المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السابعة عشرة: القرعة المشروعة - التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل - ط المكتب الإسلامي - جـ ٢

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌110- صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب: «جزرة»

- ‌111- الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مِغْوَل

- ‌112- ضرار بن صرد

- ‌113- طريف بن عبيد الله

- ‌114- طلق بن حبيب

- ‌115- عامر بن إسماعيل أبو معاذ البغدادي

- ‌116- عباد بن كثير

- ‌117- عبد الله بن أبي القاضي

- ‌118- عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني

- ‌119- عبد الله بن جعفر بن درستويه

- ‌120- عبد الله بن خُبَيْق

- ‌121- عبد الله بن الزبير أبو بكر الحميدي

- ‌122- عبد الله بن سعيد

- ‌123- عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود السجستاني

- ‌124- عبد الله بن صالح

- ‌125- عبد الله بن عدي أبو أحمد الجرجاني الحافظ مؤلف (الكامل)

- ‌126- عبد الله بن عمر بن الرماح

- ‌127- عبد الله بن عمرو أبو معمر المنقري

- ‌128- عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود

- ‌129- عبد الله بن محمد بم جعفر بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ

- ‌130- عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني

- ‌131- عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بصاحب الخان بأرمية

- ‌132- عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني ويقال الفرهاذاني

- ‌133- عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم البغوي

- ‌134- عبد الله بن محمد العتكي

- ‌135- عبد الله بن محمود

- ‌136- عبد الله بن معمر

- ‌137- عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر الدمشقي

- ‌138- عبد الرحمن بن بشير بن سلمان

- ‌139- عبد الرحمن بن عمر الزهري أبو الحسن الأصبهاني الأزرق المعروف برسته

- ‌140- عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد بن أبي حاتم الرازي

- ‌141- عبد الرزاق بن عمر البَزيعي

- ‌142- عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي

- ‌143- عبد السلام بن محمد الحضرمي

- ‌144- عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمي

- ‌145- عبد الله بن حبيب القرطبي أحد مشاهير المالكية

- ‌146- عبد الملك بن قريب الأصمعي

- ‌ ثناء الأئمة على الأصمعي

- ‌147- عبد الملك بن محمد أبو قلابة الرقاشي

- ‌148- عبد المؤمن بن خلف أبو يعلى التميمي النسفي الحافظ

- ‌149 - عبد الواحد بن برهان العكبري

- ‌150- عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التنوري

- ‌151- عبد بن أحمد أبو ذر الهروي

- ‌152- عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي

- ‌153- عبيد الله بن محمد بن حمدان أبو عبد الله ابن بطة العكبري

- ‌154- عبيدة الخراساني

- ‌155- عثمان بن أحمد أبو عمرو بن السماك الدقاق

- ‌156- عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ

- ‌157- علي بن أبي الحسن المعروف بابن طيبة الرزاز

- ‌158- علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا

- ‌159- علي بن جرير الباوردي

- ‌160 - علي بن زيد الفرائضي

- ‌161- علي بن صدقة

- ‌162- علي بن عاصم

- ‌163- علي بن عبد الله بن المديني

- ‌164- علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني

- ‌165- على بن عمر بن محمد

- ‌166- علي بن محمد بن سعيد الموصلي

- ‌167- علي بن محمد بن مهران السواق

- ‌168- علي بن مهران الرازي

- ‌169- عمار بن زريق

- ‌170- عمر بن الحسن أبو الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأشناني

- ‌171- عمر بن قيس المكي

- ‌172- عمر بن محمد بن عمر بن الفياض

- ‌173- عمر بن محمد بن عيسى السذابي الجوهري

- ‌174- عمر بن علي بن البحر أبو حفص الفلاس

- ‌175- عمران بن موسى الطائي

- ‌176- عنبسة بن خالد

- ‌177- فهد بن عوف أبو ربيعة، اسمه زيد ولقبه فهد

- ‌178- القاسم بن حبيب

- ‌179- القاسم بن عثمان

- ‌181- قطن بن إبراهيم

- ‌182- قيس بن الربيع

- ‌183- مالك بن أنس الأصبحي الإمام

- ‌184- محبوب بن موسى أبو صالح الفراء

- ‌185- محمد بن إبراهيم بن جناد المنقري

- ‌186- محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف أبو أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ

- ‌187- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق يعرف بابن رزق وبأبي رزقويه

- ‌188- محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الآدمي

- ‌189- محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي الشافعي أبو عبد الله

- ‌190- محمد بن أبي الأزهر

- ‌191- محمد بن إسحاق بن خزيمة

- ‌192- محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري صاحب (الصحيح)

- ‌193- محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل الترمذي

- ‌194- محمد بن أعين أبو الوزير

- ‌195- محمد بن بشار بندار

- ‌196- محمد بن جابر اليمامي

- ‌198- محمد بن جعفر الأنباري

- ‌199- محمد بن جعفر الراشدي

- ‌200- محمد بن حبان أبو حاتم البستي الحافظ

- ‌201- محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش

- ‌202- محمد بن الحسن بن حميد بن الربيع

- ‌203- محمد بن حماد

- ‌204- محمد بن حمدويه أبو رجاء المروزي

- ‌205- محمد بن روح

- ‌206- محمد بن سعد العوفي

- ‌207- محمد بن سعيد البورقي

- ‌208- محمد بن الصقر بن عبد الرحمن

- ‌209- محمد بن العباس بن حيوية أبو عمر الخزاز

- ‌210- محمد بن عبد الله بن أبان أبو بكر الهيتي

- ‌211- محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو بكر الشافعي

- ‌212- محمد بن عبد الله سليمان الحضرمي الحافظ، لقبه «مُطين»

- ‌213- محمد بن عبد الله بن الحكم

- ‌214- محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ

- ‌215- محمد بن عبد الله بن محمد بن حموديه أبو عبد الله الضبي الحاكم

- ‌216- محمد بن عبد الله بت محمد بن عبد الله أبو الفضل الشيباني

- ‌217- محمد بن عبيد الطنافسي

- ‌218- محمد بن أبي عتاب أبو بكر الأعين

- ‌220- محمد بن علي أبو جعفر الوراق، لقبه حمدان

- ‌221- محمد بن علي بن الحسن بن شقيق

- ‌222- محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي

- ‌223- محمد بن علي البلخي

- ‌224- محمد بن علي أبو العلاء الواسطي القاضي

- ‌225- محمد بن عمر بن محمد بن بهتة

- ‌226- محمد بن عمرو العقيلي الحافظ

- ‌227- محمد بن عوف

- ‌228- محمد بن الفضل السدوسي المشهور بعارم

- ‌229- محمد بن فليح بن سليمان

- ‌230- محمد بن كثير العبدي

- ‌231- محمد بن كثير المصيصي

- ‌232- محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وأبوه

- ‌233- محمد بن المظفر بن إبراهيم أبو المفتوح الخياط

- ‌234- محمد بن معاوية الزيادي

- ‌235- محمد بن موسى البربري

- ‌236- محمد بن ميمون أبو حمزة السكري

- ‌237- نصر بن محمد بن مالك

- ‌238- محمد بن يعلي زنبور

- ‌239- محمد بن يوسف الفريابي

- ‌240- محمد بن يونس الجمال

- ‌241- محمد بن يونس الكديمي

- ‌242- محمود بن إسحاق بن محمود القواس

- ‌243- مسدد بن قطن

- ‌244- مسلم بن أبي مسلم

- ‌245- المسيب بن واضح

- ‌246- مصعب بن خارجة بن مصعب

- ‌247- مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبو مصعب اليساري الأصم

- ‌248- معبد بن أبو شافع

- ‌249- المفضل بن غسان الغلابي

- ‌250- منصور بن أبي مزاحم

- ‌251- موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي

- ‌252- موسى بن المساور أبو الهيثم الضبي

- ‌253- مؤمل بن إسماعيل

- ‌254- مؤمل بن إهاب

- ‌255- مهنأ بن يحيى

- ‌256- نصر بن محمد البغدادي

- ‌257- النضر بن محمد المروزي

- ‌258- نعيم بن حماد

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس والسادس:

- ‌الحديث السابع والثامن:

- ‌259- الوضاح بن عبد الله أبو عوانة أحد الأئمة

- ‌260- الوليد بن مسلم

- ‌261- هشام بن عروة بن الزبير بن العوام

- ‌262- هشام بن محمد بن السائب الكلبي

- ‌263- الهيثم بن جميل

- ‌264- يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الأصل الدمشقي

- ‌265- يحيى بن عبد الحميد الحماني

- ‌266- يزيد بن يوسف الشامي

- ‌267- يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي أبو يوسف الفسوي

- ‌268- يوسف بن أسباط

- ‌269- أبو الأخنس الكناني

- ‌270- أبو جزي بن عمرو بن سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي

- ‌271- أبو جعفر

- ‌272- أبو محمد

- ‌273- ابن سختويه بن مازيار

- ‌القسم الثالث: البحث مع الحنفية في سبع عشرة قضية

- ‌المسألة الأولى: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس

- ‌المسألة الثانية: رفع اليدين

- ‌المسألة الثالثة: أفظر الحاجم والمحجوم

- ‌المسألة الرابعة: إشعار الهدى

- ‌المسألة الخامسة: المحرم لا يجد إزارا أو نعلين يلبس السراويل والخف ولا فدية عليه

- ‌المسألة السادسة: درهم وجوزة بدرهمين

- ‌المسألة السابعة: خيارالمجلس

- ‌حديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق

- ‌المسألة الثامنة: رجل خلا خلوة مريبة بامراة أجنبية يحل له أن يتزوجها فعثر عليها فقال: نحن زوجان

- ‌المسألة التاسعة: الطلاق قبل النكاح

- ‌المسألة العاشرة: العقيقة مشروعة

- ‌المسألة الحادي عشرة: للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة، سهم له وسهمان لفرسه

- ‌المسألة الثانية عشرة: أما على القاتل بالمثقل قصاص

- ‌المسألة الثالثة عشرة: لا تعقل العاقلة عبداً

- ‌المسألة الرابعة عشرة: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً

- ‌المسألة الخامسة عشرة: القضاء بشاهد ويمين في الأموال

- ‌تتمة

- ‌المسألة السادسة عشرة: نكاح الشاهد امرأة شهد زوراً بطلاقها

- ‌المسألة السابعة عشرة: القرعة المشروعة

الفصل: ‌المسألة السابعة عشرة: القرعة المشروعة

‌المسألة السابعة عشرة: القرعة المشروعة

في (تاريخ بغداد) 13 / 390 من طريق يوسف بن أسباط قال: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر، وأقرع أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار» قال الأستاذ ص 87: «وأما مسألة القرعة فقد قصرها أبو حنيفة على موردها وقال: إنما يجري الإقراع عند إرادة السفر بين النساء، وعند القسمة التي ليس فيها باطل حق ثابت، باعتبار أن القرعة وردت في ذلك على خلاف القياس» .

أقول: الذي في كتب الحنفية عن أبي حنيفة أنه لا حكم للقرعة، وإنما تستحب تطييباً للنفس ثم لا يلزم العمل بها، فللزوج أن يخرج بأي أزواجه شاء حتى لو أقرع فخرج سهم إحداهن فله الخروج بغيرها. وهكذا في القسمة يكون حق التعيين للقاضي. وقد بقين للقرعة موارد أخرى. ودعوى أنها خلاف القياس كأنه أريد بها في الأصل قمار. وسنوضح بعون الله عز وجل بطلان ذلك ونثبت أن القرعة في بابها قياس من أعدل الأقيسة وأقومها وأوفقها بالأصول، وأن جعل التعيين إلى الزوج والقاضي في الفرعين السابقين هو مخالف للأصول.

أعلم أن صورة القرعة قد تستعمل في أربعة أبواب:

الباب الأول: أن يقصد بها إبطال حق صاحب الحق وجعله لمن لا يحق له، كأن يقول الرجل لصاحبه ألق خاتمك وألقي خاتمي ونقترع عليهما فأينا خرج سهمه استحق الخاتمين. أو يقول أحدهما: أقارعك على خاتمي هذا فإن خرج سهمك

ص: 940

أخذته أنت. أو يتداعيا داراً في يدهما فيقال أقرعوا بينهما فان خرج سهم المدعي أخذ الدار.

الباب الثاني: أن يتنازعا حقاً أن يكون لهما معاً ولا دليل يرجح جانب أحدهما، كأن يتنازعا داراً بيدهما معاً، ولا دليل لأحدهما، وحلف كل منهما أنها جميعها له ليس لصاحبه منها شيء.

الباب الثالث: أن يختص الحق بأحدهما بعينه ويتعذر تعيينه، كمن طلق بائناً إحدى امرأتيه وتعذر تعيينها.

الباب الرابع: أن يكون الحق في الأصل ثابتاً لكل منهما لكن اقتضى الدليل أن يخص به أحدهما لا بعينه.

فأما الباب الأول فلا نزاع أن القرعة إذا استعملت فيه فهي قمار، وكذلك الباب الثاني.

وأما الباب الثالث ففيه نظر وقد قال بعض الأئمة بصحة القرعة فيه.

وأما الباب الرابع فهو مورد القرعة، والفرق بينه وبين الأبواب الأولى بغاية الوضوح، فإنه إذا اقتضى الدليل أن يخص به أحدهما لا بعينه فما بقي إلا طلب طريق للتعيين لا ميل فيه ولا حيف، فإذا ظفرنا بطريق كذلك لم يكن فيه إبطال حق ثابت ولا إثبات حق باطل، فما هوهذا الطريق؟ من كانت له امرأتان واحتاج إلى السفر واستصحاب إحداهما فقط، فقد ثبت بالدليل باعتراف أبي حنيفة أن له ذلك وبقي التعيين، ومن مات عن ابنين فقسم القاضي المال نصفين فقد ثبت الدليل باعتراف أبي حنيفة أنه ينبغي تخصيص أحدهما بأحد النصفين والآخر بالآخر وبقي التعيين. فأبو حنيفة يقول: يعين الزوج والقاضي، ومخالفوه يقولون: الزوج والقاضي منهيان عن الميل وعن كل ما يظهر منه الميل، ولا ريب أن تعيينهما برأيهما ميل أو يظهر منه الميل والأصل في ذلك التحريم، فإباحته لهما مخالف للأصول والقياس وفتح لباب الهوى ومناف للحكمة. وإذا عين الزوج برأيه إحدى امرأتيه ظنت الأخرى أنه إنما عينها ميلاً إلى هواه فحزنها ذلك، وأدى ذلك إلى مفاسد،

ص: 941

وإذا عين القاضي برأيه أحد النصفين لزيد وكان بكر يريده ظن بكر أن القاضي إنما مال مع هواه، وساءت ظنون الناس بالقاضي وجر ذلك إلى مفاسد. فإن قال أبو حنيفة: فما المخلص؟ قالوا قد بينه الله تعالى ورسوله وهو القرعة، فإن قال: القرعة قمار. قيل له: إنما تكون قماراً في غير هذا الباب كما تقدم شرحه، وإذا صح أن أبا حنيفة إستحب القرعة فقد لزمه أنها ليس في هذا الباب بقمار وإنها مشروعة، وإذا اعترف بأنها مشروع فما بقي إلا أن يجب العمل بها أو يجوز تركها وجعل التعيين إلى الزوج والقاضي، والحجة قائمة على منع أن يكون التعيين إلى الزوج والقاضي لأنه فتح لباب الميل كما تقدم، ولا ضرورة إليه ولا حاجة.

وقد وردت القرعة في فروع أخرى من الباب الرابع، وبذلك ثبت أنها في ذلك الباب أصل من الأصول الشرعية يقاس عليه ما يشبه.

قال الله تبارك وتعالى في قصة مريم: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» إلى أن قال «وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ» (آل عمران: من الآية44) .

فالقوم وفيهم نبي الله زكريا عليه السلام اختصوا في كفالة مريم، ففزعوا إلى القرعة، وظاهر أنهما إنما يرضون بالقرعة عند تساويهم في أصل الإستحقاق وإقتضاء مصلحة الطفلة أن يختص بكفالتها أحدهم. فقص الله تبارك وتعال ذلك في كتابه وأخبر أنها كفلها زكريا، أي والله أعلم بأن أخرج سهمه في القرعة فكان هو القارع.

وقال عز وجل في قصة يونس: «إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ الصافات» (الصافآت: 140 - 142) ذهب يونس إلى فلك مشحون أي موقر ليركب فيه فكأنه والله أعلم طلع إلى الفلك هو وجماعة حاجتهم كحاجته

ص: 942

فكأن صاحب الفلك أخبرهم أنه لا يمكنه أن يسافر بهم جميعاً لأن فلكه مشحون أي موقر، وطلب منهم أن ينزل بعضهم فتشاحوا فإقترعوا فطله سهم يونس في المدحضين أي في الذين خرجت القرعة بأن ينزلوا - والظاهر أن الفلك كان لا يزال بالمرفأ وليس في النزول منه خطر ظاهر، لكن الله عز وجل قضى على يونس بما قضى وفي (الصحيحين) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لويعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لأستهموا

» وفي (صحيح مسلم) من حديثه أيضاً مرفوعاً: «لوتعلمون - أو يعلمون - ما في الصف المقدم لكانت قرعة» أي أنهم يحضرون معاً ويكثرون ويتشاحون ولا يكون هناك مرجع فيحتاج إلى القرعة وفي (صحيح البخاري)، وغيره من حديث أم العلاء قالت: «طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين

.» وفيه من حديث النعمان بن بشير مرفوعاً: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة

» وفي (صحيح مسلم) وغيره عن عمران بن حصين: «أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثاً ثم أقرع بينهم فأعتق أثنين وأرق أربعة» ووجه ذلك أن تصرف المريض مرض الموت وصية يصح منها الثلث فقط، ومن الأصول الشرعية مراعات أن تعتق الرقبة كاملة كما ثبت فيمن أعتق في حال صحته بعض مملوكة أنه يعتق عليه كله، وفيمن أتعق شركاً له في مملوك أنه أن كان المعتق موسراً عتق المعتوق كله وغرم المعتق قيمة ما زاد على نصيبه لشريكه، وإن كان معسراً فقد قال بعض أهل العلم: يعتق المملوك كله ويسعى في قيمة ما زاد على نصيب المعتق حتى يدفعها إلى الشريك، وقال آخرون: قد عتق منه ما عتق ويبقى باقيه على الرق. ومن المعنى في مراعاة عتق الرقبة كاملة أن مقصود العتق هو أن يحصل للملوك وعليه جميع الحقوق المختصة بالأحرار ويغني عن المسلمين غناء الحر، وليس المبعض كذلك، فإن من حقوق الأحرار ما لا يحصل له ولا عليه منها شيء، ومنها ما يحصل له جزء من فقط، ومع ذلك يكون التبعيض منشأ نزاع مستمر بين المبعض ومالك بعضه، فيلحق الضرر بكل منها، ويشتبه الحكم في كثير من الفروع على المفتي والقاضي، كما تراه في أحكام المبعض في كتب الفقه، فجاءت

ص: 943

السنة بأن يجزأ الستة ثلاثة أجزاء ليعتق إثنان كاملان فكلهم متساوون في أصل الحق، واقتضى الدليل أن يخص إثنان منهم وبقي التعيين، فهذه الصورة من الباب الرابع الذي وردت فيه القرعة. فثبت أن القرعة في ذاك الباب أصل من الأصول الشرعية قرره الكتاب والسنة، واقتضاه العدل والحكمة.

«والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلم» .

ص: 944