الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ الْفِرَاسَة
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (1)
(طس)، وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ للهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ "(2)
(1)[الحجر/75]
(2)
(طس) 2935 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 2168 ، الصَّحِيحَة: 1693
(ت جة)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ:" لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ "، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ (1) وَقِيلَ:" قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ " ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ " وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ "(2)
(1) أَيْ: ذَهَبُوا مُسْرِعِينَ إِلَيْهِ.
(2)
(ت) 2485 ، (جة) 1334
(م حم)، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:(كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي إِبِلٍ)(1)(لَهُ خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ)(2)(فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ:)(3)(يَا أَبَتِ ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا)(4)(فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ)(5)(وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بِالْمَدِينَةِ؟ ، فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ وَقَالَ: اسْكُتْ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ")(6)
الشرح (7)
(1)(م) 11 - (2965)
(2)
(حم) 1441 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
(3)
(م) 11 - (2965)
(4)
(حم) 1441
(5)
(م) 11 - (2965)
(6)
(حم) 1441 ، (م) 11 - (2965)
(7)
ذَكَرَ ابن جرير أن عمر بن سعد خرج إلى أبيه وهو على ماء لبني سليم بالبادية معتزل: فَقَالَ يَا أَبَهْ: قَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ مِنَ النَّاسِ بِصِفِّينَ، وَقَدْ حَكَّمَ النَّاسُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَقَدْ شَهِدَهُمْ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَاشْهَدْهُمْ فَإِنَّكَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَدُ أَصْحَابِ الشورى ، ولم تدخل في شيء كَرِهَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، فَاحْضُرْ ، إِنَّكَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ.
فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّهُ ستكون فتنة ، خير الناس فيها الخفي التقي " ، وَاللهِ لَا أَشْهَدُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَبَدًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ اسْتَعَانَ بِأَخِيهِ عَامِرٍ عَلَى أَبِيهِ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ التَّحْكِيمِ لَعَلَّهُمْ يَعْدِلُونَ عَنْ معاوية وعلي وَيُوَلُّونَهُ ، فَامْتَنَعَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَبَاهُ أَشَدَّ الْإِبَاءِ ، وَقَنِعَ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكِفَايَةِ وَالْخَفَاءِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: قَدْ " أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ " ،
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ هذا يُحِبُّ الإمارة، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأبَهُ حَتَّى كَانَ هُوَ أميرَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنه ولو قنع بما كان أبوه عليه ، لم يكن شيء من ذلك.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْضُرْ أَمْرَ التَّحْكِيمِ ، وَلَا أَرَادَ ذَلِكَ ، وَلَا هَمَّ بِهِ. البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 313)
(خ)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا ، إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ (1) فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي ، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ ، عَلَيَّ الرَّجُلَ (2) فَدُعِيَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ (3) إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي ، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا (4) وَيَأسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا (5) وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا (6)؟ ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ ، يَقُولُ: يَا جَلِيحْ (7) أَمْرٌ نَجِيحْ ، رَجُلٌ فَصِيحْ ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ ، فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ ، أَمْرٌ نَجِيحْ ، رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَقُمْتُ ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ (8). (9)
(1) قال الألباني في صحيح السيرة ص83: هذا الرجل هو سواد بن قارب الأزدي ويقال: الدوسي من أهل السراة من جبال (البلقاء) له صحبة ووفادة.
(2)
أَيْ: أَحْضِرُوهُ إِلَيَّ ، وَقَرِّبُوهُ مِنِّي. فتح الباري لابن حجر (ج 11 / ص 189)
(3)
أَيْ: أُلْزِمُك. فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(4)
الْمُرَادُ بِهِ الْيَأس. فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(5)
مَعْنَاهُ: أَنَّهَا يَئِسَتْ مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع ، بَعْد أَنْ كَانَتْ قَدْ أَلِفَتْهُ، فَانْقَلَبَتْ عَنْ الِاسْتِرَاق قَدْ يَئِسَتْ مِنْ السَّمْع. فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(6)
الْقِلَاص: قَلُوص ، وَهِيَ الْفَتِيَّة مِنْ النِّيَاق، وَالْأَحْلَاس: جَمْع حِلْس ، وَهُوَ مَا يُوضَع عَلَى ظُهُور الْإِبِل تَحْت الرَّحْل، فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(7)
أَيْ: الْوَقِح. فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(8)
يُرِيد أَنْ ذَلِكَ كَانَ بِقُرْبِ مَبْعَث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فتح الباري (ج 11 / ص 189)
(9)
(خ) 3653 ، (ك) 4503
(خ م)، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ)(1) وفي رواية: (رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)(2)(فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ)(3)(فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ")(4)
الشرح (5)
(1)(خ) 3282
(2)
(خ) 3486
(3)
(خ) 3486
(4)
(خ) 3282 ، (م) 23 - (2398) ، (ت) 3693 ، (حم) 8449
(5)
قَالَ ابْنُ الْقَيِّم في (مدارج السالكين)(1/ 64): وَالْمُحَدَّثُ: هُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ بِالشَّيْءِ، فَيَكُونُ كَمَا يُحَدَّثُ بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَالصِّدِّيقُ أَكْمَلُ مِنَ الْمُحَدَّثِ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِكَمَالِ صَدِّيقِيَّتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ عَنِ التَّحْدِيثِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَشْفِ، فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَ قَلْبَهُ كُلَّهُ ، وَسِرَّهُ ، وَظَاهِرَهُ ، وَبَاطِنَهُ لِلرَّسُولِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا مِنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْمُحَدَّثُ يَعْرِضُ مَا يُحَدَّثُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الصِّدِّيقِيَّةِ ، فَوْقَ مَرْتَبَةِ التَّحْدِيثِ
قَالَ: وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْخَيَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، فَصَحِيحٌ أَنَّ قَلْبَهُ حَدَّثَهُ، وَلَكِنْ عَمَّنْ؟ ، عَنْ شَيْطَانِهِ؟، أَوْ عَنْ رَبِّهِ؟ ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، كَانَ مُسْنِدًا الْحَدِيثَ إِلَى مَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ ، وَذَلِكَ كَذِبٌ، قَالَ: وَمُحَدَّثُ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَلَا تَفَوَّهَ بِهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، بَلْ كَتَبَ كَاتِبُهُ يَوْمًا: هَذَا مَا أَرَى اللهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: لَا، امْحُهُ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيءٌ، وَقَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا ، فَمِنَ اللهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً ، فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، فَهَذَا قَوْلُ الْمُحَدَّثِ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتَ تَرَى الِاتِّحَادِيَّ ، وَالْحُلُولِيَّ ، وَالْإِبَاحِيَّ الْشَطَّاحَ، وَالسَّمَاعِيَّ مُجَاهِرًا بِالْقِحَةِ وَالْفِرْيَةِ، يَقُولُ:" حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي ".
فَانْظُرْ إِلَى مَا بَيْنَ الْقَائِلَيْنِ ، وَالْمَرْتَبَتَيْنِ ، وَالْقَوْلَيْنِ ، وَالْحَالَيْنِ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا تَجْعَلِ الزَّغَلَ وَالْخَالِصَ شَيْئًا وَاحِدًا. أ. هـ
(حل)، وَعَنْ شَاه بْنِ شُجَاعٍ الكَرْمَانِي (1) وَكَانَ لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ قَالَ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ ، وَعَوَّدَ نَفْسَهُ أَكْلَ الْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ. (2)
(1) قال الألباني في حجاب المرأة المسلمة ص47: هو من رجال " الحلية " لأبي نعيم ، ترجم له (10/ 237 - 238) وذكر أنه كان من أصحاب أبي تراب النخعي.
(2)
حلية الأولياء - (4/ 364) ، انظر (حجاب المرأة) ص47