الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة: العقيقة مشروعة
في (تاريخ بغداد) 13/411 عن أحمد بن حنبل «في العقيقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مسندة وعن أصحابه وعن التابعين، وقال أبو حنيفة: هو من عمل الجاهلية» . قال الأستاذ ص 142: «نعم كان أهل الجاهلية يرون وجوب العقيقة وأبيحت في الإسلام من غير وجوب في رأي أبي حنيفة وأصحابه قال الإمام محمد ابن الحسن الشيباني في (الآثار) : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كانت العقيقة في الجاهلية، فلما جاء الإسلام رفضت. قال محمد: وأخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا رجل عن محمد ابن الحنفية أن العقيقة: كانت في الجاهلية فلماء جاء الإسلام رفضت» . ثم قال الأستاذ: «يرى أبو حنيفة أن ما كان من عمل أهل الجاهلية معتبرين وجوبه عليهم إذا عمل به في الإسلام لا يدل هذا العمل إلا الإباحة لا على إبقاء الوجوب المعتبر في الجاهلية
…
» .
أقول: قول القائل: «من عمل الجاهلية» ظاهر في أنها محظورة، وكلمة «عمل» تدل أن كلامه في العقيقة نفسها لا في اعتقاد وجوبها فقط، وقول القائل «فلما جاء الإسلام رفضت» ظاهر في أنها غير مشروعة البتة فيكون اعتقاد مشروعيتها ضلالاً كبيراً وتديناً بما لم ينزل الله به سلطاناً، فأما محمد بن الحنفية فلا يصح الأثر عنه، إذ لا يدرى من شيخ أبي حنيفة أثقة أم لا؟ وأما ابراهيم فناف، والمثبت مقدم عليه.
وقد ورد في مشروعيتها أحاديث قولية منها حديثان في (صحيح البخاري) ذكرهما البيهقي في (السنن) ج9 ص 298 فاعترضه ابن التركماني قائلاً:
«ظاهرهما دليل على وجوبها فهما غير مطابقين لمدعاه» . والقول بالوجوب منقول عن الظاهرية، واحتج من يقول بالندب بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:«من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك، عن الغلام شاتان..» وهذا الحديث أيضاً يدل على مشروعيتها فإن النسك عبادة إذا لم تكن واجبة كانت مندوبة ولابد، وسواء أكان أهل الجاهلية يعتقدون وجوبها أم لا، فإنها لم ترفض في الإسلام بل هي مشروعة فيه. (1)
(1) قلت: ليس في السنة ما يشهد لقوله الكوثري أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون وجوبها، فهذه كتب السنة ليس فيها شيء من ذاك، وإنما هي مجرد دعوى منه، ليبنى عليها ذلك التأويل الذي بين المؤلف رحمه الله بطلانه بالدليل القاطع. ومما يؤكد بطلان ذلك التأويل ويدل أن أبا حنيفة نفسه كان لا يقول به قول الإمام محمد في «الموطأ هـ» (ص 286) : «أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام، ثم نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله
…
» قلت: هذتا نص منه بنسخ مشروعية العقيقة، فهل يجوز العمل بالمنسوخ؟! ولو كان عند الكوثري شيء من الإنصاف لاعتذر عن أبي حنيفة بأي عذر مقبول، ولانتصر للسنة على الأقل مثلها ينتصر لإمامه، ولغار عليها أن تعطل عن العمل بها يجعلها أمراً مباحاً فحسب كأي ذبيحة يذبحها الإنسان ليأكل من لحمها في غير مناسبة مشروعة، لو كان الكوثري منصفاً لقال العلامة أبو الحسنات اللكنوى -وهو حنفي مثله، ولكن شتان ما بينهما! - قال في تعليقه على كلمة الامام محمد المتقدمة: «وإن أريد أنها كانت في الجاهلية مستحبة أو مشروعة، فلما جاء الإسلام رفض استحبابها وشرعيتها فهو غير مسلم، فهذه كتب الحديث المعتبرة مملوءة من أحاديث شرعية العقيقة واستحبابها
…
» .
قلت: ثم إن حديث عمر بن شعيب
…
«فأجب أن ينسك
…
» لا يصلح دليلاً على صرف الأمر إلى الندب فإنه كقوله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل» ، فهل يدل على ان الأمر بالحج ليس للوجوب؟ ولذلك فالقواعد الأصولية توجب إبقاء الأمر على ظاهره، وذلك يقتضي وجوب العقيقة وبه قال الحسن البصري والامام الليث بن سعد كما في «الفتح» (9/582) قال:«وقد جاء الوجوب أيضاً عن أبي الزناد، وهي رواية عن أحمد» .