الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكاية شيء عمن ليس بثقة فيحكيه ويبين أنه ليس بثقة. والحكم فيمن روى عنه أحد أولئك المحتاطين أن يبحث عنه فإن تكون توثيقا، وإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقا، وإن وجد أن غيره جرحه جرحا أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح. وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق، وابن أعين لم يغمزه أحد، ولا أحمد ولا غيره، بل وثقه ابن المبارك توثيقا فعليا كما سلف، ووثقه ابن حبان. فأما عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير فلم يقتصر أحمد على الرواية عنه، بل وثقه بالقول كما في ترجمته من (التهذيب) وغيره، فإن ترجح توثيق أحمد فذاك، وإن ترجح جرح غيره لم يضرنا لأن من كان شأنه إصابة اخطأ في النادر ثم جاء عنه مالا يعلم أنه أخطأ فيه، فهو محمول على الغالب، وهو الإصابة، سواء أكان محدثا أم ناقدا أم قاضيا أن مفتيا كما هو معروف وقد جاء عن ابن معين الذي جرح عامرا هذا أنه قيل له ك إن أحمد يحدث عنه، فقال ابن معين ك «ماله، جن؟ !» وهذا يدل أوضح دلالة على أن ابن معين يعرف من أحمد أنه لا يروي إلا عن ثقة.
فإن كنت لما كتبت ما كتبت في (الطليعة) استحضرت هذه النقول أو بعضها، وإن كنت بنيت على ما عرفته بالممارسة من حال الأمام أحمد فذاك أكمل، وعلى كلا الحالين فقد تبين أنه ليس برأي مبتكر، كما زعم الكوثري. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (1)
195- محمد بن بشار بندار
. في (تاريخ بغداد) 13 / 407 من طريقة: «سمعت عبد الرحمن «بن مهدي» يقول: كان بين ابي حنيفة وبين الحق حجاب» . قال الأستاذ ص 32: «تكلم فيه الأقدمون إلى أن اتهموا بالكذب وسرقة الحديث، ثم استقر عمل المتأخرين على الانتقاء من رواياته» .
(1) محمد بن أيوب بن هشام. راجع (الطليعة) ص 12 - 19.
محمد بن أيوب الذراع تقدم في ترجمة عبد الله العتكي.
أقول: هذا ثقة جليل وثقة أبو حاتم مع تشدده والنسائي والذهلي ومسلمة وابن خزيمة وكان يسميه: «إمام زمانه» وآخرون، واحتج به الشيخان في (الصحيحين) وبقية الستة. وفي (التهذيب) عن (الزهرة) :«روى عنه البخاري مائتي حديث وخمسة أحاديث، ومسلم أربعمائة وستين» . ولم يتهمه أحد بالكذب بالمعنى المتبادر ولا بسرقة الحديث، وفي ترجمة محمد بن المثنى أبي موسى الزمن من (التهذيب) وغيره عن السلمي عن الدارقطني أن عمرو بن علي الصيرفي سئل عنه وعن بندار هذا فقال:«ثقتان يقبل منهم كل شيء إلا ما تكلم به أحدهما في الآخر» يعني لأنه كانت بينهما منافسة. والدارقطني لم يدرك عمرو بن علي ولكن الاستشهاد بمثل هذا مقبول. وقال عبد الله بن محمد بن يسار: سمعت عمرو بن علي يحلف أن بندارا يكذب فيما يروي عن يحيى، قال ابن سيار: وبندار وأبو موسى ثقتان، وأبو موسى اصح» وإنما أراد عمرو بن علي بالكذب الوهم والخطأ بدليل أنه قد جاء عنه توثيق بندار كما مر، وأن الراوي عنه وهو ابن سيار وثق بندارا، وإنما رجح آبا موسى عليه ن وقد كانت بين عمرو بن علي وبندار مخاشنة، ففي ترجمة عمرومن (التهذيب) :«حدث عمرو بن علي عن يحيى القطان فبلغه أن بندارا إلى أن قال ك ما نعرف هذا من حديث يحيى، فقال أبوحفص «عمروابن علي» : وبلغ بندار إلى أن يقول: ما نعرف؟ !» فهذا قضى عمرو بن علي بندار وأنى موسى أن لا يقبل كلام كل منهما في الآخر فقد قضى على نفسه ن والحق انه أراد إنما أراد الوهم والخطأ. وقد قال الأستاذ ص 163: «الإخبار بخلاف الواقع هو يكذب ما لم يفسر وجه كذبة
…
» وفي (التهذيب) : «قال عبد الله بن علي ابن المديني: سمعت أبي وسألته عن حديث رواه بندار عن ابن مهدي عن أبي مهدي عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» ؟ فقال: هذا كذب، وأنكره أشد الإنكار، وقال: حدثني أبو داود: «موقوفا» ، يعني ليس فيه:«عن النبي صلى الله عليه وسلم» ، وقد رواه النسائي عن بندار مرفوعا، ثم قال:«وقفه عبيد الله بن سعيد» ثم رواه من طريقة: موقوفا، والمتن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس
وهو في (الصحيحين) وقد روي من حديث أبي هريرة، والخطأ في مثل هذا يقع كثيرا من الثقات، وإنما أراد ابن المديني أن رفعه من تلك الطريق غير واقع، لا أن بندارا تعمد الكذب، وهذا واضح، فبندار قد يقع له الخطا في مظانه كالحديث المذكور.
وأما سرقة الحديث فإنما أخذها الأستاذ مما روي عن أبي موسى أنه سبق بندارا إلى تصنيف حديث داود بن أبي هند ثم قال ك هنا قوم لوقدروا أن يسرقوا حديث داود لسرقوه - يعني بندارا - وإنما كانت بين الرجلين منافسة فأراد أبو موسى أن بندارا يحسده على السبق إلى تصنيف حديث داود حتى لوأمكنه أن يسرق ذاك الكتاب ليفقده أبا موسى لفعل.
وليس هذا من سرقة الحديث في شيء، ولم يقع من بندار لا هذا ولا ذاك، ولا هو ممن يقع منه ذلك، وإنما بالغ أبو موسى كما لا يخفى. ومع هذا لم يكن بين الرجلين بحمد الله ما يسمى عداوة، وقد توفي بندار قبل آبى موسى فجاء بعض الجهلة إلى أبي موسى فقال له: البشري، مات بندار. يعني وخلا لك الجو. فقال له أبو موسى ك «جئت تبشرني بموته؟ ! علي ثلاثون حجة إن حدثت أبدا» . فعاش بعد ذلك تسعين يوما لم يحدث ثم مات رحمهما الله تعالى، وإنما حلف أبو موسى أن لا يحدث على ما سبق منه من المنافسة وإظهارا لأنها لم تبلغ به إن يسر بموت صاحبه ن فامتنع من الحديث الذي كانت المنافسة فيه. وأما استقرار العمل على الانتقاء من رواياته فهذا يقال على وجهين:
الأول: أن يتقى ما تبين أنه أخطأ فيه ويؤخذ غيره.
الثاني: أن لا يؤخذ من رواياته إلا ما توبع عليه، فإن أراد الأستاذ هنا الأول فليس فيه ما ينفعه، وإن أراد الثاني فهو مردود عليه، ومع ذلك فقد توبع بندار في المقصود من هذه الحكاية كما ذكر الأستاذ نفسه في غير نوضع، وليست من مظان الخطأ والوهم. والله أعلم. (1)
(1) محمد بن الرقي. يأتي مع محمد بن الحسن بن حميد.