الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذنوب صغيرة وضابطها ما أوجب تعزيراً فأقل فهذا يغفر بالوضوء والصلاة والجمعة والصيام ما اجتنبت الكبائر.
وإن كانت كبيرة فإن استحلت فهي كفر، وضابطها ما أوجب حداً في الدنيا ووعيداً في الآخرة، وإن لم تستحل فإن تاب قبل الغرغرة أو رؤية الملك قبلت التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها وإن لم يتب بأن مات مصراً فأمره مفوّض إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له. وفي صحيح مسلم من حديث المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقول الله تعالى من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة بر ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بقرابها مغفرة" وخرج الإمام أحمد من رواية أخشن السدوسي قال: دخلت على أنس رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم غفرت لكم".
شفاعة الرسل:
(وأما قولكم والشفاعة حق وبعثة الرسل بالمعجزات حق من آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) .
فنقول: أما الشفاعة فقد قال أهل المعاني أنها مأخوذة من الشفع المقابل للوتر، فاستعملت في الشفيع باعتبارين:
الأول: كونه شافعاً لصاحب الحاجة حتى يجتمع معه على المسئلة.
الثاني: كونه شافعاً للمسئول منه قضاء الحاجة في قضائها إذ هي لم تقض إلا بسبب شفاعته فكأنه شاركه وشفعه فيها. فمن الأول قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ
شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} ومن الثاني قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} الآية وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
ثم ان الشفاعة من حيث هي قد افترق الناس فيها ثلاث فرق: طرفان ووسط. فالمشركون ومن وافقهم من مبتدعة أهل الكتاب كالنصارى ومبتدعة هذه الأمة قد أثبتوا الشفاعة التي نفاها الله وذلك أنهم اتخذوا وسائط ووسائل من الخلق شفعاء لهم يسمونهم آلهة ومنه قول صاحب يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} لكن هؤلاء الباقون نفوا بألسنتهم اسم الإله عما سوى الله وأثبتوا معناه في معتقدهم وقولهم الذي يسمونه واسطتهم ووسيلتهم من الخلق في تفريج كربهم وكشف شدائدهم. كما تكون الوسائط والوسائل بين السلطان ورعيته فشبهوا الحالق تعالى بالمخلوق. وصريح القرآن من أوله إلى آخره راداً عليهم إذ السلاطين جاهلون أحوال الخلق إلا بمنبه ومفطن، والله تعالى عالم يعلم ما في السموات وما في الأرض كما أن له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. والملوك عاجزون عن تدبير الخلق إلا بمعين ومظاهر والله تعالى هو المدبر للأشياء كلها {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} والملوك محتاجون إلى محرك خارجي يحركهم بالموعظة ونحوها والله تعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، بل هو الخالق للسبب والمسبب وليس في الأسباب ما هو مستقل بل هي جميعها من الله وحده لا شريك له لا قيام لها إلا بمشيئته وقدرته، فلا حول وهى الحركة والتحول من حال إلى حال ولا قوّة كل ذلك الحلول إلا به تعالى وسواء في ذلك الحول والقوّة الموجود في السماء والأرض والآدميين والملائكة والجن وسائر الدواب وغيره {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له فليس لغيره ملك ولا شرك في ملك غيره ولا شريك له. وهذان الصنفان هما اللذان لهما ملك إما كامل وإما مشاع، ومن ليس له ملك فإما أن يكون عوناً للمالك كالوكلاء والإجراء والغلمان والجند والأولياء. وإما أن يكون سائلاً طالباً منه لأنه إما أن ينفع المالك فيكون له عليه حق وإما أن لا ينفع لكن يسأله فأخبر سبحانه أنه ليس له من المخلوقات من ظهير.
وأما مسئلة الشفاعة فلم ينفها لكن أخبر أنها لا تكون ولا تنفع إلا لمن أذن له، فالشفاعة بعد رضائه تعالى عن المشفوع فيه وهذا بخلاف الشفعاء للمخلوقين فإنهم قد يشفعون لمن لم يؤذن لهم في الشفاعة له وقبل استئذان المشفوع إليه. وهكذا كقوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وهذا يوجب انقطاع تعلق القلوب بغيره ولو كان ملكاً أو نبياً فكيف بالمشايخ والعلماء والملوك فإن غاية الراجي لهم المعتمد عليهم أن يقول هم يشفعون لي فقد أخبر سبحانه أنه ما من شفيع إلا من بعد إذنه وأنكر أن يشفع أحد إلا بإذنه وأخبر أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له. ولهذا إذا جاء سيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلى ربه ورآه سجد وحمد بمحامد يفتحها عليه ولا يبتدئ بالشفاعة حتى يقال له: أي محمد أرفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع. وبهذا تتبين الشفاعة المنفية يوم القيامة كما قال جل ذكره: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وذلك ان الإنسان في الدنيا يحصل ما ينفعه، تارة يكون بمعاوضة حسية، وتارة معنوية، والله تعالى خالق كل شيء وربه ومليكه فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقيراً إليه بخلاف الخلق فإنهم محتاجون إلى ظهير يظاهرهم ويعاونهم فهذه الوسائط في الحقيقة شركاؤهم والله سبحانه ليس له شريك في الملك كما ليس له شريك في استحقاق العبادة بل هو المختص بها ولا تليق إلا لجلاله وعظمته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله