الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التبرك بالشجر والحجر
وأما قولكم (وقوله من تبرك بشجرة أو حجر الخ فعلم جوابه مما ذكرنا آنفاً مع أنه أيضاً ليس على إطلاقه إذ بعض الأحجار قد ينفع بإذن الله وقد يكون لبعضها خواص ومنافع خلقها الله فيها كما نشاهد في حجر المغناطيس من جذب الحديد وأمثاله وكالحجر الأسود فإن عمر بن الخطاب حين استلمه لما قال له إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك أجابه عثمان بن عفان بقوله إنه يضر وينفع إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه ليشفع بمثل ربيعة ومضر فافهم ذلك يا ابن عبد الوهاب) .
فنقول معنى تبرك أي طلب البركة وقصدها من الشجرة أو الحجر نفسهما، أو هما السببان في حصولها، فالأول هو اعتقاد المتبركين بهما من غالب مشركي أهل هذا الزمان كما هو مشاهد لمن تأمل وتحقق، والثاني هي ذات الأنواط التي قال عنها أهل العلم من أصحاب مالك وغيرهم: انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون بسببها البراء والشفاء ويضربون بها الخرق ويعلقونها عليها فاقطعوها فإنها ذات أنواط، وكما روى أبو داود والترمذي عن أبي واقد الليثي قال:(خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم قبل حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا كما قالت بنو إسرائيل اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم") وفي رواية للترمذي عنه أنهم مروا بسمرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط قالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها ليتبركوا بها وينتفعوا بسببها يكون اتخاذها ذلك إلهاً مع الله مع أنهم لا يدعونها ولا يسألونها فما الظن فيمن يدعوها
ويرجو منها ومن بركتها وقد كانت العزى شجرة سمر بنخلة لغطفان يعبدونها بدعائها لتشفع خاصة لهم فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها بالفاس وهو يقول: يا عزى كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها، وكذلك مناة صخرة كانت لهذيل وخزاعة وقيل لثقيف، وسميت بذلك لما كان يمنى أي يراق عندها من الدماء للتبرك بها رجاء شفاعتها، وأخذوا اشتقاق اسمها من منى الله الأمر إذا قدره زاعمين أنه الله يقدر لهم بشفاعتها وإراقة الدماء عندها ما أرادوا طلبوه وعوها لتشفع لهم فيه.
وقد زعم صاحب المقدمة أن من تبرك بشجرة أو حجر فرجى منها ومن بركتها ما تفرج عنه الكروب وتشفى القلوب وتقضي الحوائج وتكشف الشدايد أو لتشفع له فيما رجاها ودعاها أن تشفع له فيه من ذلك فليس شيئاً أكبر غير مغفور إلَاّ بالتوبة منه والرجوع إلى دين الإسلام والملة الحنيفية عنه لقوله، فقد علم جوابه مما ذكرنا آنفاً، يعني قوله فيما تقدم فيمن لبس الخلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء ودفعه، أنه ليس فيه إلَاّ الحرمة والإثم ولا يلزم منه كون مرتكبه كافراً مشركاً، فكذلك من تبرك بشجرة أو حجر ليس فيه إلَاّ الحرمة والإثم لكن لا يلزم منه كون مرتكبه كافراً الخ، ولم يعلم حكم تعطيل معاملة الله تبارك وتعالى الواجبة على خلقه وعبيده التي هي معنى ألوهيته وتفرده فيما هو يختص بجلاله وعظمته من صمديته التي مفتقر بها إليه البر والفاجر، والبائس والشاكر، والمقل والمكثر المتفاخر، وسائر خلقه كلهم بها له قانتون، وإياه يدعون، ومن بركاته يرجون، إنما كان شرك الأولين بما يظنونه مرضياً لرب لعالمين ومقرباً إليه في كل حين، ولذلك يخلصون له الدين في حال الشدة وكل أمر هائل مزعج متين:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} لكن هؤلاء الذين يستجاب لهم لإقرارهم بربوبيته وافتقارهم إلى صمديته وأنه يجيب دعاء المضطرين لا يعطيهم بدعائهم إلَاّ متاعاً في الحياة الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق، لأنهم عطلوا معاملته المقتضية لعبادته وعصوا رسله قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً *
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} وعدم فهمه شيء عبادة الله ومعاملته وحكم تعطيلها هو الحامل له بأن يحكم على من تبرك بشجرة أو حجر فرجى منها ومن بركتها ما تفرج به عنه الكروب وتقضي الحوائج وتكشف الشدائد، كحكمه فيمن لبس الخلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، في أن ليس في ذلك إلَاّ مجرد الحرمة فقط.
ومما يدل على ما قلناه دلالة صريحة، اعتقاده وتصريحه في كلامه الذي في قوله مع أنه أي إثم التبرك بالأشجار والأحجار ليس على إطلاقه، إذ بعض الأحجار قد ينفع بإذن الله وقد يكون لبعضها خواص ومنافع خلقها الله فيها كما نشاهد في حجر المغناطيس من جذب الحديد وأمثاله فلا إثم على من دعاه وتبرك به لما فيه من النفع ومن جذب الحديد، وكذا الحجر الأسود لما فيه من نفع الشفاعة في مثل ربيعة ومضر.
ومن له أدنى لب من عقل ومعرفة فيما بعث الله به الرسل وفضلهم وهديهم واقتباس نصيب من نور الله علم يقيناً أن معتقد هذا الاعتقاد وقائل هذا القول والحاكم بهذا الحكم محاد لله ولرسوله، راد على الله ورسوله ناقض لحكم الله ورسوله، وأنه ليس عنده علم ومعرفة في دين الله الذي من يتبع غيره لن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ولم يفرق بينه وبين الانتفاع والاستمتاع فيما هو مخلوق من الأرض ومعادنها للآدميين، بل عنده من ذلك مجرد الادعاء في القول والكتابة على حكمه في القول، فإن نظره إلى الصنعة في الخلق ولم ينظر إلى الصانع الخالق رب كل شيء وخالقه ومليكه وإلهه، الذي لم يخلق خلقاً إلَاّ لحكمة، وجميع الكائنات شاهد بألوهيته، كما هو دال على ربوبيته، والأرض وما حوته من أنواع المعادن والنبات من حكمة موجودها، وبركة إلهها الموضوعة فيها، إنما وجودها دليل على وحدانية الله وتفرده بالألوهية ليكون الدين كله له، ولينتفع بها وبما فيها سائر الحيوانات التي على ظاهرها وفي باطنها من بني آدم وغيرهم، قال عز من قائل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} فهذا الامتنان من الواحد المنان ناطق بأن الأرض وسائر ما فيها من الأشجار والأحجار لا يعتقد فيها
الضرر والنفع ولا العطاء والمنع، وإنما ينتفع بها انتفاع استمتاع لا اعتقاد نفع فيه، إذ الأول من معاني الامتنان، والثاني من وظائف الإله الواحد المنان، واعتقاد السببية الجائزة فيه من غير ركون إليه ولا توكل عليه من جملة الاستمتاع به، وقد تقدت الأسباب الجائزة مستوفاة في بحث الشرك، وان الله خالق السبب والمسبب ومن وقع في ظلمات الوهم وأبعد عن نور الفهم لم يميز بين النوعين، ولم يفرق بين الجنسين، ولو كلف الخاطبون أو أذن لهم في الاقتصار في العبادة على المصنوع والصنعة التي هي نتيجة الحكمة فعطلوا معاملة الصانع الحكيم أو التشريك بينهما لعد ذلك نقصاً في جانب الصانع ونفياً لحكمته التي لأجلها خلق الأرضين والسموات وما فيهما وما بينهما من الآيات، ولها أوجد جميع الكائنات، فكيف وقد تعالى وتقدس أن يأمر إلَاّ بعبادته ومعاملته له وحده لا شريك له فيها، ونصب على ذلك دلائل شاهدة بألوهيته وحده، من ذلك الأرض وما أوجد فيها الإله من معادن الأحجار بأنواعها، فإن فيها خواص ومنافع للناس، ونفعه أكثر من حجر المغناطيس كحجر الأثمد واللؤلؤ والجوهر والزبرجد والزرنيخ والشب وغيرهما من أنواع المعادن، كل له خاصية ينتفع بها ليس في الآخر وقلما يوجد حجر فيها إلَاّ ويصلح للانتفاع به دق أو جل كالبناء وغيره وكذا حجر الألماس والنار كل له خاصية ينتفع بها دالة على ألوهية خالقها، واختلاف ألوانها في كل لون يكون فيها أو منها، كما هو مشاهد في المعادن المستخرجة وكل لون ينقسم إلى أنواع وألوان فإن حمرة المرجان محلفة، كما أن حمرة الزبرجد والياقوت وخضرتهما مختلفة، وكاختلاف بقاع الأرض مع تجاورها قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
وكذلك اختلاف الأجساد من سائر الحيوانات والعقول والادراكات والأشجار وأنواع الثمرات مع اتحاد الأب والأم إن في ذلك لآيات، وهذا سر قوله تعالى:{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .