الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونعنى بهذا الإجماع ما قاله الإمام الغزالي: هو اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور الدينية. ولا عذر في الجهل بعد الإنذار بالكتاب والرسول وان جادل وعاند وزعم أنه محق فهو بنزول العذاب والبلاء مستحق. وفي هذا يقول نبي الله هود: على محمد وعليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام مخاطباً لقومه وقد أكثروا عليه في تركهم الآلهة وشددوا في لومه {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} فهذه المجادلة بالباطل وقوع الرجس والغضب هو الحامل عليها بعد أن تقدم منهم السبب.
حكم التوسل بالأعمال الصالحة وبأسماء الله وصفاته:
فلم يبق إلا التوسل بالأعمال الصالحة كتوسل أهل الإيمان في قولهم {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} الآيات وكتوسل أصحاب الصخرة المنطبقة عليهم، الحديث في البخاري لأنه تعالى وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، وكسؤاله بصفاته وأسمائه كالأدعية المعروفة في السنن "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت الله الحنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام " وفي الحديث الآخر "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " وفي الحديث الآخر "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو أستأثرت به في علم الغيب عندك" فهذه الأدعية ونحوها مشروعة باتفاق العلماء، وأما الإقسام على الله بمخلوق فهو منهي عنه باتفاق الأئمة. وهل هو نهي تحريم أو تنزيه على قولين أصحهما أنه نهي تحريم. وأما سؤاله تعالى بمعاقد العز من عرشه فيأتي بحثه إن شاء الله تعالى، ومن أثبت ما نفاه الله أو نفى ما أثبته الله في كتابه أو على لسان رسوله فقد ضل الطريق وأخطأ المعنى وان ادعى الحفظ والفهم. عن عبد الله بن مسعود قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي
الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قال: قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك" قال قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك") فأنزل الله تصديقها {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير. فهذا الحديث الصحيح له معان ودرجات على الترتيب في عظم الذنب، وأكبره جعل الأنداد، وما دونه وان كان ذنباً فليس مساوياً له إلا أن استحل فيوافقه في اسم الكفر وجعل الند لله أكبر منه، ولكن ليس على العبد أشد من دحض الحق والعمل بخلافه ومعاداته وأهله والقدح عليهم فيه، فمعاداة الحق وأهله سنة متقدمة وعادة مطردة ولذلك لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} صدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم فدعا إلى الله الكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى والجن والإنس، فلما صدع بأمر الله وصرح لقومه بالدعوة وبادأهم بسب آلهتهم وعيب دينهم اشتد أذاهم له ولمن استجاب له وادعوا جهلهم وجنونهم، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِك} وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِن} وقال: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} الآية فعزى الله سبحانه نبيه بذلك وان له أسوة بمن تقدمه من الرسل وعزى سبحانه أيضاً أتباعه وهم العلماء العاملون بأمره الداعون إلى شريعته بقوله سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية وقوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا..} إلى قوله: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} .
ومن تأمل سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم علم أن الناس بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنا، وإما أن يأبى فيستمر على السيئات من مخالفة دين الرسل، فمن قال آمنا ابتلاه ربه واختبره ليتبين الصادق من الكاذب ومن لم يتبع دين الرسل فلا يحسب أنه يفوت الله ويسبقه، فمن آمن بالرسل واتبع دينهم واهتدى بهديهم عاداه أعداؤهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تبارك وتعالى قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه ومازال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله