الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدلائل القائمة على ألوهية الخالق
(ومن الدلائل) على ألوهية خالقها الطعام للبشر، وسائر الحيوانات، وما تترى به الأجسام والعورات من النبات، كالقطن والكتان، وما أبرزه الإله المعبود بالحق من الحيوانات كالإبريسم والصوف والشعر والجلود، وما لا تحيط به الأذهان ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إمتن بها الإله الواحد المنان، وكذا اختلاف الأخشاب بأنواعها واختلاف مصالحها، وهذه الآيات لا تحصيها العبارات، إنما نشير إلى اليسير منها لاعتبارات وفي اختلافها يقول موجد الكائنات:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} وكذلك الحال في الطيب والخبيث يكون في بني آدم كما يكون في الأرض وما يخرج فيها من النبات كما قيل:
الناس كالأرض ومنهاهم
…
من حجر قاس ومن لين
فجلمد تدمي به أرجل
…
وأثمد يحمل في الأعين
وهذا من نزع البركة عن بعضها ووضعها في بعضها الآخر وجود الحكمة في كل منهما وفي الحديث: "أُحد يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، وهذا عير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبوب النار" أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي عبس بن جبر رضي الله عنه وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُحد جبل يحبنا ونحبه" أخرجه البخاري فأٌحد طيب يرى الناظر إليه عليه آثار الأنوار، وعير خبيث تنبو عن مشاهدته الأبصار، وقد قال تعالى لنبيه المختار:{وربك يخلق ما يشاء ويختار} .
(ومن الدلائل) على ألوهية خالقها وموجدها الكعبة الشريفة في البلد الآمن طهره الله وصانه وجعل عباده المتقين أولياءه وسكانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} وفيه من البراهين والآيات ما يسع الكائنات، ولو
لم يكن فيه إلَاّ أنه منزل البركات من إله الكائنات تنزل عليه كل يوم مائة وعشرين رحمة تتفرق على أهل التوحيد من أهل الطاعات، ومنها توجه وجوه أهل الإسلام في جميع الصلوات من كل الجهات، وكذلك توجه إليه من المسلمين كل الأموات.
(ومنها) مضاعفة الحسنات وتجسيم السيئات.
(ومنها) أن تجبى إليه جميع الثمرات ومنها البركة التي طلب الخليل صلى الله عليه وسلم في الأقوات.
(ومنها) مقام إبراهيم وزمزم طعام طعم ولما شرب له عام.
(وفيها) يمين الله في أرضه، فإنه يأتي يوم القيامة وله شفتان ولسان شاهد لمن استلمه وقبله مؤمناً بالله غير مشرك به ومصدقاً بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم متبعاً لشرعه وهديه مخالفاً ومعادياً لضده، فشهادته لأهل التوحيد بأعمالهم الصالحة هي حقيقة نفعه التي أخبر بها علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حيث صح وثبت جواب علي لعمر وإلا فهذه الزيادة بعض العلماء على عدم ثبوتها، إنما الثابت صدر الحديث كما رواه البخاري من طريقين:
الأول: عن عباس بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
الثاني: عن زيد بن أسلم عن أبيه قال رأيت عمر بن الحطاب يقبل الحجر وقال لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. وقول صاحب المقدمة أجابه عثمان بن عفان وهم، إنما المجيب علي بن أبي طالب كما ذكره المثبتون لهذه الزيادة في آخر الحديث في بعض السير، فأما شهادة الحجر لأهل التوحيد فهي ثابتة كما روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ثم التفت فإذا عمر بن الخطاب فقال:"يا عمر هاهنا تسكب العبرات" رواه ابن ماجه وروى مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بيده وقبلها فتقبيله واستلامه والبكاء عنده لا يخلو ذلك من حكمة لو لم يكن منها لا أنه يمين الله في أرضه وشهادته لأهل التوحيد توحيده بأعمالهم وذلك لا يقتضي اعتقاد النفع أو الضر فيه بطبعه ولا بقوته فلا يدعى ولا يرجى ولا يتوكل عليه لفضله وشهادته وشفاعته ليستا
بأفضل ولا أكمل ولا أتم عن شهادة الرسل وشفاعتهم، ومع ذلك فلا يعتقد فيهم النفع ولا الضر ولا الإعطاء ولا المنع، إلا أنهم يوم القيامة يشهدون على أممهم وعلى بعضهم بعضاً بالبلاغ والتبليغ كما قال جل ذكره:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} ويشفعوا في أهل التوحيد بعد إذن الله لهم فيها لمن رضي عنه، وذلك لا يقتضي أنهم يملكون الضر ولا النفع ولا العطاء ولا المنع، فالحجر أولى بعدم الاعتقاد فيه إذ الأمر كله لمالكه وهو الله الذي خلق الرسل وفضلهم على سائر الخلق، وخلق الأرض وما فيها من الآيات الدالة على ألوهيته، وتفرده بملك الضر والنفع والعطاء والمنع.
ولقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخاطباً للكعبة الشريفة شرفها الله ما أطيبك وأطهرك، ولحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، ومعلوم أنه لا أعظم حرمة في الخلق من الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم لم يبعثهم الله عز وجل إلَاّ ليزيلوا هذا الاعتقاد في الأحجار والأشجار من قلوب سائر الخلق الكبار والصغار، ويخلصون لله الواحد القهار، وقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد أعظم حماية أقل من هذا الاعتقاد وأظهره، وغضب منه حين قال له القائل ما شاء الله وشئت فقال عليه السلام:"أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده" فكيف باعتقاد المشركين الأولين أو ما هو أعظم منه، وقد ذكرنا بمناسبة حكمة الله في خلقه وإظهار قدرته في مصنوعاته رشيحة من الاستمتاع بما في المقلة، ولم نتعرض لما في المظلة طلباً للإختصار ومخافة في القصور وذله إذ الأرض بالنسبة إليها كحلقة ملقاة في فلاة وإذا فتح الله فؤاد العبد للفكر في أمه رأى ببصيرة قلبه فنطق لسانه بعجائب المظلة فاستدل بذلك على ألوهية الخالق وتفرده فيما هو منفرد به عن خلقه وعبادته وحده لا شريك له في حقه ومعاملته.
والعبد من تراب إذا تكلم بالدليل على ألوهية خالقه فهو في محله، إنما الرزية كل الرزية الإعراض عن الآيات والتغافل عن المشاهدات والمبصرات والمسموعات والمحسوسات:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} ومن كان فكره في كل واد يهيم فهو من الأفكار الباطلة والاعتقادات الفاسدة في ليل بهيم، ولهذا قال الإله:{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} .