الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب في زهده وورعه
قال صالح: وكان ربما خرج إلى البقال، يشتري الحزمة من الحطب والشيء فيحمله.
"السيرة" لصالح ص 35
قال صالح: وولد لي مولود فأهدى لي صديق شيئًا، ثم أتى على ذلك أشهر، وأراد الخروج إلى البصرة، فقال لي: تكلم أبا عبد اللَّه يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة. فقال: لولا أنه أهدى إليك، كتبت له، لست أكتب له.
وأهدى إليه رجل وُلدَ له مولود خوانَ فالوذج، فأهدى إليه سكرًا بدراهم صالحة. وأكل يومًا في منزلي، فأخذ لقمة فناولها الخادم.
وكان قديمًا قبل أن نأخذ من السلطان يأكل عندنا، وربما وجهنا بالشيء فيأكل منه.
ودخل يومًا إلى منزلي، وقد غيرنا سقفًا لنا، فدعاني ثم أملى علي حديث الأحنف بن قيس، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن قال: قدم الأحنف بن قيس من سفر، وقد غير أسقف بيته حمر وشقاشق وخضروها، فقالوا له: أما ترى إلى سقف بيتك؟ فقال: معذرة إليكم، إني لم أره، لا أدخله حتى تغيروه.
واعتللت من عيني ليلة فلم يزل عندي، فقلت: اللهم إني أسألك الصبر؛ فقال: سل اللَّه العافية، فإن الصبر إنما يكون مع البلاء.
وكان كتب إلى إسحاق بن راهويه، فكتب إلي إسحاق: إن الأمير عبد اللَّه ابن طاهر وجه إلي، ودخلت عليه، وفي يدي كتاب أبي عبد اللَّه فقال: ما هذا الكتاب؟ فقلت: كتاب أحمد بن حنبل، فقال: هاته، فأخذه فقرأه. وقال: إني لأحبه، وأحب حمزة بن الهيصم البوشنجي، لأنهما لم يختلطا بأمر السلطان، ثم قال: لست آمنك على هذا الكتاب وأخذه، فوضعه تحت مصلات، فقرأت
كتاب إسحاق على أبي فأمسك عن الكتاب إليه.
وكان يتنور في البيت إلا أنه قال لي يومًا، وكان يوما شتويًا: أريد أدخل الحمام بعد المغرب، فقل لصاحب الحمام. فقلت لصاحب الحمام، فلما كان المغرب، فقال: ابعث إليه أني قد ضربت عن الدخول، وتنور في البيت.
واشتريت جارية فشكت إليه أهلي، فقال: كنت أكره لهم الدنيا، وكان ربما بلغني عنكما الشيء. فقالت له: يا عم، ومن يكره الدنيا غيرك؟ ! فقال لها: فشأنك إذن.
"السيرة" لصالح ص 40 - 42
قال صالح: دخلت يوما على أبي أيام الواثق، واللَّه يعلم في أي حالة نحن، وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبد يجلس عليه قد أتى عليه سنون كثيرة حتى قد بلي، فإذا تحته كتاب كاغد، وإذا فيه: بلغني يا أبا عبد اللَّه ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهتُ إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك، وتوسع على عيالك، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي، فقرأت الكتاب، ووضعته، فلما دخل قلت له: يا أَبَت، ما هذا الكتاب؟ فاحمر وجهه، وقال: رَفَعْتُهُ منك. ثم قال: تذهب بجوابه؟ فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إليّ ونحن في عافية، فأما الدَّيْنُ فإنه لرجل لا يُرهقنا، وأما عيالنا فهم في نعمة اللَّه والحمد للَّه، فذهبتُ بالكتاب إلى الرجل الذي كان أَوصل كتاب الرجل، فقال: ويحك، لو أن أبا عبد اللَّه قبل هذا الشيء ورمى به مثلا في دجلة كان مأجورًا؛ لأن هذا الرجل لا يفوت له معروف، فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فرد عليه الجواب بمثل ما رد، فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت (1).
(1) ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" 10/ 778 من رواية عبد اللَّه.
قال صالح: وشهدت ابن الجروي أخا الحسن وقد جاءه بعد المغرب فقال: أنا رجل مشهور، وقد أتيتك في هذا الوقت وعندي شيء قد أعددته لك فأحب أن تقبله وهو ميراث، فلم يزل به، فلما أكثر عليه قام ودخل.
قال صالح: فأخبرت عن الحسن قال: قال لي أخي لما رأيته: كلما ألححت عليه ازداد بُعدًا، قلت: أخبروه كم هي، قال: قلت: يا أبا عبد اللَّه، هي ثلاثة آلاف دينار. فقام وتركني.
قال صالح: قال لي يومًا أنا إذا لم تكن عندي [قطعة] أفرح.
وقال له أبو محمد فُوران: عندي خف أبعث به إليك؟ فسكت، فلما عاد إليه أبو محمد قال: يا أبا محمد، لا تبعث بالخف فقد شغل قلبي علي.
ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين فيهم يحيى وغيره، ووجه بقمطر إلى أبي فردّه.
وقال أبي: جاءني ابن يحيى بن يحيى، وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجل يشبه يحيى بن يحيى، فجاءني ابنه فقال: إن أبي أوصى بمبطنة له لك وقال: يذكرني بها. فقلت: جئني بها: فجاء برزمة ثياب، فقلت له: اذهب رحمك اللَّه -يعني ولم يقبلها.
وقلت لأبي: بلغني أن أحمد بن الدورقي أعطي ألف دينار فقال: أي بني {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]. ذكر يومًا عنده رجل فقال: يا بني الفائز من فاز غدًا، ولم يكن لأحد عنده تبعة.
وذكرت له ابن أبي شيبة وعبد الأعلى النَّرْسي ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين؛ فقال: إنما كانت أيامًا قلائل ثم تلاحقوا، وما تخولوا منها بكثير شيءٍ.
وجئت يومًا إلى المنزل فقيل لي: قد وجه أبوك أمس في طلبك. فقلت: وجهت في طلبي. فقال: جائني أمس رجل كنت أحب أن تراه، بينما أنا قاعد
في نحر (*) الظهيرة، إذا برجل يسلم بالباب، فكأن قلبي ارتاح له، فقمت ففتحت الباب، فإذا أنا برجل عليه فروة وعلى أم رأسه خرقة ما تحت فروه قميص، ولا معه ركوة ولا جراب، ولا عكاز، قد لوحته الشمس. فقلت: ادخل. فدخل للدهليز. فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق، أريد بعض هذِه السواحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد إلا أني نويت السلام عليك.
قلت: على هذِه الحال؟ قال: نعم، ثم قال لي: ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل.
قال: فجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي: وما عندي ذهب ولا فضة، فدخلت البيت، فأخذت أربعة أرغفة، فخرجت إليه، فقلت: ما عندي ذهب ولا فضة، وإنما هذا من قوتي. قال: أو يسركِ يا أبا عبد اللَّه أن أقبل ذلك؟ قال: قلت: نعم. قال: فأخذها، فوضعها تحت حضنه، وقال: أرجو أن تكفيني زادًا إلى الرقة، أستودعك اللَّه، قال: فلم أزل قائمًا أنظر إليه إلى أن خرج من الزقاق، وكان يذكره كثيرا.
قال صالح: وكنت أسمع أبي كثيرًا يقول: اللَّهم سلِّم سلِّم.
وكان أبي: إذا دعا له رجل، يقول: ليس يحرز المؤمن إلا حفرته، الأعمال بخواتيمها.
وكان رجل يختلف مع خلف المخرمي إلى عفان يقال له: أحمد بن الحكم العطار، فختن بعض ولده، فدعا أبي وأبا خثيمة وجماعة من أصحاب الحديث، وطلب إلى أبي أن يحضر، فمضوا، ومضى أبي بعدهم وأنا معه، فلما دخل أجلس في بيت ومعه جماعة من أصحاب الحديث، فمن كان يختلف معه إلى عفان، فكان فيهم رجل يكنى بأبي بكر، يعرف بالأحول، فقال: يا أبا عبد اللَّه: هاهنا آنية من فضة، والتفت فإذا كرسي،
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نص المؤلفون في الملاحق على تصويبها إلى ((نحو الظهيرة))، والمثبت هو الصواب والتصويب في الملحق غلط، فإنها صحيحة لا إشكال فيها، وهي هكذا في المراجع التي أوردت الخبر، والله أعلم
فقام وخرج وتبعه من كان في البيت. وسأل من كان في الدار عن خروجه فأخبر، واتبعته معهم جماعة، وأخبر الرجل فخرج إلى أبي، فحلف أنه ما علم بذلك، ولا أمر به، فجعل يطلب إليه فأبى. وجاء عفان فقال له الرجل: يا أبا عثمان، اطلب إلى أبي عبد اللَّه أن يرجع فكلمه عفان، فأبى أن يرجع، فنزل بالرجل أمر عظيم (1).
"السيرة" لصالح ص 43 - 47
قال صالح: [لما قدم أبي من عند المتوكل](2) ومكث قليلا، قال لي: يا صالح، قلت: لبيك، قال: أحب أن تدع هذا الرزق فلا تأخذه ولا توكل فيه أحدًا، فقد علمت أنكم إنما تأخذونه بسببي. فسكتُّ. فقال: ما لك؟ فقلت: أكره أن أعطيك شيئًا بلساني وأخالف إلى غيره فأكون قد كذبتك ونافقتك وليس في القوم أكثر عيالًا مني ولا أعذر، وقد كنت أشكو إليك فتقول: أمرك منعقد بأمري، ولعل اللَّه أن يحل عني هذِه العقدة، ثم قلت: وقد كنت تدعو لي فأرجو أن يكون اللَّه عز وجل قد استجاب لك، قال: ولا تفعل؟ قلت: لا! قال: قم فعل اللَّه بك وفعل، فأمر بسدّ الباب بيني وبينه، فتلقاني عبد اللَّه فسألني فأخبرته. فقال: ما أقول؟ قلت: ذاك إليك، فقال له مثل ما قال لي، فقال: لا أفعل، فكان منه إليه نحو ما كان منه إلي، فلقينا عمه فقال: لو أردتم أن تقولوا له، وما علمه إذا أخذتم شيئًا، فدخل عليه فقال: يا أبا عبد اللَّه، لست آخذ شيئًا من هذا، فقال: الحمد للَّه، وهجرنا وسدَّ الأبواب بيننا وبينه، وتحامى منزلنا أن يدخل منه إلى منزله شيء، فلما مضى نحو من شهرين كتب لنا بشيء فجيء به إلينا، فأول من
(1) وانظر: "حلية الأولياء" لأبي نعيم 9/ 178 - 179، "المناقب" لابن الجوزي ص 299 - 300، "سير أعلام النبلاء" 11/ 208 - 209.
(2)
في "السيرة": فما انحدر إلى بغداد. والمثبت من "المناقب" لابن الجوزي ص 465.
جاء عمه فأخذ، فأخبر فجاء إلى الباب الذي كان سده بيني وبينه وقد كان فتح الصبيان كوة، فقال: ادعوا لي صالحًا، فجاءَ الرسول وقلت له: لست أجيء، فوجه إليّ لم لا تجيء؟ فقلت: قل له هذا الرزق يرتزقه جماعة كثيرة، وإنما أنا واحد منهم وليس فيهم أعذر مني، وإذا كان توبيخ خُصصْتُ به أنا! فمضى، فلما نادى عمه بالأذان خرج، فلما خرج، قيل لي: إنه قد خرج إلى المسجد، فجئت حتى صرت في موضع أسمع فيه كلامه، فلما فرغ من الصلاة التفت إلى عمه. ثم قال له: نافقتني وكذبتني وكان غيرك أعذر منك، زعمت أنك لا تأخذ من هذا شيئًا ثم أخذته وأنت تستغل مائتي درهم وعمدت إلى طريق المسلمين تستغله، إنما أنا أشفق أن تطوق يوم القيامة بسبع أرضين، أخذت هذا الشيء بغير حقه، فقال: قد تصدقت، قال: تصدقت بنصف درهم، ثم هجره وترك الصلاة في المسجد، وخرج إلى مسجد خارج يصلي فيه.
قال صالح: ثم كُتب لنا بشيء فبلغه، فجاء إلى الكوة التي في الباب فقال: يا صالح انظر ما كان للحسن علي فاذهب به إلى فُوران حتى يتصدق به في الموضع الذي أخذ منه.
فقلت: ما علم فوران من أي موضع أخذ هذا؟
فقال: افعل ما أقول لك، فوجهت بما كان أصابهما إلى فوران، وكان إذا بلغه أنا قبضنا شيئًا طوى تلك الليلة فلم يفطر، ثم مكث أشهرًا لا أدخل عليه، ثم فتح الصبيان الباب ودخلوا غير أنه لا يدخل إليه من منزلي شيء.
ثم وجهت إليه: يا أَبَت قد طال هذا الأمر، اشتقت إليك، فسكت فدخلت فأكببت عليه وقلت له: يا أَبَت تدخل على نفسك هذا الغم؟ فقال: يا بني ما لا أملكه. ثم مكثنا مدة لم نأخذ شيئًا، ثم كُتب لنا بشيءٍ فقبضناها، فلما بلغه هجرنا أشهرًا، فكلمه فُوران ووجَّه إليَّ فدخلت فقال
له: يا أبا عبد اللَّه، صالح وحبك له، فقال: يا أبا محمد واللَّه لقد كان أعز الخلق عليَّ وأي شيءٍ أردت له إلا ما أردت لنفسي، فقلت له: يا أَبَت ومن رأيت أنت أو من لقيت قوي على ما قويت أنت عليه؟ قال: وتحتج عليَّ.
قال صالح: ثم كتب أبي رحمه الله إلى يحيى بن خاقان، يسأله ويعزم عليه أن لا يعيننا على شيء من أرزاقنا ولا يتكلم فيه، فبلغني فوجهت إلى القيم لنا وهو أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو، وقد كنت قلت له: يا أبت إنه يكبر عليك وقد عزمت إذا حدث أمر أخبرتك به، فلما وصل رسوله بالكتاب إلى يحيى أخذه من صاحب الخبر، فأخذت نسخته ووصلت إلى المتوكل. فقال لعبد اللَّه: كم من شهر لولد أحمد بن حنبل؟ فقال: عشرة أشهر. قال: تحمل الساعة إليهم أربعين ألف درهم من بيت المال صحاحًا ولا يعلم بها، فقال يحيى للقيم: أنا أكتب إلى صالح وأعلمه. فورد علي كتابه، فوجهت إلى أبي أعلمه، فقال الذي أخبره: أنه سكت قليلا وضرب بذقنه ساعة ثم رفع رأسه؛ فقال: ما حيلتي إذا أردت أمرًا، وأراد اللَّه عز وجل أمرًا.
"السيرة" لصالح ص 107 - 110
قال الميموني: سُئل أحمد بن حنبل: حدثنا بحديث عبد القيس عن القطيعاء؛ فقال: سلوا بعض أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالظن فأخطيء.
"العدل" رواية المروذي وغيره (413)
قال ابن هانئ: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: اليوم الذي لا يكون عندي فيه قطعة أفرح.
"مسائل ابن هانئ"(2010)
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وذكر أخلاق الورعين- فقال: أسأل اللَّه أن لا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء! ؟
"الورع" للمروذي (1)
قال المروذي: وقيل لأبي عبد اللَّه: هل للورع حد يعرف؟ فتبسم، وقال:
ما أعرفه.
"الورع" للمروذي (2)
قال المروذي: قال أبو عبد اللَّه: كأنك بالموت وقد فرق بيننا، ما أعدل بالفقر شيئا، أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء، إني لأتمنى الموت صباحًا ومساءً، أخاف أن أفتن في الدنيا.
"الورع" للمروذي (7)
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: أنفقت على هذا المخرج خمسة وستين درهمًا بدين، وإنما لي فيه ربع الكراء.
قلت: فلم لا تدع عبد اللَّه ينفق عليه؟ قال: كرهت أن يفسد علي الدراهم.
"الورع" للمروذي (148)
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول لشجاع بن مخلد: يا أبا الفضل، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل.
"الورع" للمروذي (245)
قال المرّوذي: ذكرت لأبي عبد اللَّه الفضل وعريه، وفتح الموصلي وعريه وصبره، فتغرغرت عينه، وقال: رحمهم الله، كان يقال: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة.
"الورع" للمروذي (267)
قال المرّوذي: وقال لي أبو عبد اللَّه يوما: إني لأفرح إذا لم يكن عندي شيء، وجاءه ابنه الصغير بعقب هذا الكلام فطلب منه، فقال: ليس عند أبيك قطعة، ولا عندي شيء.
"الورع" للمروذي (280)
قال المروذي: وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: قد تفكرت في هذِه الآية {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] ثم قال: تفكرت في رزقهم، وأشار نحو العسكر، وقال: رزق يوم فيوم خير، وقال أبو عبد اللَّه يومًا: أخاف أن أفتن بالدنيا كم بقي من عمري، الذي مضى أكثر، لي اليوم ست وسبعون سنة ما تلبست لهم بشيء، وعامة أصحابي قد كتبوا أنفسهم في الغارمين، أنا في كل نعيم.
"الورع" للمروذي (408)
قال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: ما أكثر الداعين لك! فتغرغرت عينه وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا، وقال: قال محمد بن واسع: لو أن للذنوب ريحًا ما جلس إليَّ منكم أحد، وقال: حدثنا يونس بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن واسع نعوده، فقال: وما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي وألقيت في النار.
"الورع" للمروذي (491) - (493)
قال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: إن بعض المحدثين قال لي: أبو عبد اللَّه لم يزهد في الدراهم وحدها، قد زهد في الناس.
فقال أبو عبد اللَّه: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون يزهدون فيَّ. وقال أبو عبد اللَّه: أسأل اللَّه أن يجعلنا خيرًا مما يظنون، ويغفر لنا ما لا يعلمون.
"الورع" للمروذي (494)
قال المرّوذي: ذكرت لأبي عبد اللَّه رجلًا من المحدثين، فقال: إنما أنكرت عليه أن ليس زيه زي النساك.
"الورع" للمروذي (562)
قال المرّوذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: أنا منذ أكثر من سبعين سنة في كل نعيم، وقال: ما قل من الدنيا أقل للحساب.
قلت له: إن رجلًا قال: إن أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث ليسا عندي زهادا، أحمد له خبز يأكله، وبشر له دراهم تجيئه من خراسان، فتبسم أبو عبد اللَّه وقال: أمن الزهاد أنا!
"الورع" للمروذي (623)
قال المرُّوذي: قال لي أبو عبد اللَّه: قد جاء يحيى بن خاقان ومعه شُوَي، فجعل يقلله أبو عبد اللَّه ويقلله.
قلت له: قالوا: إنها ألف دينار. قال: هكذا قال، وقال: فرددتها عليه، فبلغ الباب، ثم رجع، فقال: إن جاءك أحد من أصحابك بشيءٍ تقبله؟ قلت: لا، قال: إنما أُريد أن أخبر الخليفة بهذا.
قلت لأبي عبد اللَّه: أي شيءٍ كان عليك لو أخذتها فقسمتها؟ فكلح وجهه، وقال: إذا أنا قسمتها، أي شيءٍ كنت أريد؟ أكون له قهرمانا!
"أخبار الشيوخ وأخلاقهم" للمروذي (204)
قال عبد اللَّه: كان هاهنا شيخ قال: رأيت على يد أبي عبد اللَّه جَرَبًا، فجئت بدواء فقلت: ضع هذا عليه، فأخذه فرده، فقلت له: لم رددته؟
فقال: أنتم [تسمعون مني](1).
"الزهد" رواية عبد اللَّه ص 345
قال أحمد بن سنان الواسطي: بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن، وأكرى نفسه من ناس من الحمالين عند خروجه وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة فلم يقبلها منه.
"الجرح والتعديل" 1/ 301، "حلية الأولياء" 9/ 175، "تاريخ دمشق" 5/ 303، "المناقب" لابن الجوزي ص 292، "سير أعلام النبلاء" 11/ 206
قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول -وذكر الدنيا- فقال: قليلها يجزئ وكثيرها لا يجزئ. وذكر عنده الفقر، فقال: الفقر مع الخير. وسمعته يقول: وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا لا عليّ ولا لي.
"الجرح والتعديل" 1/ 305، "حلية الأولياء" 9/ 184، "المناقب" لابن الجوزي ص 354، 256، "سير أعلام النبلاء" 11/ 208، 227
قال عبيد القاري: دخل عم أحمد بن حنبل على أحمد بن حنبل ويده تحت خده، فقال له: يا ابن أخي أي شيءٍ هذا الغم؟ أي شيءٍ هذا الحزن؟ فرفع أحمد رأسه فقال: يا عم طوبى لمن أخمل اللَّه عز وجل ذكره.
"الجرح والتعديل" 1/ 306، "طبقات الحنابلة" 1/ 27، "تاريخ دمشق" 5/ 309، "المناقب" لابن الجوزي ص 352، "سير أعلام النبلاء" 11/ 207
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم
(1) بياض في "الزهد"، والمثبت من "المناقب" لابن الجوزي ص 334.
أنه لا يُظهر النسك، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعل القراء، له رأس كبير معقف، وشراك مسبل كأنه اشتري له من السوق، ورأيت عليه إزارًا وجبة برد مخطط آسماجوني.
قال ابن أبي حاتم: أراد بهذا واللَّه أعلم ترك التزين بزي القرَّاء، وإزالته عن نفسه ما يشتهر به.
"الجرح والتعديل" 1/ 306
قال الحسين بن الحسن الرازي: حضرت أحمد بن حنبل وجاءه فيج بكتاب، أظنه من البسطامي، فوضعه ولم يقرأه وقال: ما عندنا شيء نعطيك إلا -أستغفر اللَّه- الخبز إن رضيت به.
"الجرح والتعديل" 1/ 307
قال عبد اللَّه: ما رأيت أبي حدث من حفظه من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث.
"حلية الأولياء" 9/ 165، "المناقب" ص 328، "سير أعلام النبلاء" 11/ 213
قال سليمان بن داود الشاذكوني: علي بن المديني يتشبَّه بأحمد بن حنبل! أيهات، ما أشبه السّكُّ باللّكِّ (1)، لقد حضرت من ورعه شيئًا بمكة (2) أنه رهَنَ سَطْلا عند فامِيّ فأخذ منه شيئًا يتقوته، فجاء فأعطاه فكاكه، فأخرج إليه سَطْلين فقال: انظر أيهما سطلك فخذه، فقال: لا أدري، أنت في حل منه ومما أعطيتك في حل، ولم يأخذه.
قال سليمان: فقلت للفامي: أخرجت سطلين إلى رجل من أهل الورع، والسطول تتشابه حتى شك في سطله. فقال الفامِيّ: واللَّه إنه لسَطْلُه، وإنما أردت أن أمتحنه فيه.
"حلية الأولياء" 9/ 169، "تاريخ دمشق" 5/ 301، "المناقب" ص 328، "السير" 11/ 203، "البداية والنهاية" 10/ 778، "الجوهر المحصل"، ص 48، "المنهج الأحمد"، 1/ 79
(1) السُّكُّ ضرب من الطيب يُرَكَّبُ من مِسْك ورَامَكٍ عربيٌّ، واللَّكُّ صِبْغ أحمر يصبغ به جلودُ المِعْزى للخِفات وغيرها، واللُّك بالضم ثُفْلُه. "لسان العرب" مادة [سكك]، [لكك].
(2)
في "تاريخ دمشق"، "البداية والنهاية": باليمن.
قال إسحاق بن راهويه: لما خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاءَ، وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئًا.
"حلية الأولياء" 9/ 174، "المناقب" لابن الجوزي ص 291، "سير أعلام النبلاء" 11/ 214
قال عبد اللَّه: كتب إلي الفتح بن شُخْرُف بخط يده أنه سمع عبد بن حميد يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: قدم علينا أحمد بن حنبل هاهنا، فأقام سنتين إلا شيئًا، فقلت له: يا أبا عبد اللَّه، خذ هذا الشيء فانتفع به، فإن أرضنا ليست بأرض متجر ولا مكسب، وأرانا عبد الرزاق كفَّه ومَدَّها فيها دنانير. فقال أحمد: أنا بخير. ولم يقبل مني.
"حلية الأولياء" 9/ 174، "المناقب". لابن الجوزي ص 291، "تهذيب الكمال" 9/ 459
قال عبد اللَّه: حدثني إسماعيل بن أبي الحارث قال: كان عندنا شيخ مروزي، فجاء إليه أحمد بن حنبل ثم خرج، فقلت له: في أي شيءٍ جاءك أبو عبد اللَّه؟ فقال: هو لي صديق وبيني وبينه أُنس، وتلكأ أن يخبرنا فألححنا عليه، فقال: كان استقرض مني مائتي درهم أو ثلاثمائة درهم، فجاءني بها، فقلت: يا أبا عبد اللَّه، ما دفعتها وأنا أنوي أن آخذها منك.
فقال: وأنا ما أخذتها إلا وأنا أنوي أن أردها إليك.
"حلية الأولياء" 9/ 175، "المناقب" لابن الجوزي ص 297، "سير أعلام النبلاء" 11/ 214
قال محمد بن موسى بن حماد البربري: حُمل إلى الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي ميراثه من مصر مائة ألف دينار، فحمل على أحمد ابن حنبل ثلاثة أكياس، في كل كيس ألف دنيار، فقال: يا أبا عبد اللَّه، هذِه من ميراث حلال خذها فاستعن بها على عائلتك. قال: لا حاجة لي فيها، فأنا في كفاية. فردها ولم يقبل منها شيئًا.
"حلية الأولياء" 9/ 175، "تاريخ دمشق" 5/ 305، "المناقب" ص 299، "تهذيب الكمال" 1/ 460، "سير أعلام النبلاء" 11/ 214، "المنهج الأحمد" 1/ 77.
قال أبو جعفر أحمد بن محمد التُّسْتَري: كان غلام يختلف إلى أحمد ابن حنبل، فناوله يومًا درهمين فقال: اشتر بها كاغدًا، فخرج الغلام فاشترى له وجعل في جوف الكاغد خمسمائة دينار وشده وأوصله إلى بيت أحمد، فسأل أحمدُ أهلَ بيته: أحمل شيء من البياض؟ فقالوا: نعم، فوضع بين يديه، فلما أن فتحه تناثرت الدنانير، فردها في مكانها وسأل عن الغلام حتى دل عليه، فوضعه بين يديه، فتبعه الغلام وهو يقول: الكاغد اشتريته بدراهمك خذه، فأبى أن يأخذ الكاغد أيضا.
"حلية الأولياء" 9/ 176، "تاريخ دمشق" 5/ 305، "المناقب" ص 303، "الجوهر المحصل" ص 49
قال أبو جعفر بن ذريح العُكْبَري: طلبت أحمد بن حنبل في سنة ست وثلاثين ومائتين لأسأله عن مسألة، فسألت عنه فقالوا: إنه خرج يصلى خارجًا، فجلست له على باب الدرب حتى جاء، فقمت فسلمت عليه فرد عليّ السلام، فدخل الزقاق وأنا أماشيه، فلما بلغنا آخر الدرب إذا باب يفرج فدفعه وصار خلفه وقال: اذهب عافاك اللَّه، فالتفت فإذا مسجد على الباب وشيخ مخضوب قائم يصلي بالناس، فجلست حتى سلم الإمام، فخرج رجل فقلت: هذا الإمام من هو؟ قالوا: إسحاق عم أحمد بن حنبل.
قلت: فما له لا يصلي خلفه؟
فقال: ليس يكلم ذا ولا ابنيه لأنهم أخذوا جائزة السلطان.
"حلية الأولياء" 9/ 176، "المناقب"، لابن الجوزي ص 466
قال إبراهيم بن مَتَّه السَّمَرْقَنْدي: سألت أبا محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن أحمد بن حنبل، قلت: هو إمام؟ قال: إي واللَّه، أحمد بن حنبل صبر على الفقر سبعين سنة.
"حلية الأولياء" 9/ 176، "تاريخ دمشق" 5/ 288، "المناقب" ص 310، "المحنة" لعبد الغني المقدسي ص 125
قال عبد اللَّه: قلت لأبي: بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير؟
قال: نعم، وأعطاني يزيد بن هارون خمس مائة درهم -أظن- فلم أقبل، وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم، فأخذا منه.
"حلية الأولياء" 9/ 177، "المناقب" لابن الجوزي ص 293، "سير أعلام النبلاء" 11/ 193
قال حمدان بن سنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل ومعه جماعة، فنفدت نفقاتهم فبررتهم فأخذوا، وجاءني أحمد بن حنبل بفروة فقال: قل لمن يبيع هذِه ويجيئني بثمنها، فأتسع به، قال: فأخذت صرة دراهم فمضيت بها إليه فردها، فقالت امرأتي: هذا رجل صالح لعله لم يرضها فأضعفها، فأضعفتها فلم يقبل، وأخذ الفروة مني وخرج.
"حلية الأولياء" 9/ 177، "تاريخ دمشق" 5/ 301، "المناقب" لابن الجوزي ص 293
قال أحمد بن محمد التُّسْتَري: ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئًا من الدقيق فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام، فخبزوا له بالعجلة، فلما وضع بين يديه قال: كيف خبزتم هذا بسرعة؟ فقيل له: كان التنور في بيت صالح مسجورًا فخبزنا بالعجلة فقال: ارفعوا ولم يأكل، وأمر بسد بابه إلى دار صالح.
"حلية الأولياء" 9/ 177، "تاريخ دمشق" 5/ 302، "المناقب" ص 330، "سير أعلام النبلاء" 11/ 214، "المنهج الأحمد" 1/ 80
قال عبد اللَّه: حدثني علي بن الجهم بن بدر قال: كان لنا جار، فأخرج لنا كتابا فقال: أتعرفون هذا الخط؟
قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل كيف كتب لك؟
قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عُيَينة، ففقدنا أحمد بن حنبل أيامًا لم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والباب مردود عليه وإذا عليه خلقان، فقلنا له: يا أبا عبد اللَّه، ما خبرك لم نرك منذ أيام؟ فقال: سرقت ثيابي.
فقلت له: معي دنانير، فإن شئت خذ قرضا وإن شئت صلة، فأبى أن يفعل، فقلت: تكتب لي بأُجرة؟
قال: نعم، فأخرجت دينارًا فأبى أن يأخذه، وقال: اشتر لي ثوبا واقطعه نصفين، فأومَأ إلى أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الآخر، وقال: جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق فكتب لي فهذا خطه.
"حلية الأولياء" 9/ 177، "تاريخ دمشق" 5/ 302، "المناقب"، لابن الجوزي ص 295
قال القاضي إسماعيل بن إسحاق: سمعت نصر بن علي يقول: أحمد بن حنبل أمره بالآخرة كان أفضل؛ لأنه أتته الدنيا فدفعها عنه.
"حلية الأولياء" 9/ 180
قال يحيى بن مَعِين: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيءٍ مما كان فيه من الصلاح والخير.
"الحلية" 9/ 181، "تاريخ دمشق" 5/ 281، "المناقب" ص 344، "السير" 11/ 196، 214
قال إسحاق بن موسى الأنصاري: دفع المأمون إليَّ مالا وقال: اقسمه على أصحاب الحديث فإن فيهم ضعفاء، فما بقي منهم أحد إلا أخذ، إلا أحمد بن حنبل، فإنه أبى.
"حلية الأولياء" 9/ 181، "تاريخ دمشق" 5/ 305، "المناقب" ص 326، "تهذيب الكمال" 1/ 460
قال جعفر بن محمد بن يعقوب: جاء رسول من دار أحمد بن حنبل إليه يذكر له أن أبا عبد الرحمن عليل واشتهى الزبد، فناول رجلًا من أصحابه قطعة وقال: اشتر له بها زبدًا، فجاء به على ورق سلق، فلما أن نظر إليه قال: من أين هذا الورق؟ فقال: أخذته من عند البقال.
فقال: استأذنته في ذلك؟ قال: لا، قال: رده.
"حلية الأولياء" 9/ 181، "تاريخ دمشق" 5/ 308، "المناقب" لابن الجوزي ص 333
قال أبو حفص عمر بن صالح الطرسوسي: ذهبت أنا ويحيى الجَلَّاء -
وكان يقال: إنه من الأبدال- إلى أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل فسألته وكان إلى جنبه فُوران وزهير وهارون الحمَّال، فقلت: رحمك اللَّه يا أبا عبد اللَّه بم تلين القلوب؟ فنظر إلى أصحابه فغمزهم بعينه، ثم أطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: يا بني بأكل الحلال. فمررت كما أنا إلى أبي نصر بشر بن الحارث فقلت له: يا أبا نصر، بمَ تَلينُ القلوب؟ فقال:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
فقلت: إني جئت من عند أبي عبد اللَّه.
فقال: هيه أي شيءٍ قال لك أبو عبد اللَّه؟
قلت: قال: بأكل الحلال. قال: جاء بالأصل، جاء بالأصل.
فمررت إلى عبد الوهاب الوراق، فقلت: يا أبا الحسن، بمَ تلين القلوب؟ قال:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} . قلت: فإني جئت من عند أبي عبد اللَّه، فاحمرت وجنتاه من الفرح وقال لي: أيّ شيءٍ قال أبو عبد اللَّه؟ فقلت: قال: بأكل الحلال. فقال: جاءَك بالجوهر، جاءك بالجوهر، الأصل كما قال، الأصل كما قال.
"حلية الأولياء" 9/ 182، "المناقب" ص 255
قال عبد اللَّه: كان أبي أصبر الناس على الوحدة، وبشر رحمه الله فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة، فكان يخرج إلى ذا ساعة، وإلى ذا ساعة.
"حلية الأولياء" 9/ 183، "تاريخ دمشق" 5/ 298، "المناقب" ص 350، "تهذيب الكمال" 1/ 458، "سير أعلام النبلاء" 11/ 211
قال عبد اللَّه: كنت جالسا عند أبي رحمه الله يوما فنظر إلى رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق، فقال لي: ما هذان الرجلان؟ لم لا تمشي حافيا حتى تصير رجلاك خشنتين؟ قال عبد اللَّه: وخرج إلى طرسوس ماشيا على قدميه.
قال عبد اللَّه: كان أبي أصبر الناس على الوحدة، لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق.
"حلية الأولياء" 9/ 184، "تاريخ دمشق" 5/ 298، "المناقب" ص 350، 314، "المنهج الأحمد" 1/ 95
قال أبو علي عيسى بن محمد الجريحي: ثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي قال: كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل فدخلت عليه فقال لي: فيم تنظر؟ فقلت: في النحو والعربية. والشعر فأنشدني أحمد بن حنبل رحمة اللَّه تعالى عليه:
إذا ما خلوتَ الدهر يوما فلا تقل
…
خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيب
ولا تحسبن اللَّه يخلف ما مضى
…
وأن الذي يخفى عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت
…
ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن يغفر اللَّه ما مضى
…
ويأذن لي في توبة فأتوب
إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم
…
وخلفت في قرن فأنت غريب
"حلية الأولياء" 9/ 220، "المناقب" ص 265، "الجوهر المحصل" ص 146، "المنهج الأحمد" 1/ 93
قال محمد بن سختويه البردعي: سمعت أبا عمير بن النحاس عيسى بن محمد بن عيسى -وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رحمه الله عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.
"طبقات الحنابلة" 1/ 23، "تاريخ دمشق" 5/ 291، "البداية والنهاية" 10/ 286
قال ابن هانئ: قال لي أبو عبد اللَّه: بكر يوما حتى تعارضني بشيء من الزهد، فبكرت إليه وقلت لأم ولده: أعطني حصيرًا ومخدة فبسطته في الدهليز. فخرج أبو عبد اللَّه ومعه الكتب والمحبرة، فنظر إلى الحصير والمخدة فقال: ما هذا؟ فقلت: لتجلس عليه.
فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد، فرفعته وجلس على التراب.
"طبقات الحنابلة" 1/ 23، "المناقب" لابن الجوزي ص 312، "سير أعلام النبلاء" 11/ 325، "المقصد الأرشد" 1/ 68، "المنهج الأحمد" 1/ 77
قال الخلال: وأخبرني محمد بن علي السمسار قال: كانت لأم عبد اللَّه بن
أحمد دار معنا في الدرب يأخذ منها درهما بحق ميراثه، فاحتاجت إلى نفقة فأصلحها ابنه عبد اللَّه، فترك أبو عبد اللَّه الدرهم الذي كان يأخذه وقال: قد أفسده علي (1).
"طبقات الحنابلة" 1/ 24، "المناقب" ص 332، "المقصد الأرشد" 1/ 68
قال حنبل: وكان ربما استعار الشيء من منزلنا ومنزل ولده، فلما صار إلينا من مال السلطان ما صار، امتنع من ذلك حتى لقد وصف له في علته قرعة تشوى ويؤخذ ماؤها، فلما جاءوا بالقرعة قال بعض من حضر: اجعلوها في تنور صالح فإنهم قد خبزوا. فقال بيده لا، وأبى أن يوجه بها إلى منزل صالح. قال حنبل: ومثل هذا كثير.
"طبقات الحنابلة" 1/ 24، "السير" 11/ 272، "المقصد الأرشد" 1/ 68
قال المرُّوذي: كان أبو عبد اللَّه إذا ذكر الموت، خنقته العبرة، وقال: سمحت أبا عبد اللَّه يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فما اشتهيه، فإذا ذكرت الموت وإن علي كل شيء.
"طبقات الحنابلة" 1/ 27، "تاريخ دمشق" 5/ 324، "المناقب"، لابن الجوزي ص 355، "سير أعلام النبلاء"، 11/ 215، 305، "المقصد الأرشد" 1/ 68
قال إسماعيل بن حرب: أحصي ما ردَّ أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل حين جيء به إلى العسكر فإذا هو سبعون ألفًا.
"طبقات الحنابلة" 1/ 27، "المناقب" ص 300
قال محمد بن عبيد اللَّه المنادي: قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرع هذِه الدار التي أسكنها وأخرج الزكاة عنها في كل سنة، أذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد.
"طبقات الحنابلة" 1/ 27، "المناقب" لابن الجوزي ص 327، "سير أعلام النبلاء" 11/ 319
(1) قال صاحب "الطبقات": إنما تورع مِنْ أخذِ حقه من الأجرة؛ خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة، فاعتذروا للحاجة، فهجرهم شهرًا لأخذ العطاء. "الطبقات" 1/ 24.
قال أحمد بن القاسم الطوسي: كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه، فقيل له في ذلك؛ فقال: لا أقدر انظر إلى من افترى على اللَّه وكذب عليه.
"طبقات الحنابلة" 1/ 27، "المناقب" لابن الجوزي ص 328
قال عارم بن الفضل: كان أحمد بن حنبل هاهنا عندنا بالبصرة فجاءني بمعضدة له، أو قال: صرة فيها دراهم، فكان كل قليل يجيءُ فيأخذ منها، فقلت له: يا أبا عبد اللَّه بلغني أنك رجل من العرب، فمن أي العرب أنت؟ فقال لي: يا أبا النعمان نحن قوم مساكين. فكان كلما جاء أعدت عليه فيقول لي هذا الكلام، ولا يخبرني حتى خرج من البصرة.
"تاريخ دمشق" 5/ 258، "المناقب" لابن الجوزي ص 345، "تهذيب الكمال" 1/ 445، "سير أعلام النبلاء" 11/ 187، "الجوهر المحصل" ص 5
قال عبد الرزاق: وأما أحمد بن حنبل فما رأيت أفقه منه ولا أورع.
"تاريخ دمشق" 5/ 270، "المناقب" لابن الجوزي ص 96، "تهذيب الكمال" 1/ 450 "سير أعلام النبلاء" 11/ 195، "طبقات الشافعية" 2/ 28، "الجوهر المحصل" ص 30
قال المُزَنيّ: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن ضائعة تحتاج إلى حاكم. فقال: انظر رجلًا ممن يجلس إليك حتى نوليه قضاءَها، فلما رجع الشافعي إلى مجلسه، ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه فقال: إني كلمت أمير المؤمنين أن يولي قاضيًا باليمن، وأنه أمرني أن أختار رجلًا ممن يختلف إلي، وإني قد اخترتك فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يوليك قضاء اليمن، فأقبل عليه أحمد وقال: إنما جئت إليك لأقتبس منك العلم، تأمرني أن أدخل لهم في القضاء؟ ووبخه، فاستحيا الشافعي (1).
"تاريخ دمشق"، 5/ 274، "المناقب" ص 339، "سير أعلام النبلاء" 11/ 224، "البداية والنهاية" 10/ 778، "الجوهر المحصل" ص 50
(1) قال الذهبي في "السير": إسناده مظلم.
قال قتيبة بن سعيد: لا يضم إلى أحمد بن حنبل أحد ولولا أحمد لمات الورع ما أعظم منه أحمد بن حنبل على جميع المسلمين، وما أحق على كل مسلم أن يستغفر له.
"تاريخ دمشق" 6/ 276 - 277
قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول ليحيى بن معين: يا أبا زكريا، بلغني أنك تقول: ثنا إسماعيل ابن عُلَيّة. فقال يحيى: نعم أقول هكذا.
قال أحمد: فلا تقله، قل إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه يكره أن ينسب إلى أُمه. قال يحيى لأبي: قد قبلنا منك يا معلم الخير (1).
"تاريخ دمشق" 5/ 281، "المناقب" لابن الجوزي ص 336
قال أبو داود: كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيت أحمد بن حنبل يذكر الدنيا قط.
"تاريخ دمشق" 5/ 291، "المناقب" لابن الجوزي ص 310، 277، "سير أعلام النبلاء" 11/ 199، "البداية والنهاية" 10/ 779، "المنهج الأحمد" 1/ 96
قال محمد بن سعيد الترمذي: قدم صديق لنا من خراسان فقال: إني أبضعت بضاعة ونويت أن أجعل ربحها لأحمد بن حنبل، والربح عشرة آلاف درهم، فاحملها إليه.
قال: قلت: حتى أذهب إليه فأنظر كيف الأمر عنده، فذهبت إليه فسلمت عليه وقلت له: فلان فإذا هو عارف به، فقلت له: إنه أبضع بضاعة وجعل ربحها لك وهي عشرة آلاف درهم.
فقال: جزاه اللَّه عن العناء خيرًا، نحن في غِنًى وسعة، فأبى أن يأخذها رحمه الله.
"تاريخ دمشق" 5/ 304، "المناقب" ص 298، "تهذيب الكمال" 1/ 459، "السير" 11/ 212
(1) قال ابن الجوزي: وقد نسبت جماعة إلى أمهاتهم، وغلب ذلك عليهم، والورع ترك ما يكرهه المنسوب. "المناقب" ص 336.
قال يعقوب بن إسحاق: سمعت أحمد بن حنبل -وسئل عن التوكل- فقال: هو قطع الاستشراف باليأس من الخلق.
قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قصة الخليل لما وضع في المنجنيق مع جبريل حين قال له: أمّا إليك فلا. فقال له: فَسَل من لك إليه الحاجة. قال: أحب الأمرين إليّ أحبهما إليه.
"تاريخ دمشق" 5/ 308، "المناقب" لابن الجوزي ص 257
قال أحمد بن يحيى ثعلب: دخلت على أحمد بن حنبل فرأيت رجلًا تهمه نفسه لا يحب أن تكثر عليه، كأن النيران قد سعرت بين يديه.
"تاريخ دمشق" 5/ 309
قال إسحاق بن راهويه: سمعت الأمير عبد اللَّه بن طاهر يقول: أحب يحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل، وإن كانا لا يقربان السلطان ليس لخلاف منهما، ولكن لجورهم.
"تاريخ دمشق" 5/ 310
قال أَحمد بن سنان: قدم علينا أَحمد بن حنبل مع جماعة من البغداديين إلى يزيد بن هارون، واستقرضوني كلهم وردوا، إلا أَحمد بن حنبل لم يستقرضني، أعطاني فروة له فبعتها بسبعة دراهم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 55
قال إسماعيل الديلمي: كنت في البيت عند أَحمد بن حنبل، فإِذا نحن بداق يدق الباب فخرجت إليه، فإِذا أَنا بفتى عليه أَطمار شعر، قال: فقلت: ما حاجتك؟ قال: أريد أَحمد بن حنبل، قال: فدخلت إليه فقلت: يا أبا عبد اللَّه، بالباب شاب عليه أَطمار شعر يطلبك، فخرج إليه فسلم عليه، فقال له الفتى: يا أبا عبد اللَّه، ما الزهد في الدنيا؟
فقال له أَحمد: ثنا سفيان، عن الزُّهري: أَن الزهد في الدنيا قصر الأَمل.
فقال له: يا أَبا عبد اللَّه صفه لي، وكان الفتى قائما في الشمس والفيء بين
يديه. فقال: هو أن لا تبلغ من الشمس إلى الفيء، ثم ذهب ليولي، فقال له أَحمد: قِفْ، فدخل فأَخرج له صرة فدفعها إليه.
فقال: يا أَبا عبد اللَّه من لا يبلغ من الشمس إلى الفيء أي شيءٍ يعمل بهذِه؟ ثم تركه وولى.
"المناقب" لابن الجوزي ص 194
قال المروذي: وقلت لأَبي عبد اللَّه: إن رجلًا قدم من طرسوس فقال لي: إنَّا كنَّا في بلاد الروم في الغزو إِذا هدأَ الليلُ رفعوا أصواتهم بالدعاءِ: ادعوا لأَبي عبد اللَّه، وكنا نمد المنجنيق ونرمي عنه، ولقد رُمي عنه بحجر والعِلْج على الحصن متترس بدرقة، فذهب برأَسه وبالدَّرَقة. فتغيَّر وجهه، وقال: ليته لا يكون استدراجا، ثم قال: ترى هذا استدارجا؟
قلت له: كلا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 196، "سير أعلام النبلاء" 11/ 210
قال محمد بن نصر العابد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كل شيءٍ من الخير بادر فيه. قال: وشاورته في الخروج إلى الثغر؛ فقال: بادر بادر.
"المناقب" لابن الجوزي ص 255
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: يا نفس انصبي وإلا فستحزني.
"المناقب" لابن الجوزي ص 256
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل يقول: ما أعدل بفضل الفقر شيئًا، تدري إذا سأَلك أهلك حاجة لا تقدر عليها أي شيءٍ لك من الأجر!
"المناقب" لابن الجوزي ص 257، "سير أعلام النبلاء" 11/ 216
قال الميموني، أن أبا عبد اللَّه قال له: يا أبا الحسن كم يعيش أحدنا؟ خمسين سنة، ستين سنة، كأنك بنا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 257
قال أحمد بن محمد الوراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما شبهت الشباب إلا بشيءٍ كان في كمي فسقط.
"المناقب" لابن الجوزي ص 257، "سير أعلام النبلاء" 11/ 305
قال عبد اللَّه: سئل أحمد عن الفتوّة؛ فقال: ترك ما تهوى لما تخشى.
"المناقب" لابن الجوزي ص 258
قال محمد بن نصر: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كل شيءٍ من الخير تهتم به، فبادِرْ قبل أن يُحَال بينك وبينه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 258
قال عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر: بت عند أحمد بن حنبل فوضع لي ماء، فلما أصبح وجدني لم أستعمله فقال: صاحب حديث لا يكون له وِرْد في الليل؟ قلت: أنا مسافر. قال: وإن كنت مسافرًا! ! حَجَّ مسروق فما نام إلا ساجدًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 259، "المنهج الأحمد" 1/ 86
قال أبو عصمة بن عصام البيهقي: بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح نظر إلى الماء فإذا هو كما كان، فقال: سبحان اللَّه! ! رجل يطلب العلم لا يكون له وِرْد من الليل.
"المناقب" لابن الجوزي ص 259، "سير أعلام النبلاء" 11/ 298
قال علي بن المَدِينيّ: ودعت أحمد بن حنبل فقلت له: توصيني بشيءٍ؟ قال: نعم، اجعل التقوى زادك، وانصب الآخرة أمامك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 259، "سير أعلام النبلاء" 11/ 301، "المنهج الأحمد" 1/ 86
قال يحيى الجَلَّاء: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عزيز عليَّ أن تُذِيب الدنيا أكباد رجال وعت صدورهم القرآن.
"المناقب" لابن الجوزي ص 259
قال عبد اللَّه قلت لأبي يومًا أوصني يا أَبة؛ فقال: يا بني انو الخير، فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.
"المناقب" لابن الجوزي ص 260
قال المرُّوذي: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل بم بلغ القوم حتى مُدحوا؟ قال: بالصدق.
"المناقب" لابن الجوزي ص 260
قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول: ليس يبقى من لا يدري ما يبقى.
"المناقب" لابن الجوزي ص 260
عن علي بن خَشْرَم أنه سمع أحمد بن حنبل يقول:
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ ممن نال صَفْوَتَهَا
…
من الحرام، ويَبْقَى الإِثمُ والعارُ
تبقى عواقبُ سوء من مَغَبَّتِهَا
…
لَا خَيْرَ في لَذَّةٍ من بعدها النَّارُ
"المناقب" لابن الجوزي ص 266، "الجوهر المحصل" ص 147، "المنهج الأحمد" 1/ 94
قال محمد بن إبراهيم الأنماطي: كنت عند أحمد بن حنبل وبين يديه محبرة، فذكر أبو عبد اللَّه حديثًا فاستأذنته في أن أكتب من محبرته، فقال لي: أكتب يا هذا، فهذا ورع مظلم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 282
قال أحمد بن منصور الرَّمَادِي: سمعت بحرًا البقال يقول وكان عندنا في قرية عبد الرزاق- وذكر أحمد بن حنبل، فقال: ما فعل؟
فقلت له: وما يدريك من أحمد؟
فقال: كان عندنا هاهنا فلما خرج أصحابه تخلف من بعدهم فمرَّ بي فقال: يا بحر، لك عندي درهم خذ هذِه النعل، فإن بعثت إليك من صنعاء بالدرهم، وإلا فالنعل بالدرهم، أَرضيت؟
قلت: نعم، ومضى، فأخبرت همام -ابن أُخت عبد الرزاق- فقال: ويحك، لأي شيء أخذت النعل منه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 292
قال الرَّمَادِيّ: سمعت عبد الرزاق -وذكر أحمد بن حنبل- فدمعت عيناه وقال: قدم وبلغني أن نفقته نفدت، فأخذت عشرة دنانير وأقمته خلف الباب وما معي ومعه أحد وقلت: إنه لا يجتمع عندنا الدنانير، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها فأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء. فتبسم وقال لي: يا أبا بكر، لو قبلت شيئًا من الناس قبلت منك. ولم يقبل.
"المناقب" لابن الجوزي ص 293، "سير أعلام النبلاء" 11/ 192، 229، "الجوهر المحصل" ص 49
قال إسحاق بن إبراهيم بن حسان الفقيه: حدثني رجل كان رفيقا لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل بواسط على باب يزيد بن هارون، فجاءَه أبو
عبد اللَّه بجبة يبيعها في شدة البرد، قال: فلم أزل به حتى صرفته عن بيعها، صرت إلى يزيد بن هارون فقلت: يا أبا خالد، إن أحمد بن حنبل جاءَني بجبته لأبيعها له في هذا البرد، فقال لجاريته: زني مائة درهم وهاتيها، فدفعها إليَّ وقال: ادفعها إليه، فجئت بها إليه فقلت: هذِه بعثها أبو خالد.
فقال: إني لمحتاج إليها، وإني لابن سبيل، ولكن لا أحب أن أعود نفسي هذا، ردّها عليه فرددتها إليه، فدفع إلي جبته فبعتها له.
"المناقب" لابن الجوزي ص 294
قال صالح: جاءتني حُسن فقالت: يا مولاي قد جاء رجل بتِلِّيسَةٍ (1) فيها فاكهة يابسة وهذا الكتاب، قال صالح: فقمت فقرأت الكتاب فإذا فيه: يا أبا عبد اللَّه أبضعت لك بضاعة إلى سمرقند فوقع فيها كذا وكذا، ورددتها فوقع فيها كذا وكذا، وقد بعثت بها إليك أربعة آلاف درهم وفاكهة أنا لقطتها من بستاني، ورثته عن أبي وأبي عن أبيه، قال: فجمعت الصبيان فلما دخل دخلنا عليه وقلت له: يا أَبَهْ، ما ترِقُّ لي من أكل الزكاة؟ ثم كشفت عن رأس الصبية وبكيت.
فقال: من أين علمتَ؟ دعني حتى أستخير اللَّه الليلة.
قال: فلما كان من الغد، قال: قد استخرت اللَّه الليلة، فعزم لي أن لا آخذها، وفتح التَّلِّيسَةَ وفرقها على الصبيان، وكان عنده ثوب عشاري فبعث به إليه ورد المال. قال صالح: فبلغني أن الرجل اتخذه كفنا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 294، "سير أعلام النبلاء" 11/ 230
قال أحمد بن محمد بن حماد المقرئ، عن علي بن الجهم أنه رأى بيد رجل من أهل الربض كتابا بخط أبي عبد اللَّه قال: فقلت له: من أين لك دفتر أحمد بن حنبل؟ فقال لي: يا أبا الحسن وتعرف خطه؟
(1) التِّلِّيسَة: وعاء يُسَوى من الخوص شبه قَفْعَة. "لسان العرب" مادة [تلس].
قلت: نعم. فقال: ليس هذا دفتر أحمد بن حنبل ولكنه دفتري بخطه.
فقلت له: وكيف صار هذا هكذا؟
فقال لي: كنا عند ابن عيينة سنة من السنين ولم يكن من أهل الربض تلك السنة مقيما على ابن عيينة غيري وغيره، ففقدته أياما فسألت عنه فدللت على موضعه، فجئت فإذا هو في شبيه بكهف في جياد على بابه قفص، فقلت: سلام عليكم. فقال لي: وعليكم السلام.
فقلت: أدخل؟ فقال: لا. ثم قال: ادخل، فدخلت وإذا عليه قطعة لبد خلق، فقلت: لم حجبتني؟ قال: حتى استترت.
فقلت له: ما شأنك؟ فقال: سُرقَتْ ثيابي.
فبادرت إلى منزلي فجئتُ بصرّة فيها مائة درهم، فعرضتها عليه فامتنع، وسألته أن يقبلها قرضا فأبى عليّ، حتى بلغت عشرين درهما، كل ذلك، يَأبَى عليّ، فقمت موليا وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك وأنا أعرض عليك فلا تقبل! فقال لي: ارجع، فرجعت، فقال لي: أليس قد سمعت معي من ابن عيينة سماعًا كثيرًا؟
فقلت: بلى، فقال: تحب أن أنسخه لك؟
قلت: نعم، فقال لي: اشتر ورقا وجئني به، فكتب بدراهم ذكر مبلغها، فاكتسى منها ثوبين باثني عشر درهما، وأخذ الباقي نفقة.
"المناقب"، لابن الجوزي ص 296، "سير أعلام النبلاء" 11/ 191
قال المروذي: سمعت أبا بكر بن حماد المُقرئ يقول: سمعت أبا ثابت الخطاب يقول: قال ابن الجَرَويّ: ذهبت إلى أحمد بن حنبل فقلت: هذِه ألف فى ينار اشتر بها غلة للصبيان، فأبَى أن يقبلها، قال: وكان يُكرمني، فلما قلت له ذلك، قال: أحب إذا كانت لك حاجة لا تجيء، فإن أردت أن تسألني عن شيء فأرسل إليّ، فحرمت نفسي.
"المناقب" لابن الجوزي ص 300
قال صالح: كنت عند أبي يومًا فدعاني النساء فقلن: قل لأبيك ليس عندنا دقيق -أو قال: خبز- فقلت له، فقال: الساعة، ثم أبطأ عليهم فعادوني فقلت له، فقال: الساعة، فبينا نحن كذلك إذا برجل يدق الباب فخرجتا إليه، فإذا رجل خراساني يشبه الفيج على كتفه عصا فيها جراب، فقلت له: ما حاجتك؟
فقال: حاجتي إلى أحمد بن حنبل، فدخلت فأخبرته.
فقال: عُدْ إليه فقل له: فيم قصدت؟ في مسأَلة، في حديث؟
فقال: ما قصدت في مسأَلة ولا حديث. فقلت له.
فقال: أدخله، فدخل الرجل فوضع العصا والجراب، ثم قال له: أنت أحمد بن محمد بن حنبل؟ قال: نعم.
قال: أنا رجل من أهل خراسان، مرض جارٌ لي فعدته، فقلت له: هل لك من حاجة؟ فقال: هذِه خمسة آلاف درهم تأخذها وتوصلها إلى أحمد بن حنبل بعد وفاتي، فقد قصدتك بها من خراسان.
فقال له: بيننا وبين هذا الرجل قرابة؟ قال: لا.
قال: فبيننا وبينه رحم؟ قال: لا.
قال: فبيننا وبينه نعمة يربها؟ قال: لا.
قال: ضُمَّها رحمك اللَّه. فرادَّه، فَخَشَّنَ له أبي، فحمل المال وانصرف. فلما كان بعد مدة كان جالسا بين الكتب فنظر فيها فرفع رأسه فقال: تدري يا صالح منذ كم كان الخراساني عندنا؟ قلت: لا، قال: اليوم أحد وستون يومًا، هل جعتم فيها أو فقدتم شيئًا!
"المناقب" لابن الجوزي ص 300
قال عبد اللَّه: سمعت فُوران يقول: مرض أبو عبد اللَّه فعاده الناس -يعني: قبل المائتين- وعاده علي بن الجعد فجعل عند رأس أبي عبد اللَّه صُرّة. فقلت له: إن عليا قد جعل عند رأسك هذِه الصرة.
فقال: كما رأيته فاذهب فردها إليه. قال: فذهبت فرددتها.
"المناقب" لابن الجوزي ص 301، "سير أعلام النبلاء" 11/ 230
قال محمد بن موسى: سمعت ابن نَيْزَك يقول: كنت أتبع أحمد ويحيى يمضون إلى سعدويه أو قال غيره، فاتخذ لهم -أراه قال: سعدويه قدَّم- طعامًا، فلما فطن أحمد بذلك قال: قد قرب وقت الصلاة وخرج فما جسر واحد منهم أن يكلمه، فجاء إلى سقاية فيها جب ماء، فأخرج فتيتا معه في خرقة، وأخذ كوزًا من الجب وجعل يستفه ويشرب عليه الماء، وصلى الظهر، ثم جاء فاستأذن ودخل، وقد طعموا وصلوا، فقعد يكتب.
"المناقب" لابن الجوزي ص 302
قال المرُّوذي: سمعت حميد بن الربيع الكوفي يقول: قال أبو عبد اللَّه يومًا لأصحاب الحديث: من منكم منزله في الكرخ؟
فقال له فتى: أنا يا أبا عبد اللَّه.
فقال له: تلبث فإن لنا حاجة، فأخرج أبو عبد اللَّه دراهم وقال: اشتر لنا بهذِه ورقًا حتى تجيءَ به معك إذا جئت. قال: فاشترى الفتى ورقا، وحشى في دسوت الورق دنانير وجاء به إلى أبي عبد اللَّه فأعطاه، وانقطع الفتى من المجيء، ففتح أبو عبد اللَّه الورق فجعلت الدنانير تتناثر، فجمعها وجعل يقول لأصحاب الحديث: من منكم يعرف الفتى الذي اشترى لي ورقًا؟ فقال له رجل: أنا أعرف منزله.
قال: فتلبث هاهنا فإن لي حاجة، وحمل أبو عبد اللَّه الدنانير ومضى معه، فلما صار إلى قطيعة الربيع إذا الفتى قاعد، فقال له الرجل: هذا صاحبك يا أبا عبد اللَّه، فقال له أبو عبد اللَّه: انصرف أنت. ثم جاء فسلم ووضع الدنانير في حجره وانصرف.
"المناقب" لابن الجوزي ص 303
قال المرُّوذي: أخبرت أن أبا بكر المستملي لما قدم بأبي عبد اللَّه من
الثغر خرج معه يخدمه قال: فنزلنا في بعض المنازل، فإذا بعض إخوانه قد أرسل إليه بمائة دينار وقال: تنفقها يا أبا عبد اللَّه في سفرك، فردها، فقال له: يا أبا عبد اللَّه أنا معيل ورجل من أهل الثغر فدعني آخذها.
قال: ويحك، إن عطيتهم أول مرة ليست مثل الثانية، فدعنا نكن في عزَّ. فردها ولم يقبلها.
"المناقب" لابن الجوزي ص 304
قال عبد اللَّه: دق علينا الباب ليلة دقًّا خفيفًا، ففتحت، فإذا إنسان قد وضع خوانًا كبيرًا عليه منديل أبيض وقال: خذ هذا ومَرّ مبادرًا، وكانت مائدة كبيرة، فأدخلتها فوضعتها قدام أبي فقال: أي شيء هذا؟ من منزل أبي محمد -يعني: فُوران؟ قلت: لا، قال: من أين؟ من جاء به؟
قلت: وضعه ومَرَّ، وإذا طعام سري فيه جامات حلواء، قد أنفق عليه دراهم كثيرة، فسكت ساعة يفكر، ثم قال: ابعث منه إلى منزل عمك، وصبيان صالح، وأَومأَ إلى الجارية والصبيان، وخذ أنت، قال عبد اللَّه: ثم علمت بعد من أين جاء. وكان قوم يهدون إليه فلا يصيب منه شيئًا، وكان عبدوس العطار ربما وجه إلينا بالشيء فلا يذوق منه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 304
قال أبو حفص عمر بن سليمان المؤدب: صليت مع أحمد بن حنبل التراويح وكان يصلي به ابن عمير (1)، فلما أوتر رفع يديه إلى ثدييه، وما سمعنا من دعائه شيئًا ولا ممن كان في المسجد، وكان فيه سراج على الدرجة لم يكن فيه قنديل ولا حصير ولا خلوق.
"المناقب" لابن الجوزي ص 310، "سير أعلام النبلاء" 11/ 324
قال عبد اللَّه: حدثني أبو جعفر القطان -ويعرف بابن أبي القدور- قال:
(1) في "السير": وكان يصلي بدار عمه.
كان أيام الغلاء يجيئني أبو عبد اللَّه بغزل ويستره أبيعه، فكنت ربما بعته بدرهم ونصف، وربما بعته بدرهمين فتخلف يومًا فلما جاء قلت: يا أبا عبد اللَّه لم تجئ أمس؟ فقال: أم صالح اعتلت، ودفع إلي غزلا فبعته بأربعة دراهم، فجئت بها فأنكر ذلك، وقال: لعلك زدت فيه من عندك؟ قلت: لا، ما زدت فيه من عندي كان غزلا دقيقًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 311
قال المروذي: رأيت أحمد بن عيسى المصري ومعه قوم من المحدثين دخلوا على أبي عبد اللَّه ونحن بالعسكر، فقال له أحمد بن عيسى: ما هذا الغم يا أبا عبد اللَّه؟ الإسلام حنيفية سمحة، بيت واسع. فنظر إليهم وكان مضطجعًا، فلما خرجوا، قال لي: انظر إلى هؤلاء ما أريد أن يدخل علي منهم أحد.
"المناقب" لابن الجوزي ص 312، "سير أعلام النبلاء" 11/ 324
قال السري بن محمد، خال ولد صالح: جاء أحمد بن صالح يوضئ أبا عبد اللَّه يوما وقد بل أبو عبد اللَّه خرقة فألقاها على رأسه، فقال له أحمد بن صالح: يا جدي أنت محموم؟ قال أبو عبد اللَّه: وأنى لي بالحمى.
"المناقب" لابن الجوزي ص 313
قال يوسف بن الضحاك: حدثني ابن جبلة قال: كنت على باب أحمد ابن حنبل والباب مجاف وأم ولده تكلمه وتقول له: أنا معك في ضيق، منزل صالح يأكلون ويفعلون ويفعلون، وهو يقول: قولي خيرا، وخرج الصبي معه فبكى فقال له: أي شيء تريد؟ فقال: زبيب، قال: اذهب فخذ من البقال بحبة.
"المناقب" لابن الجوزي ص 313، "سير أعلام النبلاء" 11/ 325
قال ابن هانئ: قال لي أبو عبد اللَّه عند رجوعه تذهب إلى صاحب الحمام فتقول له حتى يخلي الحمام، فصرت إلى الحمامي فقلت له، فأخلاه له، فأتيت أبا عبد اللَّه فأخبرته بأنه قد أخلى الحمام، فقال أبو عبد اللَّه: هذِه خمسون سنة لم أدخل الحمام، يجوز أيضا أن لا أدخل الساعة،
قل له يطلقه للناس، فأتيت الحمامي فأطلقه للناس.
"المناقب" لابن الجوزي ص 313
قال أبو ذر أحمد بن محمد البَاغَنْديّ: ثنا الدُّوري، قال: كتب لي أحمد ابن حنبل إلى قوم من المحدثين بالبصرة، فكتب لي في كتابه: وهذا ممن يطلب الحديث.
"المناقب" لابن الجوزي ص 326
قال محمد بن إبراهيم: بلغني أن أحمد بن حنبل حضره قوم من أهل الحديث من إخوانه، فاشترى لهم بما كان عنده وأطعمهم، وأنه صبر على مقدار ربع سويق -وهو الكيلجة- خمسة عشر يوما بمعسكر المتوكل، يعتصم بذلك حتى أتته النفقة من بغداد، ولا يذوق من مائدة المتوكل.
"المناقب" لابن الجوزي ص 326
قال فُوران: كنا عند أحمد بن حنبل قبل أن يموت بليلتين، وكان ثَمّ غلامٌ أسود لأبي يوسف -يعني: عمه- اشتراه من هذا المال، فذهب يُرَوِّحُ أحمد فنهاه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 327
قال عبد اللَّه: دخل عليّ أبي رحمه الله في مرضي يعودني، فقلت: يا أبت عندنا شيء قد بقي مما كان يبرنا به المتوكل، أفأحج منه؟
قال: نعم، قلت: فإذا كان هذا عندك هكذا فلِمَ لَمْ تأخذ؟
قال: يا بني ليس هو عندي حرام، ولكني تنزهت عنه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 327، 469، "سير أعلام النبلاء" 11/ 326
قال إبراهيم بن جابر المروزي: كنا نجالس أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل فنذكر الحديث ونحفظه ونتقنه، فإذا أردنا أن نكتبه قال: الكتاب أحفظ، قال: فيثب وثبة ويجيء بالكتاب.
"المناقب" ص 328، "تهذيب الأسماء" 1/ 111
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول في مرضه الذي مات فيه لأم ولده: ومن قال لك أن تخبزي ثَمَّ شيئًا؟ وقد كانت خبزت مرة غير تلك،
فقال لها: ومن يأكله؟ فلم يأكل منه شيئًا -يعني: بيت صالح ولده.
"المناقب" لابن الجوزي ص 330
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه وقال لي ونحن في موضع: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم: 45]، ثم قال: قد سكنَّا، قال: أو نحن فيها؟
"المناقب" لابن الجوزي ص 331
قال ابن هانئ: بعثني أبو عبد اللَّه مرة بقطع ثلاثة، أو أربعة، فقال: اشتر بهذِه أبزارًا للقدر، ودفع إلي قطعة أخرى على حدة فقال: اشتر بهذِه أيضًا أبزارا ولا تخلطه، فاختلط، فجئت به فأخبرته أنه اختلط، فقال لي: رده وخذ القطع. فرددته وأخذت القطع، فطرحها في دراهم الجاربة لما اشتبه عليه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 331
قال ابن هانئ: أعطاني أبو عبد اللَّه يومًا قطعة فقال: اشتر لي بهذِه القطعة باقلاء وماءَه، وأعطتني أيضا حسن أم ولده قطعة فقالت: اشتر لي بهذِه القطعة أيضا باقلاء، فقال: اشتر للصبيان زيتًا وباقلاء، ففضل حبة أو حبتان من قطع الصبيان، فقلت لصاحب الباقلاء: أعطني به زيتًا فصببته على الباقلاء الذي أخذته لأبي عبد اللَّه، فلما جئت به وضعته بين يديه، فنظر أثر الزيت فقال لي: ما هذا؟ فقلت: فضل من قطع الصبيان حبة فصببت لك بها زيتًا.
فقال: ارفع يا أحمق ومن أمرك بهذا؟ متى تعقل. ولم يأكله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 331
قال محمد بن علي السمسار: سمعت أبا عبد اللَّه يقول لإسحاق بن إبراهيم النيسابوري: خذ من أم علي -يعني: ابنة أبي عبد اللَّه- ما تعطيك، فدخل وخرج ومعه دجاجة، فخرجنا جميعا، فقلت لإسحاق: ما قالت لك؟ قال: قالت: أبي يريد أن يحتجم وليس معه شيء، فقال لي: أعط إسحاق الدجاجة يبيعها فإني محتاج إلى الحجامة، فصرنا بها إلى السوق
فأُعطي بها درهما ودانقين فلم يبعها وردها، فلما صرنا إلى القنطرة فإذا عبد اللَّه جالس في دكان ابن بختان، فدعا إسحاق وقال: أي شيء هذِه؟ لمن هذِه؟ فقلت: أعطتني أم علي أبيعها.
فقال: كم أعطيت بها؟ قال: درهما ودانقين.
فقال: بعنيها بدرهم ونصف. فأعطاه درهما ونصف وأخذها منه، فلما صار على أبي عبد اللَّه قالت أم علي: بكم بعتها؟ قال: بدرهم ونصف، فقالت: بس! ! فقال لها: أعطوني في السوق درهما ودانقين.
فقال أبو عبد اللَّه: يا إسحاق ممن بعتها؟
قلت له: من عبد اللَّه. فأخذ الثمن من أم علي وصاح علي وقال: مُر، رُدَّها، فخرج إسحاق يعدو حتى جاء إلى عبد اللَّه فقال له: ردها، فقد صاح علي أبوك. قال: ولما قلت له؟ فردها.
قال إسحاق: فقال لي أبو عبد اللَّه: مُرّ بها إلى السوق ولا تَمُرّ على عبد اللَّه، فبعتها من غريب بدرهم وثلث ثم جئت إلى أبي عبد اللَّه فقال: لعلك دفعتها إلى عبد اللَّه؟ قلت: لا، بعتها من رجل غريب.
"المناقب" لابن الجوزي ص 331
قال محمد بن عياش: أرسلني أبو عبد اللَّه فاشتريت له سمنا بقطعة، فجئت به على ورقة بقل، فأخذ السمن وأعطاني الورقة وقال: ردها.
"المناقب" لابن الجوزي ص 333
قال محمد بن عبيد اللَّه المنادي: حدثني الصحنائي قال: أعطاني أحمد ابن حنبل قطعة أشتري له بها باقلاء على خبز مثرود، فجئته بباقلاء كثيرة فقال لي: هذا كثير؟ فقلت له: كان باقلانيان يبيعان. مضارة رخيصا.
فقال لي: رده عليه، وادفع إليه الخبز والباقلاء، ودع القطعة عليه وتعال، ففعلت.
"المناقب" لابن الجوزي ص 333
قال إبراهيم الهروي: كنا على باب هشيم فأتاه رجل بكتاب شفاعة، فأذن له فدخلنا مع صاحب الشفاعة، وأحمد بن حنبل على الباب، وهو حدث له أقل من عشرين سنة، فقلنا له: يا أبا عبد اللَّه ادخل.
قال: لم يُؤْذَن لي.
"المناقب" لابن الجوزي ص 334
قال المروذي: سقف لأبي عبد اللَّه سطح الحاكة، وجعل مسيل الماء إلى الطريق، فبات تلك الليلة، فلما أصبح قال: ادعو لي النجار يحول الميزاب إلى الدار فدعوته له فحوله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 335
قال إبراهيم الحربي: لزمت أحمد بن حنبل سنتين، فكان إذا خرج يحدثنا يخرج معه محبرة مجلدة بجلد أحمر وقَلمًا، فإذا مر به سَقط أو خطأ في كتابه أصلحه بقلمه من محبرته، يتورع أن يأخذ من محبرة أحدنا شيئًا، وكنا نقول لأحمد في الشيء يحفظه فيقول: لا، إلا من كتاب.
"المناقب" ص 335
قال إبراهيم الحربي: ما خرج إلينا أحمد بن حنبل رحمه الله قط إلا ومعه محبرة وقلم يتورع أن يأخذ منا مُدّة (1) فيصلح بها سينا أو شكلة.
"المناقب" لابن الجوزي ص 335
قال سلمة بن شبيب: سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن معاوية النيسابوري فقال لي: نعم الرجل يحيى بن يحيى (2).
"المناقب" ص 336
قال أبو فروة يزيد بن محمد الرُّهاوي: لقيت أبا عبد اللَّه أحمد بن محمد ابن حنبل ببغداد، فقال لي فيما يقول: ما فعل الرجل الذي عندكم بحران الجوهري عنده علم؟ فقلت له: ما أعرف بحران جوهريا يكتب عنه.
(1) المُدَّة: اسم ما اسْتَمْدَدْتَ به من المِدادِ على القلم. "اللسان" مادة [مدد].
(2)
قال ابن الجوزي: إنما ورى عن ذكر هذا المذموم بذاك الممدوح، فإن محمد بن معاوية معدود في الكذابين، وقد قدح فيه في رواية أخرى عنه، لكنه كان يجتنب القدح في أوقات. "المناقب" ص 336.
فقال: بلى صاحب أبي معبد حفص بن غيلان.
قلت: ما أعرفه. قال: يغفر اللَّه لك، له بنون.
قلت: لعلك تريد البومة؟ قال: إياه أعني، اكتب عنه فإنه ثقة (1).
"المناقب" لابن الجوزي ص 337
قال إبراهيم الحَرْبي: أوصى أحمد أن يكفر عنه يمين واحدة وقال: أظن أني حنثت فيها.
"المناقب" لابن الجوزي ص 337
قال المرُّوذي: سألت أحمد بن حنبل ما لا أحصي عن أشياء، فيقول فيها: لا أدري.
"المناقب" لابن الجوزي ص 338
قال محمد بن عبيد اليمامي (2): سمعت أحمد بن حنبل يقول: ربما مكثت في المسألة ثلاث سنين قبل أن أعتقد فيها شيئًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 338
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يستفتى فيكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه، وذلك أنه يسأل عن اختياره فيذكر الاختلاف، ومعنى قوله: ما أدري، أي ما أختار من ذلك، وربما سمعته يقول: لا أدري ثم يذكر فيها أقاويل.
"المناقب"، لابن الجوزي ص 338
قال المروذي: كنت مع أبي عبد اللَّه بالعسكر في قصر إيتاخ، فأشرت إلى شيءٍ على الجدار قد نصب، فقال لي: لا تنظر إليه.
قلت: فقد نظرت إليه. قال: فلا تفعل لا تنظر إليه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 338
قال أبو بكر الأثرم: أُخبرتُ أن الشافعي قال لأبي عبد اللَّه: إن أمير المؤمنين -يعني: محمدًا- سألني أن ألتمس له قاضيا لليمن، وأنت تحب
(1) قال ابن الجوزي: هذا الرجل اسمه محمد بن سليمان بن أبي داود ولقب بالبومة، فتورع الإمام أحمد عن ذكر لقبه. "المناقب" ص 337.
(2)
لم أجده في أصحاب الإمام، ولعله: عبد اللَّه بن محمد، أبو محمد اليمامي.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: أثبت هذا الهامش من ملحق الاستدراكات جـ 21 ص 247]
الخروج إلى عبد الرزاق، فقد نلت حاجتك تقضي بالحق، وتنال من عبد الرزاق ما تريد.
فقال أبو عبد اللَّه للشافعي: يا أبا عبد اللَّه، إن سمعت منك هذا ثانية لم ترني عندك. فظننت أنه كان لأبي عبد اللَّه في ذلك الوقت ثلاثون، أو سبع وعشرون سنة.
"المناقب" ص 340، "سير أعلام النبلاء" 11/ 224، "الجوهر المحصل" ص 51
قال عبيد اللَّه بن محمد البلخي: إن الشافعي رحمه الله كان كثيرا عند محمد بن زبيدة، فذكر له يوما اغتمامه برجل كامل أمين يصلح للقضاء صاحب سنة.
فقال: قد وجدت رجلًا من حاله كذا وكذا صاحب سنة، كامل فقيه صاحب حديث، فقال: من هو؟ فذكر أحمد بن حنبل، قال: فلقيه أحمد وبلغه ما قال؛ فقال للشافعي: احمل هذا واعفني وإلا خرجت من البلد فذهبت.
"المناقب" لابن الجوزي ص 340، "سير أعلام النبلاء" 11/ 224
قال أحمد بن سعيد الرِّباطيّ: قدمت على أحمد بن حنبل، فجعل لا يرفع رأسه إليَّ، فقلت: يا أبا عبد اللَّه، إنه يكتب عني بخراسان، وإن عاملتني بهذِه المعاملة رموا حديثي.
قال لي: يا أحمد، هل بُدّ يوم القيامة أن يقول: أين عبد اللَّه بن طاهر وأتباعة؟ فانظر أين تكون أنت منه؟
"المناقب" لابن الجوزي ص 341، "سير أعلام النبلاء" 11/ 225، "الجوهر المحصل" ص 51
قال محمد بن طارق البغدادي: كنت جالسًا إلى جنب أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد اللَّه، أستمد من محبرتك؟ فنظر إلي وقال: لم يبلغ ورعي ورعك هذا. وتبسم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 344، "سير أعلام النبلاء" 11/ 225
قال صالح: كان أبي ربما أخذ القدوم وخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده.
"المناقب" لابن الجوزي ص 345
قال إسماعيل بن إسحاق الثقفي: قلت لأبي عبد اللَّه أول ما رأيته: يا أبا عبد اللَّه ائذن لي أقبل رأسك، فقال: لم أبلغ أنا ذاك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 345
قال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: الرجل يقال له في وجهه: أَحْيَيْتَ السُّنَّة؟ قال: هذا فساد لقلب الرجل.
"المناقب" لابن الجوزي ص 345، "سير أعلام النبلاء" 11/ 225
قال محمد بن موسى بن أبي موسى: رأيت أبا عبد اللَّه وقد قال له خراساني: الحمد للَّه الذي رأيتك. فقال له: اقعد أي شيء ذا؟ من أنا؟
"المناقب" لابن الجوزي ص 345، "سير أعلام النبلاء" 11/ 225
قال أحمد بن الحسين بن حسان: دخلنا علي أبي عبد اللَّه فقال له شيخ من أهل خراسان: يا أبا عبد اللَّه، اللَّه اللَّه! فإن الناس يحتاجون إليك، قد ذهب الناس، فإن كان الحديث لا يمكن فمسائل، فإن الناس مضطرون إليك.
فقال أبو عبد اللَّه: إليَّ أنا؟ واغتم من قوله، وتنفس صعداء، ورأيت في وجهه أثر الغم.
وقيل لأبي عبد اللَّه: جزاك اللَّه عن الإسلام خيرًا.
فقال: لا، بل جزى اللَّه الإسلام عني خيرًا، ثم قال: ومن أنا؟ وما أنا؟
"المناقب" لابن الجوزي ص 345، "سير أعلام النبلاء" 11/ 225، "الآداب الشرعية" 3/ 438
قال محمد بن أحمد بن واصل: سمعت أبا عبد اللَّه غير مرة يقول: من أنا حتى تجيئون إليَّ؟ من أنا حتى تجيئون إليَّ؟ اذهبوا اطلبوا الحديث.
"المناقب" لابن الجوزي ص 346
قال خطاب بن بشر: قال أبو عثمان الشافعي لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل: لا يزال الناس بخير ما منَّ اللَّه عليهم ببقائك، وكلام من هذا النحو كثير. فقال له: لا تقل هذا يا أبا عثمان، لا تقل هذا يا أبا عثمان، ومن
أنا في الناس!
قال خطاب: وسألته عن شيءٍ من الورع، فرأيته قد أظهر الاغتمام وتبين عليه في وجهه، إزراءً على نفسه، واغتمامًا بأمره، حتى شق عليَّ، فقلت لرجل كان معي حين خرجنا: ما أراه ينتفع بنفسه أيامًا، جددنا عليه غمًّا.
"المناقب" ص 346، "السير" 11/ 225، "الآداب الشرعية" 3/ 437 "الجوهر المحصل" ص 17
قال عبد اللَّه: رأيت أبي إذا جاءه الشيخ والحدث من قريش أو غيرهم من الأشراف، لا يخرج من باب المسجد حتى يخرجهم، فيكونوا هم يتقدمون، ثم يخرج بعدهم.
"المناقب" لابن الجوزي ص 347
قال أحمد بن علي الأبار: سمعت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل -وسأله رجل- حلفت بيمين ما أرى أي شيءٍ هي؟ فقال: ليت أنك إذا دريتَ دربتُ أنا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 347، "سير أعلام النبلاء" 11/ 226
قال فتح بن نوح: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أشتهي ما لا يكون، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس.
"المناقب" ص 350، "السير" 11/ 226
قال المرُّوذي: قال لي أبو عبد اللَّه: ما أبالي أن لا يراني أحد ولا أراه، وإن كنت لأشتهي أن أرى عبد الوهاب.
"المناقب" لابن الجوزي ص 351، "سير أعلام النبلاء" 11/ 305
قال الميموني: قال ابن حنبل: رأيت الخلوة أروح لقلبي.
"المناقب" لابن الجوزي ص 351، "سير أعلام النبلاء" 11/ 226
قال الفضل بن عبد الصمد الأصبهاني: حضرت باب أبي عبد اللَّه، فاستأذنت عليه، فجاء ابنه عبد اللَّه فدخل، فقال له رجل: تعلم أبا عبد اللَّه أن فلانا مات وجنازته تحمل؟ فأخبره عبد اللَّه، ثم خرج فقال للرجل: أخبرته وترحم عليه ودعا له، إنه يكره أن يعلم الناس بخروجه فيكثروا عليه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 351
قال أحمد بن محمد المُسَيِّبي: قلت لأبي عبد اللَّه: إني أحب أن آتيك فأسلم عليك، ولكني أخاف أن يكره الرجل (1)، فقال: إنا لنكره ذلك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 351
قال المرُّوذي: ذكرت لأبي عبد اللَّه عبد الوهاب على أن يلتقيا.
فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء؟ وقال: يتزين لي وأتزين له، كفى بالعزلة علما، الفقيه الذي يخاف اللَّه.
وقال: لقد استرحت، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث، وليتنا نترك، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث.
وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: أريد النزول بمكة ألقي نفسي في شعب من تلك الشعاب حتى لا أعرف.
وقال: قال لي أبو عبد اللَّه: قل لعبد الوهاب: اخمل ذكرك، فإني قد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء.
وسمعته يقول: لو وجدت السبيل إلى الخروج لم أقم في هذِه المدينة، ولخرجت منها حتى لا أذكر عند هؤلاء ولا يذكروني.
"المناقب" لابن الجوزي ص 351 - 353، "سير أعلام النبلاء" 11/ 216، 226، 305
قال إسحاق بن إبراهيم بن يونس: رأيت أحمد بن حنبل وقد صلى الغداة، فدخل منزله، وقال: لا تتبعوني مرة أخرى. وكان يمشي وحده متواضعًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 353، "الآداب الشرعية" 2/ 8
قال محمد بن الحسن بن هارون: رأيت أبا عبد اللَّه إذا مشى في الطريق يكره أن يتبعه أحد.
"المناقب" لابن الجوزي ص 353، "سير أعلام النبلاء" 11/ 226
قال عبد اللَّه: كان أبي إذا خرج يوم الجمعة لا يدع أحدًا يتبعه، وربما
(1) في نسخة: أن تكره الرحل.
وقف حتى ينصرف الذي يتبعه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 353
قال ابن هانئ: رأيت أحمد بن حنبل يمشي وحده متواضعا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 353
قال المرُّوذي: أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد اللَّه -وكان رجلًا صالحا- فقال: إن أمي رأت لك كذا وكذا، وذكرت الجنة.
فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج سهل إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
"المناقب"، لابن الجوزي ص 355، "سير أعلام النبلاء" 11/ 227، "الآداب الشرعية" 3/ 436
قال المرُّوذي: سمعت أبا حازم يقول: كنت عند أبي عبد اللَّه فأتاه رجل شيخ فقال: يا أبا عبد اللَّه، مررت بقوم فذكروك فقالوا: أحمد بن حنبل من خير الناس، فما اكترث لذلك.
"المناقب" لابن الجوزي ص 355
قال المرُّوذي: وأراد أبو عبد اللَّه أن يبول في مرضه الذي مات فيه فدعا بطست فجئت به، فبال دما عبيطًا، فأريته عبد الرحمن المتطبب فقال: هذا رجل قد فتت الغم -أو قال الحزن- جوفه.
"المناقب" لابن الجوزي ص 355
قال المرُّوذي: دخلت على أحمد يوما فقلت: كيف أصبحت؟
فقال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يطالبه بقبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟
"المناقب" لابن الجوزي ص 355، "سير أعلام النبلاء" 11/ 227
قال المرُّوذي: دخلت موضعًا وأبو عبد اللَّه متوكئ عليَّ، فاستقبلتنا امرأة بيدها طنبور مكشوف، فتناولته منها فكسرته وجعلت أدوسه، وأبو عبد اللَّه واقف منكس الرأس إلى الأرض، فلم يقل شيئًا، وانتشر أمر الطنبور.
فقال أبو عبد اللَّه: ما علمت بهذا، ولا علمت أنك كسرت طنبورًا
بحضرتي إلى الساعة.
"المناقب" لابن الجوزي ص 356، "سير أعلام النبلاء" 11/ 227
قال محمد بن إبراهيم البُوشَنْجيُّ: حكي لنا عن المتوكل أنه قال: إن أحمد ليمنعنا من برِّ ولده. وذلك أنه كان وجه إلى ولده وإلى ولد ولده وإلى عمه بمال عظيم فأخذوه دون علم أحمد، فلما بلغه ذلك أنكر عليهم وتقدم إليهم برده، وقال لهم: لم تأخذوه والثغور معطلة غير مشحونة، والفيء غير مقسوم بين أهله؟ فاعتلوا بخروج ذلك المال من أيديهم في ديونهم وما كان عليهم، ثم وجه المتوكل مالا آخر وقال: ليُعْطَ ولده من غير علم أحمد فأخذوه، فبلغ ذلك أحمد فجمعهم، وقال لهم: احتججتم في المال الأول بذهابه عنكم وبديونكم فردوه، فأنا شهدت وقد سد بابا كان بينه وبين صالح ابنه، وترك مسجده ومؤذنه عمه وإمامه ابن عمير، وداره لزيقة المسجد، وهجرهم من أجل ذلك المال، وأنا رأيته يخرج من زقاقه ومن دربه إلى الشارع، ويدخل دربًا آخر فيه مسجد يقال له: مسجد سدرة، يصلي فيه الجماعة، ثم لما أشخص إلى العسكر أيام المتوكل، أحضر دار الخلافة ليحدث فيها ولد المتوكل المعتز والمنتصر والمؤيد، وهم ولاة العهود، فجعل يتمارض، وإذا سئل قال: لا أحفظ وكتبي عني غائبة حتى أعفي، ووقَّع المتوكل في بعض ما وقَّع: أعفينا أحمد مما يكره، ولقد جاءته تحفة رطب من قبل المتوكل مختومة فما طعم منها، وبلغني أنه احتج في ذلك اليوم وقال: إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره، فإذا جاءه شيء قال: هذا مما أكره، فيُعفى، فكانت هذِه حاله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 468
قال محمد بن يوسف الجوهري: دخلت علي أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل في الحبس، وعنده أبو سعيد الحداد، فقال له: كيف تجدك؟
فقال: بخير في عافية والحمد للَّه. فقال له أبو سعيد: حممت البارحة؟
قال: إذا قلت لك: أنا في عافية. فحسبك، لا تخرجني إلى ما أكره.
"المناقب" لابن الجوزي ص 488
قال أبو إسحاق الجوزجاني: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزاق، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئا.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 193
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: كنت في أزري من اليمن إلى مكة. قلت: اكتريت نفسك من الجمالين؟ قال: قد اكتريت لكتبي. ولم يقل: لا.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 194
قال المروذي: رأيت أبا عبد اللَّه، وجاءه بعض قرابته فأعطاه درهمين. وأتاه رجل فبعث إلى البقال، فأعطاه نصف درهم.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 218
قال يحيى بن هلال: جئت أحمد فأعطاني أربعة دراهم.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 218
قال عبد اللَّه: ما رأيت أبي دخل الحمام قط.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 222
قال حنبل: قيل لأبي عبد اللَّه لما ضرب وبرئ، وكانت يده وجعة مما علق، وكانت تضرب عليه، فذكروا له الحمام، وألحوا عليه، فقال: يا أبا يوسف، كلم صاحب الحمام يخليه لي، ففعل ثم امتنع، وقال: ما أريد أن أدخل الحمام.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 222
قال إدريس الحداد: كان أحمد بن حنبل إذا ضاق به الأمر آجر نفسه من الحاكة، فسوى لهم، فلما كان أيام المحنة، وصرف إلى بيته، حمل إليه مال، فرده وهو محتاج إلى رغيف، فجعل عمه إسحاق يحسب ما يرد، فإذا هو نحو خمس مائة ألف.
قال: فقال: يا عم، لو طلبناه لم يأتنا، وإنما أتانا لما تركناه.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 300
قال إسماعيل بن العلاء: دعاني رزق اللَّه بن الكلوذاني، فقدم إلينا طعاما كثيرا، وفينا أحمد، وابن معين، وأبو خيثمة، فقُدمتْ لوزينج أنفق عليها ثمانين درهما. فقال أبو خيثمة: هذا إسراف.
فقال أحمد بن حنبل: لو أن الدنيا في مقدار لقمة، ثم أخذها مسلم، فوضعها في فم أخيه لما كان مسرفا. فقال له يحيى: صدقت (1).
"سير أعلام النبلاء" 11/ 303
قال هيدام بن قتيبة المروذي: أخبرت أن خراسانيا جاء إلى أبي عبد اللَّه وعنده قوم جلوس فقال: يا أبا عبد اللَّه أنت عندنا بخراسان مثل الشمس، فتغير أبو عبد اللَّه وكره ما قال، وأظهر الكراهة، وقام فدخل.
"الآداب الشرعية" 3/ 438
قال إبراهيم الحربي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن أحببت أن يدوم اللَّه لك على ما تحب فدم له على ما يحب.
"البداية والنهاية" 10/ 780
وقال إبراهيم: قال رجل لأحمد: هذا العلم تعلمته للَّه؟
فقال له أحمد: هذا شرط شديد ولكن حُبِّبَ إليَّ شيء فجمعتُه. وفي رواية أنه قال: أما للَّه فعزيز، ولكن حبب إليَّ شيء فجمعته.
"البداية والنهاية" 10/ 780
(1) قال الذهبي في "السير": وهذِه حكاية منكرة.