً إلى الناقص
…
» والذي عليه جهابذة الحديث الترجيح، هذا في اختلاف الثقات وليس هذا منه كما مر.
وروى النسائي من طريق ابن المبارك عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن ابن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: ألا أخبركم بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقام فرفع يديه أول مرة ثم لم يعد. وقد روى الترمذي عن ابن المبارك قال: «لم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا أول مرة» وفي (سنن الدارقطني) ص 110 و (سنن البيهقي) ج 2ص79 عن ابن المبارك قال: «لم يثبت عندي
…
» نحوه.
قد يقال: لعل ابن المبارك عنى حديث محمد بن جابر. لكن قد دل جزمه بعدم الثبوت ومحافظته على رفع اليدين على أنه لا يرى فيما رواه عن سفيان ما يشد حديث محمد بن جابر ولو من جهة المعنى، وحديث سفيان رجاله ثقات وعاصم وإن قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، فقد وثقه جماعة وأخرج له مسلم في (الصحيح)، لكن هناك علل:
الأولى: أن سفيان يدلس ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث عنه تصريحه بالسماع.
الثانية: أنه قد اختلف عليه قال أبو داود عقب روايته عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع وستأتي: «ثنا الحسن بن على ثنا معاوية وخالد بن عمرو وأبو حذيفة قالوا نا سفيان بإسناده هذا قال: رفع يديه في أول مرة، وقال بعضهم: مرة واحدة» وفي (مسند أحمد) ج 1 ص 442 «ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم
…
قال عبد الله: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه في أول» وأخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع وفيه «فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة» .
الثالثة: قال أحمد في (المسند) ج1ص 418: «ثنا يحيى بن آدم ثنا عبد الله بن إدريس من كتابه عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود نا علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فكبر ورفع يديه ثم ركع وطبق بين يديه وجعلها بين ركبتيه، فبلغ سعداً فقال، صدق أخي قد كنا نفعل كذلك ثم أمرنا بهذا - وأخذ بركبتيه - حدثني عاصم بن كليب بهذا» فأعل البخاري في (جزء رفع اليدين) حديث سفيان بحديث ابن إدريس وقال «ليس فيه: ثم لم يعد، فهذا أصح لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم» يشير البخاري إلى بعض الرواة لما لم ير في القصة ذكر الرفع عند الركوع وكان المشهور عن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يرفعون إلا في أول الصلاة فهم أن الواقع في القصة كذلك، ثم لما روى من حفظه بحسب ما كان فهم، وممن أعل حديث سفيان من الأئمة أحمد وأبو داود ،ابوحاتم ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم، فمنهم من حمل الوهم على وكيع ومنهم من حمله على سفيان، وزعم بعض الناس أن اختلافهم في هذا يقتضي ردّ قولهم جملة، وليس هذا بشيء والذي يظهر أنه كان سفيان دلسه فالحمل على شيخه الذي سمعه منه، وإلا فالوهم. وراجع (نصب الراية)(ج1 ص 395) .
الرابعة: أنه ليس في القصة تصريح من ابن مسعود بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول الصلاة، وغاية الأمر أنه ذكر أنه سيخبرهم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فصلى بهم، فإن بنينا على رواية ابن إدريس عن عاصم فليس فيها ذكر أن عبد الله لم يرفع في غير أول الصلاة. فقد يكون رفع ولم يذكر الرواي ذلك كما لم يذكر وضع اليدين على الصدر والقراءة والتكبير للركوع، وكأنه إنما كان يهمه من ذكر القصة شأن التطبيق، وفي (مسند أحمد) ج 1ص 413 من طريق «أبي إسحاق عن أبي الأسود عن علقمة والأسود أنهما كانا مع ابن مسعود، فحضرت الصلاة فتأخر علقمة والأسود، فأخذ ابن مسعود بأيديهما فأقام أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ثم ركعا فوضعا أيديهما على ركبهما، وضرب أيديهما ثم طبق بين يديه وشبك وجعلها بين فخذيه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعله» وبنحوه رواه منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود كما في (صحيح مسلم) . وفيه من طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة نحوه وزاد قال: فلما صلى قال
…
وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم» ؛ فأكثر الروايات لا تذكر عدم الرفع كما ترى وكثير منها لا تذكر حتى الرفع أول الصلاة فيظهر من هذا أن الذي كان يهم ابن مسعود من تعليمهم في تلك الصلاة ويهمهم من رواية القصة إنما هو مقام الثلاثة والتطبيق ولذلك لم يذكر عقب الصلاة إلا هذين إذ قال: «إذا كنتم ثلاثة
…
» كما مر.
فإن قيل: فقد اشتهر عن علقمة والأسود وغيرهما من أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يرفعون إلا في أول الصلاة، ولو رأياه رفع في غير ذلك ولاسيما في تلك الصلاة لكان الظاهر أن يأخذوا ذلك عنه، فقد أخذوا عنه التطبيق وغيره؟
قلت: فقد أشار بعض أهل العلم إلى احتمال أن تكونا غفلا عن رفعه يديه في غير أول الصلاة، وأشار بعهم إلى احتمال أن يكون ابن مسعود ذهل عن الرفع
كبعض ما يسهو الرجل لأن المهم في تلك الصلاة كان بيان الموقف والتطبيق كما مر.
فإن قيل هذه احتمالات بعيدة، قلت هي على كل حال أقرب من دفع ما ثبت عن جماعة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع، وما تواتر عنهم أنهم كانوا يرفعون.
فإن قيل فقد ذهب بعضهم إلى احتمال النسخ، قلت: من الممتنع جداً أن يقع نسخ في مثل هذا الحكم ولا يطلع عليه جمهور الصحابة ويختص به ابن مسعود ثم يكتفي من تبليغه مع اشتهار الرفع والإطباق عليه بما وقع في القصة على فرض ثبوتها.
فإن قيل فهل من شيء غير هذا؟ قلت: ذكر بعض أهل العلم أنه كما أن ابن مسعود طبق وأخبر بالتطبيق وأمر به، وقد تبين أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، واتفق الناس على ترك التطبيق، وكما قال إن موقف إمام الاثنين بينهما وخالفه الناس في ذلك واعتذروا باحتمال أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في بيت ضيق، فكذلك حاله في عدم الرفع إن ثبت عنه، قد يكون الرفع في غير أول الصلاة لم يشرع منذ شرعت الصلاة، فرأى ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يصلى ولا يرفع إلا في أول الصلاة فأخذ ابن مسعود بذلك كما أخذ بالتطبيق والموقف، وإن كان كل ذلك كان أولاً ثم ترك، وقد يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم ترك الرفع في بعض الصلوات لبيان أنه ليس بواجب فأخذ ابن مسعود بذلك.
فإن قيل: قضية الموقف قريبة لأن غالب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجماعة بأكثر من اثنين فأما قضيتا التطبيق والرفع ففيما ذكر بعد.
قلت: قد فتح الله تعالى وله الحمد بوجه يقرب الأمر في الثلاث كلها وهو أن يقال كأنه كان من رأي ابن مسعود أن النسخ لا يثبت بالترك وحده بل يبقى الأول
مشروعاً في الجملة على ما يقتضيه حاله، ويرى أن على العالم إذا خشي أن ينسى الناس الأمر الأول أن يسعى في إحيائه، فأما التطبيق فقد علم ابن مسعود أنه كان مشروعاً ثم ترك العمل به ورأى هو أن تركه ليس نسخاً له، بل إما أن يكون تركه رخصة لأنه فيما يظهر أشق من الأخذ بالركب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما يدع الأمر المستحب كراهية المشقة كما كان يعجل صلاة العشاء إذا جمعوا وأبطأ بها ليلة ثم خرج فصلى وقال:«إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» وإما أن يكونا سواء والمصلى مخير بينهما، وإما أن يكون التطبيق مندوباً أيضاً وإن كان الأخذ بالركب أفضل، وقد علم ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما يدع ما هو في الأصل مندوب ليبين للناس أنه ليس بواجب وربما يفعل ما هو في الأصل مكروه ليبين للناس أنه ليس بحرام، وكان أبو بكر وابن عباس لا يضحون، كانوا يدعون التضحية ليبينوا للناس أنها ليست بواجبة، فلما رأى ابن مسعود أن الناس قد أطبقوا على ترك التطبيق رأى أنه سنة قد أميتت فأحب إحياءها ففعله، وأمر أصحابه بفعله ولم يخش أن يؤدي ذلك إلى إماتة الأخذ بالركب، لعلمه أن مشروعية ذلك معلومة بين الناس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قصد بيان الجواز فترك ما هو في الأصل مكروه لا يخبر بقصده بل يكل الناس إلى ما قد عرفوه من الدليل على ما هو الأصل في ذلك، وكذلك لم ينقل أن أبا بكر وعمر وابن عباس كانوا حين يتركون التضحية يبينون قصدهم بل كانوا يتكلون على ما قد عرفه الناس من مشروعيتها.
وأما وقوف إمام الاثنين بينهما، فعلل النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة ثم تقدم فعلهم ابن مسعود الأمرين ولكنه رأى أن الأول لم ينسخ وأن كلا الأمرين مشروع وإن كان التقدم أفضل، ثم لما رأى الناس أطبقوا على التقدم أحب إحياء تلك السنة. وأما ترك الرفع في غير أول الصلاة فإن ثبت عن ابن مسعود فالظاهر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تركه، إما في أول الإسلام بأن يكون كان أولاً
يقتصر على الرفع أول الصلاة، ثم رفع في بقية المواضع، وأما بعد ذلك بأن يكون ربما ترك الرفع في غير الموضع مواظبتهم على الرفع أول الصلاة تركه لمصلحة البيان، وحال ذلك عنده دون حال التطبيق ووقوف إمام الاثنين بينهما بدليل أنه عقب تلك الصلاة أمر بهذين ولم يعرض للرفع كما مر في حديث مسلم وربما يقال قد يكون ابن مسعود علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولا يطبق ولا يرفع عند الركوع والرجوع منه، ثم ترك التطبيق ورفع، فرأى ابن مسعود أن الرفع بدل من التطبيق، فأما الأخذ بالركب فقد يكون رخصة فقط فلما بدا لابن مسعود إحياء التطبيق طبق ولم يرفع لئلا يجمع بين البدل والمبدل. والله اعلم.
فهذا غاية ما يقتضيه حسن الظن بابن مسعود وهو أهل أن يحسن الظن به. وعلى كل حال فقد ثبت الرفع قطعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو فعل عبادي متعلق بالصلاة ولا يعقل أن يكون الفعل مندوباً مطلقاً، ويكون الترك أيضاً مندوباً مطلقاً فما بقا الاحتمال النسخ، والنسخ لا يثبت بمثل ما روي عن ابن مسعود مع ما فيه من الكلام وما يطرقه من الاحتمال، وقد ترك الصحابة في عهد عثمان تكبيرات الانتقال أو الجهر بها واستمر ذلك حتى ظن بعض التابعين أن ذلك غير مشروع كما يأتي، ولا يظهر للترك سبب إلا الترخص في ترك المندوب، ونحن لم نظن بابن مسعود في ترك الرفع ذلك ولا ما هو أبعد عن الملامة كالنسيان والذهو ل، وإنما ظننا به قصد البيان وتثبيت الحق. فإن قيل يظهر إن ابن مسعود واظب على الترك ورضي لأصحابه المواظبة عليه، قلت فكذلك في التطبيق ووقوف إمام الاثنين بينهما بل هو في هذين آكد فإنه عَقِب تلك الصلاة أمرهم بهما ولم يعرض لترك الرفع كما مر في حديث مسلم والحق أن غاية ما في الأمر أن يكون رضي لهم المواظبة مدة ليكون ذلك أوفى بما قصده من البيان، كما واظب أبو بكر وعُمر وابن عباس على ترك التضحية، ورأى ابن مسعود أنه إن خفي على أصحابه حقيقة الخال فسيعلمونها عندما يرون غيره من الصحابة وكبار التابعين
ويسمعون منهم ويتدبرون فما اتفق مما يخالف ذلك فابن مسعود غير مسؤول عنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قصد البيان فترك ما هو في الأصل مندوب أو فعل ما هو في الأصل مكروه، ربما يراه من لم يعرف الدليل السابق فيفهم خلاف المقصود، وربما توهم بعضهم النسخ، وربما يقع هذا التوهم لبعض فقهاء الأمة ويبقى ذلك في اتباعه، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة حتى في نصوص القرآن مما يقع بسببه بعض الناس في الخطأ ويبقى ذلك في أتباعه كما ترى ذلك واضحاً في اختلاف المذاهب، ولله تعالى في ذلك الحكمة البالغة يستيقنها المؤمن ، إن لم يحط بها علماً، وليس هذا موضع النظر في ذلك (1) .
وأما الأمر الثاني والثالث، وهما قول الأستاذ:«لم يسلم سند للرفع من علة ولم يصح فيه إلا حديث ابن عمر» فمجازفة، وقال البخاري كما يأتي:«لا أسانيد أصح من أسانيد الرفع» وحديث ابن عمر قطعي الثبوت عنه وصح معه عدة أحاديث منها في (الصحيحين) حديث مالك بن الحويرث، وفي (صحيح مسلم) حديث وائل بن حجر، وأشار البخاري في (الصحيح) إلى حديث أبي حميد الساعدي في عشرة من الصحابة، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان وصححا حديث علي في ذلك، وفي (الفتح) : «قال البخاري في (جزء رفع اليدين) : من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه، ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع،
…
وذكر البخاري أيضاً أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة، وذكر الحاكم وأبو القاسم ابن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً» وتواتر باعتراف الكوثري الرفع عن جماعة من الصحابة بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقاً، وتواتره عنهم يستلزم تواتره عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي في الأمر الخامس.
(1) علما أن الإمام معذور، ولكن ليس للمقلدة وقد عرفوا الوهم أي عذر. وانظر رسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبع المكتب الإسلامي. زهير
وأما الأمر الرابع، وهو قول الكوثري أن ابن عمر «لم يأخذ به في رواية أبي بكر ابن عياش» ففيه مجازفة أيضاً، فإن المراد رواية أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال:«ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح» . ولو صح هذا عن مجاهد لما دل على أن ابن عمر لم يرفع، فكيف أن يدل على انه لم يأخذ بالحديث؟ وأنا أذكر جماعة من العلماء وغيرهم صحبتهم مدة وصليت معهم وأتذكر الآن هل أذكر رفعهم عند الركوع أو ولكني تحريت ذلك في جماعة، فأنا الآن أذكر بعد طول العهد. ومجاهد لم يقل: رأيت ابن عمر لا يرفع، وإنما قال - إن صحت الحكاية عنه: «ما رأيت ابن عمر يرفع
…
» وهذا يشعر بأنه لا ينفي أن يكون ابن عمر ورفع ولم يروه مجاهد، ومذهب مجاهد الرفع كما ذكر البخاري وغيره، فإن صح عنه ذاك القول فكأنه لم يتفق له أن يتحرى تفقد ابن عمر في رفعه، ،وإنما اتفق أنه شاهده رفع في أول الصلاة، ثم اشتعل مجاهد بصلاة نفسه. وقد صح عن ابن عمر أنه كان ربما يرفع رفعاً تاماً وربما يتجوز، ذكر مالك في (الموطأ) عن نافع «أن ابن عمر كان إذا ابتداء الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذ رفع رأسه من الركوع رفعها دون ذلك» وفي (سنن أبي داود) عن ابن جريج قال: «قلت نافع: أكان ابن عمر وصح عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الرفع حذو المنكبين في الأولى وغيرها، قال الباجي في (المنتقى) : «ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمر كان يفعل الأمرين جميعاً ويرى ذلك واسعاً فيهما» .
أقول: يدل مجموع الروايات عن ابن عمر أنه كان يرى أن أكمل الرفع أن تحاذي يداه منكبيه، وأن أصل السنة يحصل بما دون ذلك ولا سيما إذا كان هناك عذر، فكأن ابن عمر لما كبر وضعف كان ربما يتجوز في الرفع فيرفع إلى الثديين أو نحو ذلك، وربما يرفع في الأولى رفعاً تاماً لأنها آكد ويتجوز في الباقي. وكان ابن جريج جوزّ أن يكون المشروع التفرقة بأن يكون الرفع في الأولى أعلى، وسأل عن فعل ابن عمر ليستدل به على ذلك وفهم نافع هذا فأجابه بحسبه، فمحصل
الجواب أن ابن عمر لم يكن يتحرى التفرقة تحرياً يشعر بأنها مشروعة، بل كان ربما كان ربما يتجوز في الأولى أيضاً. فمن الجائر في الحكاية عن مجاهد أنه كان وراء ابن عمر غير قريب منه فاتفق أن ابن عمر رفع في الأولى رفعاً تاماً رآه مجاهد، وتجوز في الباقي فلم يره. ومن الجائز أن يكون ابن عمر سها في تلك الصلاة التي رقبه فيها مجاهد إن كان رقبه، وقد قال البخاري في (جزء الرفع اليدين) في الجواب عن تلك الحكاية: «قال ابن معين: إنما هو توهم لا أصل له، أو هو محمول على السهو كبعض ما يسهو الرجل في صلاته ولم يكن ابن عمر ليدع ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم مع ما رواه عن ابن عمر مثل طاوس وسالم ونافع ومحارب بن دثار وأبي الزبير أنه كان يرفع يديه
…
» وروي البخاري في (جزء رفع اليدين) عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى.
وإذا ترك ابن عمر الرفع في بعض صلاته سهواً أو ضعفاً لم يصدق عليه مع ما تواتر عنه من الرفع أنه لم يأخذ بالحديث، فكيف والذي في تلك الحكاية إنما هو نفي الرؤية لا نفي الرفع ولا تلازم بين النفيين كما سلف. ومع هذا كله فأبو بكر بن عياش عندهم شيء الحفظ كثير الغلط، ولم يخرج له البخاري في (الصحيح) إلا أحاديث ثبتت صحتها برواية غيره كما تراه في (مقدمة الفتح) ولم يخرج له مسلم شيئاً إلا أنه ذكر في (المقدمة) عنه عن مغيره ابن مقسم قال:«لم يكن يصدق على على رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود» ، فلو كانت روايته هذه مخالفة لما ثبت برواية الجماعة عن ابن عمر لوجب ردها كما لا يخفى.
وأما الأمر الخامس وهو قول الأستاذ: «ودعوى أحد الفريقين التواتر في موضع الخلاف المتوارث غير مسموعة» .
فكأن الأستاذ انتقل ذهنه من التواتر إلى الإجماع، فإن الإجماع هو الذي يسوغ أن يقال: لا تسمع دعواه في مواضع الخلاف للإجماع. فأما التواتر فلا منافاة بينه وبين الخلاف المتوارث كما ستراه، بل إن الخلاف المتوارث إذا لم يثبت أن ابتداءه
كان عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فوراً لم يمنع من دعوى إجماع سابق، فلنا أن ندعي في قضيتنا هذه إجماع الصحابة، لأن جماعة منهم رووا الرفع وتواتر العمل به عن كثير منهم كما اعترف به الكوثري، بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقاً فاشتهر ذلك وانتشر ولا يعرف عن أحد منهم ما يدل على أنه غير مشروع، فأما ما روي عن بعضهم أنه تركه فلم يثبت، وقد مر الكلام على ما روي عن ابن مسعود ويأتي الكلام على غيره، ولوثبت بعض ذلك فإنما هو ترك جزئي، أي في ركعة واحدة أو صلاة واحدة، وذلك لا يدل على أن التارك يراه غير مشروع، وإذ قد يكون ترخص لعذر أو لغير عذر في ترك ما يعلمه مندوباً. بل لوثبت أن بعضهم تركه مدة طويلة لما دل ذلك على أنه يراه غير مشروع، فقد جاء عن أبي بكر وعمر وابن عباس أنهم كانوا لا يضحون. بل قد ثبت أن الصحابة تركوا في عهد عثمان تكبيرات الخفض والرفع أو الجهر بها، واستمر ذلك حتى أن علياً لما قدم العراق وصلى بهم وأتى بالتكبيرات الخفض والرفع أو الجهر قال عمران بن حصين كما في (الصحيحين) وغيرهما «ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقال أبو موسى الأشعري فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح في (الفتح)«ذكرنا الصلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمداً» واستمر الترك بالحجاز حتى أن أبا هريرة حين استخلفه مروان على إمارة المدينة في عهد معاوية صلى بهم فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كما في (صحيح مسلم) :«قلنا يا أبي هريرة ما هذا التكبير؟ فقال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم» وصلى بهم بمكة فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، وقال عكرمة كما في (صحيح البخاري) وغيره «فقلت لابن عباس إنه أحمق، قال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم» .
فأما التواتر فأمره واضح، فإنه قد يحصل لشخص دون آخر، وقد جاء عن ابن مسعود أنه كان يقول أن المعوذتين ليستا من القرآن واعتذر أهل
العلم عنه بأنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يصرح بقرآنيتهما ولا تواتر ذلك عنده مع أن من المقطوع به تواتر ذلك عند غيره، فلا يخدش في تواتر الرفع مخالفة بعض التابعين من الكوفيين إذ لا يلزم من تواتر عند غيرهم تواتره عندهم بل عرضت لأولهم شبهة الترك فتوهموا أو بعضهم أنه غير مشروع، كما توهم غيرهم من ترك عثمان وغيره تكبيرات الخفض والرفع أو الجهر بها أن ذلك غير مشروع حتى أنكروا على أبي هريرة كما تقدم، ثم جاء بعدهم من الكوفيين من بلغته الأحاديث والآثار ولعلمها تواترت عنده فلم تطب نفسه بترك ما ألفه واعتاده وفر إلى احتمال النسخ ورأى أن الترك أحوط له وأطيب لنفسه. وقد اعترف الكوثري بتواتر الرفع عن جماعة من الصحابة وذلك لا يستلزم تواتره عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فعل تعبدي في الصلاة، لو لم يعلموا أنه مشروع وفعلوه، فإن فعلوه لا على وجه التعبد كان تلاعباً بالصلاة وإيهاماً لمشروعية ما لم يشرعه الله وذلك كذب على الله ورسوله ودينه، وإن فعلوه على وجه التعبد فذلك صريح البدعة الضلالة والكذب على الله والتكذيب بآياته. فهذا يثبت قطعاً أنهم كانوا يعتقدون أنه مشروع ويمتنع اعتقادهم ذلك من جهة الرأي إذ لا مجال للرأي فيه، على أن الرأي إنما يصار إليه في إثبات الفعل إذا لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه تركاً مستمراً مع قيام السبب وانتفاء المانع، ويمتنع على الذين تواتر عنهم الرفع أن يجهلوا جميعاً أكان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع أم لا بعد أن طالت صحبتهم له ومراقبتهم لصلاته كما أمروا به.
وأما الأمر السادس وهو قول الأستاذ «المتواتر أن جماعة من لصحابة كانوا لا يرفعون وجماعة منهم كانوا يرفعون» فالشطر الثاني وهو تواتر الرفع حق، وأما الشطر الأول فلا، وهذا إمام النقل أبو عبد الله البخاري يقول كما تقدم «لم يثبت عن أحد منهم تركه وإنما نقل الترك فيه قوة ما عن ابن مسعود وقد مر النظر
فيه؛ وروي أيضاً عن عمر وعلي، فأما عمر فقد جاء عنه الرفع من روايته ومن فعله، وروي حسن بن عياش عن عبد الملك بن أبحر عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود قال «صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا في افتتاح الصلاة» وأُعِلّ هذا بثلاثة أوجه.
الأول: أن حسن بن عياش لينه بعضهم، قال عثمان الدارمي عن ابن معين:«ثقة وأخوه أبو بكر ثقة» قال عثمان «ليستا بذاك وهما من أهل الصدق والأمانة» واتفقوا على تليين أبي بكر في حفظه حتى قال يحيى القطان: «لو كان أبو بكر بن عياش حاضراً ما سألته عن شيء» وكان إذا ذكر عنده كلح وجهه، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين «لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطاً منه» وقد روى الثوري عن الزبير بن عدى عن إبراهيم عن الأسود «أن عمر كان يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه» لم يذكر ما في رواية الحسن أبن عياش عن ابن أبجر عن الزبير بن عدي، وكان الثوري لا يرفع، فلو كان في قصة ما ذكره الحسن لما أغفله الثوري، والخطأ في مثل هذا قريب فإنه كان عند إبراهيم حكايات عن أهل الكوفة في عدم الرفع فيقوى احتمال دخول الاشتباه على الحسن.
الوجه الثاني: أن إبراهيم ربما دلس. وفي (معرفة علوم الحديث) للحاكم ص 108 من طريق «خلف بن سالم قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي
…
وإبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربما دلس عنهم» .
الثالث: أنه قد روي عن عمر الرفع من روايته ومن فعله، ويكفي في ذلك ما تواتر عن ابنه عبد الله مع أنه كان ملازماً لأبيه متحرياً الافتداء به قال زيد بن اسلم عن أبيه:«ما وجد قاصد لباب المسجد داخل أو خارج بأقصد من عبد الله لعمل أبيه» رواه ابن سعد، وقد جاء عن إبراهيم أنه ذكر له الحديث ابن وائل بن حجر عن أبيه في الرفع فقال إبراهيم: «ما أرى أباه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذاك اليوم
الواحد (1) . فحفظ ذلك وعبد الله «بن مسعود» لم يحفظ عنه؟ !» فيقال لإبراهيم: إن صح عنه ما رواه الحسن بن عياش: ما نرى الأسود رأى عمر إلا ذاك اليوم الواحد أفيكون أعلم به من ابنه عبد الله بن عمر؟ ورواية وائل مثبتة محققة تثبت رفع النبي صلى الله عليه وسلم في الواضع، ومعلوم أن الرفع لا يكون إلا تعبداً إذ ليس هنا داع طبيعي إلا فعله مكررا في المواضع، وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحد ثبتت مشروعيته في الصلاة مطلقاً كما هو الشأن في غيره من أعمال الصلاة، إلا ما يثبت اختصاصه، وقد قدمنا ما يثبت أو يقوى عن أن مسعود لا يتحقق فيه منافاة لذلك، فأما في الرواية عن الأسود إن صحت إليه فمن الجائز أن يكون عمر كان إمام الأسود غير قريب منه فرفع عمر أول الصلاة رفعاً تاماً رآه الأسود ثم رفع عمر عند الركوع وما بعده رفعاً تجوز فيه كما تقدم عن ابن عمر -فلم يره الأسود فظن أنه لم يرفع أصلاً.
وأما على فروى أبو بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن على رضي الله عنه «أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم لا يرفع في شيء منها» وروى ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذ قام إلى الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ويصنع ذلك أيضاً إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعا إذا رفع رأسه من الركوع
…
وإذا قام من سجدتين
(1) قلت: هذا مجرد رأي، ومع ذلك فقد صح ما يبطله، وهو ما أخرجه أبو داود وغيره عن كليب وائل أنه قال «لأنظرن إلى الصلاة رسول صلى الله عليه وسلم كيف يصلى
…
» قلت: فذكر الحديث وفيه رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وقال فيه: «ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب» . وأخرجه أحمد (4/318) وله عنده (4/319) طريق أخرى عن عبد الجبار عن بعض أهله أن وائلاً قال: «أتيته مرة أخرى وعلى الناس ثياب فيها البرانس وفيها الأكيسة فرأيتهم يقولون هكذا تحت الثياب» .
رفع يديه كذلك
…
» في «نصب الرواية» وغيرها عن امام أحمد بن حنبل أنه سئل عن حديث ابن أبي الزناد هذا وقال؟ فقال «صحيح وذكر البخاري في (جزء القراءة) أثر النهشلي ثم ذكر حديث حديث ابن أبي الزناد وقال «وهذا اصح» أخرج الترمذي حديث ابن أبي الزناد في «كتاب الدعوات» من (جامعه) وقال: «هذا حديث حسن صحيح» وصححه أيضاً ابن حزيمة وابن حبان، وفي (سنن البيهقي) ج2ص80 عن عثمان بن سعيد الدارمي ذكر أثر النهشلي وقال:«فهذا قد روى من هذا الطريق الواهي عن علي، وقد روى عبد الرحمن عن هرمز الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفعها عند الركوع وبعدما يرفع رأسه من الركوع، فليس الظن بعلي رضي الله عنه أن يختار فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس أبو بكر النهشلي ممن يحتج بروايته أو يثبت به سنة لم يأت بها غيره» ، اعترضه ابن التركماني فقال:«بل الذي روي من الطريق الواهي هو ما رواه ابن أبي رافع عن علي لأن في سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد» ، ثم ذكر قول الدارمي: فليس الظن.. الخ.
فقال: «لخصمه أن يعكسه فيجعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً على نسخ ما تقدم» .
أقول: إذا صرفنا النظر عن النهشلي وابن أبي الزناد فسند المرفوع أثبت لأن رجاله كلهم ثقات أثبات احتج بهم احتج بهم الجماعة. وسند الموقوف فيه مقال، عاصم وإن أخرج له مسلم ووثقه جماعة فلم يخرج له البخاري، وقال بن المديني «لا يحتج به إذا انفرد» وأبوه وإن وثقه ابن سعد وأبو زرعة فلم يخرج له البخاري ولا مسلم، وقال النسائي:«لا نعلم أحداً روى عنه غير ابنه وغير ابراهيم بن مهاجر، وإبراهيم مهاجر، وإبراهيم ليس بقوي في الحديث» فأما النهشلي وابن أبي الزناد فلا شك أننا إذا وازنا بينهما إجمالاً فالنهشلي أثبت أخرج له مسلم ووثقه ابن مهدي وأحمد وابن معين وأبو داود والعجلي وقال أبو حاتم: «شيخ صالح يكتب حديثه وهو عندي خير من أبي بكر الهذلي» والهذلي ضعيف جداً، وقال ابن سعد في النهشلي:«كان مرجئاً، وكان عابداً ناسكاً وله أحاديث ومنهم من يستضعفه» وأما ابن أبي الزناد فلم يحتج به
صاحبا (الصحيح) وإنما علق عنه البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة، ووثقه جماعة وضعفه بعضهم وفصل الأكثرون. وههنا أمران الأول أن أئمة الحديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح، والواجب على من دونهم التسليم لهم، وأولى من ذلك إذا كان الراوي وسطاً كالنهشلي وابن أبي الزناد. وقد صحح الأئمة حديث ابن أبي الزناد المذكور ولين البخاري والدرامي آثر النهشلي كما مر.
والأمر الثاني: إذا اختلفوا في راوٍ فوثقه بعضهم ولينة بعضهم ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً وهذه حال النهشلي، وإذا فصلوا، أو أكثرهم، الكلام في راو فثبتوه في حال وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالاً إلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو، فأما إذا تبين فالواجب معاملته بحسب حاله، فمن كان ثقة ثبتا ثم اختلط فهو غاية في الصحة، أو بعده فضعيف، وابن أبي لزناد من هذا القبيل فإن أكثر الأئمة فصلوا الكلام فيه، قال موسى بن سلمة «قدمت المدينة فأتيت مالك بن أنس فقلت له إني قدمت إليك لأسمع العلم وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد» ومالك مشهور بالتحري لا يرضي هذا الرضا إلا عن ثقة لا شك فيه، ولذلك عد الذهبي هذا توثيقاً، بل قال في (لميزان) :«وثقة مالك قال سعيد بن أبي مريم قال لي خالي موسى بن سلمة: قلت لمالك: دلني على رجل ثقة، قال: عليك بعبد الرحمن بن أبي الزناد» وقال صالح بن محمد: «تكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة - يعنى الفقهاء - وقال أين كنا عن هذا؟» وإنما روي هذا بعد أن انتقل إلى العراق كما يأتي عن ابن المديني. وقال عبد الله بن علي ابن المدني عن أبيه «ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث في بغداد أفسده البغداديون، ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخط على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم فلان وفلان وفلان، قال ولقنه البغداديون عن فقهائهم» يعني الرواية عن أبيه عن المشيخة بالمدينة أو الفقهاء بها، وهذا هو الذي حكى صالح بن محمد أن مالكاً أنكره، تبين أن ابن أبي
الزناد إنما وقع منه ذلك بالعراق، وابن مهدي إنما كان عنده عن ابن أبي الزناد مما حدث به العراق كما يدل عليه كلام ابن المديني، ويأتي نحوه عن عمرو بن علي. وقال يعقوب بن شيبة:«ثقة صدوق وفي حديثه ضعف، سمعت على ابن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب وما حدث به العراق فهو مضطرب. قال علي: وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة» وقال عمر بن علي: «فيه ضعف فما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد» . وقال أبو داود عن ابن معين «أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أبي الزناد» هذا مع أنه قد روى عن هشام مالك والكبار» .
وفيما حكاه الساجي عن ابن معين «عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج 'ن أبي هريرة حجة» . وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين «ضعيف» وفيما حكاه الساجي عن أحمد: «أحاديثه صحاح» وقال أبو طالب عن أحمد «يروى عنه» قال أبو طالب: «قلت يُحمل؟ قال نعم» وقال صالح بن أحمد عن أبيه: «مضطرب الحديث» وقال العجلي: «ثقة» . وقال الترمذي في «اللباس» من (جامعه)«ثقة حافظ» ، وصحح عدة من أحاديثه. وأخرج له في «المسح على الخفين» حديثه عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما. ثم قال: «حديث المغيرة حديث حسن صحيح وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد
…
. ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة «على ظاهرهما» - غيره
…
قال محمد يعني البخاري - وكأن مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد» .
فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالاً:
الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة، قال ابن معين إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة.
الحال الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة. وهذا قريب من الأول. وظاهر الاطلاق أنه سواء في هاتين الحالتين ما حدث به المدينة وما حدث به ببغداد، وهذا ممكن بأن يكون أتقن ما يرويه من هذين الوجهين حفظاً فلم يؤثر فيه تلقين البغداديين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يتقن حفظه فاضطرب فيه واشتبه عليه.
الثالثة: حاله فيما رواه من غير لوجهين المذكورين بالمدينة فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول على ابن أبن المديني على ماحكاه يعقوب وصرح ابن المدني في حكاية ابنه أنه صحيح. ويوافقه ما روي عن مالك من يوثقه إذ كان بالمدينة والإرشاد إلى السماع منه مخصصاً له من بين محدثي المدينة، ويلتحق بذلك ما رواه بالعراق قبل أن يلقنوه ويشبهو اعليه، أو بعد ذلك ولكنت من أصل كتابة، وعلى ذلك تحميل أحاديث الهاشمي عنه لثناء إن المديني عليها، بل الأقرب أن سماع الهاشمي منه أصل كتابه، فعلى هذا تكون أحاديثة عنه أصح مما حدث به بالمدينة من حفظه.
الرابعة: بقية حديثة ببغداد ففيه ضعف، إلا أن يعلم في حديث منذلك أنهكان يتقن حفظه مثل اتقانه لما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، فإنه يكون صحيحاً وعلى هذا يدل صنيع الترمذي في انتقائه من حديثه وتصحيحه لعدة أحاديث منه، وقد دل كلام الإمام أحمد أن القلتين إنما أو قعة انتقائه في لاضطراب. فعلى هذا إذا جاء الحديث من غير وجه عنه على وتيرة واحدة دل ذلك على أنه من صحيح حديثه. فابن أبي الزناد الحالين الأولين وما يلتحق بهما أثبت من النهشلي بكثير، وفي الحال الثالثة إن لم يكن فوقهفليس بدونه، وفي الرابعة دونه. وهذا الحديث مما حدث به بالمدينة فان ممن وراه عنه عبد الله بن وهب كما في (سنن البيهقي) ج2ص33 بسند صحيح، وهو من أحاديث الهاشمي عنه كما في (سنن أبي داود) و (الترمذي) وغيرهما وجاء من غير وجه وتيرة واحدة وصححه من تقدم من الأئمة، فحاله فيه فوق حال النهشلي، وتأكد ذلك برجحان
سنده على سند النهشلي كما مر، وبموافقة للأحاديث الثابتة عن جماعة من الصحابة ومخالفة أثر النهشلي لمقتضى تلك الأحاديث ومقتضى الآثار المتواترة من الصحابة. على أني أقول: لا مانع من صحة أثر النهشلي في الجملة وبيان ذلك أننا إذا علمنا الاختلاف في مسألة الرفع ثم رأينا عالماً لم نعرف مذهبه في ذلك، وأردنا أن نعرفه فرقبناه في بعض صلاته فلم نره رفع فإنه يقع قي ظننا أن مذهبه عدم الرفع وأن ذلك شأنه، فإذا مضت على ذلك مدة ومات ذاك العالم ثم بدا لنا أن نذكر حاله في الرفع فقد نبني. على ما تقدم فنقول: لم يكن يرفع. فمن الجائز أن يكون اتفق لكليب أنه رقب علياً في بعض صلاته ليرى أمن مذهبه الرفع أم لا؟ فاتفق أن رفع على عند الإفتتاح رفعاً تاماً رآه كليب، ثم تجوزعلى في الرفع عند الركوع فما بعده فلم يره كليب، فظن أنه لم يرفع، وأن مذهبه عدم الرفع، فذهب يحكي عنه بحسب ذلك.
فإن قيل: لكن هذا الاحتمال لا يخلوعن بعد.
قلت: لكنه أقرب الاحتمال. فإن قيل: قدّ روي عن إبن إسحاق السبيعي انه قال: «كان أصحاب عبد الله وأصحاب على لا يرفعون ايديهم إلا في افتتاح الصلاة» .
قلت: إنما أراد الذين صبحوا عبد الله ثم صبحوا علياً ولذلك قدم ذكر عبد الله مع أن علياً أفضل، وكان أبو إسحاق يتشيع وأصحاب عبد الله هم كانوا بعده المقتدي بهم من أصحاب على، وفي مقدمة (صحيح مسلم) عن المغيرة بن مقسم قال:«لميكن يصدق على عليّ في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود» . وكان أصحاب عبد الله يلزمون ما أخذوه عنه، وإن رأوا علياً يخالفه كما لزموا التطبيق وغيره. وقد تقدم الكلام على أخذهم عن عبد الله ترك الرفع فلا تفغل فإن قيل: ولماذا لم ينكر عليهم على؟ قلت: لعله لم يقف على ذلك من خالهم، أو أنكر عليهم فلم ينعوا كما يحتمل ذلك في قضية التطبيق.
بقي قول ابن تركماني: «لخصمه أن يعكسه فيجعل فعل علي بعد النبي عليه
السلام دليلاً على نسخ ما تقدم» .
فأقول: ليس هذا بشيء فقد تقرر في الأصول أن الحكم إذا ثبت فادعي بعض الصحابة نسخة وخالفه غيره منهم، لم يثبت النسخ بتلك الدعوى إذ قد يكون استند صاحبها إلى مالا يوافقه غيره على أنه دليل يوجب النسخ. وقد اختلف الصحابة في عدة أحكام ذهب بعضهم إلى أنها منسوخة، وخالفه غيره، ولم يرا المخالف في قول صاحبه: هذامنسوخ حجة، ولا رأى القائل قوله ذلك كافيا في إثبانت النسخ، فكيف يظن بعلي أن يكون يرى أن الرفع منسوخ ثم يخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع، ويعلم أن غيره من الصحابة يخبرون بذلك ويعلمون به عملاً شائعاً ذائعاً ثم لا يتبع على إخباره بذلك ببيان الحجة على نسخة ويعلن ذلك؟
بل يقتصر على ماليس بدليل على النسخ ولا صريح في دعواه ولا ظاهر فيها وهو الترك، إذ قد لا يرقبه الناس في صلاته، فإن رقبة بعضهم فقد يقول لعله ترك لبيان ألجواز، أو لعذر، أو سها، أو ترخص كما ترخص عثمان وغيره في ترك التكبيرات أوجهر بها كما تقدم. هذا ما لا يكون فالحق ماتقدم من وهم أثر النهشلي أو وهم كليب، وتحقق ما قاله البخاري إنه لا يثبت عن أحد من الصحابة ترك الرفع إلى ان يكون بعضهم تركه في وقت ما لبيان الجواز أو غيره مما تقدم. والله أعلم.
وأما الامر السابع وهو قول الكوثري: «فيدل ذلك على التخيير الأصلي» فإن أراد بالتخيير الأصلي إن احد الأمرين مندوب والأخر جائز فهذا وجه ويتعين أن يكون المندوب هو الرفع فيكون تركه تركاً لمندوب وهو جاء في الجملة ولا يصح عكسه فإن من يرفع على وجه التعبد كما لا يخفى ولو كان الرفع غير مشروع فكان فعله على وجه التعبد بدعة وكذباً على الله تعالى وتكذيباً بآياته فيكيف يقال أنه جائز؟ وإن أريد ان كلا الامرين مندوب، فندب الرفع حق ثابت معقول ولا دليل على ندب الترك مطلقاً، ولا هو مع ندب الفعل بمعقول، فإن ترك المندوب حيث ندب إنما يكون مكروهاً أو خلاف الأولى والتخيير بين
المندوبين إنما يكون بين فعلين كالا اذكار المأثورة في إفتتحاح الصلاة، إذا ثبت منها إثنان مثلا فيقال أيهما أتنى به المصلي فقد احسن، وإذا اتى بها بأحدهما لم يكن تركه للأخر مكروهاً ولا خلاف الاولى، لأنه إا تركه إلى أخر يقوم مقامه.
فإن قيل: فههنا أيضاً امران: الرفع والسكون، فمن رفع الترك فقد أتى بالسكون وهو مندوب.
(1)
قلت: السكون ترك وإنما شرع السكون في الصلاة عن الحركات التي لم تشرع فيها كما في (صحيح مسلم) وغيره من حديث جابر بن سمرة قال (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا: السلام عليكم، السلام عليكم، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل الشمس؟ إذا سلم أحدكم فيلتفت الى صاحبه ولا يويء بيده) فأمرهم بالسكون عن تلك الحركة وهيه رفع أيدي عند السلام، ولإشارة بها يمنى ويسرى وأمرهم بالالتفات وهو حركة أيضاً وإنما الفرق إن الحركة الاولى غير مشروعه، فعلى هذا يجري الأمر في سائر الحركات في الصلاة فما كان واجباً لم يعقل أن يكون السكون عنه جائزاً، وما كان مندوباً لم يعقل أن يكون السكون عنه الى مكروهاً أو خلاف الاولى، وما كان مباحاً فالسكون عنه مباحاً والله الموفق (1) .
(1) ومما يؤكد ما قاله المصنف رحمه الله على مذهب الحنفية، أنهم يرون مشروعية الرفع اليدين تكبيرات الزوائد في صلات العيدين، وكذا في تكبيرات الجنازه في إختيار المشايخ بلخ كما في (شرح الكنز) وغيره من كتبهم. فله كان الحديث المذكور (أُسكنوا في لصلاة) يشمل الرفع في التكبير، لكان مذهبهم هذا مخالفاً له، مع العلم بأن الرفع في الزوائد لا يصح حديثه الذي استدل به ورفع في الجنازه لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عدا الرفع في تكبيرة الإحرام، كما كنت بنيته في كتاب (احكام الجنائز وبدعها) يسر الله تمام طبعه بمنه وكرمه. فأعجب لقوم هذا مذهبهم، يستدلون بالحديث على كراهة رفع اليدين في تكبيرات الانتقال مع تواتره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يستدلون به على كراهة الرفع في الجنازه والعيدين مع عدم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم زد على ذلك أن هو اللاايق والمناسب اتم من مناسبة لقول أبي حنيفة (يريد أن يطير فيرفع يديه) لأن الرفع في الصلاتين المذكورتين اوخصوصاً صلاة العيد أقرب إلى هذا القول لتتابع الرفع فيه،، وقد سلم الكوثري بصحتهم عنه بسكوته عنه وتأويله إياه بأن أبا حنيفة قال لإبن المبارك ممازحة وهل ممازحة جائزة إلىة هذا الحد في مذهب الكوثري،،
فاللهم هداك
وأما الأمر الثامن وهو قول الكوثري: (وإنما خلافهم فيما هو الأفضل) فوجيه في الجملة فإن منهم من عرف أن الرفع سنة باقية، وفعل السنة افضل من تركها، ومن تابعين فمن بعدهم من لم تبلغه هذه السنة منوجه يثبت أو بلغته ولكن غلبت عليه شبهه ترجح بها عنده أنها منسوخة فيكون عنده أم الرفع بدعة، وترك البدعة أفضل من فعلها، وكذلك من التبس عليه الحال فإن نا يحتمل أن يكون سنة ةإن يكون بدعة فتر كه أفضل، فأما من أعرض عن الحجج واسترسل مع الشهاب إيثار لهواه، فله حكم آخر. والله المستعان.