الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عصر بل يجب استمرار ما بقي من المجمعين واحد، فيزيد في الحد إلى انقراض العصر ليخرج اتفاقهم إذا رجع بعضهم فإنه ليس بالإجماع المقصود وهو ما يكون حجة شرعاً، وأيضاً قد اختلف الأصوليون في أنه هل يجوز حصول الإجماع بعد خلاف مستقر من حي أو ميت أم لا؟ فإن جاز فهل ينعقد أم لا؟ قال يجوز أو قال يجوز وينعقد فلا يحتاج إلى إخراجه عن الحد، ومن يرى أنه لا يجوز ولا ينعقد فلا بد أن يخرجه عن الحد بأن يزيد فيه ولم يستقر خلاف مجتهد. وقال الغزالي هو اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور الدينية مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تجتمع أمتي على ضلالة" وبقوله: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة" وبقوله: "يد الله على الجماعة من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" واستدل الإمام الشافعي على حجية الإجماع بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} بضمه إلى مشاقة الرسول التي هي كفر فيحرم إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم إتباع غير سبيلهم فيجب إتباع سبيلهم إذ لا مخرج عن طاعة الرسول واتباع سبيل المؤمنين، وهذا أصل كلي خال من معارض ظني إذ متابعة الرسول شاملة لنصرته في حياته أو شريعته بعده، ولما به صاروا مؤمنين وهو التوحيد والإيمان به لا مخصوصة بما لا يخرج عن شريعته.
رجوع إسماعيل بن اسحق الأشعري عن معتقداته:
وقولكم (الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: "هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي" وهم الأشاعرة) وهذا غلط ظاهر لوجوه:
منها: أن هؤلاء المنتسبين إلى عقيدة الأشعري لم يرجعوا عنها كما رجع عنها وتاب وأقلع منها فإنه اسمه علي بن إسماعيل بن اسحق الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كنيته أبو الحسن ولد بالبصرة سنة سبعين وقيل ستين ومائتين وتوفي ببغداد ودفن بها سنة أربع وعشرين وثلاثمائة كما قال ابن الصلاح، وكان من تلامذة المعتزلة كأبي علي الجبائي، ومال إلى طريقة ابن كلاب وأخذ عن زكريا الساجي أصول
الحديث بالبصرة، ثم انه رجع إلى بغداد فتاب من عقيدته وانتسب إلى الإمام أحمد وغيره من السلف وانتصر لطريقة أحمد كما ذكر ذلك الأشعري في كتبه التي صنفها ومنها كتابه الإبانة الذي سماه في أصول الديانة، وكتابه الذي صنفه في اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين، وكما قاله أبو اسحق الشيرازي إنما حل الأشعري في قلوب الناس لانتسابه إلى الحنابلة، وكان أئمة الحنبلية المتقدمين كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسين التميمي ونحوهما يذكرون كلام الأشعري ورجوعه وتوبته في كتبهم وتفقه على أبي اسحق المروزي الحنبلي وأخذ عن حنبيلة بغداد أموراً من العقائد وسائر العلوم الشرعية، وكان ذلك آخر أمره كما ذكره هو أصحابه في كتبهم.
ومن أجل أصحابه القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلافي المتكلم فهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس في مثله لا قبله ولا بعده وقد تاب عن عقيدته وما يقول أهل الكلام ورجع إلى سلف الأمة وخيارها، ذكره ابن الصلاح والشيخ تقي الدين وغيرهما فالمنتسبون إليه لم رجعوا كما رجع، بل خاضوا في علم الكلام حتى زعموا أن النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه وهم حيارى في أصول مسائل التوحيد. ولهذا كثير منهم لما لم يتبين له الهدى نكص على عقبيه فاشتغل باتباع شهوات الغي في بطنه وفرجه أو رياسته وماله ونحو ذلك لعدم العلم واليقين بما كان عليه السلف الصالح، وفي الحديث المأثور:"إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومعضلات الغث في قلوبكم" وهؤلاء المعرضون عن الطريقة النبوية يجتمع فيهم هذا وهذا. فهم بخلاف الفرقة المستثناة.
(ومنها) أن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى دعوى لا حقيقة لها، أو شبهة مركبة من قياس فاسد، أو قضية كلية لا تصح إلا جزئية أو دعوى اجماع لا حقيقة له والتمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة (وإذا كان فحول النظر) وشياطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات ثم لم يصلوا فيها إلا إلى حيرة وارتياب، وأما إلى الاختلاف بين الأحزاب، فكيف غيرهم المقلدون لهم ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه، أم كيف يكون هؤلاء المقلدون للمتكلمين الذين قد كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى
إليه من مرامهم حيث يقول:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
…
وسيرت طرقي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كفى حائر
…
على ذقن أو قارعاً سن نادم
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم وهو الفخر الرازي:
نهاية اقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
من الذين أثنى الله عليهم في كتابه وممن استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم في جملة اتباعه وأحبابه لأن هؤلاء داخلون في عموم قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرشدين وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، قد وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر اتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق ما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة، بعكس من نبذ الكتاب رراءه واستدل بقول الأخطل، فإن من تأمل عقيدة المتكلم والمقلد له تأملاً يميز به بين الضدين ويفرق فيه بين الجنسين. علم يقيناً أن من أعرض عن الكتاب لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو مركب. فالأول {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} والثاني {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فأهل البسيط أهل الحيرة. وأهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمونها عقليات.