الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب في حسن أخلاقه
قال صالح: كان أبي إذا أراد الوضوء للصلاة، لم يدع أحدًا يستقي له الماء، كان هو يستقي بيده.
"السيرة" لصالح ص 35
قال علي بن المَدِيني: قال لي أحمد بن حنبل: إني لأحب أن أصحبك إلى مكة، وما يمنعني من ذاك إلا أني أخاف أن أَمَلَّك أو تَملَّني.
قال: فلما ودعته قلت له: يا أبا عبد اللَّه، توصيني بشيءٍ؟
قال: نعم أَلْزِمِ التقوى قلبك، وانصب الآخرة أمامك.
"حلية الأولياء" 9/ 173، "المناقب" لابن الجوزي ص 276
قال ابن هانئ: كنت عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد اللَّه قد اغتبتك فاجعلني في حل؛ قال: أنت في حل إن لم تعد.
فقلت له: تجعله في حل وقد اغتابك! قال: ألم ترني اشترطت عليه.
"حلية الأولياء" 9/ 174، "المناقب" لابن الجوزي ص 285
قال أبو حفص عمر بن صالح الطرسوسي: وقع من يد أبي عبد اللَّه أحمد ابن حنبل مقراض في البئر، فجاء ساكن له فأخرجه، فلما أن أخرجه ناوله أبو عبد اللَّه مقدار نصف درهم أو أكثر، فقال: المقراض يساوي قيراطًا لا آخذ شيئًا، فلما أن كان بعد أيام قال له: كم عليك من كرى الحانوت؟ قال كرى ثلاثة أشهر، وكراؤه في كل شهر ثلاثة دراهم، فضرب على حسابه، وقال: أنت في حل.
"حلية الأولياء" 9/ 179، "تاريخ دمشق" 5/ 303، "المناقب" ص 305، "سير أعلام النبلاء" 11/ 219
قال عبد اللَّه: حدثني أبو معمر القطيعي قال: لما حضرنا في دار السلطان أيام المحنة، وكان أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل قد أحضر، فلما رأى الناس يجيئون انتفخت أوداجه واحمرت عيناه وذهب ذلك اللين الذي كان فيه.
قلت: إنه قد غضب للَّه.
قال أبو معمر: فلما رأيت ما به قلت: يا أبا عبد اللَّه أبشر، وقد حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان، عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف قال: كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من إذا أريد على شيء من دينه رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون.
"حلية الأولياء" 9/ 194، "المناقب" لابن الجوزي ص 388، "المحنة" لعبد الغني المقدسي ص 76، "سير أعلام النبلاء" 11/ 238، "المنهج الأحمد" 1/ 101
قال يحيى بن معين: ما رأيت خيرًا من أحمد بن حنبل قط، ما افتخر علينا قط بالعربية ولا ذكرها.
"تاريخ بغداد" 4/ 414، "تاريخ دمشق" 5/ 257، "تهذيب الكمال" 1/ 444، "الجوهر المحصل" ص 5
قال يحيى بن معين: ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب، قط.
"تاريخ دمشق" 5/ 258، "تهذيب الكمال" 1/ 444
قال رجاء بن السندي: قلت لأحمد بن حنبل، وقد عقد شراك نعله شبه التصليب: يا أبا عبد اللَّه إن هذا يكره، قال: فدعا بالسكين فقطعه، وما قال لي كيف، ولا لم.
"تاريخ دمشق" 5/ 302
قال المروذي: قلت لأَبي عبد اللَّه: إن رجلًا قال لي: إنه من بلاد الترك إلى هاهنا يدعون لك فكيف تؤدي شكر ما أنعم اللَّه عليك وما بث لك في الناس؟ فقال: أسأل اللَّه أن لا يجعلنا مرائين.
"المناقب" لابن الجوزي ص 196 - 197، "سير أعلام النبلاء" 11/ 312
قال المروذي: ثنا محمد بن الحسن البخاري قال: سمعت محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي قال: ما رأيت أحدًا في عصر أحمد ممن رأيت أجمع منه ديانة وصيانة وملكًا لنفسه، وطلقًا لها وفقهًا وعلمًا، وأدب نفس، وكرم خلق، وثبات قلب، وكرم مجالسة، وأبعد من التماوت.
"المناقب" لابن الجوزي ص 276، "الجوهر المحصل" ص 16
قال حنبل: رأيت أبا عبد اللَّه أحمد إذا أراد القيام قال لجلسائه: إذا شئتم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 277، "سير أعلام النبلاء" 11/ 213
قال أبو الحسين بن المنادي: سمعت جدي يقول: كان أحمد من أحيا الناس وأكرمهم نفسًا وأحسنهم عشرة وأدبًا كثير الإطراق والغض، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بشَّ به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا، وكانوا يكرمونه ويعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن مَعين ما لم أره يفعل بغيره من التواضع والتبجيل، وكان يحيى أكبر منه بنحو سبع سنين.
"المناقب" لابن الجوزي ص 277، "سير أعلام النبلاء" 11/ 317، "المنهج الأحمد" 1/ 96
قال عبد اللَّه: كان أبي إذا دخل من المسجد إلى البيت، يضرب برجله قبل أن يدخل الدار حتى يسمعوا صوت نعله، وربما تنحنح ليعلم من في الدار بدخوله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 277، "سير أعلام النبلاء" 11/ 318
قال مُهَنا: رأيت أبا عبد اللَّه غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس، رأيته كثيرا يُقَبِّل وجهُه ورأسُه وخدُّه ولا يقول شيئًا، ولا يمتنع من ذلك، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل جبهته ورأسه، ورأيته لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه، ورأيت يعقوب بن إبراهيم بن سعد يقبل جبهته ووجهه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 278، "سير أعلام النبلاء" 11/ 318
قال الخلال: قلت لزهير بن صالح بن أحمد: هل رأيت جدك؟ قال: نعم، وكان لي نحوًا من ثمان سنين، ومات وقد دخلت في عشر سنين.
فقلت له: هل تذكر من أخلاقه شيئًا؟
قال: كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان بيننا وبينه باب مفتوح، فكان يكتب لكل واحد مِنَّا حبتين حبتين من فضة في رقعة
إلى فَامِيِّ (1) يعامله فنأخذ منه الحبتين ونأخذ للأخوات، وكان ربما مررتُ به وهو قاعد في الشمس وظهره مكشوف وأثر الضرب بيّن في ظهره، وكان لي أخ أصغر مني اسمه عليّ ويكنى أبا حفص، فأراد أبي أن يختنه فاتخذ له طعامًا كثيرًا ودعا قومًا، فلما أراد أن يختنه وجّه إلى جدي فدعاه، قال أبي: قال لي: بلغني ما قد أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك قد أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم، فلما أن كان من الغدِ وحضر الحجام وحضر أهلنا، دخل أبي إلى جدي فأعلمه أن الحجام قد جاء، فجاء جدي معه حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وخُتن وهو جالس فأخرج صرَيرَةً فدفعها إلى الحجام، وصرَيْرَة إلى الصبي، وقام فدخل منزله، فنظر الحجام إلى الصريرة فإذا فيها درهم واحد، ونظرنا إلى صرة الصبي فإذا فيها درهم، وكنا قد رفعنا كثيرًا ما قد افترش، وكان الصبي على منصة مرتفعة على شيءٍ من الثياب المصبغة، فلم ينكر من ذلك شيئًا، قال: فقدم علينا من خراسان ابن خالةِ جدّي فنزل على أبي، وكان يكنى بأبي أحمد، فلما كان يوم من الأيام وقد صلينا المغرب، قال لي أبي: خذ بيد أبي أحمد فامض به إلى جدك، فدخلت على جدي وهو قائم يصلي بعد المغرب فجلست، فلما فرغ من ركوعه قال لي: جاء أبو أحمد؟ قلت: نعم. قال: قل له يدخل. فقمت إلى أبي أحمد فدخل معي فجلس، فصاح بامرأة كانت تخدمه مَسْبِيَّة من سَكَانه، فجاءت بطبق خِلَافٍ وعليه خبز وبقل وخَلّ ومَلح، ثم جاءت بغضارة من هذِه الغلاظ فوضعتها بين أيدينا، وإذا فيها مصليّة فيها لحم وسلق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل.
(1) الفامي: هو بائع الفوم وهو الزَّرع أو الحِنْطة، وأزْدُ الشَّراة يُسمون السُّنْبُل فُومًا، الواحدة فُومة، وقال بعضهم: الفُومُ الحمّص. "لسان العرب" مادة [فوم].
معنا، ويسأل أبا أحمد عمن بقي من أهلهم بخراسان في خلال ما يأكل، وكان ربما استعجم الشيء على أبي أحمد بالعربية فيكلمه جدي بالفارسية، وكان في خلال ذلك ونحن نأكل يضع القطعة اللحم بين يدي أبي أحمد، ثم رَفَع الغضارة بيده فوضعها ناحية، ثم أخذ طبقا إلى جنبه فوضعه بين أيدينا على الطبق، فإذا فيه تمر برني وجوز مكسّر، وجعل يأكل ونأكل وفي خلال ذلك يناول أبا أحمد، ثم غسلنا أيدينا كل واحد منا يغسل يده لنفسه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 278، "سير أعلام النبلاء" 11/ 217
قال عبدوس العطار: وجهت بابني مع الجارية يسلم على أبي عبد اللَّه، فرحب به وأجلسه في حجره وساءَله، وأرسل فاتخذ له خبيصًا فجاءَ به فوضعه بين يديه وجعل يبسطه، وقال للجارية: كلي معه. ثم قام إلى بعض الفامِيِّين فجاءَ وفي ثوبه لوز وسكر، وأخرج منديلًا فشده فيه، ثم دفعه إلى الخادم وقال للصبي: اقرأ على أبي محمد السلام.
"المناقب" لابن الجوزي ص 280، "سير أعلام النبلاء" 11/ 318
قال المروذي: رأيت أبا عبد اللَّه قد ألقى لختَّان درهمين في الطست.
"المناقب" لابن الجوزي ص 280، "سير أعلام النبلاء" 11/ 213
قال الميموني: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد اللَّه عن الشيءِ، فيقول: لبيك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 280، "سير أعلام النبلاء" 11/ 218
قال المرُّوذي: كان أبو عبد اللَّه لا يجهل، وإن جُهِل عليه احتمل وحلم، ويقول: يكفي اللَّه. ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة، فكانوا يجيئون إلى أبي عبد اللَّه فلا يظهر لهم ميله مع عمه، ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلسه، مائلًا إليهم مقصرًا عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر
للفتيا لا يتكلم حتى يُسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر، يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس ويكرم جليسه، وكان حسن الخلق دائم البشر لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، وكان يحب في اللَّه ويبغض في اللَّه، وكان إذا أحب رجلًا أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه، ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم أو إثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله، وكان رجلًا فطنًا إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، يغضب للَّه ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، وكان حسن الجوار يؤذى فيصبر ويحتمل الأذى من الجار، ولقد أخبرني بعض جيرانه، ممن بينه وبينه حائط قال: كان لي برج فيه حمام، وكان يشرف على أبي عبد اللَّه، فكنت أصعد وأنا غلام أشرف عليه، فمكث على ذلك صابرًا لا ينهاني، فبينا أنا يومًا إذ صعد عمي فنظر إلى البرج مشرفًا على أبي عبد اللَّه فقال: ويحك، أما تستحي أن تؤذِي أبا عبد اللَّه؟ قلت له: فإنه لم يقل لي شيئًا. قال: فلست أبرح حتى تهب لي هذِه الطيور، فما برح حتى وهبتها له فذبحها وهدم البرج.
"المناقب" لابن الجوزي ص 280، "سير أعلام النبلاء" 11/ 218، 220
قال هارون بن سفيان المستملي: جئت إلى أحمد بن حنبل حين أراد أن يفرق الدراهم التي جاءَته من المتوكل قال: فأعطاني مائتي درهم، فقلت: لا تكفيني. قال: ليس هاهنا شيء غيرها، ولكني أعمل بك شيئًا، أعطيك ثلاثمائة درهم تفرقها.
قال: فلما أخذتها قلت: يا أبا عبد اللَّه، ليس واللَّه أعطي أحدًا منها شيئًا،
فتبسم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 281، "سير أعلام النبلاء" 11/ 221، "المنهج الأحمد" 1/ 97
قال عبد اللَّه: سئل أبي: لم لا تصحب الناس؟ قال: لوحشة الفراق.
"المناقب" لابن الجوزي ص 282، "سير أعلام النبلاء" 11/ 318
قال إبراهيم الحربي: كان يأتي العرس والإملاك والختان، يجيب ويأكل، وسمعت أحمد بن حنبل يقول لأحمد بن حفص الوكيعي: يا أبا عبد الرحمن، إني لأحبك، حدثنا يحيى، عن ثَوْر، عن حبيب بن عبيد، عن المقدام، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه"(1).
"المناقب" لابن الجوزي ص 282، "سير أعلام النبلاء" 11/ 226، 319، "المنهج الأحمد" 1/ 97
قال هارون بن عبد اللَّه الحمال: جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدق الباب عليّ، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت إليه فمساني ومسيته، قلت: حاجة يا أبا عبد اللَّه؟ قال: نعم، شغلت اليوم قلبي.
قلت: بماذا يا أبا عبد اللَّه؟ قال: جزت عليك وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس.
"المناقب" لابن الجوزي ص 283
قال محمد بن داود المصِّيصي: كنا عند أحمد بن حنبل وهم يذكرون الحديث، فذكر محمد بن يحيى النيسابوري حديثا فيه ضعف، فقال له أحمد بن حنبل: لا تذكر مثل هذا الحديث. فكأن محمد بن يحيى دخله خجلة، فقال له أحمد: إنما قلت هذا إجلالًا لك يا أبا عبد اللَّه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 283
قال ابن هانئ: كنا عند أبي عبد اللَّه في منزله ومعنا المرُّوذي ومُهنَأ بن
(1) رواه الإمام أحمد 4/ 130، وأبو داود (5124)، والترمذي (2392)، والبخاري في "الأدب المفرد"(542). كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن ثور به. وصححه الألباني في "الصحيحة"(417).
يحيى الشامي، فدقَّ الباب وقال: المرُّوذي هاهنا؟ وكان المرُّوذي كره أن يعلم موضعه، فوضع مُهَنَّأُ بن يحيى أُصبعه في راحته وقال: ليس المرُّوذي هاهنا، وما يصنع المرُّوذي هاهنا؟ فضحك أحمد ولم ينكر ذلك.
"المناقب" لابن الجوزى ص 284، "سير أعلام النبلاء" 11/ 319، "المنهج الأحمد" 1/ 97
قال أبو علي الحسين بن عبد اللَّه الخرقي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أحللت المعتصم من ضربي.
"المناقب" لابن الجوزي ص 285
قال محمد بن إبراهيم الصرام: ثنا إبراهيم بن إسحاق: أن المتوكل أخذ العلوي الذي سعى بأبي عبد اللَّه إلى السلطان وأرسله إلى أبي عبد اللَّه ليقول فيه مقالة للسلطان، فعفا عنه وقال: لعله يكون له صبيان يحزنهم قتله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 285
قال حنبل: صليت بأبي عبد اللَّه العصر، فصلى معنا رجل يقال له: محمد ابن سعيد الختلي، فقال لأبي عبد اللَّه: يا أبا عبد اللَّه، نهيت عن زيد ابن خلف أن يُكلم؟ فقال أبو عبد اللَّه: كتب إليّ أهل الثغر يسألونني عن أمره فأخبرتهم بمذهبه وبما أحدث، وأمرتهم أن يُجالسوه.
فاندفع الختلي على أبي عبد اللَّه فقال: واللَّه لأردنك إلى محبسك، ولأَدقَّنَّ أَضلاعك ضلعًا ضلعًا. .، في كلام كثير، فقال لي أبو عبد اللَّه: لا تكلمه ولا تجبه بشيءٍ، فما رد عليه أحد منا كلمة، فأخذ أبو عبد اللَّه نعليه وقام فدخل وقال: مر السكان أن لا يكلموه ولا يردوا عليه شيئًا، فما زال يصيح، ثم خرج، فصار على حِسْبَة العسكر ومات بالعسكر.
"المناقب" لابن الجوزي ص 286، "سير أعلام النبلاء" 11/ 221
قال المروذي: سمعت أبا بكر بن حماد المقرئ قال: حدثني أبو ثابت الخطاب، قال: حدثني بلال الآجري قال: صحبت أبا عبد اللَّه ونحن راجعون من الجامع فذكرت أبا حنيفة، فقال بيده هكذا ونفضها، فقلت:
كان بول أبي حنيفة أكثر من ملء الأرض مثلك، فنظر إليّ ثم قال: سلام عليكم.
فلما كان في السحر بكَّرتُ إليه فقلتُ: يا أبا عبد اللَّه، إن الذي كان مني كان على غير تعمُّد، فأنا أحب أن تجعلني في حل؛ فقال: ما زالت قدماي من مكانهما حتى جعلتك في حل.
"المناقب" لابن الجوزي ص 286
قال إبراهيم الحربي: كان أحمد بن حنبل كأنه رجل قد وفِّق للأدب، وسُدِّد بالحلم، ومُلِيءَ بالعلم، أتاه رجل يومًا فقال له: عندك كتاب زندقة؟ فسكت ساعة ثم قال له: إنما يحرز المؤمن قبره.
وقال له رجل: يقولون: إنك لم تسمع من إبراهيم بن سعد، فسكت.
وكنا يومًا عند داود بن عمرو فقال له داود: يا أبا عبد اللَّه كيف أكلك؟ كيف نومك؟ كيف جماعك؟ فقال له أحمد: ليس أنا بحصور ولا روحاني، ولم يزده على ذلك.
"المناقب" ص 287، "الآداب الشرعية" 2/ 8، "الجوهر المحصل" ص 17.
قال عبد اللَّه: قال أبو سعيد بن أبي حنيفة المؤدب: كنت آتي أباك فربما أعطاني الشيء وقال: أعطيتك نصف ما عندنا، فجئت يومًا فأطلت القعود، فخرج ومعه أربعة أرغفة فقال: يا أبا سعيد هذا نصف ما عندنا.
فقلت: يا أبا عبد اللَّه هذِه الأرغفة أحب إلي من أربعة آلاف من غيرك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 305، "سير أعلام النبلاء" 11/ 218
قال يحيى بن هلال الوراق: جئت إلى محمد بن عبد اللَّه بن نمير فشكوت إليه، فأخرج إلي أربعة دراهم أو خمسة دراهم، وقال: هذا نصف ما أملك.
وجئت مرة إلى أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل فأخرج إليَّ أربعة دراهم وقال: هذِه جميع ما أملك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 306
قال هارون المستملي: لقيت أحمد فقلت: ما عندنا شيء، فأعطاني خمسة دراهم وقال: ما عندنا غيرها.
"المناقب" ص 306، "سير أعلام النبلاء" 11/ 219
قال المروذي: رأيت أبا عبد اللَّه قد وهب لرجل قميصه، كان أبو عبد اللَّه ربما واسى من قوته، وجاءَه أبو سعيد الضرير فشكى إليه فقال له: يا أبا سعيد، ما عندنا إلا هذا الجذع. فجيء بحمال يحمله.
قال: فأخذت الجذع فبعته بتسعة دراهم ودانقين، وكان أبو عبد اللَّه شديد الحياء، كريم الأخلاق، يعجبه السخاء.
"المناقب" لابن الجوزي ص 306، "سير أعلام النبلاء" 19/ 219
قال المروذي: حدثني أبو محمد النسائي جعفر بن محمد قال: قال لي أبو عبد اللَّه -يوم عيد: ادخل، فدخلت فإذا مائدة وقصعة على الخوان وعليها عراق وقدر إلى جانبه، فقال لي: كُلْ، فلما رأى ما بي قال: إن الحسن كان يقول: واللَّه لتأكلن، وكان ابن سيرين يقول: إنما وضع الطعام ليؤكل، وكان إبراهيم بن أدهم يبيع ثيابه وينفقها على أصحابه، وكانت الدنيا أهون عليه من ذاك، وأومأ إلى جذع مطروح، فانبسطت وأكلت.
"المناقب" لابن الجوزي ص 306
قال علي بن يحيى: صليت الجمعة إلى جنب أحمد بن حنبل، فلما سلم الإمام قام سائل يسأل الناس، فأخرج أحمد قطعة فدفعها إليه، فقال له رجل: ناولني قطعتك ولك بها درهم، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهمًا، فقال له السائل: لا أعطيك إني لأرجو فيها ما ترجو.
"المناقب" لابن الجوزي ص 307
قال المروذي: كنت مع أبي عبد اللَّه في طريق العسكر، فنزلنا منزلنا فأخرجت رغيفًا ووضعت بين يديه كوز ماء، فإذا بكلب قد جاءَ فقام بحذائه، وجعل يحرك ذنبه، فألقى إليه لقمة، وجعل يأكل ويلقي إليه لقمة، فخفت أن يضر بقوته، فقمت فصحت به؛ لأُنحيه من بين يديه، فنظرت إلى أبي عبد اللَّه قد احمرَّ وتغير من الحياء وقال: دعه، فإنَّ ابن عباس
قال: لها أنفس سُوء (1).
"المناقب" لابن الجوزي ص 307
قال صالح: أن رجلا أَهدى إلى أبيه فاكهة فبعث إليه ثوبًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 308
قال المروذي: رأيت أبا عبد اللَّه وقد أهدى إليه إنسان ماءَ زمزم فأرسل إليه سويقًا وسكرًا، وأمرني أن أشتري لإنسان هدية بقريب من خمسة دراهم وقال: اذهب إلى صبيانه فإنه قد وهب لسعيد شيئًا.
"المناقب" ص 308
قال ابن هانئ: أهدى جوين -جار لأبي عبد اللَّه- إلى أبي عبد اللَّه شيئًا من جوز وزبيب وتين في قصعة ما يساوي ثلاثة دراهم أو أقل، فأعطاني أبو عبد اللَّه دينارًا وقال: اذهب فاشتر بعشرة دراهم سكرًا وبسبعة دراهم تمرًا، واذهب به إليه في الليل. ففعلت.
"المناقب" لابن الجوزي ص 308
قال ابن هانئ: قال أبي: قدم رجل من سَمَرْقَنْد وكتب له عبد اللَّه بن عبد الرحمن إلى عبد اللَّه فجعل له مجلسًا، فأهدى يومًا إلى أبي عبد اللَّه ثوبًا، فأعطاه أبو عبد اللَّه لأبي فقال: اذهب به إلى السوق فقوّمه، قال أبي: فذهبت إلى قطيعة البيع فقومته نيفًا وعشرين درهمًا، فرجعت فقلت له، فحجبه أبو عبد اللَّه حتى اشترى له ثوبين ومقنعتين، أو ثوبًا ومقنعة، وبعث به إليه، ثم أذن له فحدثه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 309
قال حنبل: كان لأبي عبد اللَّه صديق يقال له: محفوظ، خرج معه إلى عبد الرزاق، وكان بينهما مودة، فما شعرت يومًا إلا ورسوله قد جاء معه خلال برني، فدخلت إلى أبي عبد اللَّه فقلت له، فقبله، ثم بعث إليه أبو عبد اللَّه بثوب، فجاء فقال: يا أبا عبد اللَّه عَمَمْتَني، فقال: وأنت عَمَمْتَني أيضًا فيما بعثت به إلينا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 309
(1) لم أجده.
قال أبو داود: أشبه عطف أحمد بن حنبل وسمته وحسن خلقه وحفظه جوارحه بالأنبياء عليهم السلام.
"المحنة" لعبد الغني المقدسي ص 154
قال أحمد بن سنان: بُعث إلى أحمد بن حنبل حيث كان عندنا أيام يزيد جوز ونبق كثير، فقبل، وقال لي: كل هذا.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 210
قال ابن وارة: أتيت أحمد، فأخرج إلي قدحًا فيه سويق، وقال: اشربه.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 302
قال عبد اللَّه بن محمد الوراق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال: من أين أقبلتم؟
قلنا: من مجلس أبي كريب؛ فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح.
فقلنا: إنه يطعن عليك؛ قال: فأي، شيء حيلتي، شيخ صالح قد بلي بي.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 317
قال الميموني: كان أبو عبد اللَّه حسن الخلق، دائم البشر، يحتمل الأذى من الجار.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 318
قال المروذي: كان أبو عبد اللَّه لا يدع المشورة إذا كان في أمر، حتى إن كان ليشاور من هو دونه، وكان إذا أشار عليه من يثق به، أو أشار عليه من لا يتهمه من أهل النسك من غير أن يشاوره، قبل مشورته، وكان إذا شاوره الرجل اجتهد له رأيه وأشار عليه بما يرى من صلاح.
"الآداب الشرعية" 1/ 342