المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها - التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق

[محمد بن علي بن غريب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ ما ورد إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الرسائل:

- ‌سبب تأليف الرسالة:

- ‌ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر من أخذ عنه العلم:

- ‌تعصب الراوي وكبره:

- ‌ما ذكره الراوي في شأن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونقد الراوي لها:

- ‌رد الشيخ على قول الخصم:

- ‌تعريف المرتد:

- ‌حكم التوسل بالأعمال الصالحة وبأسماء الله وصفاته:

- ‌تعريف الدليل لغة واصطلاحاً:

- ‌قصائد في مدح الشيخ من علماء الأقطار:

- ‌رد قول الخصم أن الشيخ أخذ علمه من كتب ابن تيمية:

- ‌تعريف التقليد:

- ‌تعريف الإجماع:

- ‌رجوع إسماعيل بن اسحق الأشعري عن معتقداته:

- ‌تعريف السلف

- ‌حدوث العالم وأنه لا خالق سوى الله:

- ‌المعاد الجسماني والمجازاة:

- ‌جواز العفو عن المذنبين:

- ‌شفاعة الرسل:

- ‌إنكار الخوارج والمعتزلة للشفاعة:

- ‌عقيدة السلف الصالح في الشفاعة:

- ‌بعثة الرسل بالمعجزات حق:

- ‌أهل الشجرة وأهل بدر من أهل الجنة:

- ‌وجوب نصب الإمام على المكلفين:

- ‌الإمام الحق بعد الرسول أبو بكر ورد قول الرافضة:

- ‌الأفضلية على ترتيب الخلافة

- ‌عدم تكفير أحد من أهل القبلة:

- ‌التوحيد وما يتعلق به:

- ‌الاعتقاد المكفر أقسام:

- ‌تارك الصلاة كافر، وإقامة الدليل عليه:

- ‌الأدلة على كفر تارك الصلاة:

- ‌الأحاديث الواردة في نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة:

- ‌مسائل الإيمان والإسلام والفرق الضالة:

- ‌حكم الفاسق:

- ‌كفر دون كفر:

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله كفر عملي:

- ‌الجمع بين حديثي "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " وبين حديث " لا يزني الزاني

- ‌النفاق نفاقان

- ‌حكم ما يفعله العوام من الدعاء والهتف

- ‌حمل نصوص القرآن وغيرها على ظواهرها

- ‌تعريف العبادة

- ‌حمل المؤمن عل الصلاح

- ‌وجوب الاستغفار والترضي لمن سلف

- ‌زيارة القبور الشرعية وما ورد في ذلك

- ‌الشفاعة الثابتة والمنفية والمنهي عنها

- ‌الدعاء عند الموتى أو بهم ليس من الوسائل المشروعة

- ‌مسألة شد الرحال إلى زيارة القبور

- ‌حكم المتهاون بصلاته

- ‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها

- ‌لبس الخلقة والخيط لدفع البلاء أو رفعه من الشرك

- ‌حكم التبرك بالشجر والحجر

- ‌الدلائل القائمة على ألوهية الخالق

- ‌تعريف النذر لغة وشرعاً وحكم النذر لغير الله

- ‌الاستعاذة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌نداء غير الله هو الدعاء الذي هو العبادة

- ‌الاستغاثة بغير الله وتفصيل الكلام فيها

- ‌من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌قول البوصيري يا أكرم الخلق وحديث بن مظعون وتزكية الناس ورد قول الخصم فيما يتعلق بقول البوصيري

- ‌بحث قوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}

- ‌الكلام في العبادة والعبودية

- ‌قول الخصم لا يلزم من دعاء الغير أن يكون شركاً في العبادة والجواب عنه

- ‌قول الخصم كيف يقال طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إشراك والجواب عنه

- ‌الشفاعة ومعناها ورد قول المخالف

- ‌الاعتصام بالكتاب والسنة

الفصل: ‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها

بها، ومسابقة الإمام فيها، وخداع الشيطان لكم عنها، وإخراجه إياكم عن دينكم، فإنها آخر الدين، ومن ذهب آخر دينه فقد ذهب دينه كله فتمسكوا بآخر دينكم" وقال فيها كلاماً طويلاً أعرضنا عنه طلباً للاختصار.

ص: 258

‌المسابقة مع الإمام يبطل الصلاة وكلام الإمام أحد فيها

(الوجه الثاني) ان قوله لا نسلم أن سبق الإمام تبطل صلاته. وقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى أن المسابق لإمامه بركن أو ركنين تجب عليه إعادة الصلاة لفسادها حيث لم توجد المشاركة مع الإمام أصلاً فيما سبقه فيه فإن سابقه إليه المشاركة مع الإمام فمكروه فالأولى للمأموم تخلفه عن إمامه يسيراً بحيث يتميز الإمام عن المأموم بأفعاله، واختلفت الرواية عنهما في مقارنة المأموم لإمامه في تكبيرة الإحرام أو ذكر غيرهما عوضها فعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، الأولى المقارنة له حيث بدأ بها الإمام أولاً مسارعة إلى الدخول فيها معه، وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لابد أن يتميز بها الإمام عن المأموم ليكون تابعاً له فيكبر بعد تكبيرة الإمام والأصح أن الاختلاف في الجواز لا في الأفضلية ولو كبر قبله ناوياً الإقتداء به بطل الإقتداء وشروعه على الأصح عند الإمام وأبي يوسف ومحمد وعند أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى لابد أن يفرغ الإمام من راء اكبر حتى يبدأ الإمام ويشرع بالهمزة من الله، فلو وافقه فيها فصلاته باطلة وحجتهما قوله عليه السلام:"إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد" أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس وظاهر كلامهم في المسابقة التفصيل بين المسابقة بالركن والمسابقة إليه لأن المؤتم تارة يسبق إمامه إلى الركن بأن يشرع في فعله قبل شروع الإمام فيه كأن يركع قبل ركوع إمامه، أو يرفع من ركوعه قبل رفع إمامه، أو يشرع في السجود قبل إمامه، أو يرفع منه قبله، وتارة بسبق إمامه بالركن، بأن يأتي به قبل إمامه كأن يركع ويرفع قبل إمامه، ولا يعد سابقاً بركن حتى يتخلص منه إلى غيره فلا يعد سابقاً بالركوع حتى يرفع ولا بالرفع حتى يهوي، وقيل حتى يعتدل، والأول هو الصحيح عند أحمد، وقد

ص: 258

يسبق إمامه بركنين فأكثر، وإذا سبقه بركن فتارة يكون ركوعاً، وتارة لا وإذا سبق بركنين، فتارة يكون أحدهما ركوعاً أو لا، إذا علم ذلك فحكم السبق إلى الركن عند الإمام أحمد والشافعي أنه يحرم ولا تبطل صلاته به ولو عالماً مسابقته الإمام عامداً أو هو جاهل الحكم وعليه أن يرجع ليأتي بذلك مع إمامه فإن لم يرجع حتى أدركه فيه الإمام فإن كان عالماً المسابقة عمداً بطلت صلاته عند أحمد في أصح الروايتين عنه ولا تبطل عند الشافعي في القول المشهور عنه، ومشى عليه أصحابه، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته بل يعتد له بالذي سبقه إليه من ركوع وسجود ونحوهما من بقية الأركان، لأنه سبق يسير بعسر التحرز عنه، ولأنه اجتمع مع إمامه فيه فلم يخل ذلك بالإقتداء لعذر الجهل أو النسيان بالسبق اليسير، فإن كان عالماً بحكم البطلان فسبقه إليه عمداً ثم رفع منه وركع ثانياً بطلت صلاته لتعمد البطل بزيادة الركوعين.

وأما السبق بالركن فإن كان ركوعاً بطلت الصلاة في القول المشهور عن أحمد ومشى عليه أصحابه، حيث كان عالماً عامداً، وكذا إن كان غيره على ما في المغني والكافي، والمحرر، وغاية المطلب، والإنصاف، وشرح الوجيز، وغيرها. وما حكاه في الشرح وشرح الوجيز كالإنصاف والمحرر من الوجه بعدم البطل بالسبق بالركن حيث كان عمداً وقيده في المحرر ومن نحا نحوه بشرط كونه غير ركوع. فهذا قول مرجوح بل المذهب المعتمد بطل الصلاة بتعمد السبق بأي ركن مطلقاً ولاسيما مع قولهم بالبطل بالسبق إليه عمداً حتى أدركه إمامه فيه والسبق بالركن يستلزم السبق إليه وزيادة، وعدم العذر مفروض فما بقي لعدم البطل مسوغ وأما السبق بالركن جاهلاً أو ناسياً فإن كان غير ركوع واستمر على ذلك لم تبطل صلاته ولم تلغ ركعته بل يعتد له بذلك. قال ابن نصر الله في حاشية الكافي الصحيح لا تبطل صلاته ويعتد له بها وأما إن سبقه بركنين أو بركن الركوع خاصة، فإن كان عالماً عامداً بطلت صلاته وإن كان جاهلاً أو ناسياً بطلت تلك الركعة إن لم يأت بما سبقه به مع الإمام، وكذا ما زاد على الركنين بالأولى، وعند الشافعي إن كان عامداً بطلت وسهواً فلا ولا يعتد له بهذه الركعة، وكذا القول في التخلف عن الإمام بركن فأكثر فمن تخلف بركن فإن كان لعذر من نوم يسير لم ينقص الوضوء أو زحام أو غفلة أو عجلة الإمام ونحو ذلك من الأعذار لم تبطل، ومنها تتميم قراءة الفاتحة إن لم

ص: 259

يكن المأموم مسبوقاً بها عند الشافعي في أحد القولين الموجب فيه القراءة على المأموم وذلك ان تخلف بطء قراءته لا لوسوسة صرح به في عمدة المسالك، ومتى وجد العذر المشروع للتخلف فإنها لا تبطل صلاته، وعليه أن يأتي بما تخلف به عن إمامه فإن لم يمكنه الإتيان به أو تركه غير عالم عامد مع الإمكان لغت الركعة، وسواء في ذلك الركوع وغيره على الصحيح وإن كان التخلف بلا عذر بطلت صلاته بأي ركن من الأركان الفعلية التخلف بأكثر من ركن فإن كان بلا عذر بطلت الصلاة وإن كان لعذر فإن أتى بما تركه مع أمن فوت ركعة آتية ولحق إمامه صحت وإلا يأتي به أو خاف فوت آتية لغت الركعة المتروك منها وتابع إمامه والتي تليها عوضها وعند الشافعي لو تخلف بركن بلا عذر كره أو بركنين بطلت.

(وأما) التخلف عن ركن إمامه فإنه مشروع عند أحمد والشافعي لقول البراء بن عازب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن منا أحد ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً، ثم نقع سجوداً بعده، وقول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أن المسابق لإمام بركن أو ركنين تجب عليه إعادة الصلاة، علله أصحابه بالإثم وكراهة التحريم قالوا وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم كذا في ابن الهمام وإن أديت مع كراهة التنزيه فالإعادة مستحبة (فقول) صاحب المقدمة لا نسلم لا يخفى ما فيه لأنه وما حجته إلَاّ أنه لا يسلم من غير دليل عرضه ولا استدلال قصده، وأما ما يبطل الصلاة من عدم تعديل الأركان في مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فعنه في رواية الكرخي أن تعديل الأركان يعني طمأنينة الركوع والسجود والقيام بينهما والرفع بين السجدتين واجب يأثم بتركه فإن أخل به فعليه الإعادة وهذه الرواية عنه أصح من رواية الجرجاني لوجهين.

الأول منهما: أنها هي الموافقة للأئمة الثلاثة ولظاهر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا فعل أصحابه وتابعيهم.

والثاني: أن أكثر أصحابه على ذلك ما عدا محمداً رحمه الله له رواية عنه حتى أبا يوسف رحمه الله تعالى فإن عنده تعديل الأركان وهو الطمأنينة في الركوع

ص: 260

والسجود، وتمام القيام بين الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين فرض تبطل الصلاة بتركه عنده، وعند أكثر أصحاب أبي حنيفة، وهو مذهب الشافعي، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان تركه سهواً يلزمه سجود السهو وإن تركه عمداً يأثم وتجب عليه الإعادة إذ هذا الحكم في كل صلاة أديت مع الإثم وكراهة التحريم، وتستحب الإعادة مع كراهة التنزيه. قال في الظهيرية: وعن أصحابنا أنه يأثم بترك قومته، ورفع ظهره من الركوع، وشذ قوله في التتارخانية وشرح الطحاوي، ولو ترك القومة جازت صلاته ويكره أشد الكراهة. فقوله جازت قول مرجوح مخالف للأصل. ولذلك جمع بين القولين في الجواز والكراهة التي فيها الإثم وهي لا تجامع الأجزاء بل لا بد معها من الإعادة كما تقدم. وفي الحديث:"إن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها وأداها بأركانها وشروطها صعدت إلى السماء ولها نور حتى تصل إلى الله فتشفع في صاحبها وتقول حفظك الله كما حفظتني وإن ضيعها ولم يتم ركوعها ولا سجودها صعدت ولها ظلمة حتى تنتهي إلى أبواب السماء فتغلق دونها ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فتضرب وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني" وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلَاّ ثلثها إلَاّ ربعها إلَاّ خمسها حتى قال إلَاّ عشرها" فالصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر وإذا لم تنهه دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مصلياً.

(الوجه الثالث) أن قوله بل أن ترك الموحد الصلاة رأساً مع اعتقاد فرضيتها لا يكفر وهذا خرق لاجماع أكابر بر الصحابة والتابعين، كما قال الحافظ عبد الحق الاشبيلي في كتابه في الصلاة: إن جملة الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم يكفرون تارك الصلاة متعمداً ويحكمون عليه بالارتداد إذا خرج وقتها، منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو هريرة، وعلي بن أبي طالب، ولا يعلم عن صحابي خلافهم، قال ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، ومحمد بن إدريس الشافعي في الرواية الصحيحة المشهورة عن بعض أصحابه في الرجل الممتنع على حدته، واسحق بن راهويه، والإمام مالك في أحد الروايتين عنه، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتبية، وأيوب

ص: 261

السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، قال يحيى بن معين قيل لعبد الله بن المبارك أن أناساً يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر بهما فهو مسلم مؤمن فقال عبد الله لا نقول نحن كما يقول هؤلاء بل من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى دخل وقت في وقت فهو كافر يحل قتاله وقال ابن أبي شيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ترك الصلاة فقد كفر" فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد" وفي مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله". وعن أبي الدرداء قال أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " أن لا أترك صلاة متعمداً فمن ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه الذمة". رواه ابن أبي حاتم في سننه قال أحمد ابن سمار سمعت صدقة بن الفضل يسئل عن تارك الصلاة فقال هو كافر، فقال له السائل أتبين منه امرأته فقال صدقة وأين الكفر من الطلاق لو أن رجلاً كفر ولم يطلق خرجت امرأته من عصمته لأنه أعظم، لكن قال أكثر العلماء ينتظر بها انقضاء عدتها ان كانت مدخولاً بها لحديث صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة ان صفوان أسلم بعدها بشهر فإنها أسلمت يوم الفتح وهو بقي علي كفره حتى شهد حنيناً والطائف وهو كافر ثم أسلم بعد فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بل استقرت عنده امرأته بذلك النكاح، وقال أبو عبد الله محمد بن نصر سمعت اسحق ابن يسار يقول صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومحمد بن شهاب الزهري وداود بن علي المزني يحبس تارك الصلاة المفروضة حتى يموت أو يتوب، والرواية التي عن الشافعي في قتله تارك الصلاة حداً إنما هي في الرجل الممتنع منها على حدته، والصحيحة عنه كفره، كما نقلها عنه عبد الحق الاشبيلي، وتارك الصلاة رأساً وان وجد منه التصديق والإقرار بها فإنه معدوم ما هو معتبر به ومتوقف صحته والعصمة به على وجوده وهو عمل القلب نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده لفعل الأوامر إذا وجد فعله انقادت له الأعضاء وإلا بان لم يوجد منه إلَاّ التصديق خاصة، فذلك قول القلب مجرداً من فعله وهو لا ينفع كما لم ينفع إبليس وفرعون والذين عرفوا النبي

ص: 262

صلى الله عليه وسلم وعلموا صدقه وما جاء به من الحق فاعتقدوا صدقه وإن ما جاء به هو الحق ثم لم يعملوا وهؤلاء وإن كذب به بعضهم ظاهراً. فالبعض الآخر يقر عنده وعند غيره ويعتذر عن العمل والإتباع والتكذيب ظاهراً سببه فقد عمل القلب مع أن قوله وهو التصديق موجود فلم ينفعه.

وتقدمت الأدلة على كفر تارك الصلاة مستوفاة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين وأنه لا خلاف في قتل تاركها إلَاّ أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى ومن وافقه قالوا بحبسه حتى يموت في الرواية المشهورة عنهم، وما فهمه صاحب المقدمة من كلام الإمام أحمد في قوله. وليعلم المتهاون بصلاته المستخف بها السابق الإمام فيها أنه لا صلاة له صحيحة، وإنه إذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه من أنه يحكم على المسابق الإمام بالخروج من الدين ولحوقه بالكفار المرتدين إذا بطلت صلاته بالمسابقة فهو أحد الروايتين عنه فيمن ترك من الصلاة ركنا أو شرطاً يعتقد التارك وجوبه، أو أتى بمبطل لصلاته عالماً عامداً. لأن ذلك كتركها، فيقال فيه ما يقال في ترك جميعها، وقد قال ابن هبيرة في قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وقد رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده ما صليت، ولو مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم، فيه إن إنكار المنكر في مثل هذا يغلظ له لفظ الإنكار، وفيه إشارة إلى تكفير تارك الصلاة، وإلى تغليظ الأمر في الصلاة حتى إن من أساء في صلاته ولا يتم ركوعها ولا سجودها فإن حكمه حكم تاركها، قال الإمام في رسالته الصلاة، أول فريضة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر ما يذهب من الإسلام ليس بعد ذهابها إسلام ولا إيمان ولا دين، وهو أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله، وهي عمود الإسلام إذا سقط الفسطاط فلا ينتفع بالأطناب والأوتاد، وكذلك الصلاة إذا ذهبت فقد ذهب الإسلام ووجود المبطل لها من مسابقة أو غيرها مذهب ومعدم لها، والرواية الثانية أنه لا يكفر إلَاّ بترك ما هو مجمع عليه مما لا خلاف فيه وإن رأى التارك وجوبه لأنها إذا بطلت تصير كأنها فائتة ولا يكفر تاركها ومراعاة للقائلين بصحتها وإن اعتقد الفاعل بطلانها ونحن وإن قلنا ما قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى من أن المسابقة للإمام عمداً تخل بالصلاة وتصير معدومة لم نحكم على المسابق بالكفر والردة كما لم نحكم على تارك القراءة في الركعتين الأخيرتين بأم القرآن أو لم يعدل الأركان حيث هي التارك صحتها

ص: 263

بدونه إذ هذه مسائل اجتهادية لا يكفر بها ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، نعم نأمر المسيء في صلاته أن يعدل أركانها، وأن يتم قراءتها وركوعها وسجودها، وأن لا يسابق الإمام فيها فإن فعل يعيدها وننصح ونغلظ القول في ذلك، كما نصح وغلظ فيه صدر الأمة السلف الأول، ونخشى عليه من ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم وكرر ثلاثاً للمسيء في صلاته صل فإنك لم تصل وعلمه كيفيتها كما في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(الوجه الرابع) قوله ولا يلزم من التشبيه الذي بالحديث المذكور ذلك إذ لا يلزم من تشبيه شيء مشاركته له من جميع الوجوه فهو قد فهم أن التمثيل الذي في كلام الله ورسوله هو التشبيه الواقع على المشبه والمشبه به، والتمثيل غير التشبيه في المعنى فإن تشبيه زيد بالأسد في قولنا زيد أسد أو كالأسد أو ما هو من معاكس التشبيه كقوله صلى الله عليه وسلم:" فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" ليس كالأمثال التي ضربها الله في القرآن أو رسوله في السنة فإنه سبحانه وتعالى ضرب قصة الشيطان: {إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْك} مثلاً لبني النضير حين اغتروا بالمنافقين، ثم تبرؤا منهم عند الشدة، فقال:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} إلى أن قال: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} كذلك ضرب سبحانه وتعالى الأمثال في القرآن مخبراً كقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ

} الآية كقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ

} الآية إلى غير ذلك من الأمثال التي لا يعملها إلَاّ العالمون فإن هذه الممثل بها ليست أعلى ولا أتم من الممثل بل هو فوقها وأتم منها حساً ومعنى، وضربه صلى الله عليه وسلم الأمثال في السنة، مع كتمثيله الصلاة في عمود الخيمة وهي بالدين فكما لم تستقم بدون عمود ولا ينتفع بها بدونه، كذلك لا يستقيم الدين بدون الصلاة التي هي منه كالعمود بالنسبة إلى الخيمة، أو كالرأس للجسد، أو كالروح للبدن، وكضرب الله الأمثال في القرآن في أن الممثل أعلا وأتم من

ص: 264

الممثل به حساً ومعنى في الأفضلية وفي عدم الوجود والانتفاع، وأما المشبه فإنه إذا كان بينه وبين المشبه به علاقة في صفة من الصفات شبه به ولا يلزم منه مشابهته له ولا به من كل الوجوه، فإن زيد إذا قيل عنه أسد أو كالأسد لا يشاركه في جميع الصفات، كما لا يشاركه في الذات، بل الأسد فيه من الصفات المخالفة مالا توجد في زيد وفي زيد منها ما لا يوجد في الأسد إذ الصفات الإنسانية أفضل وأتم من سائر الحيوانات والجمادات، والشجاعة الموجودة في الأسد والحسن الموجود في البدر أتم وأكمل من الشجاعة والحسن الموجودين أو أحدهما في زيد، بخلاف الأمثال التي ضربها الله في القرآن أو رسوله في السنة فإن الممثل أتم وأكمل من الممثل به وهو تابع معناه إعداماً وإيجاداً وجوباً وجوازاً ووجوباً.

(الوجه الخامس) قوله ونفلها أفضل النوافل وعزاه إلى كتب الأحاديث والتفسير والفقه، والذي فيها أفضل النوافل الجهاد ثم النفقة فيه ثم العلم نعلمه وتعليمه ثم صلاة النافلة ففي الصحيحين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:" قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال: "الإيمان بالله وجهاد في سبيل الله " وفيهما أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الأعمال إيمان بالله وجهاد في سبيل الله" وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت القائم الذي لا يفتر عن الصلاة ولا الصيام حتى يرجعه الله بما يرجعه من غنيمة أو أجر أو يتوفاه ليدخله الجنة" وعند الإمام أحمد: " والذي نفس محمد بيده ما شجت ولا اغبرت قدما عبد في عمل يبتغي فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة أفضل عند الله من الجهاد في سبيل الله عز وجل" وحديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" دال بصريحه على أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الفرائض كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء فإنه عليه السلام عبر برأس الأمر وعنى به الدين الذي بعث به الرسل وعموده وهو قوامه الذي يقوم به كما تقوم الخيمة بالفسطاط هو الصلاة وذروة سنامه وهو أعلى ما فيه وأرفعه وهو الجهاد، وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن الزبير قال قال عثمان بن عفان وهو يخطب على منبر أني محدثكم

ص: 265

حديثاً سمعته من رسول الله لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلَاّ الظن بكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها" وقد ترجم ابن حبان في صحيحه ذكر تضعيف النفقة في سبيل الله على غيرها من الطاعات، وذكر عن خريم بن فاتك مرفوعاً:"من أنفق في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف " ورواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وحسنه، وعند الإمام أحمد وغيره من عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له سبعمائة ضعف، وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً "تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، وممن صرح به من الأئمة اسحق بن راهوية نقله عنه ابن منصور وان من العلم ما يقع نفلاً وفي خطبة المحيط للحنفية أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه قال الإمام أحمد تذاكر بعض ليلة أحب من إحيائها في العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم قال ابن منصور فقلت الصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا قال نعم، والأشهر عنه الاعتناء بالحديث والفقه والتحريض على ذلك قال وليس قوم خيراً من أهل الحديث، وعاب على محدث لا يتفقه وقال يعجبني أن يكون الرجل فهيماً في الفقه إلَاّ أن الشافعي رحمه الله اختار في القول المشهور تقديم نفلها على نفل العلم للإخبار في أنها أحب الأعمال إلى الله وخيرها ولأن مدوامته صلى الله عليه وسلم على نفلها أشد من غيره ولقتل من تركها تهاوناً وكسلاً ولتقديم فرضها، وقال غيره العلم يتعدى نفعه فاشتغال في أفضل مما يقصر نفعه على الفاعل ولذلك كان العالم العامل أفضل من العابد، إلَاّ أن نفل الصلاة أفضل مما يتعدى نفعه سوى العلم كالصدقة وأمثالها وهل نفل الحج أفضل من نفل الصلاة أم نفلها أفضل فمن قال أنه أفضل قال انه جهاد لما روت عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء جهاد قال:" عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" إسناده صحيح رواه الإمام أحمد وابن ماجة وروى الإمام أحمد والبخاري عنها قالت يا رسول الله أترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" وعند الشافعي رحمه الله تعالى في القول المشهور عنه نفل العلم أفضل من نفل الحج لتعديه وإنما قدم نفل الصلاة للأخبار الواردة في أنها أحب الأعمال إلى الله كما تقدم عنه وكذا القول في تقديم نفل

ص: 266