الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة: أما على القاتل بالمثقل قصاص
؟
في (تاريخ بغداد) 13 / 332 عن غبراهيم الحربي قال: «كان أبوالحنفية طلب النحو.. فتركه ووقع في الفقه فكان يقيس ولم يكن له علم بالنحوفسأله رجل بمكة فقال له: رجل شجّ رجلاً بحجر. فقال: هذا خطأ ليس عليه شيء لوأنه حتى يرميه بأبا قبيس لم يكن عليه شيء» قال الأستاذ ص23: «وأدلة أبي حنيفة في حكم القتل بالمثقل مبسوطة في كتب المذهب
…
وقد صحت أحاديث وآثار عند النسائي ،أبي داود وابن ماجه وابت حبان وأحمد وابن راهو ية وابن أبي شيبة وغيرهم يؤيد ظاهرها هذا المذهب، وقد صحت احاديث
…
» قوله: منها حديث عبد الله بن عمروعن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن دية الخطأ شبه العمد، وما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح. ومنها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: شبه العمد قتيل الحجر والعصا فيه الدية مغلظة. أخرجه ابن راهو ية. ومنها حديث ابن عباس في دية القاتلة بمسطح - وهو عود من أعواد الخباء - أخرجه عبد الرزاق. إلى غير ذلك من الأحاديث» .
أقول: في هذه القضية آيات من كتاب الله عز وجل أعرض عنها الأستاذ!
الآية الأولى: قوله تعالى: «وما كان لمؤمنٍ أن يقتلَ مؤمناً إلا خطأً ومن قتلَ مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» إلى قوله: «ومن يقتل
مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم» الآية -سورة النساء: 92-93.
من المعلوم في العربية أن عمد القتل وتعمده هو قصده، وأن وقوعه خطأ هو أن يقع بلا قصد. ولا ريب أنه إذا كان هناك قتل يوصف بأنه خطأ شبيه بالعمد فإنما هو أن يتعمد سبب القتل كالضرب مثلاً ولا يقصد القتل، وإنما يقصد الإيلام بلا قتل، فهذا القتل خطأ لأنه لم يقصد ولكنه شبيه بالعمد من جهة أن سببه متعمدة. ولا يشك عاقل أن من عمد إلى طفل أو أو ضعيف فوضع رأسه على صخرة وجاء بأخرى فضرب بها رأسه حتى فضحه حبلاً في عنقه ثم شد طرفه بشجرة ثم جذب طرفه الآخر جذباً شديداً راسه وعنقه وصدره وظهره حتى مات فقد قتله عمداً فقد خرج عن لغة العرب.
ألاية الثانية: قوله تعالى: «كتب عليكم القصاص في القتلى» الآية –البقرة 178 نصت ألاية على وجوب القصاص في كل قتيل يتأتي فيه، القصاص يدل على المماثلة، والمقصود المماثلة في المعاني التي يعقل لها دخل في الحكم، فلا تتناول القتيل بحق لأن قتل قاتلة يكون بغير حق، ولا القتيل خطأ محضاً لأن قتل قاتلة إنما يكون عمداً، ولا القتيل الذي دلت شواهد الحال على أنه إنما قصد إيلامه لا قتله كالمضروب ضربات يسيره بسوط أو عصا خفيفة لأن قتل قاتلة يكون مقصوداً. وتتنازل الآية القتلى في الصور المتقدمة سابقاً وهي فضح الرأس وما معه ونحوها إذا كان بغير حق، لأنه قصد فيها سبب القتل وقصد فيها القتل، وقتل القاتل يقتضي مثل ذلك بدون زيادة فهو قصاص، فالآية تنص على وجوب القصاص في تلك الصور ونحوها حتماً.
الآية الثالثة: قوله عز وجل «ومن قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يُسرف في القتل إنه كان منصوراً» الإسراء -33والإسراف هو تعدي المماثلة التي تقدم بيانها، أو قل: تعدي القصاص، فمن قُتل بحق فلم يقتل مظلوماً، ولا يكون قتل قاتلة إلا إسرافاً، وبقية الكلام كما في الآية السابقة، وقتل القاتل في تلك الصور التي منها فضخ الرأس وما معه وما في معناها لا يتعدي المما ثلة المعتبرة فلا إسراف فيه فقد جعل الله تعالى للولي سلطاناً عليه، وذلك شرع القصاص.
الآية الرابعة: قوله سبحانه «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» البقرة -179
ولا ريب أنه إذا لم يكن في القتل قصاص لم يتقه الناس، فيتحرون القتل بالمثقل عدواناً وانتقاماً فيفوت المقصود من شرع القصاص.
الآية الخامسة قوله تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به»
النحل - 126.الآية السابعة: قوله تعالى «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا الله» البقرة -194.
الآية الثامنة: قوله تبارك وتعالى «وجزاء سيئة سيئة مثلها» الشورى - 40
وأما الأحاديث التي ذكرها الأستاذ فحديث «ألا إن دية الخطأ شبه العمد
…
» مختلف في إستاده فقيل عن القاسم بن ربيعة مرسلاً، وقيل عنه عن عبد الله بن عمرومرفوعاً. وقيل عنه من عقبة بن أو س مرسلاً، وقيل عنه عن عقبة عن رجل من الصحابة، وقيل غير ذلك، وقد ساق النسائي أكثرتلك الوجوه. وذلك الاختلاف والاضطراب قد يتسامح فيه إذا لم يكن المتن منكراً، ومن قواه من المحدثين لا
يرى معناه ما يزعمه الحنفية مما يخالف الكتاب والسنة الصحيحة، ولورأى أن ذلك معناه لأنكره فرده بذلك وبذاك الاختلاف والاضطراب (1) مع ذلك فعقبة بن أوس المتفرد به غير مشهور، وإنما وثقه من من عادته توثيق المجاهيل وإن كانوا مقلين إذا لم ير في حديثهم ما ينكره، وقد شرحت ذلك في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد. ولورأوا أن معنى هذا الحديث ما يزعمه الحنفية لما أثنوا على عقبة، بل لعلهم يجرحونه بمقتضى قاعدتهم في جرح المتفرد بالمنكر، ولا سيما إذا كان مقلاً غير مشهور. والحنفية يردون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في أسانيدها البتة بدعوى مخالفتها للقرآن حيث لا مخالفة كما مر في المسألة السابعة، وكما يأتي في مسألة الخامسة عشرة، فكيف يسوغ لهم أن يتشبثوا بهذا الحديث مع ما في سنده من الاختلال ومع وضوح مخالفة معناه الذي يعتمدونه للقرآن. فإن قيل: وهل يحتمل معنى آخر؟ قلت نعم، وبيان ذلك أن من القتل ما يتبين فيه أن القاتل قصد القتل، كالصور التي تقدم التمثيل بها من فضح الرأس وما معه ونحو ذلك وما يقرب منه. ومنه ما يتردد فيه أقصد أم لم يقصد كمن أغضبه رفيقه وكان
(1) قلت: بل الحديث صحيح السند كما قال الكوثري، والاضطراب الذي ذكره المصنف رحمه الله هو من الاضطراب الذي لا يؤثر في صحة الحديث، فقد ذكرت في «الارواء» رقم (2259) أشهر وجوه الاضطراب فيه، ثم قابلت بينها على ما يقتضيه علم المصطلح والجرح والتعديل، فتبين لي أنها غير متماثلة في القوة وعدد رواة كل وجه، وأن أرجحها رواية من رواه عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أو س عن عبد الله بن عمرو، وعلى ذلك حكمت عليه بالصحة، لأن رجاله كلهم ثقات، وعقبة بن أو س قد وثقه ابن سعدوالعجلي وابن حبان، وهؤلاء وإن كانوا متساهلين في التوثيق كما أشار إليه المصنف، فاتفاقهم عليه، مع عدم توجه أي انتقاد عليه، بل قبله الحفاظ من بعدهم ولم يردوه، مثل الحافظ ابن حجر فقال في «التقريب» :«صدوق» . زد على ذلك أن من جملة من خرج الحديث ابن الجارود في كتابه «المنتقى» رقم (773) ، وذلك منه توثيق لرجاله كما لا يخفى. ولذلك فالاعتماد في الرد على الحنفية في استدلا لهم بهذا الحديث على ما زعموا، إنما هو على المعنى الآخر الذي أوضحه المؤلف جزاه الله خيراً.
بيده فأس أو عصا كبيرة فضرب رأسه فقتله. ومنه ما يتبين أنه لم يقصد كمن ضرب رجلاً ضربات يسيره بسوط أو عصا كبيرة فضرب رأسه فقتله. ومنه ما يتبين أنه لم يقصد كمن ضرب رجلاً ضربات يسيره بسوط أو عصا خفيفة فمات فهذه ثلاثة أضرب وقوله في أول الحديث: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد» مُخْرجٌ للضرب الأول حتماً لأنه عمد محض لا يعقل أن يسمى خطأ شبه عمد، فبقى الأ خيران والظاهر أنه شامل لهما. أما الثالث فواضح وأما الثاني فلأنه إذا لم يتبين قصد القتل فالأصل عدمه. فقوله بعد ذلك:«ما كان بالسوط والعصا» حقه أن يكون تقيداً ليخرج من الضرب الثاني ما كان بسلاح لأن استعمال السلاح يدل على قصد القتل، وإن كانت قد تدافعه قرينة أخرى فيقع التردد، ومن الحكمة في ذلك زجر الناس عن استعمال السلاح حيث لا يحل لهم القتل، وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشتر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» . وفيه من حديثه أيضاً «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأُمه» . وفي (المستدرك) ج4 ص290 من حديث جابر قال: «نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولاً» ومن الحديث أبي بكرة قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يتعاطون سيفاً مسلولاً، فقال رسول ألله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من فعل هذا، أو ليس قد نهيت عن هذا؟ إذا سل أحدكم سيفاً ينظر إليه فأراد أن يناوله أخاه فليغمده ثم ليناوله إياه» وعلى ذاك المعنى فكلمة «ما» من قوله: «ما كان بالسوط والعصا» إما موصولة بدل بعض من «الخطأ شبه العمد» وإما مصدرية زمانية، أي: وقت كونه بالسيف والعصا، كما قيل بكل من الوجهين فيما قصة الله تعالى عن شعيب:«إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت» . هو د: 88.
ويؤيد ذلك أن في بعض الروايات عند النسائي وغيره منها رواية أيوب عن القاسم ورواية هشيم عن خالد الحذاء عن القاسم «
…
الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا
…
» ليس فيه «ما كان» والتقييد في هذا ظاهر. على أن الشارع وإن قضى بأنه إذا كان القتل بسلاح ونحوه عمد حيث يتردد في القصد فإنه يبالغ في حض ولي الدم على أن لا يقتص. أخرج أبو داود في (السنن) من حديث أبي
هريرة قال: «قتل الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله والله ما أردت قتله، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته لتدخلن النار. قال: فخلى سبيله» ثم أخرجه من حديث وائل بن حجر وفيه «قال كيف قتلته؟ قال ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله
…
قال للرجل: خذه فخرج به ليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه إن قتله كان مثله
…
» وحديث وائل في (صحيح مسلم) وفيه «كيف قتلته. قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته
…
» وفي رواية «فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل والمقتول في النار
…
» وتأوله بعضهم على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سأل الولي أن يعفوفأبى. وهذا ضعيف من وجهين: الأول: انه ليس في القصة من الأمر بالعفوإلا بالعفوإلا ماوقع من بيان الإثم أو ما بعده. الثاني: أنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أحداً بترك حقه أمراً جازماً يأثم المأمور إن لم يمتثله وقد رغب صلى الله عليه وسلم إلى أبي بريرة لما عتق أن لا تفسح نكاح زوجها فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا، وإنما أنا أشفع. قالت: فلا حاجة لي فيه. ولم يعقب هو بأبي وأُمي ولا أحد من أصحابه على بريرة. فالصواب ما دل عليه حديث أبي هريرة أن إثم الولي إن قتل إنما هو مبني على قول القاتل: لم أرد قتله. مع قوة احتمال صدقه. وقد ذكر الطحاوي في، مشكل الآثار) ج 1ص 409 الحديث ثم قال: «فكان معنى ذلك والله أعلم أن البينة التي كانت شهدت عليه بقتله لأخي خصمة شهدت بظاهر فعله الذي كان عندنا أنه عمد له لا شك عندنا فيه، وكان المدعى عليه أعلم بنفسه وأيما كان منه من ذلك فادعى باطناً كان منه في ذلك لا بحجة معه
…
» .
أقول: لم أر في شيء من الروايات لإقامة بينة أي شهود بل في بعض الروايات
أن الولي قال: «أما إنه لو لم يعترف لأقمت عليه البينة» فإنما كان في الواقعة اعترف الرجل بالضرب وبتعمده وبآلته وصفته، وضرب الرأس بالفأس يقتضى قصد القتل، إلا أن هناك ما عارضه وهو وبتعمده وبآلته وصفته، وضرب الرأس بالفأس يقتضي قصد القتل، إلا أن هناك ما علرضه وهو أنه لم يسبق بينهما عداوة وكانت الفأس بيد الجاني يختبط بها فثار غضبه بسبب السب فضرب بما كان في يده وادعى أنه لم يرد القتل وأقسم على ذلك. فالحديث يدل أنه في مثل هذه الحال يقضى بأن القتل عمدٌ تأكيد للزجر عن القتل والتنفير عنه، ولا يمنع الولي من الاقتصاص ولكنه يحرم عليه فإن قيل: وكيف لا يمنع مما يحرم عليه؟ وقلت: لأنه لومنع منه حكماً لفات المقصود من تأكيد الزجر عن القتل. ويشبه هذا ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كا يعطى الملحف في السؤال وإن كان غير مستحق، وفي (مسند أحمد) و (المستدرك) وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال:«أما والله إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها وما هي إلا نار. قال عمر: لم تعطيها إياهم؟ قال: ما أصنع؟ يأبون إلا ذلك ويأبى الله لي البخل» . وفي (صحيح مسلم) من حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني، فلست بباخل» (1) .
فإذا حمل ذاك الحديث على معنى الذي ذكرنا لم يكن مخالفاً لكتاب الله عز وجل ولا للسنة الصحيحة ولا للنظر المعقول، فلا يكون منكراً، وعلى هذا بنى من قواه من المحدثين ووثق راويه المتفرد به مع ما فيه من الخلل. فإن أبى الحنفية إلا المعنى الذي يتشبثون به قلنا فعلى ذلك يكون الحديث منكراً فيرد ويضعف راوية اتفاقاً.
خذ أنف هرشى أو قفاها فإنما كلا جانبي هرشى لهن طريق
علىانه سيأتي في الحديث الثاني التقييد بأن يكون القتل في مناوشة بين عشيرتين بدون ضغينة ولا حمل سلاح فيقتل رجل لا يدرى من قاتله. وعلى هذا فلوصح هذا الحديث وكان مطلقاً لوجب حمله على ذاك المقيد. ومقتضى الحديث أنه في
(1) وأخرجه أبن حبان في «صحيحة» نبحوحديث أبي سعيد كما في «الترغيب» (2/15) ، وهو في «موارد الظمآن» رقم (2074) مختصراً، وإسناده حسن.
تلك الصورة يقضى بأن القتا شبه عمد فينظر في العشيرتين المتناوشتين فأيتهما كان المقتول منها كانت ديته مغلظة على الأخرى، لأن الظاهر أن القاتل منها وأنها عاقلته، فأما إذا كان هناك ضغينة وحمل سلاح فإنه يقضى بأن القتل عمد فيجعل قسامة، وأماإذا عرف القاتل فله حكمه. والله أعلم.
قول الأستاذ: «منها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: شبه قتيل الحجر والعصا فيه الدية مغلظة. أخرجه أبن راهو ية» .
أقول: ذكرناه الزيلعي في (نصب الراية) ج4ص332 وذكر أن ابن راهو ية رواه عن عيسى بن يونس عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن أبن عباس، وأنه مختصر، وأحال يتمامه على ما تقدم له يعني ج4ص327 الحديث هناك:«العمد قود إلا أن يعفوولي المقتول، والخطأ عقل لا قود فيه، وشبه العمد قتيل العصا والحجر ورمي السهم فيه الدية مغلظة من اسنان الابل» نسبه إلى ابن راهو ية بالسند نفسه. والحديث في (سنن الدارقطني) ص328 من طريق: «يزيد بن هارون نا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن أبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمد قود اليد، والخطأ عقل لا قود فيه، ومن قتل في عمية بحجر أو عصا أو بسوط فهو دية المغلظة في أسنان الإبل» . وإسماعيل بن أمية ضعيف وقد اضطرب كما رأيت وجعل فيه في رواية ابن راهو ية رمي السهم وهو عمد عند الحنفية. ورواه أبو داود وغيره من طريق سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبن عباس يرفعه «من قتل في عميا أو رمياً تكون بينهم بحجر أو سوط فعقله عقل خطأ، ومن قتل عمداً فقود يده» . سليمان متكلم فيه. ورواه الدارقطني ص 328 من طريق الحسن بن عمارة عن عمروعن طاوس عن أبن عباس مرفوعاً. والحسن بن عمارة ضعيف جداً. ورواه الدارقطني ص 327 من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار بسنده. والصحيح عن حماد أنه رواه مرسلاً، قال أبو داود في باب «عفوالنساء عن الدم» : «حدثنا محمد بن عبيد نا حماد، ح ونا ابن السرح نا سفيان وهذا حديثه عن عمروعن طاوس قال: من قتل. وقال ابن عبيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل عنداً في عميا في رمي يكون بينهم بحجارة أو
بالسياط أر ضرب بعصا فهو خطأ وعقله عقل الخطأ ومن قتل عمداً فهو قود، وقال ابن عبيد: قود يد
…
وحديث سفيان أتم» . ورواه ابن السرح عن سفيان بن عيينة عن عمروعن طاوس قوله كما مر عن أبي داود، ولكن رواه الشافعي كما في (سنن البيهقي) ج8ص45 عن سفيان عن عمروعن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن أبن جريج عن طاوس عن أبن عباس مرفوعاً، والوليد شديد التدليس يدلس التسوية. وقد رواه الدارقطني ص 328 من طريق:«عبد الرزاق أنا ابن جريح أخبر عمرو بن دينار أنه سمع طاوس يقول: أرجا يصاب في الرمي في القتال بالعصا أو بالسياط أو الترامي بالحجارة يودى ولا يقتل به من أجل أنه لا يعلم من قاتله؟» قال ابن جريج: «وأقول: ألا ترى إلى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهذليتين: ضربت إحدهما الأخرى بعمود فقتلها، إذ لم يقتلها بها ووداها وجنينها. أخبرناه ابن طاوس عن أبيه لم يجاوز طاوس» .
أقول: قصة الهذليتين ستأتي.
وأخرج أيضاً من طريق: «عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني أبن طاوس عن أبيه، قال (1) عند أبي كتاب فيه ذكر العقول جاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
…
ففي ذلك الكتاب وهو عن النبي صلى الله عليه وسلم: قتل العمية ديته دية الخطأ، الحجر والعصا والسوط ما لم يحمل سلاحاً» ومن طريق «عبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن أبيه أنه قال: من قتل في عمية رمياً بحجر أو عصا أو سوط ففيه دية المغلظة» .
فالروايات الصحيحة تجعله عن طاوس من قوله أو عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وتفسيره بما سمعت، وقد مر توجيه ذلك في آخر الكلام على الحديث السابق فلا متشبث فيه للحنفية.
و (العميا) فسرها أهل الغريب كما في (النهاية) بقولهم: «أن يوجد بينهم قتيل يعمي أمر، ولا يتبين قاتله» .
(1) يعني ابن طاوس واسمه عبد الله. ن
وأخرجه الدارقطني من طريق إدريس بن يحيى الخولاني: «حدثني بكر بن مضر حدثني حمزة النصيبي عن عمر بن دينار حدثني طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل في عميا رمياً تكون بينهم
…
» ثم أخرجه من طريق عثمان بن صالح: «نا بكر بن مضر عن عمرو بن دينار
…
» ومن وجه آخر عن عثمان بن صالح: «نا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن دينار» .
حمزة النصيبي هالك، وعثمان بن صالح صالح في نفسه لكنة من الذين ابتلوا بخالد بن نجيح، كانوا يسمعون معه فيملي عليهم ويخلط. وخالد هالك.
قول الأستاذ: «ومنها حديث ابن عباس في دية القاتلة بمسطح - وهو عود من أعواد الخباء - أخرجه عبد الرزاق» .
أقول: جاءت القصة من رواية جماعة من الصحابة:
الأول: زوج المرأتين حمل بن مالك بن النابعة ومنه سمعة ابن عباس، ففي (مسند أحمد) ج 4 ص 80 «ثنا عبد الرزاق قال: أنا ابن جريح قال: أنا عمرو بن دينار أنه سمع طاوساً يخبر عن ابن عن عمر رضي الله عنه أنه نشد قضاء. رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فجاء حمل ابن مالك بن النابغ فقال: كنت بين بيتي امرأتي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها. قلت لعمرو: لا، أخبرني عن أبيه بكذا وكذا قال: لقد شككتني» . ورواه أبي داود عن أبي عاصم عن أبن جريج بمعناه إلى قوله: «أن تقتل» وبعده: «قال أبو داود قال النضر بن شميل: المسطح وهو الصوبج. قال أبو عبيد: السطح عود الخباء» .
ورواه البيهقي ج8ص43 من طريق عبد الرزاق بنحوه وفيه من قول ابن جريج: «فقلت لعمرو: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه قضاء بديتها وبغرة عن جنبيها. قال: لقد شككتني: ورواه النسائي من طريق عكرمة عن أبن عباس وفيه: «فرمت إحداهما الأخرى بحجر» . وروى الطبراني من طريق أبي المليح ابن أسامة
الهذلي عن حمل بن مالك: «أنه كان له امرأتان لحيانية ومعاوية
…
فرفعت المعاوية حجراً فرمت به اللحيانية وهي حبلى فألقت جنيناً، فقال حمل لعمران بن عويمر:(أخي القاتلة) أدّ إلى عقل امرأتي، فأبى فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: العقل على العصبة» . وذكره ابن حجر في ترجمة عمران من (الإصابة) .
الثاني: أخوالمقتولة عويم، ويقال: عويمر الهذلي. في ترجمته من (الإصابة) : «أخرج ابن أ «ي خثيمة والهيثم بن كليب والطبراني وغيرهم من طريق محمد بن سليمان بن سموأل أحد الضعفاء عن عمرو بن تميم بن عويم الهذلي عن أبيه عن جده قال: كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها: أم عفيف
…
تحت رجل منا يقال له: حمل بن مالك
…
فضربت أم عفيف أختي بمسطح بيتها
…
» ) .
الثالث: أسامة بن عمير الهذلي روى الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة الهذلي عن أبيه قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأتين كانتا عند رجل من هذيل يقال له: عمران بن عويم
…
فقال عمران: يا نبي الله إن لها ابنين هما سادة الحي وهم أحق أن يعقلوا عن أمهم. قال: أنت أحق أن تعقل عن أختك
…
» ذكره ابن حجر في ترجمة عمران من (الإصابة) وذكر في (الفتح) أن الحارث بن أبي أسامة أخرجه من طريق أبي المليح وفيه «فخذفت إحداهما الأخرى بحجر» .
الرابع: المغيرة بن شعبة وحديثه في (صحيح مسلم) وغيره من طرق عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة وفيه «بعمود فسطاط» وفي رواية للترمذي «بحجر أو ع ود فسطاط
…
» .
الخامس: أبو هريرة وحديثه في (الصحيحين) وغيرهما من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي سامة عن أبي هريرة «أن إمراتين من الهذيل رمت إحداهما الأخرى
فطرحت جنينها
…
» وفي رواية أخرى في (الصحيحين) من طريق يونس عن أبن سهاب بسنده وفيه «فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلها، وما في بطنها
…
» وفي (صحيح البخاري) في «باب الكهانة» من «كتاب الطب» من طريق عبد الرحمن بن خالد عن أبن شهاب «
…
فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها
…
» وفيه «ثنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بحجر فطرحت جنينها
…
» .
السادس: يزيدة الأسلمي أخرج أبوداوود والنسائي من طريق عبد الله بن يزيدة عن أبيه أن امراة حذفت (أو خذفث) امراة فأسقطت
…
ونهى يومئذ عن الحذف» .
هذا ماتيسر الإشارة إليه من طريق القصة، وقد رأيت الاختلاف في الفعل أضرب هو أم رمي أم حذف أم حذف. وفي الآلة: مسطح -حجر- عمود فسطاط. والطريق العلمية في مثل هذا أن يجمع فإن لم يمكن فالترجيح. فقد بقال أما الفعل فحذف لأن الحذف هو الرمي عن جانب فكل حذف رمي، ولا عكس، وإنما كان ذلك سبباً للنهي عن الحذف لأن كلاً منهما رمي بحجر ولتقاربهما لفظاً. وقد يطلق على الرمي ضرب كما مر في بعض الروايات «ضربت امراة ضربتها بحجر» أما الآلة فقد يقال إنها حجر كان صوبجاً وذلك أن في رواية زوج المراة «بمسطح» وفي رواية عنه «بحجر» وفي رواية أخي المفتولة «بمسطح» والمسطح كلمة مشتركة يطلق على الصوبيج وهو ما يرقق به العجين ويخبز وقد يكون عند أهل البادية حجراً، ويطلق على عمود الخباء والفساط، فجاء في رواية منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن المغيرة «بعمود فسطاط» وفي رواية «بحجر أو عمود فسطاط» وفي رواية الأعمش عن ابراهيم «بحجر» فكأنه كان في أصل الرواية «بمسطح» . فحمله بعضهم على احد معنييه وبعضهم على الآخر، وشك بعضهم. وفي رواية أبي المليح عن أبيه «بعمود خباء» وفي الأخرى منه «بحجر» فكأنه كان في
الأصل «بمسطح» وفي رواية أبي هريرة في (الصحيحين)«بحجر» ولم يختلف عليه، فإن اتجه ذاك التوجية وإلا فما اتفق عليه الشيخان أرجح. إذا تقرر هذا فنقول: إن حذف المراة صاحبتها بحجر ليس مما يتبين به مطلقاً لا قصد القتل. ^ 87^
فإن قيل عدم استفصال النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن القتل بمثل ذلك شبه عمد على كل حال، قلت: لم يذكر في شيء من الروايات اختلاف من الخصمين في القتل أعمد أم شبه العمد؟ ولا فغي موجبة بل تقدم في رواية أبي المليح عن حمل «فقال حمل لعمران بن عويمر (أخي القاتلة) أد إلى عقل أمرأتي فأبى فترافعا» في روايته عن أبيه «فقال عمران يانبي الله لها ابنين هما سادة الحي وهم احق أن أن يعقل عن أمهم» . فقد اتفق الخصمان فبل الترافع وبعده على أن في القتل دية على العاقلة، وإنما اختلفا في العاقلة التي تلزمها الدية في الواقعة الأخ أم الا بنان؟ ومعنى ذلك اتفاقهما على أن القتل شبه عمد. وافرض أن خصمين ترافعا إلى قاض فقال أحدهما إن اخت هذا قتلتن أختي شبه عمد وهو عاقلتها فأطالبه بالدية، فقال الآخر: قد صدق ولكن للقاتلة بنون وهم أحق أن يفعلوا عن أمهم. ألا ترى أنه لا حاجة بالقاضي إلى السؤال عن صفة القتل، لتصادق الخصمين على أنه شبه عمد، وإنما اختلفا في غيره؟
قول الأستاذ: «وقد أعل أبو حنيفة حديث الرضخ كما سيأتي» .
أقول في (تاريخ بغداد) 13/387 من طريق «بشر بن مفضل قال: قلت لأبي حنيفة
…
قتادة عن أنس أن يهودياً رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين. قال هذيان» . فهل هذا إعلال؟ ! قال الأستاذ ص 80: وأما حديث الرضخ فمروي عن أنس بطرلايق هشام بن زيد، وأبي قلابة عنعنة، وفيه القتل بقول المقتول من غير بينة، وهذا غير معروف في الشرع، وفي رواية قتادة عن أنس إقرار القاتل لكن عنعنة قتادة متكلم فيها (1) . ثم راح يتكلم
(1) قلت: قد صرح قتادة بالتحديث كما بينه المؤلف فيما يأتي، فهل ذلك الكوثري أم تجاهل؟ أغلب الظن الثاني، وعلى كل حال، فهو كما قال الشاعر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. ن
في أنس رضي الله عنه.
أقول: أما هشام فهو هشام بن زيد بن أنس بن مالك وحديثه هذا عن جده في (الصحيحين) وغيرهما، وهشام غير مدلس وسماعة من جده أنس ثابت، ومع ذلك فالراوي عنه شعبة ومن عادته التحفظ من رواية ما يخشى فيه التدليس، وحديثه في (الصحيحين) .
ومن عادتهما التحرز عما يخشى فيه التدليس فسماع هشام لهذا الحديث من جده أنس بن مالك ثابت على كل حال. وأما أبو قلابة فهو عبد الله بن زيد الجرمي وقد قال فيه أبو حاتم: «لا يعرف له التدليس» وذكر ابن حجر في ترجمة من (التهذيب) ما يعلم منه أن معنى ذلك أن أبا قلابة لا يروى عمن قد سمع منه إلا ما سمعه منه. وقد ثبت سماعه من أنس كما في قصة العرنيين وغيرهما وحديثه في (الصحيح) أيضا، فالحكم في حديثه هذا أنه سمعه من أنس.
أما قتادة فمدلس لكنه قد صرح بالسماع. قال البخاري في (الصحيح) في «باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به» : حدثني إسحاق أخبرنا حيان حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس أبن مالك أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين
…
فجئ باليهودي فأعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة» . وقد قال همام: - «بحجرين» وفي «مسند أحمد» 36 ص269: «ثنا عفان قال ثنا همام قال: أنا قتادة أن أنساً أخبره
…
فأخذ اليهودي فجيء به فاعترف» وتمام الكلام في (الطليعة) ص 101-103 وترجمة أنس من قسم التراجم، وفي مقدمة (التنكيل) أوائل الفصل الثالث وفي أثناء الفصل الخامس.
قال الأستاذ: «ومن رأية (يعني أبا حنيفة) أيضاً أن القود بالسيف فقط تحقيقاً لعدم الخروج عن المماثلة المنصوص عليها في الكتاب» !
أقول: الخروج عن المماثلة كمل يكون بالعدوان، فكذلك يكون بالنقصان، وكما
أن العدل يقتضي منع الولي من الاعتداء فكذلك يقتضي تمكينه من الاستيفاء، ومن قتل إنساناً ظلماً برضخ رأسه بالحجارة فالقصاص أن يقتل مثل تلك القتلة، فإن قيل: ربما يقع في هذا زيادة فخفيفة غير مقصودة ولا محققة ولا مانعة من أن يقال: إنه قتل مثل قتلته، وفي تمكين الولي من ذلك شفاء لغيظة، وتطييب لنفسه، وزجر للناس، وردع عم الجمع بين القتل ظلماً وإساءة القتلة، وقد شرع الله تبارك وتعالى رجم الزاني المحصن إبلاغاً في الزجر، والقتل ظلماً أشد من الزنا. نعم قال الله تبارك وتعالى «وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله» وكما أن العفوقد يكون بترك المجازاة البتة فقد يكون بتخفيفها فغاية الأمر أن يكون الاقتصاص بضرب العنق أولى، وعلى هذا يحمل ما ورد في ذلك على ذلك على ضعفه ومعارضة غيره له. والله الموفق.