الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشجار والأحجار أو من رضي فعلهم ذلك ممن ظاهرهم علينا كفرنا بأمرنا ونهينا ودلائلنا في ذلك كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وقد تقدم بحثها مستوفاة فلا حاجة إلى إعادتها فأما مجرد الصلاة بلا اعتقاد مما قدمناه وقلنا ففعلها في المقبرة حرام على الصحيح، ولا تنعقد في القول المشهور وحكمها الوعظ والنصيحة والزجر والتعزير مع الإصرار، وإعادة الصلاة والتوبة من هذا الذنب لا غير ذلك، مع إنا نقول ان قصد الصلاة فيها من الشرك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها ولعن فاعله وهو يشبه عبادة الأصنام لكن هو من الأصغر حيث لم يعتقد شيئاً مما تقدم والله أعلم.
زيارة القبور الشرعية وما ورد في ذلك
وأما قولكم (ما يفعل من زيارتها فهو أمر مندوب كما ورد في الخبر الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" فيكف يذهب إلى تكفير من يزورها مع رعاية الأدب لاسيما زيارة قبر الشريف، فإنها من أعظم القرب وأرجى الطاعات وفي شرح المختار هي أفضل المندوبات والمستحبات، بل تقرب من درجة الواجبات، وفي مناسك الطرابلسي نقلاً عن مناسك الفارسي أنها قريبة الواجب في حق من كان له سعة قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} وري الدارقطني وأبو بكر البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم " من زار قبري وجبت له شفاعتي" وقال صلى الله عليه وسلم "من جاءني زائراً لا تهمه إلَاّ زيارتي كان حقاً عليّ أن أكون شفيعاً له يوم القيامة" أخرجه الدارقطني وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ("لا عذر لمن كان له سعة من أمته ولم يزره") أخرجه الحافظ محمد ابن عساكر وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "من حج وزار قبري بعد موتي كمن زارني في حياتي" أخرجه الدارقطني وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من زارني في المدينة متعمداً كان في جواري إلى يوم القيامة") .
فنقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً قد نهى الرجال عن زيارة القبور سداً للذريعة
لأنهم قريبو عهد بشرك بأهلها وبصورهم، فلما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها على الوجه الذي شرعه ونهاهم أن يقولوا هجراً، كما رواه الإمام أحمد والنسائي عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً" ومن أعظمه الشرك عندها قولاً وفعلاً فزيارة القبور على الوجه المشروع الذي يحبه الله ورسوله هي من أفضل احترامها في الصدور حيث أمر الشارع بها ونهى عن إهانة أهلها ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكر بالموت" وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة " رواه الإمام أحمد، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وآتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا ان شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الفرقد" وفي صحيحه أيضاً عنها أن جبريل أتاه فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، وفي صحيحه أيضاً عن سليمان بن بريدة عن أبيه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا "السلام على أهل الديار وفي لفظ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا ان شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية" وعند الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم أهل القبور يغفر الله لنا ولكم ونحن بالأثر" وعند ابن ماجه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهينكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة" وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لأمتي فلم يأذن ربي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" فعلم من هذا أن زيارة الموحدين القبور مقصو ها ثلاثة أشياء:
أحدها: تذكار الآخرة والاعتبار والاتعاظ وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.
الثاني: الإحسان إلى الميت وأن لا يطول عهده به قبره ويتناساه كما إذا ترك زيارة الحي مدة طويلة تناساه فإذا زار الحي فرح بزيارته وسر بذلك فالميت أولى لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها إخوانهم وأهلوهم ومعارفهم فإذا زاروهم وأهدوا إليهم هدية من دعاء أو صدقة أو إهداء قراءة ازدادوا بذلك سروراً وفرحاً، كما يسر الحي بمن يزوره ويهدي له، ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم للزائر أن يدعو لأهل القبور بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية فقط ولم يشرع أن يدعوهم ولا يدعوا بهم ولا يصلي عند قبورهم.
(الثالث) : إحسان الزائر إلى نفسه بإتباع السنة والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.
وأما زيارة المشركين فأصلها مأخوذ عن عباد الأصنام قالوا ان الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله لا يزال تأتيه الألطاف من الله وتفيض على روحه الخيرات فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس شعاع المرآة الصافية والماء ونحوهما على الجسم المقابل له قالوا فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، كلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها بدعائها ورجائها والتبتل إليها وتعظيمها بالتعلق علها قالوا إذا تعلقت النفوس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور والإعانة والبهجة والسرور فبهذا السر عبدت الكواكب واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، وبها الاستغاثات، وبهذا اتخذت الأصنام المجسدة وهذا بعينه هو الذي أوجب دعاء أصحاب القبور والهتف بذكرهم عند نزول الشدائد والشرور واتخاذها أعياداً وتعليق الستور عليها وإيقاد السرج وبناء المساجد عليها وهذا هو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية وسد الذريعة المفضية إليه فوقف المشركون في طريقه وناقضوه في قصده وتفريقه وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في شق وهؤلاء في شق.