الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرها ولا يخرج بشيء من ذلك أحد منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم وليعلم أن سبب تلك الحروب ان القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:
(قسم) ظهر لهم الاجتهاد أن الحق في هذا الطرف. وان مخالفهم باغ فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقادهم.
(وقسم) عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
(وقسم ثالث) اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها فلم يظهر لهم ترجيح أي الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حق هؤلاء لأنه لا رجحان ولا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأنه الحق لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه، فكلهم عدول رضى الله عنهم ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهادتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين.
عدم تكفير أحد من أهل القبلة:
(وأما قولكم ولا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا بما فيه نفى للصانع القادر العليم أو شرك العليم أو إنكار ما علم مجيئه صلى الله عليه وسلم به ضرورة أو إنكار لمجمع عليه كاستحلال المحرمات التي أجمع على حرمتها) .
فنقول: أهل القبلة هم الموحدون الله تعالى في عبادته ومعاملته كما أمرهم بجعلهم الدين الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه كله لله وحده لا شريك له، فهم فيه لله مستسلمون ومنقادون، ولما أحل الله ورسوله محللون، ولما حرم الله على لسان رسوله محرمون، وعما ينافي الإسلام تاركون، قال سبحانه وتعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصلوا
صلاتنا واستقبلوا قبلتنا أكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها" وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" فقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الخلق وقتالهم حتى يقولوا هذه الكلمة الطيبة ويتركوا المنافي لها من الإشراك بالله فلا تتأله قلوبهم غيره تعالى وحتى يؤدوا حقها ومنه أن يصلوا الصلاة المفروضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته المضافة إلى الموصوفين منهم بأتباعه، وهي لا تضاف إليهم إلا أن تكون طيبة أي صالحة بصلاح شروطها وأركانها وواجباتها إذ الطيب لا يقبل إلا طيباً، وأن يؤدوا الحق الواجب في أموالهم، وأن يستقبلوا قبلتهم، وأن يأكلوا ذبيحتهم، وهذه الإضافة في الصلاة والقبلة والذبيحة للتشريف شرف الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وشرف ملته الحنيفية ودينه الإسلام، فجعل منه تلك الصلاة التي فيها كمال العبودية والتواضع لله تبارك وتعالى، وجعل منه هذه القبلة المشرفة فهي قبلتهم في الصلاة وغيرها أحياء وأمواتاً، وأحل ذبيحتهم وجعل أكلها علامة الإيمان، وذلك لشرفهم وشرف ملتهم ودينهم وهديهم، والمستوجبون لذلك معصومة دماؤهم وأموالهم لإتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم في دينه وملته، فليس أهل القبلة إلا من عمل بمعنى الشهادتين اللذين هما رأس دين الإسلام وملته وقوامه، وصفته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله قولاً وعملاً واعتقاداً، فإن الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو تتضمن إخلاص الالوهية له سبحانه وتعالى فلا يتأله القلب ولا اللسان غيره تعالى لا بحب ولا خشية ولا إنابة ولا توكل ول ارجاء ولا إجلال ولا رغبة ولا رهبة بل لابد أن يكون الدين كله لله كما قال عز من قائل:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فإذا جعل بعض الدين قولاً وعملاً واعتقاداً لله، وبعضه كذلك لغيره لم يكن الدين كله لله بل قد تأله معه غيره، فأهل القبلة يحبون لله، والمشركون يحبون مع الله، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأهل القبلة يخلصون الدعوة لله، والمشركون يجعلونها لغير الله، كما قال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} .
والشهادة بأن محمداً رسول الله تتضمن تصديقه صلى الله عليه وسلم في جميع ما أخبر به