الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرك، وما هو من أفعال الجاهلية فإن الحكم يتبع الوصف إيجاداً، واعداماً، جوازاً، ومنعاً، وهو سبب للحكم فإن وجد فهو مانع من الوفاء وإن لم يكن النذر في نفسه معصية لله، كفعل القربة، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل لما قال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال له هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد قال لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال لا قال فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم"، رواه أبو داود في سننه وغيره، فلما ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم عدم المانع لجواز الوفاء وهو فقد الصفة المحرمة في الصورتين قال له فأوف بنذرك، يعني حيث ليس هناك ما يوجب تحريم الذبح في ذلك الموضع فكان جوابه صلى الله عليه وسلم فيه أمر بالوفاء عند الخلو من الصفة المانعة للنذر الجائز مع فقدها، ونهى عن الوفاء به مع وجودها، وأصل الوفاء بالنذر الجائز معلوم. فبين صلى الله عليه وسلم ما لا وفاء فيه واللفظ العام إذا ورد على سبب فلابد أن يكون السبب مندرجاً فيه والله أعلم.
الاستعاذة بغير الله وتفصيل الكلام فيها
(وأما قولكم وقوله ومن الإشراك الاستعاذة بغير الله فهذا غير مسلم أنه من الإشراك الاعتقادي وما استدل عليه من قوله وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن لا دلالة فيه عليه أصلاً) .
فنقول قد تقدم تعريفنا معنى الاستعاذة في أول الكتاب عند قوله ونعوذ بالله من شرور أنفسنا والاستعاذة الالتجاء إلى الله والملاذ بجانبه من كل شر، والعياذ يكون لدفع الشر، والملاذ لطلب الخير كما قال المتنبي:
يا من ألوذ به فيما أؤمله
…
ومن أعوذ به فيما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره
…
ولا يهضمون عظماً أنت جابره
ومن لاذ واستجار واعتصم بغير الله فقد خاب وخسر وأشرك لله قوله واعتقاده، قال سبحانه تعالى:{أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} وقال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} فبين سبحانه وتعالى في هذه الآيات بل بالقرآن كله أن ليس دونه لخلقه ولي ولا نصير، وان لا أحد يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً فلا يوجدان إلَاّ بتقديره ومشيئته، وأنه الخالق للسبب والمسبب، وأن النزغ من الشيطان والاستعاذة منه لا تكون إلَاّ بالله السميع العليم، وان ليس للعين سلطان قهر وغلبة واستيلاء على عباد الله المنقادين لأمره المؤمنين به وبرسله وما أرسلوا به المفوضين أمورهم إلى خالقهم وإلههم فلا يتمكن من قلوبهم فيصدهم عن ذكره وتوحيده فيقعوا لي ذنب لا تجامعه المغفرة، بل إنما يكون ذلك على أوليائه المنقادين لأمره الذين يتولونه والذين هم به مشركون، لإعراضهم عن توحيد خالقهم، والاستعاذة بغير الله إعراض عن توحيده ونفي لتفرده تعالى بملك الضر والنفع والعطاء والمنع والاستغاثة والقرب، وتعطيل لمعاملته وافضاله مزيده، والمستعيذ بغيره متخذ ولياً ونصيراً من دونه لقوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.. إلى قوله
…
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} فمن استعاذ بغير الله على هذا الوجه فهو بمن استعاذ به مشرك في قوله وعقيدته إذ تعلق قلبه في المستعاذ به من المخلوقين برجائه والملاذة به، والالتجاء إليه، والتوكل عليه، هو الحامل والمقتضي له على الاستعاذة به، وذلك هو الشرك الاعتقادي، ولهذا كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفرة أي خالية قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح فأنزل الله سبحانه وتعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ} أي يلوذون ويستعيذون {بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} أي فزاد الإنس الجن المستعاذ بهم رهقاً، سفهاً وإثماً وطغياناً بقولهم سدنا الإنس والجن وكذا
ما في صحيح مسلم عن خولة بنت حكيم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دخل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" وفي المسند للإمام أحمد عن أبان بن عثمان عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره شيء" قال الخطابي قال العلماء لا يستعاذ بغير الله أو صفاته، إذ كل ما سواه تعالى وصفاته مخلوق، ولذلك وصفت كلماته تعالى بالتمام وهو الكمال، وما من مخلوق إلَاّ وفيه نقص والاستعاذة بالمخلوق شرك مناف لتوحيد الخالق لما فيه من تعطيل معاملته تعالى الواجبة له على عبيده انتهى.
وبهذا احتج السلف كالإمام أحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق قالوا وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات الله التامات فلا يستعاذ بمخلوق، ولما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " فنهى عن الرقي التي فيها شرك كالتي فيها استعاذة بالمخلوقين الجن أو غيرهم، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَال
…
} الآية ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والاقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره التي تتضمن الشرك، بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه، من ذلك كما تقدم خشية أن يكون فيه شرك بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز، ومما يؤيد أن الاستعاذة بالمخلوق شرك اعتقادي، جعل المستعيذ نصيباً من ماله مأكولاً كان أو غيره لمن استعاذ به من الجن لائذاً به وعائذاً ليرفع عنه أو غيره ما حل به من المس واللمم أو يدفع ما يحذره من سائر الألم قائلاً أعوذ وألوذ بفلان وفلان ومن ساد من انس وجان من شر كذا وكذا ثم ينحر النحيرة لسكان الأرض من الجيران ليرفعوا عنه أو يدفعوا ما حل به وكان، ويدس ما نحره لهم في التراب ليكون لهم خالصاً وبهم سائغاً، وبعضهم يقول أعوذ بأبي الجان وشهاب الشيطان من العين وما كان من شر كيت وكيت، ونحو هذه الاستعاذات التي هي شرك اعتقادي من هؤلاء المفتونين عبدة الشياطين، ولفظ الاستعاذة بالمخلوق شرك قولي ناشيء عن الاعتقادي، فقول صاحب المقدمة الاستعاذة بغير الله غير مسلم أنه من الإشراك الاعتقادي دال بصريحه على أنه لم يميز اللازم من الملزوم ولم يعرف المقتضي المشؤم وذلك من وجوه.
(أحدها) أنه ما دليله فيه إلَاّ أنه لا يسلم من غير دليل من الكتاب والسنة
وكلام الأئمة غرضه ولا استدلال ضده.
(الثاني) أن قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} دالة الآية بمنطوقها ومفهومها ان الاستعاذة بغيره تعالى من الجن واقعة اعتقادية، لحديث كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم فوثب الراعي فنادى يا عامر الوادي جارك. فنادى مناد لا نراه يا سرحان أرسله فإذا الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الآية.
(الثالث) أنه لو لم يعتقد فيه القدرة على تحصيل ما يرومه منه ودفع ما يخشى شره لما استعاذ به.
(الرابع) نفيه الاستدلال بالآية على أن الاستعاذة بغير الله شرك اعتقادي لقوله لا دلالة فيه عليه أصلاً والله قد أنزلها بسبب الشرك الاعتقادي في عامر الوادي.
(الخامس) ان حكم الآية عام في كل مستعيذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتعالى إذ العبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع ملاحظته وعدم القصور عليه.
(السادس) ما قاله عبد الرحمن الجلال السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى ان من التلاوة على الجن المستفاد من شرورهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول رب العالمين إلى من طرق الدار من العمار والزوار والصالحين لا طارق يطرق إلَاّ بخير يا رحمن، أما بعد: فإن لنا ولكم في الحق سعة فإن تك عاشقاً مولعاً أو فأجراً مقتحماً أو راعياً حقاً مبطلاً هذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ورسلنا يكتبون ما تمكرون، اتركوا صاحبنا هذا وانطلقوا إلى عبدة الأصنام وإلى من يزعم أن مع الله إلهاً آخر، لا اله إلَاّ هو، كل شيء هالك إلَاّ وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، تغلبون لا تنصرون، تفرق أعداء الله بلغت حجة الله