الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتصام بالكتاب والسنة
(فعلى المسلم) الاعتصام بالكتاب والسنة وأن يجتهد أن يعرف ما أخبر به الرسول وأمر به علماً يقيناً وحينئذ فلا يدع المحكم المعلوم للمشتبه المجهول، فإن مثال ذلك من كان سائراً إلى مكة في طريق معروفة لاشك أنما توصله إلى مكة إذا سلكها فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها، وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لا يدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك. (وأما) من عارض الكتاب والسنة بما يخالف ذلك فهو بمنزلة من كان يسير على الطريق المعروفة إلى مكة فذهب إلى طريق قبرص يطلب الوصول منها إلى مكة فإن هذه حال من ترك المعلوم من الكتاب والسنة إلى ما يخالف ذلك من كلام زيد وعمرو. لهذا قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْب} فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر كفى بربك هادياً ونصيراً، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب الذي هو القرآن وأهل الحديد كما قال من قال من السلف صنفان إذا صلحوا صلح الناس العلماء والأمراء، وقالوا في قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} أقوال العلماء والأمراء ولهذا نص الإمام أحمد وغيره على دخول الصنفين في هذه الآية إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقوم به من طاعة الله وكان نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي ومعاذ وأبي موسى وعتاب بن أسيد وعثمان بن أبي العاص وأمثالهم يجمعون الصنفين وكذلك خلفاؤه من بعده كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونوابهم، ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب القرآن، والذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد، إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك، وكذلك من قام يجمع الأموال وقسمها يجب أن يطاع فيما أمر به من طاعة الله
في ذلك، وكذلك من قام بالكتاب بتبليغ أخباره وأوامره وبيانها يجب أن يصدق ويطاع فيما أخبر به من الصدق في ذلك وفيما يأمر به من طاعة الله في ذلك.
والمقصود هنا بذلك كله هو أن يقوم الناس بالقسط الذي هو التوحيد وهو عبادة الله وحده لا شريك له قال عز من قائل: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وقال: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} ودين الإسلام العام الذي اتفقت عليه جميع النبيين هو المذكور في قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال نوح عليه السلام {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال الله عن إبراهيم {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
…
} إلى قوله {..فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وقال عن موسى: {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} .
فهذا التوحيد الذي هو أصل الدين وقوامه هو أعظم العدل وأصوبه وذلك بأن يكون الدين كله لله قولاً وعملاً واعتقاداً بإخلاص هذه الكلمة في لفظها ومعناها شهادة أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. اللهم اجعلنا ممن توجه إليك بها مخلصاً حتى يلقاك وأنت عنه راض فثبتنا اللهم عليها واجعلنا من أهلها مطيعين لأمرك آمرين بعدلك ناهين بنهيك.
هذا آخر ما أردنا املاءه على تلك المقدمة العجالة في تلك الورقات الرسالة فلله الحمد أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين آمين، اللهم صل
وسلم على أفضل خلقك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
* هنيئاً مريئاً في اغتيابي فوائد
…
فكل فتى يغتابني فهو لي يهدي
يصلي ولي أجر الصلاة وصومه
…
ولي كل شيء من محاسنه بيدي
وكم حاسد قد أنضج الغيظ قلبه
…
ولكنه غيظ الأسير على القد
فدونكها تحوى علوماً جليلة
…
منزهة عن وصف خد وعن قد
فلا مدحت وصلا لليلى وزينب
…
ولا هي ذمت هجر سعدى ولا هند
إليك طوت عرض الفيافي وطولها
…
فكم جاوزت غوراً ونجداً إلى نجد
أناخت بنجد فاستراحت ركابها
…
وراح خليا عن رحيل وعن شد
فاحسن قراها بالقراءة ناظماً
…
عليها جواباً فهي من جملة الوفد
وقد طولت جبراً لضعف نظامها
…
كما ستر الوجه المشوّه بالبرد
وصل على المختار والآل انهم
…
لحسن ختام النظم واسطة العقد
وقد صفحنا عن جوابها إيجازاً واختصاراً إدراكاً للمأمول وتحصيلاً للمسئول، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لما قام يدعو الناس إلى إقامة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وهديه ليقتفوا به وبأصحابه من بعده فَيُقَوّموا الشريعة التي عليها من سلف من الأمة، عاداه الناس وآذوه، ونسبوا كل عقيدة باطلة وفعل قبيح إليه، وانقسموا فيه بين مكفر ومخرج، وأجلبوا بجيوشهم ومدافعهم عليه، وما ذنبه إلا أنه يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فهو الداعي إليه، وهو القائم عليه، ممتثلاً قول الله تبارك وتعالى ومقتدياً برسوله صلى الله عليه وسلم وبمن مضى من الصحابة والتابعين في إقامة الدين {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ومن أعرض ونأى بجانبه عن ملة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فقد أخطأ وضل وأضل فإلى أين العدول عن ملته أصن تطلب النجاة في غير طريقته، أيدعى مسلم إتباع من لا يشك أنه على الصراط المستقيم وأنه رسول رب العالمين أرسله بالهدى ودين الحق فيتركه ويتبع الشيطان الرجيم الذي قد أخبر الله عنه {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} .