المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام في العبادة والعبودية - التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق

[محمد بن علي بن غريب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ ما ورد إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الرسائل:

- ‌سبب تأليف الرسالة:

- ‌ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر من أخذ عنه العلم:

- ‌تعصب الراوي وكبره:

- ‌ما ذكره الراوي في شأن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونقد الراوي لها:

- ‌رد الشيخ على قول الخصم:

- ‌تعريف المرتد:

- ‌حكم التوسل بالأعمال الصالحة وبأسماء الله وصفاته:

- ‌تعريف الدليل لغة واصطلاحاً:

- ‌قصائد في مدح الشيخ من علماء الأقطار:

- ‌رد قول الخصم أن الشيخ أخذ علمه من كتب ابن تيمية:

- ‌تعريف التقليد:

- ‌تعريف الإجماع:

- ‌رجوع إسماعيل بن اسحق الأشعري عن معتقداته:

- ‌تعريف السلف

- ‌حدوث العالم وأنه لا خالق سوى الله:

- ‌المعاد الجسماني والمجازاة:

- ‌جواز العفو عن المذنبين:

- ‌شفاعة الرسل:

- ‌إنكار الخوارج والمعتزلة للشفاعة:

- ‌عقيدة السلف الصالح في الشفاعة:

- ‌بعثة الرسل بالمعجزات حق:

- ‌أهل الشجرة وأهل بدر من أهل الجنة:

- ‌وجوب نصب الإمام على المكلفين:

- ‌الإمام الحق بعد الرسول أبو بكر ورد قول الرافضة:

- ‌الأفضلية على ترتيب الخلافة

- ‌عدم تكفير أحد من أهل القبلة:

- ‌التوحيد وما يتعلق به:

- ‌الاعتقاد المكفر أقسام:

- ‌تارك الصلاة كافر، وإقامة الدليل عليه:

- ‌الأدلة على كفر تارك الصلاة:

- ‌الأحاديث الواردة في نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة:

- ‌مسائل الإيمان والإسلام والفرق الضالة:

- ‌حكم الفاسق:

- ‌كفر دون كفر:

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله كفر عملي:

- ‌الجمع بين حديثي "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " وبين حديث " لا يزني الزاني

- ‌النفاق نفاقان

- ‌حكم ما يفعله العوام من الدعاء والهتف

- ‌حمل نصوص القرآن وغيرها على ظواهرها

- ‌تعريف العبادة

- ‌حمل المؤمن عل الصلاح

- ‌وجوب الاستغفار والترضي لمن سلف

- ‌زيارة القبور الشرعية وما ورد في ذلك

- ‌الشفاعة الثابتة والمنفية والمنهي عنها

- ‌الدعاء عند الموتى أو بهم ليس من الوسائل المشروعة

- ‌مسألة شد الرحال إلى زيارة القبور

- ‌حكم المتهاون بصلاته

- ‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها

- ‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك

- ‌حكم التبرك بالشجر والحجر

- ‌الدلائل القائمة على ألوهية الخالق

- ‌تعريف النذر لغة وشرعاً وحكم النذر لغير الله

- ‌الاستعاذة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌نداء غير الله هو الدعاء الذي هو العبادة

- ‌الاستغاثة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌قول البوصيري يا أكرم الخلق وحديث بن مظعون وتزكية الناس ورد قول الخصم فيما يتعلق بقول البوصيري

- ‌بحث قوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌الكلام في العبادة والعبودية

- ‌قول الخصم لا يلزم من دعاء الغير أن يكون شركاً في العبادة والجواب عنه

- ‌قول الخصم كيف يقال طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إشراك والجواب عنه

- ‌الشفاعة ومعناها ورد قول المخالف

- ‌الاعتصام بالكتاب والسنة

الفصل: ‌الكلام في العبادة والعبودية

‌الكلام في العبادة والعبودية

وأما قول صاحب المقدمة (كيف يكون قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} بياناً لمعنى العبادة إلى قوله اعلم ان للطاعة مراتب، الأولى أن يلاحظ فيها الثواب ودرء العقاب مع الامتثال وتسمى عبادة، والثانية أن لا يلاحظ إلَاّ تشرف النفس بالتقريب إلى الله وتسمى عباده، الثالثة أن لا يلاحظ إلَاّ الله ويسمى عبودية وهذه أعلى المراتب وفي تقديم إياك على نعبد إشارة إليه) .

فنقول: قد قال الجوهري العبادة والطاعة والخضوع والتذلل لا يستحقه إلَاّ الله سبحانه وتعالى، ويسمى العبد عبداً لذلته وانقياده لمولاه، وقال الفخر إسماعيل أبو البقاء العبادة ما أمر به شرعاً من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، وقوله تعالى ادعوا ربكم أمر منه تعالى بدعائه فهو عبادة بل هو مخها كما قدمناه، قال أبو علي الدقاق ليس شيء أشرف ولا أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية قال في المطلع ولهذا وصف الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته حين دعا الخلق إلى توحيد الحق وعبادته قال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} وحين أنزل عليه القرآن قال عز من قائل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} مع أنه صلى الله عليه وسلم حبيب الله وخليله كما ثبتت خلته في الصحيح قال بعضهم:

لا تدعني إلَاّ بيا عبدها

فإنه أشرف أسمائي

ونحن قد قدمنا مراتب العبادة في بحث إرادة الإنسان بعمله الدنيا وأنها على ثلاثة أنواع باعتبار نياتهم في طاعة الله تبارك وتعالى، لأن العبد إما أن يلتمس بعمله من ربه أمراً من أمور الدنيا كصحة وعافية وتكثير ماله وولده أو سلامتها، وأما أن يلتمس به محمدة عند الناس ومحبة ومدحاً منهم، وأما أن يعمل امتثالاً لأمره تعالى وتقدس

ص: 346

وإجلالاً لعظمته وقياماً في عبوديته، وهذا الثالث من أعلى درجات الإخلاص كما عليه الصحابة والتابعون وتبعهم فيه المحققون من علماء كل مذهب، وان شابه خوف من الله ورجاء، وأما الأول والثاني فقد تقدم الكلام عليهما مبسوطاً.

وهذه المراتب التي ذكرها صاحب المقدمة لا يخرج كل منها عن الإخلاص لأن الموحد لا يخلو عن أن يكون خائفاً من ربه راجياً فهي في الحقيقة ترجع إلى معنى واحد إذ من لاحظ بعمله الله لا يعلم هو مقبول منه أم لا فهو خائف راج قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وما يذكر عن بعض الشيوخ أنه جعل الخوف والرجاء من مقامات العامة فالمراد به أن المقربين يلاحظون بعبادتهم وجه الله فيقصدون رضاء الله والتلذذ بالنظر إليه كما قال الجنيد فهم يرجون حصول هذا المقصود المطلوب ويخافون حرمانه فلم يخلوا عن الخوف والرجاء لكن مرجوهم ومخوفهم بحسب مطلوبهم، ومن قال منهم لم أعبدك شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من نارك فهر يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه من نعيم المخلوقات، والنار اسم لما يعذب فيه من ألم المخلوقات، وهذا قصور وتقصير منهم عن فهم مسمى الجنة بل كل ما أعد الله لأوليائه فهو في الجنة والنظر إليه في الجنة ولهذا كان أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ولما سئل بعض أصحابه عما يقول في صلاته قال إني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ قال حولها ندندن، وأما التألم بالنار فهو أمر ضروري ومن قال لو أدخلتني النار لكنت راضياً. فهو عزم منه على الرضا والعزائم قد تنفسخ عن وجود الحقائق ومثل هذا يقع في كلام بعض القوم مثل ما قال سمنون:

فليس لي في سواك حظ

فكيف ما شئت فامتحني

فابتلى بعس البول فجعل يطوف على صبيان المكاتب ويقول ادعوا لعمكم الكذاب، وبعض من تكلم في علل المقامات جعل الحب والرضا والخوف والرجاء من مقامات العامة بناء على مشاهدة القدر وان من نظر إلى القدر فشهد توحيد الأفعال حتى فنى من لم يكن وبقى من لم يزل، وهذا الكلام مستدرك حقيقة وشرعاً، أما الحقيقة فإن الحي لا يتصور أن لا يكون حساساً محباً لما يلائمه مبغضاً لما ينافره ومن

ص: 347

قال أن الحي يستوي عنده جميع المقدورات، فهو أحد رجلين إما أنه لا يتصور ما يقول بل هو جاهل، وإما أنه مكابر معاند، وأما الشرع فمن زعم أن المشاهد لتوحيد الربوبية يدخل إلى مقام الجمع والفناء فلا يشهد فرقاً فإنه غالط بل لابد من الفرق لأنه أمر ضروري، لكن من خرج عن الفرق الشرعي بقي في الفرق الطبيعي ويبقى متبعاً لهواه لا مطيعاً لمولاه، ولهذا لما وقعت هذه المسألة بين الجنيد وأصحابه ذكر لهم الفرق وهو أن يفرق العبد بين المأمور والمحظور وبين ما يحبه الله وما يكرهه مع شهوده المقدر الجامع فيشهد الفرق في الجميع فيكون عابد الله قاصد المطلوب خائفاً حرمانه، ومن دعائه رضي الله عنه اللهم إني أسألك منك ما هو لك وأستعيذ بك من كل أمر يسخطك اللهم لا تشغلني بشغل من شغله عنك ما أراده منك إلَاّ أن يكون لك اللهم اجعل غاية قصدي بك ما هو لك ولا تجعل قصدي إليك ما أطلبه منك يا أرحم الراحمين، وقال الشيخ عبد القادر الجيلي رحم الله روحه ونوّر ضريحه: خصال الأولياء أربعة أوصاف، العبودية بالخوف من الله ورجائه، ونعوت الربوبية بمشاهدة المقدورات، والإشراف على مما كان وما يكون بعلم الشريعة، والوقوف عندها والدخول على الله في كل يوم سبعين مرة بتجديد التوبة وكثرة الاستغفار انتهى. وقال محمد بن الحنفية ليس لأبدانكم قيمة إلَاّ الجنة فلا تبيعوها إلَاّ بها وما كرمت على عبد نفسه إلَاّ هانت عليه الشهوات انتهى. قال سبحانه وتعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والمؤمن العامل إذا رجا بعمله ما وعده عليه مولاه لا يخرج برجائه ذلك عن الإخلاص الذي هو أعلى مراتب العبودية، وإنما اختلف الناس في مقاصد العبادات وصفاتها، فمنهم من يقول كلما كان أشق على النفس وأشد إبانة لشهوتها فهو أفضل، ومنهم من يقول ان أفضلها ما كان أدعى إلى تحصيل الواجبات العقلية، ومنهم من يقول فضل بعضها على بعض لا لعلة بل يرجع فيه إلى المشيئة والصواب أن أفضلها ما كان لله أطوع وللعبد أنفع، فما كان صاحبه أكثر انتفاعاً به وكان صاحبه أطوع لله به من غيره فهو أفضل وذلك أن تكون العبادة تابعة لما جاء به الرسول فعلاً أو تركا. والجواب لأهل القول الأول أن يقال لهم الجهاد أعظم مشقة من هذا كله فإنه بذل النفس وتعريضها للموت ففيه غاية الزهد المتضمن لترك الدنيا كلها

ص: 348