الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُ حَلْبِ مَاشِيَةِ الغَيْرِ إِذَا مَرَّ بِهَا
(ت)، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأذِنْهُ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ ، فَلْيُصَوِّتْ (1) ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ فَلْيَسْتَأذِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ ، وَلَا يَحْمِلْ (2) "(3)
(1) أَيْ: فَلْيَصِحْ ، وَلِيُنَادِ. تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 411)
(2)
أَيْ: مِنْهُ شَيْئًا. تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 411)
(3)
(ت) 1296 ، (د) 2619 ، صحيح الجامع: 265 ، هداية الرواة: 2883 ، الإرواء: 2521
(حم ك)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِنْ أَجَابَكَ ، وَإِلَّا)(1)(فَاحْلُبْ وَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ)(2)(وَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ فَنَادِ صَاحِبَ الْبُسْتَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِنْ أَجَابَكَ ، وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ ")(3) وفي رواية: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى رَاعِي إِبِلٍ فَلْيُنَادِي: يَا رَاعِيَ الإِبِلِ - ثَلَاثًا - فَإِنْ أَجَابَهُ ، وَإِلا فَلْيَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ ، وَلَا يَحْمِلَنَّ، وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى حَائِطٍ فَلْيُنَادِ ثَلَاثًا: يَا أَصْحَابَ الْحَائِطِ، فَإِنْ أَجَابَهُ ، وَإِلا فَلْيَأكُلْ ، وَلَا يَحْمِلَنَّ "(4)
(1)(ك) 7180 ، (جة) 2300 ، (حم) 11175
(2)
(حم) 11175 ، (جة) 2300 ، (ك) 7180
(3)
(ك) 7180 ، (جة) 2300 ، (حم) 11175 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 274 ،، المشكاة (2953 / التحقيق الثاني)، الإرواء (2521)
(4)
(حب) 5281 ، (يع) 1287 ، انظر صحيح موارد الظمآن: 959 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
(حم)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْمَلْنَا (1) وَأَنْفَضْنَا (2) فَأَتَيْنَا عَلَى إِبِلٍ مَصْرُورَةٍ (3) بِلِحَاءِ الشَّجَرِ (4) فَابْتَدَرَهَا الْقَوْمُ لِيَحْلِبُوهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هَذِهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا قُوتُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، أَتُحِبُّونَ لَوْ أَنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى مَا فِي أَزْوَادِكُمْ فَأَخَذُوهُ؟ ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ، فَاشْرَبُوا وَلَا تَحْمِلُوا "(5)
(1) قال السندي: أي: افتقرنا واحتجنا.
(2)
أي: فنيَ زادنا، لأنهم نَفَضوا ما فيه زادهم.
(3)
أَيْ: مربوطة الضروع، وكانت عادة العرب أنهم إذا أرسلوا الحَلُوبات المرعى، ربطوا ضروعها، وأرسلوها، ويسمون ذلك الرباط: صراراً.
(4)
قال في "القاموس": لِحاء كَكِسَاء: قِشْر الشجر.
(5)
(حم) 9241 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
(خ م)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ (1) أَحَدٍ إِلَّا إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ (2) فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ (3) فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ (4) مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ"(5)
الشرح (6)
(1) الْمَاشِيَة: تَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. فتح الباري (ج 7 / ص 334)
(2)
أَيْ: غُرْفَتُهُ. فتح الباري (ج 7 / ص 334)
(3)
الْخِزَانَة: الْمَكَان أَوْ الْوِعَاء الَّذِي يُخَزَّنُ فِيهِ مَا يُرَادُ حِفْظُهُ. فتح (7/ 334)
(4)
الضَّرْع لِلْبَهَائِمِ: كَالثَّدْي لِلْمَرْأَةِ. فتح الباري (ج 7 / ص 334)
(5)
(م) 13 - (1726) ، (خ) 2303 ، (د) 2623 ، (جة) 2302 ، (حم) 4471
(6)
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: فِي الْحَدِيثِ النَّهْي عَنْ أَنْ يَأخُذَ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّبَنَ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُلِ النَّاسِ فِيهِ ، فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَبِهَذَا أَخَذَ الْجُمْهُور، لَكِنْ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنٍ خَاصٍّ ، أَوْ إِذْنٍ عَامٍّ.
وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ وَلَا عَامٌّ.
وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، وَالْحُجَّةُ لَهُمْ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا فِيهَا ، فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَجَابَ فَلْيَسْتَأذِنْهُ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ ، وَإِلَّا فَلْيَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ ، وَلَا يَحْمِلْ " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ ، فَمَنْ صَحَّحَ سَمَاعَهُ مِنْ سَمُرَةَ صَحَّحَهُ ، وَمَنْ لَا ، أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ ، لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ ، مِنْ أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا " إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِهِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَجَابَكَ ، وَإِلَّا فَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ ، وَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ .. فَذَكَرَ مِثْلَهُ " ، أَخْرَجَهُ بن ماجة والطَّحَاوِي وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُعْمَلَ بِهِ ، وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْجَمْعِ ، مِنْهَا: حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهِ ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ.
وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الْإِذْنِ بِابْنِ السَّبِيلِ دُونَ غَيْرِهِ ، أَوْ بِالْمُضْطَرِّ ، أَوْ بِحَالِ الْمَجَاعَةِ مُطْلَقًا ، وَهِي مُتَقَارِبَة.
وَحكى ابن بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ حَدِيثَ الْإِذْنِ كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَحَدِيثَ النَّهْيِ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ التَّشَاحِّ وَتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ أَحْوَجَ مِنْ الْمَارِّ ، لِحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَةً ، فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَقَالَ لَنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ، أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ (ضعيف ، انظر جة 2303) وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ " فَابْتَدَرَهَا الْقَوْم لِيَحْلِبُوهَا ".
قَالُوا: فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُحْتَاجًا، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَصْرُورَةٍ ، وَالنَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ مَصْرُورَةً ، لِهَذَا الْحَدِيثِ ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِهِ:" فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ، فَاشْرَبُوا وَلَا تَحْمِلُوا " ، فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْمَصْرُورِ وَغَيْرِهِ ، لَكِنْ بِقَيْدِ عَدَمِ الْحَمْلِ ، وَلَا بُد مِنْهُ.
وَاخْتَارَ بن الْعَرَبِيِّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَادَةِ ، قَالَ: وَكَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمُ الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِ بَلَدِنَا ، قَالَ: وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَهْمَا كَانَ عَلَى طَرِيقٍ لَا يُعْدَلُ إِلَيْهِ ، وَلَا يُقْصَدُ ، جَازَ لِلْمَارِّ الْأَخْذُ مِنْهُ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُحْتَاجِ.
وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الْغَزْوِ ، وَآخَرُونَ إِلَى قَصْرِ الْإِذْنِ عَلَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَاسْتُؤْنِسَ بِمَا شَرَطَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَصَحَّ ذَلِك عَن عُمَرَ وَذكر بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِ يَنْزِلُ بِالذِّمِّيِّ ، قَالَ: لَا يَأخُذُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ ، قِيلَ لَهُ: فَالضِّيَافَةُ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ ، قَالَ: كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِسَبَبِهَا ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا.
وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَسْخِ الْإِذْنِ ، وَحَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ إِيجَابِ الزَّكَاةِ ، قَالُوا: وَكَانَتِ الضِّيَافَةُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةً ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَتِ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً ، ثُمَّ نُسِخَتْ ، فَنُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ ، وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ مَرَّ بِبُسْتَانٍ أَوْ زَرْعٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ.
قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ ، فَيَأخُذَ وَيَغْرَمَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبُسْتَانِ حَائِطٌ ، جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ.
وَفِي الْأُخْرَى: إِذَا احْتَاجَ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ.
وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يَعْنِي حَدِيث ابن عُمَرَ مَرْفُوعًا " إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأكُلْ ، وَلَا يَتَّخِذْ خَبِيئَةً " ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَصِحَّ ، وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ.
قُلْتُ: وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لَا يَقْصُرُ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ ، وَقَدِ احْتَجُّوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي " الْمِنْحَةِ " فِيمَا عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ ، وَتَمْثِيلِ مَا قَدْ يَخْفَى بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ ، وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي النَّظَائِرِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ ، وَإِعَادَتُهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ تَأكِيدًا وَتَقْرِيرًا ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ لِلْأَصْلِ مَزِيَّةٌ لَا يَضُرُّ سُقُوطُهَا فِي الْفَرْعِ إِذَا تَشَارَكَا فِي أَصْلِ الصِّفَةِ ، لِأَنَّ الضَّرْعَ لَا يُسَاوِي الْخِزَانَةَ فِي الْحِرْزِ ، كَمَا أَنَّ الصَّرَّ لَا يُسَاوِي الْقُفْلَ فِيهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ ، فَقَدْ أَلْحَقَ الشَّارِعُ الضَّرْعَ الْمَصْرُورَ فِي الْحُكْمِ بِالْخِزَانَةِ الْمُقْفَلَةِ فِي تَحْرِيمِ تَنَاوُلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ ، أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْمُنِيرِ.
وَفِيهِ إِبَاحَةُ خَزْنِ الطَّعَامِ ، وَاحْتِكَارِهِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، خِلَافًا لِغُلَاةِ الْمُتَزَهِّدَةِ الْمَانِعِينَ مِنْ الِادِّخَارِ مُطْلَقًا ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَفِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى طَعَامًا ، فَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ طَعَامًا ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي إِخْرَاجِ اللَّبَنِ ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ لَبَنِ الشَّاةِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ ، بَاطِلٌ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ ، وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيُّ.
وَفِيهِ أَنَّ الشَّاةَ إِذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ مَقْدُورٌ عَلَى حَلْبِهِ ، قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ ، وَيُثْبِتُ حُكْمَهَا فِي تَقْوِيمِ اللَّبَنِ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَبَ مِنْ ضَرْعِ نَاقَةٍ أَوْ غَيرهَا فِي مَصْرُورَةٍ مُحَرَّزَةٍ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا تَأوِيلٍ ، مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ ، أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ إِنْ لَمْ يَأذَنْ لَهُ صَاحِبُهَا تَعْيِينًا أَوْ إِجْمَالًا ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ أَفْصَحَ بِأَنَّ ضُرُوعَ الْأَنْعَامِ خَزَائِنُ الطَّعَامِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبَ الْقَطْعِ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْغَنَمُ فِي حِرْزٍ ، اكْتِفَاءً بِحِرْزِ الضَّرْعِ لِلَّبَنِ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر الحَدِيث. فتح الباري (5/ 89)