الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاتم: «روى عن عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان
…
روى عنه أبي وأبو زرعة
…
سئل أبي عنه فقال: صدوق» . ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في (لسان الميزان) ج2 ص416. وكل من أبي زرعة وأبي حاتم وابن وارة أجل من أبي مسعود وأثبت وأيقظ وأعرف، فما رووا عن هذا الرجل عن ابن مهدي والقطان إلا وقد عرفوا صحة سماعه منهما.
وأما الغرائب، فمن كثر حديثه كثرت غرائبه، وليس ذلك بقدح ما لم تكن منا كير الحمل فيها عليه، وليس الأمر هنا كذلك، وقد قال أبو الشيخ في أبي مسعود:«وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير» ويقول نحو هذا في تراجم آخرين وثقهم هو وغيره. وذكر ابن حبان عبد الرحمن هذا في (الثقات) . وفي ترجمة جبّر من (كتاب أبي الشيخ) من طريق سفيان صالح بن مهران عن جبر عن الثوري كلمة أخرى أشد مما رواه عبد الرحمن فهي في معنى المتابعة له. والله أعلم. (1)
140- عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد بن أبي حاتم الرازي
. في (تاريخ بغداد) 13/400 عنه «حدثنا أبي حدثنا ابن أبي سريج قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس، وقيل له تعرف أبا حنيفة؟ فقال: نعم، ما ظنكم برجل لو قال هذه السارية ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب أو فضة وهي من خشب أو حجارة!. قال أبو محمد: يعني أنه كان يثبت على الخطأ ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له» تكلم الأستاذ في هذا ص 114 - 116 وهو كلام طويل، فلنلخص مقاصده:
الأول: أن المعروف في الحكاية «لقام بحجته» بدل «لقام دونها
…
» كذلك في (تاريخ بغداد) 13/335 و (المنتظم) لابن الجوزي وكذلك في رواية أبي الشيخ عن أبي العباس الجمال عن أبي سريج ومثلها في (طبقات الفقهاء) للشيرازي.
الثاني: أن مقصود مالك مدح أبي حنيفة بقوة العارضة، وقد روى ابن عبد البر
(1) عبد الرحمن بن مالك بن مغول. تقدم في ترجمة الصقر.
من طريق «أحمد بن خالد الخلال: سمعت الشافعي يقول: سئل مالك
…
قيل له: فأبو حنيفة؟ قال: لو جاء إلى أساطينكم هذه - يعني السواري - فقايسكم على أنها من خشب لظننتم أنها خشب» .
الثالث: أن ابن أبي حاتم مع اعترافه بأنه يجهل علم الكلام كما في (الأسماء والصفات) ص296 يدخل في مضايق علم أصول الدين مباعداً التفويض والتنزيه كما يعلم من كتابه (الرد على الجهمية) ويقول: بأن قول «لفظي بالقرآن مخلوق» كفر مخرج عن الملة.
الرابع: أنه روى عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ما فيه غض من أبي حنيفة مع علمه بانحراف الجوزجاني من أهل الكوفة.
الخامس: قال الأستاذ: «لو كشفنا الستار عما ينطوي ابن أبي حاتم عليه من الاعتقاد الرديء الحامل له على أعداء أهل الحق لطال بنا الكلام فلنكتف بهذه الإشارة، ليعلم أنه لا يؤخذ منه إلا فنه فيما لا يكون مثار تعصبه» .
أقول: أما حكاية ابن أبي سريج عن الشافعي عن مالك فرواية ابن أبي حاتم أثبت إسناداً فإنه حافظ ثقة ثبت قيدها في كتاب مصنف وأبوه إمام، أما رواية الخطيب التي أشار إليها الأستاذ فرواها عن البرقاني هو على اصطلاح الأستاذ مجهول الصفة إنما ذكروا أن البرقاني سمع منه في أول أمره، ومحمد بن أيوب في تلك الطبقة وذاك البلد اثنان أحدهما: محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الحافظ الثقة، والثاني محمد بن أيوب بن هشام، كذبه أبو حاتم ولا تعرف لواحد منهما رواية عن ابن أبي سريج ولا عن واحد منهما رواية لابن حمدان. وقد روى الخطيب (13/394) من طريق القاسم بن أبي صالح حدثنا محمد بن أيوب بن هشام الرازي كذبه أبو حاتم» هذا مع أن ابن هشام هذا لا تعرف له رواية عن
إبراهيم، وإنما الذي يروي عن إبراهيم هو محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس كما في ترجمة إبراهيم من (تهذيب المزي) فإن أحب الأستاذ فليعترف بأن محمد بن أيوب هناك هو ابن يحيى بن الضريس فنعترف له بأن الظاهر هنا أنه هو أيضاً، وإن لم نعرف له رواية عن ابن أبي سريج، لكن هو المشهور في تلك الطبقة والمتبادر عند الإطلاق ويبقى النظر في ابن حمدان. فأما رواية أبي الشيخ فلم أقف عليها، فإن ثبتت عنه بقي النظر في حال أبي العباس الجمال، وقد ذكره أبو الشيخ وأبو نعيم فوصفاه بالعلم، ولم يوثقاه. فأما ما في (المنتظم) فمأخوذ من رواية الخطيب وكذلك ما في (طبقات الفقهاء) مأخوذ من رواية أبي الشيخ، فابن حمدان والجمال على اصطلاح الأستاذ مجهول الصفة فأين هما من ابن أبي حاتم؟ ومحمد بن أيوب بن يحيى الضريس وإن كان ثقة ثبتاً إلا أنه دون أبي حاتم، مع أن هناك احتمالاً أن محمد بن أيوب هو ابن هشام وهذا الاحتمال وإن كان خلاف الظاهر لكنة لا يهدر عند الحاجة إلى الترجيح. فأما رواية ابن عبد البر ففي سندها أحمد بن الفضل وهو كما قال لأستاذ «الدَيْنَوري» له ترجمة في (لسان الميزان) ج1 ص246 وفيها عن الحافظ ابن الفرضي «
…
وكان عنده مناكير وقد تسهل فيه الناس وسمعوا منه كثيراً وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى: لقد كان بمصر يلعب به الأحداث ويسرقون كتبه وما كان ممن يكتب عنه» وفيها عن أبي عمرو الداني أنه بلغه أن أبا سعيد ابن الأعرابي كان يضعف أحمد بن الفضل هذا ويتهمه ومع ذلك فليست هذه الرواية من طريق ابن أبي سريج.
فقد أتضح أن رواية ابن أبي حاتم هي الثابتة.
وأما ما هو مقصود مالك فالله أعلم، فقوله في رواية ابن أبي حاتم:«حتى يجعلها ذهباً» يحتمل معاني:
الأول: أن تكون «حتى» بمعنى إلى و «يجعل على حقيقته. أي لقام دونها وبقي على دعواه ومناظرته إلى أن يصير السارية ذهباً، وذلك ما لا يكون فالمعنى: أنه لا يرجع عن دعواه ومجادلته أبداً، كما قال الله عز وجل: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ
فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} .
المعنى الثاني: أن تكون حتى بمعنى إلى أيضاً و «يجعل
…
» بمعنى يجعل في ظن السامع أي لا يزال يورد الشبهات إلى أن يخيل للسامع أن السارية ذهب.
المعنى الثالث: أن تكون «حتى» بمعنى كي و «يجعل
…
» بمعنى يجعل في ظن السامع أي لقام يستدل على أنها ذهب لكي يخيل إلى السامع ذلك. والمعنى الأول هو الذي فهمه ابن أبي حاتم وهو ذم؛ والمعنى الثاني وصف بقوة العارضة والقدرة على الجدل. والمعنى الثالث وصف باستمرار الموصوف على ما سبق أن قاله، ومحاولة أن يخيل للسامع صحته. وقوله في الرواية الأخرى «لقام حجته» ظاهر في المعنى الثاني فإنه لا يمكن أن تكون هناك حجة حقيقة على أن الحجر أو الخشب ذهب وإنما قد يمكن أن تورد شبهة يتوهم السمع أنها حجة. وهذا المعنى كما تقدم وصف بقوة العارضة والقدرة على الجدل، وهو فيما بين الناس مدح، فأما بالنظر إلى الأحكام الشرعية فيحتمل المدح بأن يكون المقصود أن أبا حنيفة كان من القدرة على بيان الحق وإقامة الحجة عليه غاية بحيث لو فرض أنه ادعى الباطل لأمكنه أن يخيل لسامع أنه حق فما بالك بالحق؟ ويحتمل الذم بأن يكون المقصود أنه كان ماهراً في الجدل والمخاصمة بحيث يُرى الباطل حقاً والحق باطلاً.
وزعم الأستاذ أن ابن أبي حاتم إنما سمع الحكاية بلفظ «لقام بحجته» فغيرها إلى ما وقع في روايته ليصرفها إلى الذم، تهمة باطلة وفرية كاذبة وبهتان عظيم.
أولاً: لما ثبت من ديانة ابن أبي حاتم وأمانته وصدقه وورعه.
ثانياً: لأن اللفظ الواقع في روايته يحتمل ن يكون مدحاً كما مر فلو كان ممن يستحل التغيير لغير إلى لفظ صريح في الذم واستغنى عن التفسير الذي يمكن أن
ينازع فيه.
ثالثاً: لفظ «لقام حجته» يحتمل أن يكون ذماً أيضاً كما مر فلو كان ابن أبي حاتم حريصاً على أن يحمل الحكاية على الذم لأمكنه أن يفسر هذا اللفظ بما يقتضي الذم ويحتج بقول الله عز وجل {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} وبعد أحاديث معروفة، فما الذي يلجئ ابن أبي حاتم إلى أن يضحي بأمانته في النقل وهي رأس مال مثله لأجل غرض يمكنه تحصيله بدون تلك التضحية؟
ولو فرضنا أن الحكاية رويت عن ابن أبي سريج من عدة أوجه صحيحة وثيقة يجب ترجيحها على رواية ابن بي حاتم لما ساغ أن يتهم، بل يحمل على أنه سمع الحكاية، ففهم منها المعنى الذي ظهر من اللفظ الذي عبر به ولم يكتبها، ثم مضت عليها مدة فاحتاج إلى أن يذكر الحكاية فلم يتذكر لفظها فعبر عنها بما يراه يؤدي ذلك المعنى الذي فهمه. واحتاط فلم يأت بلفظ صريح، بل أتى بلفظ محتمل، ثم فسره بالمعنى الذي فهمه. ومثل هذا أو أشد منه قد يتفق في الأحاديث النبوية لمن هو أجل من ابن أبي حاتم ثم لا يكون موجباً وهناً ما في الراوي.
أما الأمر لثالث فقد أجبت عنه في قسم الاعتقاديات وإن صح عن ابن أبي حاتم إطلاق إن قول «لفظي بالقرآن مخلوق» كفر مخرج عن الملة، فمراده بذلك، قول تلك الكلمة معنياً بها أن القرآن مخلوق، وأهل العلم قد يحكمون على الأمر بأنه كفر ولا يحكمون بأن كل من وقع منه خارج عن الملة، لأن شرط ذلك أن لا يكون له عذر مقبول. ويأتي مثل هذا في الزنا والربا وغيرهما، وقد جاء في الحديث تعريف الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره، (1) وقد يذكر المؤمن أخاه بما يكره غير شاعر بأنه يكرهه بل ظاناً أنه يحبه. فلا يلحقه الإثم وإن صح أن يسمى ما وقع منه غيبة، وصح أن يقال: الغيبة حرام يأثم صاحبها، وقد قال الله تبارك وتعالى {مَنْ
(1) أخرجه مسلم في (صحيحه) من حديث أبي هريرة مرفوعاً. ن
كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل - 106.
المختار من معنى الآية أن التقدير: «من كفر بالله بعد إيمانه فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان» ، فحذف هذا الجواب وهو قولنا «فعليهم غضب
…
» لدلالة ما بعد ذلك عليه. فدل الاستثناء على أن من أكره فأظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فقد كفر من بعد إيمانه وإن كان لا غضب عليه ولا عذاب. ومع هذا فقد يكون أطلق في القرآن في مواضع كثيرة ترتب العقوبة على الكفر. فعلم بذلك جواز ذاك الإطلاق وإن كان الحكم مختصاً بغير المكره لأنه قد قام الدليل على إخراج المكروه فلا محذور في الإطلاق. فكذلك هنا لا حرج في إطلاق أن قول تلك الكلمة كفر مخرج عن الملة. وإن كان هذا الحكم مختصاً بمن ذكرنا.
وأما الأمر الرابع فقد سلف الجواب عنه في ترجمة الجوزجاني.
وأما الأمر الخامس فجابه في قسم الاعتقاديات وفي القاعدة الثالثة من قسم القواعد.
أما قوله: «لا يؤخذ منه إلا فنه فبما لا يكون مثار تعصبه» إن أراد به رد ما يرويه ابن أبي حاتم مما فيه غض من أبي حنيفة وأصحابه فقد أبطل، وأتى بما لا يستحق أن يذكر، فكيف أن يقبل؟! وإن أراد رد رأي ابن أبي حاتم كقوله في تفسير تلك الكلمة: «يعني أنه كان يثبت على الخطأ
…
» فلا وجه للرد ولكن ينبغي التثبت والتدبر، فإن تبين خطأ ابن أبي حاتم رد عليه خطؤه كما يرد على غيره، وإن تبين صوابه وجب القبول، وإن لم يظهر ذا ولا ذا نظرنا فإن كان ذاك حكماً منه في جرح أو تعديل كقوله:«فلان ثقة» أو «فلان ضعيف» وجب قبوله إلا أن يعارضه ما هو أولى بالقبول منه. وراجع ترجمة ابن أبي حاتم في (تذكرة الحفاظ)