الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة عشرة: لا تعقل العاقلة عبداً
قال الأستاذ ص 24: «قول صاحب القاموس (ع ق ل) : وقول الشعبي لا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً
…
معناه أن يجني على عبد
…
قال الأصمعي: كامت أبا يوسف بحضرة الرشيد فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه حتى فهمته» قال الأستاذ: «وعقلته يستعمل في معنى غقلت عنه، قال الأكمل في (العناية) : وسباق الحديث وهو: لا تعقل العاقلة عمداً. وسياقه وهو: «ولا صلحاً ولا اعترافاً» يدلان على ذلك لأن معناه: عمن عمد وعمن اعترف اه ويؤيده ما أخرجه أبو يوسف في (الآثار) عن أبي حنيفة عن حماد بن غبراهيم أنه قال: لا تعقل العاقلة العبد إذا قتل خطأ. وما أخرجه محمد بن الحسن في (الموطأ) عن عبد الرحمن بقن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد اله بن عتبة بن مسعود عن أبن عباس قال: لا تعقل العاقلة عمداً ولا صلحا ولا أعترافاً ولا ما جنى المملوك
…
اه وما جنى المملوك نص على أن المراد بقوله: لا تعقل العاقلة عبداً أن العاقلة لا تعقل عن العبد الجاني رغم كل متقول. وأخرج البيهقي بطريق الشعبي عن عمر: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة. ثم قال: هذا منقطع، والمحفوظ أنه من قول الشعبي» ثم حكى عبارة أبي عبيد وفي آخرها «قال أبو عبيد فذا كرت الأصمعي فقال: القول عندي ما قال ابن أبي ليلى وعليه كلام عرب، ولو كان المعنى على ما قال أبو حنيفة لكان: لا تعقل العاقلة عن عبد» ثم قال الأستاذ: «
…
ولا منافاة بين هذا وبين أن يأتي في لسان العرب: عقل عنه. بمعنى: ودى. بل:
عقله. في هذا الباب بمعنى: عقل عنه. على الحذف والإيصال لأأن أصل الكلام: عقل فلان قولئم الجمال ليدفعها دية عن فلان. فاستغني عن المفعول الصريح وأو صل إلى المدفوع عنه بحذف -عن- وهذا من أسرار العربية، والقصد من الآثار المروية عن عمر وابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي واحد
…
»
أقول: عاقلة الانسان عصبته على تفصيل معروف في كتب العلم، فإذا قتل حرّ حراً خطأ محظاً أو شبه عمد وثبت ببينة فالدية على عاقلة القاتلا، ومن الحكمة في ذلك أن أولياء المقتول يطلبون بثأره، ومن شأن عصبة القاتل أن تقوم دونه وهم محقون في ذلك فيقال لهم: من شأنكم أن تقدموا دونه فاغرموا مالزم بفعله. وإن كان القتل عمداً أو لم يثبت إلا باعتراف القاتل لم يلزم العاقلة شيء لأنهم قد يقولون في العمد: لوطلب دمه لم نقم دونه ولا يحل لنا ذلك وهو أو قع نفسه باختياره. ويقولون في الاعتراف: هو جر البلاء باختياره وهكذا إذا لم يلزم شيء إلا بمصالحته لأن ذلك كاعترافه.
وبقيت مسألتان:
الأولى: أن يقتل عبد حراً فليس في هذا شيء على عاقلة العبد ولا على عاقلة سيده. أما عاقلة العبد فلأنه مادام عبداً في معنى الأجنبي عنهم، وأما عاقلة سيده فلأنهم يقولون: القاتل المطالب هو العبد ولا شأن لنا به ولا نقوم دونه.
الثانية: أن بقتل حر عبداً فقيل: إذا كان عمداً ثبت القود، وقيل: لا قود بحال، لأن هذا ليس من مظنة الفتنة، فإن سيد العبد لا يهمه أن يأخذ بثأر عبده وإنما يهمه أن يأخذ مالاً يستعيض به منه. فأما إذا كان خطأ محضاً أو شبه عمد فلا قود اتفاقاً وإنما يجب المال، واختلفوا في الواجب فقال قوم: الواجب قيمة العبد بالغة ما بلغت، لأن سيده يستحق ما يعادل ما فاته ومقدار ذلك معروف وهو القيمة كما لو كان المقتول فرساً، وإلى هذا رجع أبو يوسف وهو قول الشافعي وغيره. وقيل: الواجب دية لكن مقدارها هو القيمة بشرط أن لا تساوي دية الحر ولا تزيد عليها فإن ساوت أو زادت لم يجب إلا دون دية الحر بعشرة، وهذا قول أبي حنيفة ولا
يخفى ما فيه. ثم اختلفوا في تعزيم العاقلة، فقال قوم: ليس عليها شيء لأنه إن كان الواجب قيمة فكما لو كان المقتول فرساً، وإن كان دية فليس من شأن سيد العبد أن يطلب دم القاتل فيكون ذلك من مثار تعصب عاقلته. وقال أبو حنيفة: تلزم العاقلة. احتج مخالفوه بما روي عن الشعبي: لا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً. فقال أبو حنيفة: إنما معنى هذا وارد في المسألة الأولى، وهي أن يكون العبد هو القاتل فرده الأصمعي بما مر وأجاب الأستاذ بما سمعت.
وأقول: أما ما ذكر عن إبراهيم، فقوله:«قتل» لا أدري أبا لبناء للفاعل أم المفعول، فإن كان للمفعول وهو الظاهر فهو نص في خلاف قول أبي حنيفة. فإن قيل: رواية أبي حنيفة له تدل على أنه عنده بالبناء للفاعل، قلنا: بل رواية أبي يوسف له تدل أنه عنده بالبناء للمفعول، والحق اطراح هذين فإن إبراهيم تابعي، والعالم كأبي حنيفة وأبي يوسف قد يروي من أقوال التابعين ما لا يقول به، لكن إذا ثبت أن المعروف في اللغة عقلت القتيل. دون: عقلت القائل. تبين أن الفعل في قول إبراهيم مبني للمفعول وهو الظاهر.
وأما الأثر عن أبن عباس فليس من الواجب مطابقته لما روي عن غيره، بل هي خمس مسائل اتفق القولان على ثلاث، وانفرد كل منها بواحدة، ويتعين الجزم بهذا إذا كان المعروف في اللغة: عقلت القتيل، لا عقلت القائل. فتبين أن المدار على اللغة.
فأما ما ذكره صاحب (العناية) فليس بشيء، بل المعنى لا تعقل العاقلة دية عمد ولا قيمة عبد ولا واجب صلح ولا واجب اعتراف. وأما تحقيق الأستاذ فيقال له: العبارة التي زعمت أنها الأصل وهي «عقل فلان قوائم الإبل ليدفعها دية عن فلان» إنما تعطي بمقتضى العربية أن فلاناً الثاني هو القاتل فإننا نقول: «دفعت عن فلان الدين الذي عليه، وأديت عنه الدية التي لزمته» ويصح أن يقال بهذا المعنى: «وديت عنه» أي: أديت عنه الدية التي لزمته، فأما المقتول فإنما يقال:«وديته» وقد يقال: هذه دية من القتيل أي بدل عنه قال الشاعر:
عقلنا لها من زوجها عدد الحصى
قال ابن قتيببة في (كتاب المعاني) : «يقول قتلنا زوجها فلم تجعل عقلة إلا همها
…
والمفعول يولع بلقط الحصى وعدة» و «من» هذه هي البدلية متلها في قةله تعالى: «ٌ أرضيتم بالحياة الدينا من الآخرة» وفي صغار كتب العربية أن «عن» للمجاوزة، وإذا أديت الدية فإنما جعلتهال تجاوز ذمة القاتل كما تقول: اديت عن فلان الدين الذي كان عليه، ولا معنى لمجاوزنها المقتول.
وبعد فلا ريب أن الأصل «عقلت قوائم الإبل، لكن استغنوا عن القوائم على كل حال فقالوا: «اعقل ناقتك» ثم كثر عقل الإبل في الدية فاستغنوا في ذكر الدية عنلفظ الإبل، يقول ولي المقتول أو المصلح: اعقلوا. ويقول أولياء القايل سنعقل. وكثر ذلك حتى صار المتبادر من العقل في قضايا القتل معنى الدية فاستعمل في معناها حتى جمع جمعها فقيل: «عقول» بمعنى «ديات» فإذا قيل في قضايا القتل: عقلته. فمعناه: وديته. أي أديت ديته. وإذا قيل: عقلت عنه. فالمعنى: وديت عنه. أي أديت عنه الدية التي كانت مستقرة عليه فجعلتها تجاوزه. هذا هو المعروف في العربية.