الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَضْلُ مَسْجِدِ قُبَاء
(جة)، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ش أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (1) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟ ، قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَلَاةِ، وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: " فَهُوَ ذَاكَ، فَعَلَيْكُمُوهُ (2) " (3)
(1)[التوبة/108]
(2)
قلت: تخصيصه صلى الله عليه وسلم الأنصار بسؤاله عن طُهورهم ، فيه دليل على أن المقصود بالآية هو مسجد قباء ، لأن مسجده صلى الله عليه وسلم كان فيه المهاجرون والأنصار. ع
(3)
(جة) 355، (ك) 3287، صححه الألباني في المشكاة: 369
(ت)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ "(1)
(1)(ت) 3100، (د) 44، (جة) 357، صححه الألباني في الإرواء: 45
(حم)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: أَقْبَلْتُ مِنْ مَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ عَلَى بَغْلَةٍ لِي ، قَدْ صَلَّيْتُ فِيهِ ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ مَاشِيًا ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ ، نَزَلْتُ عَنْ بَغْلَتِي ، ثُمَّ قُلْتُ: ارْكَبْ أَيْ عَمِّ ، قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي ، لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَرْكَبَ الدَّوَابَّ لَرَكِبْتُ ، " وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى يَأتِيَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ " ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَمْشِيَ إِلَيْهِ كَمَا رَأَيْتُهُ يَمْشِي ، قَالَ: فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ ، وَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ. (1)
(1)(حم) 5999، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(جة)، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ "(1)
(1)(جة) 1412، (س) 699، صَحِيح الْجَامِع: 6154 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1181
(حب)، وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَنَازَةً بِالأَوْسَاطِ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَأَقْبَلَ مَاشِيًا إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِفِنَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيْنَ تَؤُمُّ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ ، قَالَ: أَؤُمُّ هَذَا الْمَسْجِدَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" مَنْ صَلَّى فِيهِ ، كَانَ كَعَدْلِ عُمْرَةٍ "(1)
(1)(حب) 1627، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1184
(ت)، وَعَنْ أُسَيْدِ بْنَ ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الصَلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ "(1)
(1)(ت) 324 ، (جة) 1411 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3872
(خ م)، وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ:(كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لَا يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى - فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ ، وَيَوْمَ يَأتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ)(1)(وَكَانَ يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(2)(يَأتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا)(3)(فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ")(4)(قَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ)(5)(فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ)(6).
الشرح (7)
(1)(خ) 1134 ، (هق) 10074
(2)
(م) 520 - (1399) ، (خ) 1191
(3)
(خ) 1135 ، (م) 515 - (1399) ، (س) 698 ، (د) 2040
(4)
(خ) 1136 ، (م) 516 - (1399) ، (د) 2040
(5)
(م) 521 - (1399) ، (خ) 1135
(6)
(خ) 1134
(7)
قال الألباني في الثمر المستطاب ج1 ص575: قال الحافظ: (وفي هذا الحديث - على اختلاف طُرُقه - دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة ، والمداومة على ذلك.
وفيه أن النهي عن شدِّ الرحال لغير المساجد الثلاثة ، ليس على التحريم ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا.
وتُعُقِّب بأن مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار ، وتفقد حالهم ، وحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه ، وهذا هو السِّر في تخصيص ذلك بالسبت).
قلت: فعلى هذا ، فذهابه صلى الله عليه وسلم يوم السبت لم يكن مقصودا بالذات ، بل مراعاة لمصلحة التفقُّد المذكور ، وعليه ، فالأيام كلها سواء في الفضيلة في زيارة قباء ، لعدم وجود قصد التخصيص ، فما ذكره القاري في (المرقاة) (1/ 448) عَنْ الطيبي أن:(الزيارة يوم السبت سُنَّة) ليس كما ينبغي.
وأذكر أنني قرأتُ عن بعض العلماء أنه ذهب إلى أن المراد من قوله في الحديث: (كل سبت) أي: كل أسبوع ، وأنه ليس المراد يوم السبت نفسه ، وقد احتج لذلك من اللغة بما لَا أستحضره ، ولا أذكر الآن في أي كتاب قرأت ذلك ، فمن وجده فليكتبه ، فإذا صح ذلك ، فلا دلالة حينئذ في الحديث على التخصيص قط ثم وقفتُ على من ذكر ذلك ، وهو الإمام أبو شامة الشافعي في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث) وقد ذكر فيه ما يوافق ما ذهبنا إليه من عدم جواز التخصيص ، وإليك كلامه في ذلك كله ، قال رحمه الله (ص 34): (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصَّها بها الشرع ، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان ، ليس لبعضها على بعض فضل ، إِلَّا ما فضَّله الشرع وخصه بنوع من العبادة ، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها ، كصوم يوم عرفة ، وعاشوراء ، والصلاة في جوف الليل ، والعمرة في رمضان.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضَّلا فيه جميع أعمال البر ، كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، فمثل ذلك يكون أيُّ عمل من أعمال البر حصل فيها ، كان له الفضل على نظيره في زمن آخر ، فالحاصل ، أن المكلف ليس له منصِب التخصيص ، بل ذلك إلى الشارع ، وهذه كانت صفة عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث (الصحيحين) عَنْ عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لَا يفطر ويفطر حتى نقول: لَا يصوم. وحديث علقمة قال: قلت لعائشة) بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهم سدد خطاكم رضي الله عنها رضي الله عنها صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم صلى الله عليه وسلم سدد خطاكم): هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص من الأيام شيئا؟ ، قالت: لَا ، كان عمله ديمة ثم قال: (قال محمد بن مسلمة: ولا يؤتى شيء من المساجد يُعتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة ، إِلَّا مسجد قباء ، قال: وكره أن يُعَدَّ له يوما بعينه فيؤتى فيه خوفا من البدعة ، وأن يطول بالناس زمان ، فيُجعل ذلك عيدا يعتمد ، أو فريضة تُؤخذ ، ولا بأس أن يؤتى كل حين ، ما لم تجئ فيه بدعة.
قلت: وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت ، ولكن معنى هذا أنه كان يزوره في كل أسبوع ، وعبَّر بالسبت عن الأسبوع ، كما يُعبَّر عنه بالجمعة ، ونظيره ما في (الصحيحين) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، قال فيه: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ، والله أعلم).
وكذلك الاستدلال بالحديث على جواز التخصيص المذكور ليس بجيد أيضا ، إِلَّا أن يكون المراد به التخصيص مراعاة للمصلحة ، لَا ترجيحا ليوم على آخر بدون نصٍّ من النبي صلى الله عليه وسلم مثال ذلك: تخصيص يومٍ للتدريس ، أو إلقاء محاضرة ليجتمع الناس لسماع ذلك ، فهذا لَا مانع منه ، لأن اليوم ليس مقصودا بالذات ، ولذلك ينتقل منه إلى غيره مرارا ، ملاحقة للمصلحة.
وهذا بخلاف تخصيص بعض الأيام ببعض العبادات ، بزعم أنها فيها أفضل منها في غيرها ، كتخصيص ليلة العيدين بالقيام والعبادة ، وتخصيص يومهما بالزيارة - أعني زيارة القبور - وتخصيص شهر ربيع الأول ، بقراءة قصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فكل هذا وأمثاله ، بدع ومنكرات ، يجب نبذها ، والنهي عنها ، ولذلك لما استدل النووي في (شرح مسلم) بالحديث على جواز التخصيص قال:(وكره ابن مسلمة المالكي ذلك ، ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث)
قلت: هذا بعيد ، والأقرب أنها بلغته ، ولكنه لم يفهم منها ما ذهب إليه النووي وغيره ، وقد بينَّا ما هو الحق عندنا في المسألة. والله أعلم.
(فائدة): قال شيخ الإسلام في (الفتاوى)(2/ 186): (ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لَا بأس بالسفر إلى المَشَاهِد ، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا ، ولا حجة لهم فيه ، لأن قباء ليس مشهدا ، بل مسجد ، وهي منهيٌّ عن السفر إليها باتفاق الأئمة ، لأن ذلك ليس بسفر مشروع ، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله ، لم يجز.
ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ، ثم ذهب منه إلى قباء ، فهذا يُستحب ، كما يُستحب زيارة قبور أهل البقيع ، وشهداء أحد).
قلت: ولهذا قلنا: (ولكن لَا يجوز أن يشد الرحل إليه للحديث السابق) وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تشد الرحال إِلَّا إلى ثلاثة مساجد. . . الحديث) وليس هذا منها ، تلك هي المساجد الأربعة التي جاء النص بتفضيلها على غيرها من المساجد فأما هذه ، فإنها سواء في الفضل ، وإن كان الأقدم منها أفضل ، لكونها أبعد عن أن تكون بنيت للإضرار والفخر والمباهاة ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وأما ما نقله ابن عابدين في (الحاشية)(1/ 14) عَنْ كتاب (أخبار الدول) بالسند إلى سفيان الثوري أن (الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة) فهو مع كونه موقوفا على سفيان الثوري ، فإنه لَا يصح عنه ، وهو منكر، وقد رواه ابن عساكر في (تاريخه) من طريق أحمد بن أنس بن مالك: أنبأنا حبيب المؤذن: أنبأنا أبو زياد الشعباني أو أبو أمية الشعباني قال: كنا بمكة ، فإذا رجل في ظل الكعبة ، وإذا هو سفيان الثوري ، فقال رجل: يا أبا عبد الله ، ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ ، قال: بمائة ألف صلاة ، قال: ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، قال: بخمسين ألف صلاة ، قال: ففي بيت المقدس؟ ، قال: بأربعين ألف صلاة ، قال: ففي مسجد دمشق؟ ، قال: بثلاثين ألف صلاة.
ثم رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن أحمد بن أنس فقال فيه: (عن أبي زياد وأبي أمية بغير شك)، وأيًّا ما كان ، فهذا سند ضعيف مجهول أبو زياد الشعباني الظاهر أنه خيار بن سلمة ، أبو زياد الشامي قال الحافظ في (التقريب):(مقبول من الثالثة) ، وأما قرينه أبو أمية الشعباني ، فهو يحمد - بضم التحتانية ، وسكون المهملة ، وكسر الميم ، وقيل: بفتح أوله والميم - وقيل: اسمه عبد الله ، قال الحافظ:(مقبول من الثانية) ، وأما أحمد بن أنس بن مالك ، وحبيب المؤذن ، فلم أجد من ترجمهما غير هذا الأخير ، فأورده ابن عساكر في ترجمه بقوله:(كان يؤذن في مسجدِ سوقِ الأحد) ، ولم يزد على ذلك ، وقد ساق له الذهبي في (الميزان) منكَرات ، منها ما رواه بسنده عن أنس مرفوعا:(ما من نبي يموت ، فيقيم في قبره إِلَّا أربعين يوما ، حتى يرد الله إليه روحه)، ثم قال:(مررت بموسى ليلة أسري بي ، وهو قائم يصلي بين عالية وعويلية) ، رواه ابن حبان ، وساق إسناده إليه ، وقال:(وهذا باطل موضوع). وأخرجه ابن الجوزي في (الموضوعات).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن (رجلين اختلفا في الصلاة في جامع بني أمية: هل هي بتسعين صلاة كما زعموا أم لَا؟ ، وقد ذكروا أن فيه ثلاثمائة نبي مدفون ، فهل ذلك صحيح أم لَا؟ ، وقد ذكروا أن النائم بالشام ، كالقائم بالليل بالعراق ، وذكروا أن الصائم المتطوع في العراق ، كالمفطر بالشام ، وذكروا أن الله خلق البَرَكة إحدى وسبعين جزءا ، منها جزء واحد بالعراق ، وسبعون بالشام ، فهل ذلك صحيح أم لَا؟)
فأجاب: (الحمد لله ، لم يرد في جامع دمشق حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم بتضعيف الصلاة فيه ، ولكن هو من أكثر المساجد ذكرا لله تعالى ، ولم يثبت أن فيه عدد الأنبياء المذكورين ، وأما القائم بالشام أو غيره ، فالأعمال بالنيات ، فإن المقيم فيه بنية صالحة ، فإنه يثاب على ذلك ، وكل مكان يكون فيه العبد أطوع لله ، فمقامه أفضل ، وقد جاء في فضل الشام وأهله أحاديث صحيحة ، ودلَّ القرآن على أن البركة فيه ، في أربعة مواضع ، ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه في غيره ، وفيه من ظهور الإيمان ، وقمع الكفر والنفاق ، ما لَا يوجد في غيره ، وأما ما ذُكِر من حديث الفطر والصيام ، وأن البركة إحدى وسبعون جزءا بالشام والعراق على ما ذُكِر ، فهذا لم نسمعه عن أحد من أهل العلم. والله أعلم). (الفتاوى)(1/ 311)
قلت: ولو ثبت أن فيه الأنبياء المذكورين ، فهو غير مستلزم لفضيلة قصد الصلاة فيه كما يتوهم بعض الناس ، بل هو منهي عنه أشد النهي ، لأنه من اتخاذ القبور مساجد ، وقد نُهِينا عن ذلك كما سبق.
ولذلك قال شيخ الإسلام أيضا رحمه الله في (الفتاوى)(4/ 310): (وما يفعله بعض الناس من تحرِّي الصلاة والدعاء عند ما يُقال: إنه قبر نبي ، أو قبر أحد من الصحابة والقرابة ، أو ما يقرب من ذلك ، أو إلصاق بدنه ، أو شيء من بدنه بالقبر ، أو بما يجاور القبر من عود وغيره ، كمن يتحرى الصلاة والدعاء في قبلي شرقي جامع دمشق ، عند الموضع الذي يقال: إنه قبر هود - والذي عليه العلماء أنه قبر معاوية بن أبي سفيان - أو عند المثال الخشب ، الذي يقال: تحته رأس يحيى بن زكريا ، ونحو ذلك ، فهو مخطئ مبتدع ، مخالف للسُّنة ، فإن الصلاة والدعاء بهذه الأمكنة ، ليس لها مزية عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ، ولا كانوا يفعلون ذلك ، بل كانوا يَنهون عن مثل ذلك ، كما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أسباب ذلك ودواعيه، وإن لم يقصدوا دعاء القبر، والدعاء به ، فكيف إذا قصدوا ذلك؟) ثم قال: (وأما الدعاء لأجل كون المكان فيه قبر نبي ، أو ولي ، فلم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن الدعاء فيه أفضل من غيره ، ولكن هذا مما ابتدعه بعض أهل القبلة ، مضاهاة للنصارى وغيرهم من المشركين ، فأصله من دين المشركين ، لَا من دين عباد الله المخلصين ، كاتخاذ القبور مساجد ، فإن هذا لم يستحبَّه أحد من سلف الأمة وأئمتها ، ولكن ابتدعه بعض أهل القبلة مضاهاة لمن لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى). أ. هـ