الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة على كفر تارك الصلاة:
أولاً: الاستدلال بالكتاب:
(وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة) أما الكتاب فقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} إلى قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وان هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا حكمه، ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين بقوله يوم يكشف عن ساق وأنهم يدعون إلى السجود لربهم تبارك وتعالى فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود مع المصلين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي البقر ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين ولو كانوا ممن جحد وجوبها رأساً ولم يدع الإيمان بها لذهب مع الذاهبين الذين قيل لهم ألا تردوا أو تتبع كل أمة ما كانت تعبد إذ لا يخلو أن يكون من أحد الطائفتين ولم يبق مع من يدعي الإسلام العاملين به وغير العاملين.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} فلا يخلو هؤلاء إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين أو مجموعها فإن كل واحد منها مستقل بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة إلى ما هو مستقبل بمجموعهما، ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر
معه ليس شرطاً في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن قائلاً أن يقول لا يعذب الكافر ولا يحكم عليه بالكفر إلا من جمع هذه الأوصاف فإذا كان كل واحد منها موجباً للإجرام، وقد جعل الله سبحانه وتعالى المجرمين ضد المسلمين، كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر. وقد قال تعالى:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ} وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} فجعل ضد المؤمنين.
الدليل الثالث:
قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فوجه الدلالة أنه تعالى علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
الدليل الرابع:
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال أهل المعاني السهو في الشيء تركه من غير علم به، والسهو عنه تركه مع العلم به، والفرق بين الساهي والناسي أن الساهي متى ذكر تذكر، والناسي لا يتذكر مع التذكير. وقد اختلف السلف، الصالح في معنى السهو عنها فقال سعد بن أبي وقاص ومسروق بن الأجدع وغيرها هو تركها حتى يخرج وقتها، وقد روى ذلك في حديث مرفوع قال محمد بن نصر المروزي قال: حدثنا شيبان بن إلى شيبة قال: حدثنا عكرمة بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد رضي الله عنهما أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: "الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أينا لا يحدث نفسه قال: انه ليس ذلك ولكنه اضاعة الوقت. وقال حيوة بن شريح أخبرني أبو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: هو تاركها، ثم سأله عن الماعون قال: منع المال من حقه وأكثر المفسرين على أنه اسم شامل لكل ما يحتاج إليه كإبرة وفاس وقدر وقصعة وآنية البيت إذا طلبت للعارية كما صححه الحاكم عن ابن عباس فهو اسم شامل لجميع أنواع المعروف، وحصول الويل شرط في اجتماع الثلاثة غالباً كما جاء عن عكرمة حيث سأله بسام قال: الماعون القدر والفاس والدلو قال بسام: قلت لعكرمة: من منع هذا فله الويل قلت: لا ولكن من جمعهن من راآى في صلاته وسها عنها ومنع هذا فله الويل وإلا فمجرد السهو عنها كاف في حصول الويل وإن لم يوجد المنع لكن وصف الساهين بالمانعين للحكم الأغلبي ومجرد المنع بلا سهو ولا مراآة لا يوجب الويل إلا على من يقول بوجوب العارية، ولعله مع الاضطرار إليها ولم يلحق ربها ضرر بإعارته إياها ولم يكن وقت الاستعارة محتاجاً إليها وإلا فربها إذن أحق بها فلا تجب عليه الإعارة، إذا علم هذا فالوعيد بالويل مطرد في القرآن للكفار كقوله تعالى:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} وقوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وقوله: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} إلا في موضعين منه وهما في {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} فعلق الويل بالتطفيف وهو نقص المكيال والميزان والمطفف الذي ييخس في الكيل والوزن ومثله العد والذرع قال الزجاج: وإنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان ونحوهما مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. والهماز كثير الطعن في الناس ويكون باليد والعين أيضاً واللماز آكل لحوم الناس باغتيابه لهم واللمز هو العيب ومنه قوله تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يعب بعضكم بعضاً فيجعل فيه من العيب ما ليس فيه، إذا فهم ذلك فقد علق سبحانه الويل بالتطفيف والهمز واللمز وهذا لا يكتفي به بمجرده فويل تارك الصلاة إما أن يكون ملحقاً بويل الكفار أو بويل الفساق وإلحاقه بويل الكفار هو الحق لوجهين:
أحدهما: أنه قد صح عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال لو تركوها
لكانوا كفاراً ولكن ضيعوها عن وقتها فجعل تركها كفراً.
الثاني: ما سنذكره من الأدلة الدالة على كفره يوضحه الدليل الخامس هو قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن أودية جهنم لتستعيذ منه ومن حره يسيل قيحاً ودماً. قال كعب: هو أبعد قعراً وأشدها حراً فيه بئر تسمى البهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البهيم فتستعر منه لشدة حرارته وعذابه وما أعد الله فيه لأعدائه فوجه الدلالة من الآية أن الله تعالى جعل هذا المكان لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولو كانوا مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من جهنم ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو من أسفلها فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنة الكفار، وفي الآية دليل آخر، وهو قوله تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} فلو كان مضيع الصلاة مؤمناً لم يشترط في توبته الإيمان فإنه يكون تحصيلاً للحاصل (فإن قيل) قد قال عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي في تفسير أضاعوا الصلاة بأن أخروها عن وقتها لغير عذر، وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا يصلي العصر حتى يأتي المغرب، ومفهوم قولهم أن المضيعين عن وقتها يصلونها قضاء ومن أخرها عن وقتها حتى خرج ثم قضاها بعد ذلك فهو فاسق لا كافر مرتد، وأيضاً قد ورد في السنة أن ذلك الوادي الذي فيه تلك البئر البهيم أعده الله لمن لم يتب من الزناة ومدمني الخمر وأكلة الربى وعاق والديه وشاهد الزور وهؤلاء فسقة ليسوا بكفار إذا لم يستحلوا ذلك، والطبقة العليا من النار إنما هي للعصاة من الموحدين وهذا الغي فيها (الجواب) ان الإضاعة ليست خاصة في تأخيرها عن الوقت مع القضاء بعد ذلك بل هي في من تركها بالكلية أولى ولذلك ذهب عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة والتابعين إلى تكفير تاركها مطلقاً وأولوا الآية على ذلك فالترك أخص والإضافة أعم، وقد قال مجاهد وقتادة: هم في هذه الأمة أضاعوا الصلاة أي تركوا الصلاة المفروضة فلم يأتوا بها والله سبحانه أوعد المضيعين للصلاة بهذا الغي ولا مانع من اشتراك الكافرين والفاسقين في نوع المعذب فيه ويختلفون في ألمه إذ العذاب على الكافر أشد منه على العاصي والله
على كل شيء قدير. وظاهر كلام ابن عباس رضي الله عنهما كغيره من الصحابة أن الغي في جهنم خاصة لا في غيرها من طبقات النار إذ هي سبع طبقات بعضها فوق بعض، قال علي كرم الله وجهه: تدرون كيف أبواب النار هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض وان الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض. قال ابن جريج: النار سبع دركات أولها جهنم وفيها يعذب الله العاصين من الموحدين، وفي قعرها هذا الوادي الذي سمى الغي تستعيذ منه جميع أوديتها يعذب الله فيه من أضاع الصلاة واتبع الشهوات، وإنما عذب فيه تارك الصلاة بالكلية مع الحكم عليه بعدم الإسلام والكفر المخلد في العذاب، لأن كفره عناد بعدم فعله لها لا جحود ولا انكار ولا نفاق فليس فيه من مجانسة أفعال من يستحق الدركات الباقية لا شرك ولا غيره ولما كان المضيع للصلاة عن وقتها مع قضائها يعد فيه مجانسة في نوع فعل التارك لها بالكلية عذب معه قي نوع المعذب فيه وفارقه في ألم العذاب لإيمانه الذي قد مات عليه ثم الثانية لظى للنصارى، ثم الثالثة الحطمة لليهود، ثم الرابعة السعير للصابئين، ثم الخامسة سقر للمجوس، ثم السادسة الجحيم لأهل الشرك، ثم السابعة الهاوية للمنافقين، وبهذا الترتيب يعلم أن عذاب أهل الشرك أشد عذاباً من الكافرين بترك الصلاة ولا ريب في ذلك أن توحيد الله لا أفضل منه فهو أساس الصلاة وكل عبادة فلا تصح إلا به ولا تثبت إلا عليه ولذلك قدمت الشهادتان رتبة على سائر الأركان.
الدليل الخامس:
قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين} فعلق أخوّتهم في الدين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوها لم يكونوا أخوة للمؤمنين فلا يكونون مؤمنين لقوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
الدليل السادس:
قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فلما كان الإسلام تصديق الخبر والانقياد للأمر جعل الله سبحانه له ضدين عدم التصديق وعدم
الصلاة وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي فقال: {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فكما أن المكذب كافر فالمتولي عن الصلاة كافر وكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة. قال سعيد عن قتادة {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} لا صدق بكتاب الله ولا صلى ولكن كذب وتولى كذب بآيات الله وتولى عن طاعته أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى وعيد على أثر وعيد أي الذم والعذاب أولى لك من غيره فأولى أي لك أيضاً وهذا وان كان السبب خاصاً فالحكم عام إذ الآية محكمة إلى يوم القيامة.
الدليل السابع:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: هي الصلاة المكتوبة ووجه الاستدلال بالآية الكريمة أنه سبحانه حكم بالخسران المطلق لمن ألهاه ماله وولده عن الصلاة والخسران المطلق لا يحصل إلا للكافرين، فإن المسلم لو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح يوضحه أنه سبحانه أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد.
أحدها: أنه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: تصدر الاسم بالألف واللام المشعر بحصول كمال المسمى لهم فإنه إذا قيل زيد العالم والصالح أفاد ذلك إثبات كل العلم والصلاح له بخلاف ما إذا قيل عالم وصالح.
الثالث: إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ في قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} كما في وأولئك هم المفلحون والكافرون هم الظالمون وأولئك هم المؤمنون حقاً ونظائره.
الرابع: إدخاله ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريتين قوة الإسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ} وقوله: {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ونظائر ذلك.
الدليل الثامن:
قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا ذكر بآيات الله لم يخر ساجداً مسبحاً بحمد ربه ومن أعظم التذكير بآيات الله التذكير بآيات الصلاة فمن ذكر بها فلم يتذكر ولم يصل ولم يؤمن بما لأنه سبحانه خص المؤمنين بها بأنهم أهل السجود وهذا من أحسن الاستدلال وأقربه فلم يؤمن بقوله تعالى وأقيموا الصلاة إلا من التزم إقامتها.
الدليل التاسع:
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ذكر هذا بعد قوله: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} ثم توعدهم تعالى على ترك الركوع وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه انما أخبرهم عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد، على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة اصراراً مستمراً من يصدق بأن الله أمر بها أصلاً فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً بأن الله سبحانه فرض عليه في كل يوم وليلة خمس صلوات وأنه تعالى يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان ولا يصغي إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها وليتأمل هل في الطبيعة أن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعيد والوعد والجنة والنار وان الله تعالى فرض عليه الصلاة وانه معاقبه على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على ذي الجهل المركب حيث أثبت الإيمان لمدّعيه مع تركه من الإسلام أعظم الأركان
وجعله الإيمان مجرد التصديق وان لم يقارنه فعل واجب ولا ترك وهذا من أن محل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم وليس من لازمه ولا يقتضيه القيام بالأركان ولا فعل طاعته وترك معصيته، ونحن نقول الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق الخبر دون الانقياد إيمان، وإلا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود والذين عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين، وقد قال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} أي يعتقدون أنك صادق {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق، وقال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} وقال موسى لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} وقال تعالى عن اليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وأبلغ من هذا قول النفر من اليهود لما جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عما دلهم على نبوته فقالا: نشهد إنك نبي، فقال:"ما يمنعكما عن إتباعي؟ "، قالا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك تقتلنا يهود فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقاً لمعتقدهم أنه نبي ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره. ومن هذا كفر أو طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك ني الإسلام فالتصديق إنما يتم بأمرين:
والثاني: محبة القلب والانقياد.
ولهذا قال تعالى لإبراهيم: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} وإبراهيم كان معتقداً لصدق رؤياه حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي وإنما جعله مصدقاً لها بعد أن فعل ما أمر به وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" فجعل التصديق عمل الفرج ما عناه القلب والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. وقد روي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه والمقصود أنه يمتنع من التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها والوعيد على تركها المحافظة على تركها واجتماعهما محال.
الاستدلال بالسنة:
(وأما الاستدلال بالسنة على ذلك فمن وجوه. الدليل الأول:) ما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" ورواه أهل السنن وصححه الترمذي.
الدليل الثاني: ما رواه بريدة بن الحصين الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه الإمام أحمد وأهل السنن وقال الترمذي: حسن صحيح إسناده على شرط مسلم.
الدليل الثالث: ما رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها ففد أشرك" رواه هبة الله الطبري وقال إسناده صحيح على شرط مسلم.
الدليل الرابع: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو حاتم بن حبان في صحيحه وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفر، وفيه نكتة بديهة وهي أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله عنها ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته فمن يشغله عها ماله فهو مع قارون، ومن يشغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن يشغله عنها رياسته من وزارة وغرها فهو مع هامان وزير فرعون كلمن يشغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.
الدليل الخامس: ما رواه عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تشركوا بالله شيئاً ولا تتركوا الصلاة عمداً فمن تركها عمداً خرج عن الملة " رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه.
الدليل السادس: ما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله" رواه الإمام أحمد ولو كان باقياً على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام.
الدليل السابع: ما رواه أبو الدرداء قال: "أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا أترك الصلاة متعمداً فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة" رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه.
الدليل الثامن: ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة" وهو حديث صحيح مختصر ووجه الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة يسقط عمودها فهكذا يذهب الإسلام بذهاب الصلاة وقد احتج الإمام أحمد بهذا الحديث بعينه.
الدليل التاسع: ما في الصحيحين والسنن والمسانيد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت" رواه مسلم ورواه الإمام أحمد في بعض ألفاظه "الإسلام خمس" فذكره ووجه الاستدلال به من وجوه:
أحدها: أنه جعل الإسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان فإذا وقع ركنها الأعظم وقعت قبة الإسلام.
الثاني: أنه جعل هذه الأركان في كونها أركاناً لقبة الإسلام قرينة الشهادتين فهما ركن والصلاة ركن والزكاة ركن فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها دون بقية أركانها.
الثالث: أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام وداخلة في مسمى اسمه وما كان اسماً لمجموع أمور إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى ولاسيما إذا كان من أركانه لا من أجزائه التي ليست ركناً له كالحائط للبيت فإنه إذا سقط، سقط البيت بخلاف
العمود والخشبة واللبنة ونحوها.
الدليل العاشر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا" ووجه الدلالة فيه من وجهين:
أحدهما: أنه إنما جعله مسلماً بهذه الأربعة فلا يكون مسلماً بدونها.
الثاني: أنه إذا صلى إلى المشرق والقبلة في غير ناحية بالنسبة إليه لم يكن مسلماً حتى يصلي إلى جهة قبلة المسلمين فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية.
الدليل الحادي عشر: ما رواه الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الجنة الصلاة" وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة وهى تفتح لكل مسلم فليس تارك الصلاة بمسلم ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله" فإن الشهادة أصل لمفتاح الصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه وقال البخاري: وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.
الدليل الثاني عشر: ما رواه محجن بن الأدرع الأسلمي أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له: "ما يمنعك أن تصلي ألست برجل مسلم؟ " قال: بلى ولكني صليت في أهلي فقال له: "إذا جئت فصل مع الناس وان كنت قد صليت" رواه الإمام أحمد والنسائي فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة ويوجد تحت ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلماً لصليت ولم تصل في بيتك وهذا كما يقال لرجل حي ناطق: مالك لا تتكلم ألست بناطق وما لك لا تتحرك ألست بحي ولو كان الإسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي "ألست برجل مسلم".
الاستدلال بالإجماع:
(وأما الاستدلال بإجماع الصحابة) فقد تقدم ذلك عن عمر بن الحطاب وابنه عبد الله ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وغيرهم ولا يعلم عن صحابي خلافهم. وعلى هذا نهج الأئمة الأسلاف كسفيان بن سعيد الثوري وأبي عمر الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح والإمام مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي في أشهر قوليهما وأحمد بن حنبل واسحق بن راهويه وأصحابهم كلهم قالوا: بكفر تاركها وقتله، ثم جمهورهم قالوا: يقتل بالسيف ضرباً في عنقه، وقال بعض الشافعية يضرب بالخشب إلى أن يصلي أو يموت، وقال ابن شريح ينخس بالسيف نخساً حتى يموت لأنه أبلغ، والجمهور على ضرب عنقه بالسيف لأنه أحسن القتلات وأحسنها إزهاقاً. وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار والمرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف، والجمهور عند هؤلاء كلهم أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل، هذا قول الشافعي وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك وقال أبو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك أنه يقال له ما دام الوقت باقياً صل فإن فعل ترك، وان امتنع حتى خرج الوقت هل يستتاب أم لا، قال بعض أصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا تحتم فلا يسقط كالحد، وهذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض أصحابهم أنه يقتل من غير استتابة هو رواية عن مالك، وفي استتابة المرتد روايتان عن أحمد، وقولان للشافعي ومن أوجب الاستتابة قال الرعاية إليها شرط في قتله لأنه قد يتركها لعذر أو ما ظنه عذراً أو لكسل لا يستمر ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة نافلة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لا يصروا1 على تركها فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى خرج الوقت تحقق تركه وإصراره. وهل يقتل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات هذا فيه خلاف بين الناس. فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في
1 في الأصل "يصروا " والصواب "يصرون".
إحدى الروايات عنه: يقتل بترك صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد، وحجة هذا القول ما تقدم من الأحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة. فقد روى معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله" رواه الإمام أحمد في مسنده وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا أترك صلاة متعمداً فمن ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه الذمة" رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال: لا أصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه، واعتبار التكرار ثلاثاً ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صحابي، وقال أبو اسحق من أصحاب أحمد ان كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والمغرب لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت الأولى في حال الجمع فأورثت شبهة ههنا وان كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالصبح والعصر وعشاء الآخرة قتل بتركها وحدها إذ لا شبهة في التأخير، وهذا القول حكاه اسحق عن عبد الله بن المبارك أو عن وكيع بن الجراح الشك من اسحق في تعيينه، فعلى هذا متى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا أصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وان لم يضق وقت الثانية نص عليه الإمام أحمد قال القاضي وأصحابه كابن عقيل وأبي الخطاب لا يقتل حتى يتضايق وقت التي بعدها وقال شيخ الإسلام أبو البركات تقي الدين متى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا أصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وان لم يضق وقت الثانية، وفي المثال الذي ذكر يعني أبا الخطاب أولى لأن القتل بتركها دون الأولى لأنه لما دعي إليها كانت فائتة والفوائت لا يقتل تاركها. وكذا حكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة والقيام في الفرض لقادر أو الركوع أو السجود لقادر عليهما كترك الصلاة، وكذا حكم ترك الجمعة لما روى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: وصريح القرآن مشعر بفرضيتها وآمر بإقامتها إلزاماً، وأخطأ على الشافعي من نسب إليه القول بأن صلاة الجمعة فرض كفاية إذا قام بها قوم سقطت عن الباقين ولم يقل الشافعي هذا قط وإنما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد أنها تجب