الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم المتهاون بصلاته
وأما اعتراضكم على الشيخ بقولكم: (وأما قوله وليعلم المتهاون بصلاته المستخف المسابق الإمام فيها أنه لا صلاة له وأنه إذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه أخذا هذا القول من تشبيهه صلى الله عليه وسلم الدين بالخيمة. والصلاة بعمود تلك الخيمة. وقوله أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد، فكذلك الصلاة من الإسلام. فنقول لا نسلم ان سبق الإمام يبطل صلاته، نعم يكره ذلك الفعل منه بل ان ترك الموحد الصلاة رأساً مع اعتقاد فرضيتها لا يكفر كفراً اعتقادياً. نعم عند الشافعي يقتل أحداً لا كفراً فكيف يحكم بسبب المسابقة بخروجه من الدين، ولا يلزم من التشبيه الذي بالحديث المذكور ذلك إذ لا يلزم من تشبيه شيء بشيء مشاركته من جميع الوجوه. مثلاً لا يلزم من تشبيه زيد بالأسد في الشجاعة أن يقال الناس كالأسد، نعم الصلاة أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين وفرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل كما هو مفصل في كتب التفسير والحديث والفقه) .
فنقول هذا الاعتراض شاهد على المعترض به أنه ليس له إطلاع على كلام الأئمة الإعلام ولا احاطة بمعاني الأحاديث النبوية الكرام، وإنما يقول من عندياته، ويستدل بظاهر ما خلف من مصنفاته غير محررات تناقضها نصوص كلام إمامه ومروياته وذلك من وجوه.
(أحدها) أن هذا كلام للإمام أحمد بن حنبل الشيباني لا لمحمد بن عبد الوهاب، بل قاله الإمام أحمد في رسالة له عدة ورقات كتبها في أحكام الصلاة والتهاون بها وما بلغه عنها وكان سبب كتابتها على ما ذكره أنه صلى في جماعة ورآهم أو أكثرهم يسابقون الإمام بالأركان الفعلية، فكتبها نصيحة لهم ولغيرهم ان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه وتابع له في أفعاله لا يتقدم بها عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل
الإمام ليؤتم به" ولقوله أيضاً: " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار" وهذان الحديثان في البخاري ومسلم، ومعلوم أن المسابق لإمامه متهاون بصلاته مستخف بها، ووجود هذين الوصفين أو أحدهما لا يجامع الصحة وإذا بطلت فخطرها عظيم، ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته وليعلم المتهاون بصلاته المستخف بها المسابق للإمام فيها أنه لا صلاة له، فإذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه، فعظموا الصلاة وتمسكوا بها واتقوا الله فيها خاصة وفي أموركم عامة، واعلموا أن الله عز وجل قد عظم حق الصلاة في القرآن وعظم أمرها وشرفها وشرف أهلها وخصها بالذكر من بين الطاعات كلها في مواضع كثيرة من القرآن وأوصى بها خاصة فمن ذلك أنه تعالى ذكر أعمال البر التي أوجب لأهلها الخلود في الفردوس فافتتح تلك الأعمال بالصلاة وختمها بالصلاة وجعل تلك الأعمال التي جعل لأهلها الفردوس بين ذكر الصلاة مرتين قال الله عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فبدأ من صفتهم بالصلاة عند مدحه إياهم ثم وصفهم بالأعمال الظاهرة الزكية المرضية إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فأوجب الله عز وجل لأهل هذه الأعمال الشريفة الزكية المرضية الخلود في الفردوس وجعل هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين ثم عاب الله عز وجل الناس كلهم وذمهم ونسبهم إلى اللوم والهلع والجزع والمنع للخير إلَاّ أهل الصلاة فإنه استثناهم منهم فقال: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} ثم استثنى المصلين فقال: {إِلَاّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ثم وصفهم بالأعمال الزكية الطاهرة المرضية الشريفة إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} ثم ختم ثناءه عليهم ومدحه إياهم بأن ذكرهم بمحافظتهم على الصلاة فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} فأوجب لأهل هذه الأعمال الكرامة في الجنة وافتتح ذكر هذه الأعمال المرتب على وجودها الكرامة بالصلاة وجعل ذكر هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين ثم ندب إلى الطاعات كلها، والصلاة هي أكبر الطاعات فقال عز من قائل:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وفي تلاوة الكتاب
جميع الطاعات كلها واجتناب جميع المنهيات فخص الصلاة بالذكر فقال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} أي والصلاة خاصة وقد ندب سبحانه وتعالى أنبياءه عليها فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} فأمر الله نبيه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ثم أمر الله المؤمنين بالاستعانة على طاعته بالصبر، ثم خص الصلاة بالذكر من بين الطاعات فقرنها مع الصبر بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وكذلك أمر الله بني إسرائيل بالاستعانة في الصبر على جميع الطاعات ثم أفرد الصلاة من بين سائر الطاعات فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ومثل ذلك ما أخبر الله عز وجل من حكمه ووصيته خليله إبراهيم ولوطاً وإسحق ويعقوب فقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاة} فأفردها بالذكر وأوصاهم بفعل الخيرات عامة وفعل الصلاة خاصة ومثل ذلك ما أخبر عن إسماعيل في قوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} فبدأ بالصلاة، ومثله عن موسى عليه السلام في قوله:{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} فأجمل الطاعات واجتناب المعاصي وأفرد الصلاة وأمر بها خاصة، ثم قال عز من قائل:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} والتمسك بالكتاب لازمه فعل جميع الطاعات واجتناب جميع المنهيات. ثم خص الصلاة بالذكر فقال: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} وأما تضييع الصلاة فهو تركها والتهاون بها واستخفافها وتعاطي ما يبطلها من فعل ما هو محظور فيها ككلام الناس بينهم وكثرة الحركات فيها عرفاً لغير حاجة قتال مباح أو نحوه، ومسابقة إمامه بأفعال الصلاة وعدم تعديل الأركان فيها بأن لم يطمئن طمأنينة وان قلت أو لم يقرأ فيها بأم القرآن فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" هذا الحديث رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه بلفظه وذكر الحديث بتمامه وعن زيد بن أرقم قال: "كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جانبه حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" وهذا نهى عام فيشمل الأحوال كلها وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وعن أبي هريرة قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسجد ودخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ثلاثاً فقال والذي بعثك بالحق لا أحسن غيره فعلمني فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تخلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا" وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام" وعن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي يحذر مسابقته فيها" وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الظهر في الأولتين بأم الكتاب وسورتين ويطول الأولى ويقصر الثانية ويسمع الآية أحياناً وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وروي أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب" وعن عبادة بن الصامت قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج هي خداج" وما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: اقرأ في الأولتين وسبح في الأخيرتين فيرويه الأعور. وقد قال الشعبي أنه كذاب وعمر وجابر يخالفانه إلى أن قال فالصلاة خطرها عظيم، وأمرها جسيم، وبالصلاة أمر الله تبارك وتعالى رسوله أول ما أوحى إليه بالصلاة قبل كل عمل، وقبل كل فريضة، وبالصلاة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من الدنيا فقال:"الله الله في الصلاة وفيما ملكت إيمانكم" هذا في آخر وصيته إياهم، وجاء في الحديث أنها آخر وصية كل نبي لأمته وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا. وجاء في حديث آخر أنه كان يجذب نفسه وهو يقول: "الصلاة الصلاة أول فريضة فرضت عليكم هي آخر ما يذهب من الإسلام وهي أول ما يسأل عنه العبد من عمله يوم القيامة وهي عمود الإسلام ليس بعد ذهابها دين ولا إسلام والله الله في أموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة، فتمسكوا بها واحذروا تضييعها، والاستخفاف