الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي تقدم شيء من حاله في ترجمة حماد ابن سلمة، فقال أحمد: لا ولا على حارس. وكأنه سئل عن الوابصي فقال: ما علمت إلا خيراً. فقال المتوكل ليحيى بن أكثم: لم عزلته؟ فكأنه خاف أن يقول: إرضاءً للجهمية، فأجاب بما تقدم. فكأن الأستاذ أشار إلى هذا، كأنه أراد أن الوابصي - كما يقول - من الحشوية. وأراد بالحشوية أهل السنة الإمام أحمد وأصحابه وموافقيه. ولا أجازي الأستاذ على هذا ولكني أقول: الموفق حقاً ومن وفق لمعرفة الحق وأتباعه ومحبته، والمحروم من حرم ذلك كله، فما بالك بمن وقع في التنفير من الحق وعيب أهله؟!
143- عبد السلام بن محمد الحضرمي
. مرت الإشارة إلى روايته في ترجمة بقية. قال الأستاذ ص186: «يقول عنه أبو حاتم: صدوق. إلا أن هذا اللفظ مصطلح عنده فيمن يجب النظر في أمره، فيكون مردود الرواية إذا لم يتابع. ولم يتابع» .
أقول: أبو حاتم رحمه الله معروف بالتشدد، قلما وجدته يقول في رجل «هو
صدوق» إلا وقد وثقه غيره، وعبد السلام هذا ذكره ابن حبان في (الثقات) وتفرده بتلك الحكاية لا يضره. والله الموفق.
144- عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمي
. مر في ترجمة الخطيب أحمد بن علي بن ثابت تجني ابن الجوزي على الخطيب أنه مال على أبي الحسن ووعدت أن أفرد له ترجمة أو ضح فيها ما ظهر لي أن الخطيب إما مصيب مشكور وإما مخطئ معذور.
ترجمة أبي الحسن في (تاريخ بغداد) 10/461 وذكر فيه أمرين وذكر في ترجمة ابنه عبد الوهاب 11/33 ثالثاً، وهي هذه
الثاني: قال الخطيب: حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن علي العكبري قال: حدثني الحسن بن شهاب عن عمر بن المسلم قال حضرت مع عبد العزيز بن الحارث الحنبلي بعض المجالس فسئل عن فتح مكة أكان صلحاً أو عنوة؟ فقال: عنوة. فقيل: ما الحجة في ذلك؟ فقال: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق عن مالك - أو معمر: قال عبد الواحد: أنا أشك - عن الزهري عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في فتح مكة أكان صلحاً أو عنوة؟ فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عنوة. قال ابن المسلم: فلما خرجنا من المجلس قلت له: ما هذا الحديث؟ قال: ليس بشيء وإنما صنعته في الحال لأدفع به الخصم» .
الثالث: قال الخطيب في ترجمة عبد الوهاب: «حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكنية بن عبد الله التميمي قال سمعت أبي يقول
…
» فساق السند مسلسلاً بالآباء إلى أكنية «يقول سمعت علياً وسئل عن الحنان المنان
…
» وساق الذهبي في ترجمة أبي الحسن من (الميزان) بالسند إليه قال «سمعت أبي
…
» بسلسلة الآباء إلى «أكنية يقول سمعت أبي الهيثم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة» قال الذهبي: «المتهم به أبو الحسن وأكثر أجداده لا ذكر لهم في تاريخ ولا في أسماء رجال» .
فأما الأمر الأول، فأجاب عنه ابن الجوزي في (المنتظم) ج7 ص110 بقوله:«يجوز أن يكون قد كتب في بعض المسانيد من مسند آخر، ومن مسموعاته من غير ذلك المسند، متى كان الشيء محتملاً لم يجز أن يقطع على صاحبه بالكذب، نعوذ بالله من الأغراض الفاسدة على أنها تحول عن صاحبها» .
أقول: يقع في بعض مسانيد الصحابة من (المسند) أحاديث لصحابي آخر ففي مسند ابن عباس من (المسند) ج1 ص258 حديث من رواية أبي هريرة مرفوعاً وفي الصفحة التي تليها حديث من رواية أنس مرفوعاً، ولذلك نظائر فكأن مقصود
ابن الجوزي أنه يجوز أن يكون أبو الحسن حول الحديثين المذكورين مثلاً فألحق الأول في مسند أبي هريرة والثاني في مسند أنس. ولا يخفى بُعد هذا الاحتمال إذ لو كان هذا هو الواقع لما كان هناك ما يدعو الحفاظ الأثبات كالدارقطني وابن شاهين إلى شدة الإنكار وكتابه المحضر، ولما عبر ابن رزقويه بقوله:«وضع أبو الحسن» فأما قول ابن الجوزي «ومن مسموعاته» فكأنها راد به أنه إن لم يكون ذانك الحديثان من (المسند) فيجوز أن يكون سمعها من أبو الحسن خارج (المسند) بسند (المسند) كأن يكون (المسند) عنده من روايته عن ابن الصواف عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وسمع بهذا السند نفسه حديثين مفردين فألحقهما في (المسند) . وهذا الاحتمال أقرب من الأول، وعليه فلم فلم يكن من أبي الحسن وضع ولا افتراء. ويبقى النظر في صورة إلحاقه، فإن كان أنهما علقهما في الحاشية على سبيل الفائدة الزائدة لا على إيهام أنهما منه، فقد أساء، إلا أنه لا يكون ذلك وضعاً للحديث وافتراءً له. وإنكار الحفاظ وكتابة المحضر وقول ابن رزقويه «وضع
…
في (مسند أحمد) » يدل أن الواقع لم يقتصر على الكتابة في الحاشية بدون إيهام.
وقد وقع التقصير من الجانبين، قصر الأزهري عن تفصيل القضية فلم يذكر ما هما الحديثان وما قال الحفاظ، وقصر محدثوا الحنابلة فلم يراجعوا عند كتابة المحضر ولم ينقلوا بيان الحال إن كان كان الواقع على وجه لا يضر صاحبهم أبا الحسن. فلو ساغ لابن الجوزي أن يتهم الخطيب بالميل لساغ لمن يدافع عن الخطيب أن يقول: لو كان هناك ميل لتداركه محدثوا الحنابلة في عصر الخطيب عندما سمعوا ما ذكره الخطيب في (تاريخه) ، ولعلهم كانوا قد علموا بالقضية أو سألوا عنها فعرفوها ورأوا أن السكوت عنها أولى، لأن ذكرها مفصلة لا ينفع صاحبهم بل لعله يكون أضر عليه. وقد كان ابن الجوزي قريباً من عصر الواقعة فإن لم يعتن بالبحث عنها والسؤال فقد قصر، وإن بحث وسأل فعرفها فما باله اقتصر على التجويزات البعيدة والتجني على الخطيب؟ ولا يظن به أنه بحث وسأل فلم يجد خبراً ولا أثراً إلا ما ذكره الخطيب، لأنه لو كان الأمر
هكذا لكان الظاهر أن يذكره ابن الجوزي فإنه أقوى للدفاع مما اقتصر عليه. وبعد فالأسلم للجانبين والأحقن لدم الأخوين أن يقال: لعل أبا الحسن سمع ذينك الحديثين مفردين ليسا من (المسند) ولكنهما بسنده فألحقهما في الحاشية أو بين السطور غير قاصد الإيهام، ولكن كانت صورة الإلحاق موهمة فأبو الحسن معذور لعدم قصده، والمنكرون معذورون لبنائهم على الظاهر. والله أعلم.
وأما الأمر الثاني، فأجاب عنه بأن عبد الواحد «لا يعول على قَوْله
…
» وستأتي ترجمة عبد الواحد، فلا هو بالذي تقوم الحجة بما ينفرد به ولا هو بمن يظنه أن يختلق مثل هذه القصة اختلاقاً. وإذا كان الأمر كذلك فلا مانع منه أبداً. احتمال يخف به الاستبعاد كأن يقال لعل صاحب القصة رجل آخر غير أبي الحسن ويكون ابن المسلم لم يسمعه بل قال مثلاً «بعض الفقهاء» أو «بعض الشيوخ» ولعله ذكر مذهبه، فظن عبد الواحد أنه أبو الحسن فسماه.
وأما الأمر الثالث، فلم يذكره الخطيب في ترجمة عبد العزيز، وإنما الذي اهتم به عبد العزيز هو الذهبي، ولا حجة للذهبي على ذلك إلا أن عبد الوهاب موثق وعبد العزيز قد قيل فيه ما تقدم في الأمرين السابقين، وقد علمت أن الأمر الثاني لم يثبت ولا قارب، وأن الأمر الأول لا يخلوا عن احتمال، فالأولى في هذا الأمر الثالث الحمل على أحد الآباء المجاهيل.
ومع أن ابن الجوزي دافع عن أبي الحسن فلم يذكر أن أحداً من حفاظ الحنابلة أو غيرهم وثقه، ولا وثقه هو، بل اقتصر على أنه لا يجوز القطع عليه بالكذب، وإنما ذكر قول أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي «رجل جليل القدر وله كلام في مسائل الخلاف وتصنيف في الأصول والفرائض» .
والذي يتحصل هنا أنه لم يثبت ما يقطع به أبي الحسن أنه وضع الحديث لكنه مع ذلك لم يثبت على قواعد الرواية ما يقتضي أن تجب الحجة برواية ينفرد بها. فأم الخطيب فمن أنصف علم بأنه لم يعتد ما يوجبه عليه فنه ومقامه. والله أعلم.