الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: أفظر الحاجم والمحجوم
في (تاريخ بغداد) 13/388 من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه: «قال: ذكر لأبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم. فقال: هذا سجع» . قال لاأستاذ ص 81: «حديث: أفطر أفطر لحاجم والمحجوم لم يثبته كثير من أهل الحديث منهم ابن معين بمعنى أنهما عرضه للأفطار
…
» .
قلت: ممن صحح الحديث من وجه أو أكثر الإمام أحمد وابن المديني وإسحاق بن راهو ية والبخاري وأبو زرعة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن خزيمة وغيرهم. فأما ابن معين ففي (الفتح) : قال المروذي: قلت لأحمد: إن يحيى بن معين قال: ليس فيه شيء يثبت. فقال: هذا مجازفة» . وزعم الأستاذ أن من أثبته يراه منسوخاً أو مؤولاً، ليس كما قال، فإنه ترك القسم الثالث، قال ابن حجر في (فتح الباري) : «وعن علي وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور يفطر الحاجم والمحجوم، وأوجبوا عليهما القضاء، وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضاً، وقال بقول أحمد من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابورى وابن حبان
…
وبذلك قال الداودي من المالكية» .
فأما دعوى النسخ بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. فالحديث رواه عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم» ،
ورواه وهيب عن أيوب بسنده: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم» . وفي (الفتح)«ورواه ابن علية معمر عن أيوب عن عكرمة مرسلاً، واختلف على حماد بن زيد في وصلة وإرساله» . وجاء عن مقسم عن ابن عباس:: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة وهو صائم محرم» . وذكر البيهقي ج4 ص 263 وقال: «وراه أيضاً ميمون بن مهران عن ابن عباس» ، وكذلك في رواية لابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كما في (الفتح) عن عكرمة عن ابن عباس عند أحمد ج1 ص305 ذكر قصة اليهودية التي وضعت السم في الطعام النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئاً احتجم، قال: فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئاً فاحتجم» . وقد أجاب ابن خزيمة عن هذا الحديث بأن للمسافر إذا أصبح صائماً ثم بدا له أثناء النهار أن يفطر، وحاصل الجواب انه صلى الله عليه وسلم أصبح في سفرة صائماً ثم لما هاج به الوجع احتجم فأفطر، وكأن ابن عباس لم يكن قد بلغه أن الحجامة تفطر الصائم احتج بالقصة على حسب ظنه. وهذا كما سمع أسامة يحدث بحديث:«لا ربا إلا في النسيئة» ولم يثبت عنده حديث:
«لا تبيعوا الذهب مع بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزناً بوزن مثلاً يداً بيد» فكان يفتي بحل ذهب بالذهب مع التفاصيل نقداً وكذا الفضة بالفضة، ثم جاء أن بعض الصحابة أخبره بالحديث الاخر فرجع (1) .
وكما أخبره أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فلم يصلي فيها، فكان يفتي بذلك، وقد صح عن بلال أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، وأنه صلى بين العمودين المقدمين، وكما كان يرى أن لا قراءة في السرية، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ فيها، فقيل له: لعله كان يقرأ في نفسه، فغضب. وقد أثبت غيره القراءة بما لا تبقى معه شبهة. وأمثال هذا كثير ممال يحتج به الصحابي على
(1) ثبت ذلك عن ابن عباس من طريق، وقد خرجتها في «إرواء الغليل» (1326) . ن
حسب ظنه ويتبين أن ظنه كان خطأ. وقد روى عطاء ذاك الحديث عن ابن عباس ثم ذهب إلى الافطار كما مر.
فإن قيل: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بالحجامة لكان الظاهر أن يبين ذلك للناس؟
قلت: يجاب أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بما سبق منه من بيان أنه يفطر الحاجم والمحجوم، ومن بيان أن الصائم في السفر يحل له الافطار.
فإن قيل: فقد جاء عن أبي سعيد الخدري وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم.
(1)
قلت: في صحة ذلك عنهما كما ترى في (فتح الباري) ، ولوصح أمكن أن يكون مرادهما بالترخيص ما ذكره ابن عباس من احتجامه صلى الله عليه وسلم وهو وهو صائم في سفره، وقد مر ما فيه. وأما التأويل بصرف النص عن ظاهره فلا مسوغ له. والله أعلم (1) .
(1) قلت: لاشك أن التاويل المذكور لا مسوغ له، ولكنى أرى ان الجواب الصحيح هو أن الحديث منسوخ بنص حديثي أبي سعيد وأنس المذكورين، فإنهما حديثان صحيحان، له عن أبي سعيد طريقان، أحدهما صحيح، وعن أنس ثلاث طرق أحدهما صحيح أيضا، وأما الكلام الذي أحال المصنف فيه على «الفتح» فليس فيه ما يمكن أن يكون علة في الحديث لا سيما إذا نظر إليه من جميع طرقه، فإن كثرة الطرق الحديث تدل أن له أصلا. فكيف إذا كان بعض مفرداتها صحيحاً في نفسه، وليس هذا مجال شرح ذلك، ومحله في «إرواء التغليل» (913)، ولكن لابأس من الإشارة إلى شيء من كلام الحافظ رحمه الله مع التعليق الموجز عليه قال في بعض طرق أنس:
«ورواته كلهم من رجال البخاري، إلا أن في المتن ما ينكرلأن فيهأن ذلك كان في الفتح، وجعفر قتل قبل ذلك» . =