المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك - التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق

[محمد بن علي بن غريب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ ما ورد إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الرسائل:

- ‌سبب تأليف الرسالة:

- ‌ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر من أخذ عنه العلم:

- ‌تعصب الراوي وكبره:

- ‌ما ذكره الراوي في شأن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونقد الراوي لها:

- ‌رد الشيخ على قول الخصم:

- ‌تعريف المرتد:

- ‌حكم التوسل بالأعمال الصالحة وبأسماء الله وصفاته:

- ‌تعريف الدليل لغة واصطلاحاً:

- ‌قصائد في مدح الشيخ من علماء الأقطار:

- ‌رد قول الخصم أن الشيخ أخذ علمه من كتب ابن تيمية:

- ‌تعريف التقليد:

- ‌تعريف الإجماع:

- ‌رجوع إسماعيل بن اسحق الأشعري عن معتقداته:

- ‌تعريف السلف

- ‌حدوث العالم وأنه لا خالق سوى الله:

- ‌المعاد الجسماني والمجازاة:

- ‌جواز العفو عن المذنبين:

- ‌شفاعة الرسل:

- ‌إنكار الخوارج والمعتزلة للشفاعة:

- ‌عقيدة السلف الصالح في الشفاعة:

- ‌بعثة الرسل بالمعجزات حق:

- ‌أهل الشجرة وأهل بدر من أهل الجنة:

- ‌وجوب نصب الإمام على المكلفين:

- ‌الإمام الحق بعد الرسول أبو بكر ورد قول الرافضة:

- ‌الأفضلية على ترتيب الخلافة

- ‌عدم تكفير أحد من أهل القبلة:

- ‌التوحيد وما يتعلق به:

- ‌الاعتقاد المكفر أقسام:

- ‌تارك الصلاة كافر، وإقامة الدليل عليه:

- ‌الأدلة على كفر تارك الصلاة:

- ‌الأحاديث الواردة في نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة:

- ‌مسائل الإيمان والإسلام والفرق الضالة:

- ‌حكم الفاسق:

- ‌كفر دون كفر:

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله كفر عملي:

- ‌الجمع بين حديثي "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " وبين حديث " لا يزني الزاني

- ‌النفاق نفاقان

- ‌حكم ما يفعله العوام من الدعاء والهتف

- ‌حمل نصوص القرآن وغيرها على ظواهرها

- ‌تعريف العبادة

- ‌حمل المؤمن عل الصلاح

- ‌وجوب الاستغفار والترضي لمن سلف

- ‌زيارة القبور الشرعية وما ورد في ذلك

- ‌الشفاعة الثابتة والمنفية والمنهي عنها

- ‌الدعاء عند الموتى أو بهم ليس من الوسائل المشروعة

- ‌مسألة شد الرحال إلى زيارة القبور

- ‌حكم المتهاون بصلاته

- ‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها

- ‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك

- ‌حكم التبرك بالشجر والحجر

- ‌الدلائل القائمة على ألوهية الخالق

- ‌تعريف النذر لغة وشرعاً وحكم النذر لغير الله

- ‌الاستعاذة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌نداء غير الله هو الدعاء الذي هو العبادة

- ‌الاستغاثة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌قول البوصيري يا أكرم الخلق وحديث بن مظعون وتزكية الناس ورد قول الخصم فيما يتعلق بقول البوصيري

- ‌بحث قوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌الكلام في العبادة والعبودية

- ‌قول الخصم لا يلزم من دعاء الغير أن يكون شركاً في العبادة والجواب عنه

- ‌قول الخصم كيف يقال طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إشراك والجواب عنه

- ‌الشفاعة ومعناها ورد قول المخالف

- ‌الاعتصام بالكتاب والسنة

الفصل: ‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك

الصوم فمن قدمه قال لإضافته إلى الله لما في الحديث: "كل عمل ابن آدم له إلَاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ومن لم يقدمه قال إنما أضافة الله إليه لأنه لا يعبد به غير الله في جميع الملل بخلاف غيره ولأن من نوى صلة رحمه وأن يصلي ويتصدق ويحج كانت نيته عبادة يثاب عليها، ونطقه بما سمعه الناس من كلمة التوحيد أفضل إجماعاً، وأما الصدقة ففي زمن غلا وحاجة أفضل من عتق، وفي غير زمن غلاء وحاجة فعتق أفضل، وصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق والله أعلم.

ص: 267

‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك

(وأما قولكم وقوله من الشرك لبس الخلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ

} الآية وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال ما هذه قال من الواهنة فقال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلَاّ وهنا ولو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" فنقول لا شبهة في أن لبس ما ذكر حرام، وصاحبه آثم، لكن لا يلزم من كون مرتكبه كافراً مشركاً خارجاً عن دين الإسلام مباح الدم والمال وأيضاً ليس مذهب لأحد من السلف الصالحين، مع أن الواجب على كل أحد أن يحمل أخاه المؤمن على الصلاح كما قدمناه، وما ذكر في معرض الاستدلال من الآية والأحاديث لا يدل عليه إذ المراد بالدعاء في الآية الكريمة العبادة كما عليه المفسرون، وأما الأحاديث فمحمولة على من يعتقد فيهما التأثير، كما يجب حمل أمثالها من الأحاديث الواردة من هذا النمط على ذلك) .

فنقول أما الحلقة فقال أهل اللغة كل ما كان يبين بعضه من بعض كحلقة الذكر ووسط الصف ونحو ذلك فهو حلقة، ووسط بالإسكان وما كان مصمتاً لا يبين بعضه من بعض كحلقة الباب ونحوها، ووسط الدار والرأس والراحة فهو حلقة، ووسط بفتح اللام في الخلقة والسين في الوسط، قاله الأزهري والجوهري وغيرهما) وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح، والمقصود هنا حكم لبس حلقة الصفر والحديد ونحوهما، ولا ريب أن لبسهما أو تعلق الخيط أو الخرزة

ص: 267

أو العظم ونحوها من التمايم لدفع البلاء أو رفعه إن ذلك من شرك تعطيل المعاملة التي تجب على العبيد المتعلقة بمعنى ألوهية الخالق تعالى وتقدس، فإن الإله معناه كل مألوه في القلب برجائه فيما هو مختص بجلال الله وعظمته والالتجاء إليه كما تقدم تعريفه في بيان معاملته تعالى، وما هو مختص به من سائر الطاعات والعبادات التي من أعظمها دعاؤه ورجاؤه والتوكل عليه واعتقاد أن الخير والشر بيده لا جالب لهما ولا دافعهما ورافعهما إلَاّ هو سبحانه وتعالى قال عز من قائل:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} فإذا اعتقد دفع البلاء والشر ودفعهما في لبس الحلقة والخيط وتعليق العظم والتميمة فقد أشرك في اعتقاده وعطل معاملة الله المأمور بها فوضعها في غير موضعها بجعلها لغيره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الحامل في عضده الحلقة من الصفر عن الواهنة:"انزعها فإنها لا تزيدك إلَاّ وهناً ولو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمران بن حصين ونفي الفلاح في الأبد يقتضي الشرك الأكبر غير المغفور بل المخلد في النار للاعتقاد المذكور، وقول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} دليل على أن كشف الضر وإمساك الرحمة عند الله خاصة لا عند غيره من سائر الخلق، الأنبياء والملائكة وتماثيلهم ولا الحلقة والخرزة والخيط والعظم، والتميمة بالأولى ولذلك قال عقبها:{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} والمتخذون تماثيل الأنبياء والملائكة وسائل ووسائط يسمونها الآلهة يدعونها ويرجونها في الرخاء لتشفع لهم عند الله في قضاء حوائجهم وتقربهم منهم زلفى، لم يعتقدوا فيها الضر ولا كشفه ولا إمساك الرحمة عنهم كما تقدم بيان ذلك موضحاً، ولا استشفعوا بها واستقوا ودعوها راجين الشفاء والمطر وإنزاله منها كما ذكر الله ذلك عنهم في عدة آيات بينات وكما قرعهم وأنكر عليهم بالاستفهام الإنكاري حيث قال تعالى:{هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}

{هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} لأنهم يعلمون ويعرفون أن الله وحده كاشف الضر وممسك الرحمة ومنزل الشفاء والرزق والمطر لا غيره ودعاؤها لشفاعتها ورجاؤها في ذلك وتعلق القلوب بها لتكون واسطة ووسيلة وتألهها بذلك هو معنى عبادتها وصاحب المقدمة قد فهم أن الدعاء ليس هو العبادة ولا هي معناه، لقوله إذا المراد

ص: 268

بالدعاء في الآية العبادة، بالظاهر أنه يعني بها خصوص السجود لتماثيل الأنبياء والملائكة، ولم يعلم أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من دعاء ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وزكاة وصلة رحم وبر وإذا جعل شيئاً من ذلك لغير الله فقد عبده فيعبر عنها بما هي من معناه، ولذلك قال سبحانه:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فعبر عن العبادة بالدعاء لأنها معناه، ولأنهم كانوا يدعونها لتشفع لهم فيما يسألونه منها ولهذا قال تعالى في موضع آخر:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} وكل ما أمر به شرعاً من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي فهو العبادة، ومن جعل ما هي من معناه المختص بجلال الله لغيره ففد عبده بما هو مأمور به شرعاً لله وحده، وقوله تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} قال ابن عباس ومقاتل بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة خير وصحة وكشف شدة ورفع بلاء هل هن ممسكات رحمته، قال مقاتل فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا لعلمهم أن ذلك لا يكون إلَاّ من الله وحده، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ولا يخفى ما في الاستدلال بهذه الآية بل بالقرآن كله والسنة على من علق الخيط والحرزة وعلق العظم والتميمة لدفع البلاء أو رفعه أو حصول خير أو نفعه من كمال مناسبة معناها بمن اعتقد في شيء أعظم مما اعتقد فيه الأولون فعلقه ولبسه وتعلقه ليدفع عنه سوءاً وبلاء أو لرفعه أو ليكون سبباً في دفعه ورفعه إذ الأسباب لا يجوز أن يتعاطى منها إلَاّ ما شرعه الله ورسوله فلا يجعل الشرك أو المحرم سبباً في حصول غرض من الأغراض الدنيوية أو الأخروية، ولا يتخذ سبباً من الأسباب إلَاّ بعد علمه بحكمه وحيث جاز فلا يركن إليه ولا يتكل عليه، وهذا وايم والله في الجائز فما الظن فيمن جعل الحرام المجمع عليه حلالاً واعتقد فيه وتوكل عليه، هل هذا يجامع الإيمان أو الإسلام أو محملاً يعدل به عن اعتقاده إلى رتبة الفساق المرتكبين لأنواع الحرام مع وجود الإسلام وأصل الإيمان، أم اعتقاده أفسد عليه فخرج به عن خطة دين الإسلام الذي أنزل به القرآن وعلق بوجوده الغفران ودخل في خطة عباد الشيطان وتماثيل الأنبياء والملائكة والمرسلين من الأحجار والأشخاص والطلاسم التي هي أسماء المعبودين، والرسل لم بعثهم الله إلَاّ لإبطال كل ما يخالف دينه وما شرعه ويكسروا الأحجار ويطمسوا التماثيل

ص: 269

ويخبروا أن الأمر كله لله فلا يجعل لغيره تعالى ما هو مختص بجلاله من عبادته ومعاملته التي منشؤها القلب والاعتقاد، ولقد زاد هؤلاء على أولئك بأشياء كثيرة لو لم يكن منها إلَاّ اعتقاد كشف الضرر وجلب الخير فيما تعلقوا فيه وعلقوه على أنفسهم ودوابهم وحروثهم لكفى، فإنهم يتوكلون على ما علقوه وتعلقوه ويسندون كشف الضر وجلب الخير إليه وأنه لولاه لنزل به البلاء أو لوجدت الشدة أو لضرته العين أو لنزلت به، لكن هي التي رفعت ذلك كله، أو هي الدافعة له، أو هي التي رفعته، ونحو ذلك من المعتقدات التي لم توجد إلَاّ عند هؤلاء المعتقدين المفتونين في عبادة الشياطين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولو لم يعتقدوا فيهم ما اعتقدوه من هذا الاعتقاد الباطل لما علقوه وتعلقوه، ومعلوم أن من لم يعتقد ذلك لم يكن ليفعله ولا ليرضى به ومع تقدير فعله من غير اعتقاد فيه ولا رضي به لا يكفر ولا نكفره نحن كما زعمه صاحب المقدمة بل حمله ذلك وتعليقه حرام والفاعل آثم، فنحن ننهى عن ذلك ونغلظ فيه، ويجب على العالم أن ينهى الجاهل عن ذلك ويحذر منه، إنما الرزية كل الرزية تغافل العالم عن الجاهل وعدم نهيه ونصحه عما يضره من ذلك فإن وزر العالم أكبر من وزر الجاهل وأعظم وأفحش حيث فعلها هو بنفسه أو رأى من يفعلها جاهلاً بها ولم ينبه عليها ويبين له فيها، فويل للعالم من الجاهل وويل له، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولم يكن هؤلاء العلماء الذين نعرفهم واجتمعنا بهم وجمعنا عنهم أنهم لا ينهون عن ذلك، بل قد استقر عندهم وفي نفوسهم أن من نهى عنه وعابه فهو وهابي أو عارضي أو شرقي وان لم ينسبوا ذاته بل عقيدته فتسافهوا عن الحق وأعرضوا عنه تكبراً وتجبراً وحسداً وبغياً والله يقول:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا عمر بن الحطاب رضي الله عنه لما أراد تحجير النساء أن يزدن في صداقهم على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت إليه امرأة وهو على منبره في مجمع الناس فقالت كيف تمنعنا يا أمير المؤمنين وقد قال الله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} فقال جهراً امرأة أصابت ورجل أخطأ، فالحق أحق أن يتبع، وهو ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، وعلى العلماء البلاغ والتبليغ والعلم والتعليم لا المعاندة والطعن في الحق والدين، ومثل المصر على ما ارتكبه المتغرر فيما اجترحه من اتباع هواه وعموم بلواه مع الناصح له المشفق عليه من عمله واتباع

ص: 270

هواه كمثل مسافر في مفازة ومعه دابته وماؤه وزاده فنفد الماء والزاد ثم انقطعت به الدابة وقد بقي من المسافة مدة طويلة وبقي يمشي على رجليه فأصابه الجهد من الظمأ والجوع والتعب وضل الطريق فصار في طريق كثيرة السباع كثيرة اللصوص ويسر الله له من يريد انقاذه ويدله على طريق النجاة فأبى وامتنع إلَاّ الإقامة على طريق الخوف وأبى إلَاّ تلك الحال التي بلغه منها الجهد والتعب فلو سمع به وأمره المجانين لتعجبوا من أمره ولنسبوا الجنون إليه لأن المناسب في حقه الرجوع عن المهالك إلى طريق السلامة والأمن، وشكر الدليل المرشد المنقذ، هذا وهو هلاك الجسد في الموت خاصة فما حال من هلاكه النار، أما الخلود فيها وأما ما هو سبب له بر يدله ينشأ منه شيئاً فشيئاً فهم من أكثر الناس عقداً ونفثاً واعتقاداً وتعلقاً في الخيط وغيره من التمايم ومن أكثر ما يكون النفث في الخيط والعقد فيه إذا صعدوا المنبر لخطبة الجمعة أو غيرها يعقدون وينفثون للتعلق والتعليق من الحمى أو العين ولدفعهما، وقد علم الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وهو وان كان السبب خاصاً في بنات لبيد كن يعقدن في الخيط بشيء يقلنه وينفثن فيه بلا ريق، فهو عام في كل نافث في الخيط ونافثه وعاقد وعاقدة، فإن الآية ظاهرها العموم فيمن نفث في الخيط وعقد فيه والعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يدل عليه وعلى حمل الآية على العموم قوله صلى الله عليه وسلم:"من نفث وعقد فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكله الله إليه" رواه النسائي من حديث أبي هريرة ومعنى من تعلق شيئاً أي علق على نفسه العوذة والخرزة وأمثالهما ويستوي في ذلك قاصداً السحر أو الشفاء لأن الله إذا حرم أمراً لا يغير حكمه عقيدة الفاعل والمفعول له، وأن تلا الفاعل في نفثه القرآن ثم عقد كمن استعمل آلة لهو في ذكر وقراءة، ونفس الخيط وان كان الأصل فيه جواز الاستعمال فالنفث لما قصد منه والعقد إقامة مقام الآلة بقطع النظر عن اعتقاد النافث والعاقد والمنفوث والمعقود له، ولأن السحر في العادة لا يكون من غير نفث ولا عقد، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم" فالنافثون والعاقدون والمعلقون والمتعلقون مشركون ومعطلون لحقيقة التوحيد الواجبة على العبيد، ولا بكلام الله يعملون ولا يبالون به ولا بكلام نبيه يأخذون ولا إليه ينتهون، وهم قد جمعوا بين الإثمين والفتنتين الشرك الاعتقادي وحرمة النفث والعقد مع وزر المنفوث والمعقود له من غير أن ينقص

ص: 271

من وزره شيء فلا تُصلى خلفهم الجمعة ولا الجماعة بالأولى لشركهم وتعطيلهم في اعتقادهم وصنيعهم ما داموا كذلك حتى يتوبوا ويرجعوا، ومن رآهم فلم ينكر عليهم فهو شريك لهم في ذلك الإثم والوزر، فإن رضي باعتقادهم فهو مثلهم سواء بسواء، لنهي الشارع صلى الله عليه وسلم عن التعلق بشيء ورد على فاعله وقال:"لا يزيدك إلَاّ وهناً انبذها عنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمران بن حصين وطرق أخر غيره، وروى أبو منصور ابن ظاهر التميمي عن محمد بن عبد الله بن علي بن زياد الدقاق عن محمد بن إبراهيم البوسنجي عن عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل عن زهير بن محمد بن معاوية عن عمرو بن قيس الملائي عن المنهال عن سير بن أم أبي عبيدة بن عبد الله أن عبد الله دخل على امرأته وهي أم سير أبي عبيدة وفي عنقها سير أو خيط معقود من مرض بها وعندها نسوة فاجتذبه حتى اختنقت فقطعه فنبذه ثم قال لقد أصبح ابن أم عبد غنياً عن أن يكون في بيته شرك، فقال بعضهم أو شرك هذا قال نعم الرقى والتمائم والتولة شرك فقال بعضهن وما التولة؟ قال ما يحببن به إلى أزواجهن فقال بعضهن إن أحدنا يأخذها الضربان في عينها فإذا استرقت سكن فقال ذلك الشيطان عدو الله ينزغ في عين إحداكن فإذا استرقت كف، ولو أنها إذا أحست شيئاً من ذلك أخذت كفاً من ماء فنضحت في عينها وقرأت قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس لسكن وذهب، فما استعاذ مستعيذ بمثلهما، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله فيقرؤه المريض على نفسه، أو يقرؤه الغير عليه، أو يكتب ويسقاه أو يقرأ له في ماء، وكذا أسماء الله تعالى وتقدس، ومما ورد وضع المريض يده على الموضع الذي يؤلمه فيقول بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعاً، وتقدم ما يجوز من تعاطى الأدوية التي شرعها الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم من غير ركون إليها ولا توكل عليها وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد من نعمة في مال أو أهل فيقول ما شاء الله لا قوة إلَاّ بالله إلَاّ دفع عنه كل آفة حتى تأتيه منيته" وقرأ: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} فيسن لمن أعجبه ماله أو ولده أو شيء من حاله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلَاّ بالله فإنه لا يرى فيما أعجبه مكروهاً للحديث المتقدم والله أعلم.

ص: 272