الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - فصل: خروجه إلى العسكر بعد انقضاء هذِه التهمة
قال الكوسج: قلت لأحمد: أَوَ يَسَعُك أن لا تحدِّث؟ قال: لم لا يسعني، أنا قد حدَّثت.
"مسائل الكوسج"(338)
قال صالح: فلما كان بعد يومين ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد صح عنده براءتك مما قذفت به، وقد كان أهل البدع قد مدُّوا أعينهم، فالحمد للَّه الذي لم يشمتهم بك، وقد وجه إليك أمير المؤمنين بيعقوب المعروف بقوصرة، ومعه جائزة، ويأمرك بالخروج، فاللَّه اللَّه، أن تستعفي أو ترد المال.
"السيرة" لصالح ص 91
قال صالح: ثم ورد من الغد يعقوب قَوْصَرَة، فدخل إلى أبي فقال له: يا أبا عبد اللَّه، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، يقول: قد صح عندنا نقاء ساحتك، وقد أحببت أن أسر بقربك، وأتبرك بدعائك، وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك، وأخرج بَدْرَة فيها صرة نحو مئتي دينار، والباقي دراهم صحاح، فلم ينظر إليها، ثم شدها يعقوب، وقال له: أعود غدا حتى انظر ما تعزم عليه، وقال له: يا أبا عبد اللَّه، الحمد للَّه الذي لم يشمت بك أهل البدع. وانصرف.
فجئت بإجانة خضراء أكبها على البدرة، فلما كان عند المغرب، قال: يا صالح، خذ هذِه الصرة عندك، فصيرتها عند رأسي فوق البيت، فلما كان سحرا، إذ هو ينادي: يا صالح، فقمت، فصعدت إليه.
فقال: يا صالح ما نمتُ ليلتي هذِه؟ فقلت له: يا أبه لم؟ فجعل يبكي. وقال: سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري بُليتُ بهم، قد عزمت على أن تفرق هذا الشيء إذا أصبحت. فقلت: ذلك إليك.
فلما أصبح جاءه الحسن بن البزار، فقال: يا صالح، جئني بميزان،
وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار، ثم قال: وجه إلى فلان حتى يفرق في ناحيته، وإلى فلان، فلم يزل حتى فرقها كلها، ونفض الكيس، ونحن في حالة اللَّه بها عليم، فجاءني ابن لي فقال له: يا أبه أعطني درهما، فنظر إلي، فأخرجت قطعة أعطيته.
فكتب صاحب البريد: إنه تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس.
قال علي بن الجهم: فقلت: يا أمير المؤمنين، قد تصدق بها، وعلم الناس أنه قد قبل منك، ما يصنع أحمد بالمال؟ وإنما قوته رغيف! قال: فقال لي: صدقت يا علي.
"السيرة" لصالح ص 92 - 93
قال صالح: ثم أخرج أبي رحمه الله ليلا، ومعنا حراس معهم النفاطات، فلما أصبح وأضاء الفجر، قال لي: يا صالح أمعك دراهم؟
قلت: نعم. قال: أعطهم، فأعطيتهم درهمًا درهمًا.
فلما أصبحنا جعل يعقوب يسير معه، فقال له: يا أبا عبد اللَّه، ابن الثلجي، بلغني أنه كان يذكرك.
فقال له: يا أبا يوسف، سَل اللَّه العافية.
فقال له: يا أبا عبد اللَّه، أريد أن أؤدي عنك فيه رسالة إلى أمير المؤمنين، فسكت. فقال له: إن عبد اللَّه بن إسحاق أخبرني أن الوَابصِي قال له: إني أشهد عليه أنه قال: إن أحمد يعبدُ ماني! !
فقال: يا أبا يوسف، يكفي اللَّه.
فغضب يعقوب، فالتفت إليَّ، فقال: ما رأيت أعجب مما نحن فيه، أسأله أن يطلق لي كلمة أخبر أمير المؤمنين، فلا يفعل!
قال صالح: وقصر أبي الصلاة في خروجه إلى العسكر، وقال: تقصر الصلاة في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا، فصليت يوما به العصر،
فقال لي: طولت بنا العصر، تقرأ في الركعة مقدار خمس عشرة آية، وكنت أصلي به في العسكر.
قال صالح: فلما صرنا بين الحائطين قال لنا يعقوب: أقيموا، ثم وجه إلى المتوكل بما عمل، فدخلنا العسكر، وأبي منكس الرأس ورأسه مغطى، فقال له يعقوب: اكشف رأسك يا أبا عبد اللَّه فكشفه، ثم جاء وصيف يريد الدار، فلما نظر إلى الناس وجمعهم قال: ما هؤلاء؟ قالوا: أحمد بن حنبل. فوجه إليه بعدما جاز بيحيى بن هَرْثَمة، فقال: يُقرئك الأمير السلام، ويقول: الحمد للَّه الذي لم يشمت بك أهل البدع، قد علمت ما كان من حال ابن أبي دؤاد، فينبغي أن تتكلم بما يجب للَّه، ومضى يحيى.
"السيرة" لصالح ص 94 - 95
قال صالح: أنزل أبي دار إيتاخ، فجاء علي بن الجهم، فقال: قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقها، وأمر أن لا يعلم شيخكم بذلك فيغتم، ثم جاءه محمد بن معاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك، ويقول: تقيم هاهنا تُحَدِّث.
فقال: أنا ضعيف، ثم وضع أصبعه على بعض أسنانه، فقال: إن بعض أسناني يتحرك، وما أخبرت بذلك ولدي.
ثم وجه إليه، فقال: ما تقول في بهيمتين انتطحتا، فعقرت إحداهما الأخرى، فسقطت فذبحت؟
فقال: إن كان أطرف بعينه أو مَصَع بذنبه، وسال دمه، يؤكل.
قال صالح: ثم صار إليه يحيى بن خاقان، فقال: يا أبا عبد اللَّه، قد أمر أمير المؤمنين أن أصير إليك لتركب إلى أبي عبد اللَّه. ثم قال لي: أمرني أن أقطع له سوادًا وطيلسانًا وقلنسوةً، فأي قلنسوة يلبس؟
فقلت له: ما رأيته لبس قلنسوة قط.
فقال له: إن أمير المؤمنين قد أمر أن يُصَيَّر لَك مرتبةً في أعلى المراتب، ويصير أبو عبد اللَّه في حجرك، ثم قال: قد أمرني أمير المؤمنين أن يُجْرى عليكم، وعلى قراباتك أربعة آلاف درهم، تفرقها عليهم. ثم أعاد يحيى من الغد. فقال: يا أبا عبد اللَّه، تركب؟
قال: ذاك إليكم. فقال: أستخير اللَّه، فلبس إزاره وخُفَّيه، وقد كان خفه قد أتى عنده نحو من خمس عشرة سنة، قد رقع برقاع عدة، فأشار يحيى إلى أن يلبس قلنسوة. فقال: كيف يدخل عليه حاسرا؟ ! ويحيى قائم، فطلبنا له دابة يركبها، فقال يحيى يصلي، فجلس على التراب، وقال:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]، ثم ركب بغل بعض التجار، فمضينا معه حتى دخل دار المعتز، فأجلس في بيت الدهليز، ثم جاء يحيى فأخذ بيده حتى أدخله، ورفع لنا الستر ونحن ننظر.
وكان المعتز قاعدًا على دكان في الدار، وكان قد تقدم يحيى إليه، فقال: لا تمد يدك إليه، فلما صعد الدكان قعد. فقال له يحيى: يا أبا عبد اللَّه، إن أمير المؤمنين جاء ليأنس بقربك، يصير أبا عبد اللَّه في حجرك.
فأخبرني بعض الخدم أن المتوكل كان قاعدًا وراء ستر، فلما دخل الدار قال لأمه: يا أماه، قد أنارت الدار. ثم جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وأخرج منه مبطنة فيها قميص، فأدخل يده في جيب القميص والمبطنة، ثم أخذ بيد أبي فأقامه، ثم أدخل القميص والمبطنة في رأسه، ثم أدخل يده اليمنى وكذلك اليسار، وهو لا يحرك يده، تم أخذ قلنسوة فوضعها على رأسه، وألبسه طيلسانا ولحفه به، ولم يجيئوا بخف فبقي الخف عليه، ثم انصرف، وكانوا قد تحدثوا أنه لا يخلع عليه السواد، فلما صار إلى الدار نزع الثياب عنه، ثم جعل يبكي، ثم قال: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان آخر عمري، بُليت بهم، ما أحسبني
سلمت من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب علي نصحه، من وقت تقع عيني عليه إلى أن أخرج من عنده؟
ثم قال: يا صالح، وجه بهذِه الثياب إلى بغداد تباع، ويتصدق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئًا.
قال صالح: فوجهت بها إلى يعقوب بن بختان، فباعها، وفرق ثمنها، وبقيت عندي القلنسوة. ثم أخبرناه أن الدار التي هو فيها كانت لإيتاخ.
فقال: اكتب رقعة إلى محمد بن الجراح ليُعفى لي من هذِه الدار. فكتبنا رقعة، فأمر المتوكل أن يُعفى منها، ووجه إلى قوم ليخرجوا من منازلهم، فسأل أن يعفى من ذلك، واكتريت له دار بمائتي درهم، فصار إليها. وأجرى لنا مائدة وثلج، وضرب الخيش فلما رأى الخيش والطبرى، نحى نفسه عن ذلك الموضع، وألقى نفسه على مضربة له، واشتكت عينه وبرئت. قال: ألا تعجب، كانت عيني تشتكي فمكثت حينا حتى تبرأ، ثم قد برئت في سرعة، وجعل يواصل، يفطر في كل ثلاث على تمر وسويق، فمكث بذلك خمس عشرة، يفطر في كل ثلاث، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة وليلة، لا يفطر إلا على رغيف، وكان إذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لا يراها، فيأكل من حضر، وكان إذا أجهده الحر بلَّ خرقة، فيضعها على صدره، وفي كل يوم يوجه المتوكل إليه بابن ماسَوَيْه، فينظر إليه، ويقول له: يا أبا عبد اللَّه، أنا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة إلا الضعف وقلة الدد (1)، إنا أمرنا عبادنا بأكل دهن الخل، فإنه يلين، وجعل يجيئه بالشيء ليشربه، فيصبه.
وقطع له يحيى: دراعة، وطيلسانًا سوادًا. وجعل يعقوب وغياث يصيران
(1) الدد: اللهو واللعب. "لسان العرب" مادة [ددن]، [ددا].
إليه، فيقولان له: يقول لك أمير المؤمنين، ما تقول في ابن أبي دؤاد في ماله؟ فلا يجيب في ذلك. وجعل يعقوب وغياث يخبرانه بما يحدث من أمر ابن أبي دؤاد في كل يوم. ثم انحدر ابن أبي دؤاد إلى بغداد، فأشهد عليه ببيع ضياعه، وكان ربما صار إليه يحيى بن خاقان وهو يصلي، فيجلس في الدهليز حتى يفرغ. ويجيء علي بن الجهم فينزع سيفه وقلنسوته ويدخل عليه.
وأمر المتوكل أن يشتري لنا دارًا.
فقال: يا صالح. قلت: لبيك.
قال: لئن أقررت لهم بشراء دار لتكونن القطيعة بيني وبينكم، إنما يريدون أن يصيروا هذا البلد لي مأوى ومسكنا. فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع، وصار إلي صاحب المنزل فقال: أعطيك كلَّ شهر ثلاثة آلاف مكان المائدة؟ فقلت: لا أفعل. وجعلت رسل المتوكل تأتيه يسألونه عن خبره، فيصيرون إليه، ويقولون له: هو ضعيف، وفي خلال ذلك يقولون: يا أبا عبد اللَّه لابد من أن يراك، فيسكت، فإذا خرجوا قال: ألا تعجب من قولهم: لابد من أن يراك، وما عليهم من أن يراني؟
وكان في هذِه الدار حجرة صغيرة فيها بيتان، فقال: أدخلوني تلك الحجرة ولا تسرجوا سراجا، فأدخلناه إليها فجاءه يعقوب، فقال: يا أبا عبد اللَّه، أمير المؤمنين مشتاق إليك، ويقول: انظر إلى اليوم الذي تصير إليه فيه أي يوم هو حتى أعرفه؟ فقال: ذاك إليكم.
فقال: يوم الأربعاء يوم خال. وخرج يعقوب، فلما كان الغد، جاء فقال: البشرى يا أبا عبد اللَّه، أمير المؤمنين، يقرأ عليك السلام، ويقول: قد أعفيتك من لبس السواد، والركوب إلي وإلى ولاة العهود، وإلى الدار، فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف، فجعل يحمد اللَّه على ذلك.
وقال له يعقوب: إن لي ابنا، وأنا معجب، وله في قلبي موقع، فأحب أن
تحدثه بأحاديث، فسكت. فلما خرج، قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه!
قال صالح: كان أبي يختم من جمعة إلى جمعة، فإذا ختم دعا، فيدعو ونؤمن على دعائه، فلما كان غداة الجمعة، وجه إليَّ وإلى أخي عبد اللَّه، فلما أن ختم، جعل يدعو ونؤمن على دعائه، فلما فرغ جعل يقول: أستخير اللَّه مرارًا. فجعلت أقول: ما تريد؟ ثم قال: إني أعطي اللَّه عهدًا، إن العهد كان مسئولًا، وقد قال اللَّه عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أني لا أحدث حديثًا تاما أبدًا حتى ألقى اللَّه، ولا أستثني منكم أحدًا، فخرجنا، وجاء علي بن الجهم، فقلنا له، فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون. فأخبر المتوكل بذلك.
وقال: إنما يريدون أن أحدث، فيكون هذا البلد حبسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا، وأمروا فحدثوا.
وكان يخبرونه، فيتوجع لذلك، وجعل يقول: واللَّه لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك، إن هذا فتنة الدنيا، وكان ذاك فتنة الدين، ثم جعل يضم أصابع يده، ويقول: لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها، ثم يفتح أصابعه.
وكان المتوكل يوجه إليه في كل وقت يسأل عن حاله، وكان في خلال ذلك يؤمر لنا بالمال، فيقول: يوصل إليهم ولا يعلم شيخهم فيغتم، ما يريد منهم؟ إن كان هؤلاء يريدون الدنيا فلم يمنعهم؟
وقالوا للمتوكل: إنه كان لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فرشك، ويحرم الذي تشرب. فقال لهم: لو نشر لي المعتصم [وقال لي فيه شيئًا](1) لم أقبل منه.
"السيرة" لصالح ص 96 - 102
(1) من "المناقب" لابن الجوزي ص 452.
قال صالح: ثم إني انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد اللَّه عنده، فإذا عبد اللَّه قد قدم وجاءَ بثيابي التي كانت عنده. فقلت: ما جاء بك؟
قال: قال لي: انحدر وقل لصالح: لا تخرج فأنتم كنتم آفتي، واللَّه لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت منكم واحدًا معي، ولولا مكانكم لمن كانت توضع هذِه المائدة؟ ولمن كان يفرش هذا الفرش، ويجري هذا الإجراء؟
قال صالح: فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد اللَّه، فكتب إلي بخطه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم أحسن اللَّه عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك والذي قلتُ لعبد اللَّه: لا يأتيني أحد وربما ينقطع ذكري ويَخْمُد، فإنكم إذا كنتم هاهنا فشا ذكري، وكان يجتمع إليك قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير، واعلم يا بني إن أقمتَ فلم تأت أنت ولا أخوك فهو رضائي، فلا تجعل في نفسك إلا خيرًا، والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته.
قال صالح: ثم ورد إلي كتاب آخر يذكر فيه: بسم اللَّه الرحيم، أحسن اللَّه عاقبتك، ودفع عنك السوءَ برحمته، كتابي إليك وأنا في نعمة من اللَّه عز وجل متظاهرة، أسأله تمامها والعون على أداء شكرها، قد انفكَّت عنا عقدة، إنما كان حبس من كان هاهنا لما أعطوا فقبلوا، وأجري عليهم فصاروا في الحد الذي صاروا إليه، وحدثوا ودخلوا عليهم، فهذِه كانت قيودهم، فنسأل اللَّه أن يعيذنا من شرهم ويخلصنا، فقد كان ينبغي لكم لو قربتموني بأموالكم وأهاليكم فهان ذلك عليكم للذي أنا فيه، فلا يكبر عليك ما أكتب به إليكم، فالزموا بيوتكم فلعل اللَّه تعالى أن يخلصني، والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
ثم ورد عليَّ غير كتاب إليَّ بخطه بنحو من هذا. فلما خرجنا من العسكر
رُفِعَت المائدة والفرش، وكلُّ ما كان أقيم لنا.
"السيرة" لصالح ص 102 - 104
قال صالح: ثم سأَل أبي أن يُحَوَّل من الدار التي اكتريت له، فاكترى هو دارًا وتحوَّل إليها، فسأل المتوكل عنه، فقيل: إنه عليل. فقال: كنت أحب أن يكون في قربي وقد أذنت له، يا عبيد اللَّه احمل إليه ألف دينار ينفقها، وقال لسعيد: تهيئ له حراقة (1) ينحدر فيها. فجاءَه علي بن الجهم في جوف الليل، فأخبره، ثم جاء عبيد اللَّه ومعه ألف دينار. فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وقد أمر لك بهذِه الألف دينار.
فقال: قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره فردها. وقال: أنا رقيق على البرد، والبر أرفق بي. فكتب إلى محمد بن عبد اللَّه في بره وتعاهده، فقدم علينا بين الظهر والعصر.
"السيرة" لصالح ص 106 - 107
قال حنبل: فلما كان بعد أيام من هذِه الفتنة التي رفع على أبي عبد اللَّه في ذكر العلوي، بينا نحن جلوس بباب الدار وقت انتصاف النهار، إذا يعقوب -المعروف بقوصرة، وكان أحد حجاب المتوكل- قد أقبل، فاستأذن على أبي عبد اللَّه، فدخل ودخل أبي وأنا معه، ومع بعض غلمانه بدرة على بغل، فدخل إلى أبي عبد اللَّه ومعه كتاب المتوكل، فقرأه على أبي عبد اللَّه: إنه صح عند أمير المؤمنين براءتك مما رفع عليك عند أمير المؤمنين، وقد وجه إليك هذا المال لتستعين به على حاجتك. فأبى أبو عبد اللَّه أن يقبله، وقال: مالي إليه حاجة، وكلام نحو هذا.
فقال له يعقوب: يا أبا عبد اللَّه، اقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به، فإن هذا أخير لك عنده. وقال له أبي: يا أبا عبد اللَّه، أفعل ولا ترده، فإنك إن
(1) سفينة فيها مرامي نيران يُرمى بها العدو.
رددته خفت أن يظن بك الرجل سوءًا، فاقبله، واصرفه فيما أحببت. فحينئذ قبلها، فلما خرج يعقوب، قال لي أبو عبد اللَّه: يا أبا علي، قلت: لبيك.
قال: ارفع هذِه الإجانة وكانت في هذِه الدار إجانة موضوعة، فرفعتها.
فقال: ضعها تحتها، فوضعتها تختها. وخرجنا من عند أبي عبد اللَّه، وترك المال تحت الإجانة بقية يومه وليلته.
فلما كان من الليل، إذا أم ولد لأبي عبد اللَّه تدق علينا الحائط الذي بينا وبينه، فقلت لها: مالك؟ فقالت: مولاي يدعو عمه، فأعلمت أبي، فخرجنا جميعًا، فدخلنا عليه، وذلك في جوف الليل.
فقال: يا عم، ما أخذني النوم هذِه الليلة.
فقال له أبي: ولم؟ قال: لهذا المال الذي عندي.
وجعل يتوجع لأخذه، وجعل أبي يسكنه ويكلمه ويسهل عليه، وقال له: حتى تصبح وترى فيه رأيك، فإن هذا ليل، والناس في منازلهم، فإذا أصبحت -إن شاء اللَّه- نظرت ما تصنع، فأمسك وخرجنا.
فلما كان في السحر، وجه إلى عبدوس بن مالك، وحسن بن البزاز، فحضرا وحضر جماعة فيهم هارون الجمال، وأحمد بن منيع، وابن الدورقي وغيرهم، وحضرت أنا وأبي وصالح وعبد اللَّه ومن حضر، فجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل الستر والصلاح ببغداد والكوفة وغيرهما، ووجه منها إلى سعيد الأشج، وإلى أبي كريب، وإلى من ذكر من أهل العلم وأهل الستر، ممن يعلم أنه محتاج، ففرقها كلها ما بين الخمسين إلى المائة والمائتين، فما بقي في الكيس درهم واحد. ثم أمر بالكيس فتصدق به على مسكين.
فلما كان بعد ذلك مات إسحاق بن إبراهيم ومات ابنه محمد، وولي بغداد عبد اللَّه بن إسحاق. فجاء رسول عبد اللَّه بن إسحاق إلى أبي عبد اللَّه،
فذهب إليه، فقرأ عليه كتاب المتوكل، وقال له: يأمرك بالخروج.
فقال أبو عبد اللَّه: أنا شيخ ضعيف وأنا عليل.
فقال: اكتب بذلك إلى أمير المؤمنين. فكتب عبد اللَّه بن إسحاق بما رد عليه أبو عبد اللَّه. فورد جواب الكتاب أن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد اللَّه ابن إسحاق برابطة وجنود، فباتت على بابنا أيامًا وليالي، حتى تهيأ أبو عبد اللَّه للخروج، فخرج أبو عبد اللَّه، وخرج صالح وعبد اللَّه، وأبي زميله، فلما صرنا نحو باب الشماسية، قال لي: ارجع فليس في أهلنا رجل، تكون أنت، فرجعت.
"ذكر المحنة" لحنبل ص 91 - 102
قال المروذي: قال لي أبو عبد اللَّه ونحن بالعسكر: ألا تعجب! كان قوتي فيما مضى أربعة أرغفة، أو نحو من أربعة أرغفة، وقد ذهبت عني شهوة الطعام فما أشتهيه، قد كنت في السجن آكل، وذاك عندي زيادة في إيماني، وهذا نقصان، أخاف أن أُفتن بالدنيا، لقد تفكرت البارحة فقلت: هذِه محنتان، امتحنت بالدين، وهذِه محنة بالدنيا.
وقال لنا أبو عبد اللَّه ونحن يوما بالعسكر: لي اليوم ثمان منذ لم آكل شيئًا ولم أشرب إلا أقل من ربع سويق، وكان يمكث ثلاثا لا يطعم وأنا معه، فإذا كان ليلة الرابعة أضع بين يديه قدر نصف ربع سويق، فربما شربه وربما ترك بعضه، فمكث نحوا من خمسة عشرة يوما أو أربعة عشر يوما لم يطعم إلا أقل من ربعين سويقا، وكان إذا ورد عليه أمر يغمه لم يفطر وواصل إلا شربة ماء.
وانتبهت ليلة -وقد كان واصل- فإذا هو قاعد، فقال: هو ذا يدار بي من الجوع، أطعمني شيئا، فجئته بأقل من رغيف، فأكل، ثم قال: لولا أني أخاف العون على نفسي ما أكلت، وكان يقوم من فراشه إلى المخرج، فكان يقعد يستريح من الضعف والجوع والوصال، حتى إن كنت لأبل الخرقة فألقيها على وجهه فيرجع إليه نفسه، حتى أوصى من الضعف من
غير مرض. ثم كُلم أبو عبد اللَّه في أمره، وفي الحمل على نفسه بالضر. فقيل له: لو أمرت بقدر تطبخ لك؛ لترجع إليك نفسك، وتقوى على الصلاة؟ فقال: الطبيخ طعام المبطانين.
"الورع" للمروذي (274)، (275)
قال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: أيش حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة ونحن بالعسكر؟
قال: حجتي الحسن وإبراهيم التيمي تخوفا أن يفتنهم الحجاج، وأنا أخاف أن يفتنني هذا بدنياه -يعني: الخليفة.
"الورع" للمروذي (278)
قال المروذي: سمعت إسحاق بن حنبل ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد اللَّه ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره وينهاه، وقال له: إنه يقبل منك، هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر فيأمره وينهاه.
فقال له أبو عبد اللَّه: تحتج عليَّ إسحاق! فأنا غير راض بفعاله، ما له في رؤيتي خير، ولا لي في رؤيته خير.
وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: يجب عليَّ إذا رأيته -يعني: الخليفة- أن آمره وأنهاه.
"أخبار الشيوخ وأخلاقهم" للمروذي (1)، (2)
قال المرُّوذي: سمعت زهير بن محمد يقول: أنا أول من تلقى أبا عبد اللَّه في دار إسحاق، قبل أن يخرج من الحراقة. قال: فخرج وعليه الكساء الذي خلع عليه، قال: فسقط فجعل يجره وما سواه عليه.
"أخبار الشيوخ وأخلاقهم" للمروذي (200)
قال عبد اللَّه: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يومًا، ما ذاق شيئًا إلا مقدار ربع سويق، في كل ليلة كان يشرب شربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق، فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر، ورأيت مأْقَيْه قد دخلا في حَدَقيه.
"حلية الأولياء" 9/ 179، "تاريخ دمشق" 5/ 301، "المناقب" ص 455، "سير أعلام النبلاء" 11/ 334، "البداية والنهاية" 10/ 778، 790
قال حنبل: وأخبرني أبي -يعني: إسحاق عم أحمد- قال: لما وصلنا العسكر أنزلنا السلطان دارًا لإيتاخ، ولم يعلم أبو عبد اللَّه، فسأل بعد ذلك: لمن هذِه الدار؟ فقالوا: هذِه دار لإيتاخ.
فقال: حولوني واكتروا لي دارًا. قالوا: هذِه دار أنزلكها أمير المؤمنين.
فقال: لا أبيت هاهنا.
فاكترينا له دارًا غيرها وتحول عنها، وكانت تأتينا في كل يوم مائدة أمر بها المتوكل فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك، فما نظر إليها أبو عبد اللَّه ولا ذاق منها شيئًا، وكانت نفقة المائدة في كل يوم مائة وعشرين درهمًا، فما نظر إليها أبو عبد اللَّه، ودامت العلة بأبي عبد اللَّه وضعف ضعفًا شديدًا، وكان يواصل فمكث ثمانية أيام مواصلًا لا يأكل ولا يشرب، فلما كان في اليوم الثامن كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد اللَّه ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام وهذا لك اليوم ثمانية أيام.
فقال: إني مطيق. قلت: بحقي عليك.
فقال: إذ حلفتني بحقك فإني أفعل، فأتيته بسويق فشرب.
وأجرى المتوكل على ولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر، فبعث إليه أبو عبد اللَّه: إنهم في كفاية، فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك مالك ولهذا! ؟
فقال له أحمد: يا عم ما بقي من أعمارنا، كأنك بالأمر قد نزل بنا، فاللَّه اللَّه، فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا، وإنما هي أيام قلائل، لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر، صبر قليل وثواب طويل إنما هذِه فتنة.
فلما طالت علة أحمد كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج، فدخل ابن ماسويه على المتوكل، فقال له المتوكل:
ويحك، ابن حنبل ما نجح فيه الدواء.
فقال له: يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليست به علة في بدنه، إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة، فسكت المتوكل.
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد اللَّه، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل، فوجه المتوكل إلى أبي عبد اللَّه، يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويدعو له ويسلم عليه، ويجعله في حجره. فامتنع، ثم أجاب رجاء أن يطلق، وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز، فامتنع، وكانت عليه ميثرة نمور، فقدم إليه بغل لتاجر، فركبه، وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق. فدخل أبو عبد اللَّه على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه، فلما رأته، قالت: يا بني، اللَّه اللَّه في هذا الرجل، فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله، فائذن له ليذهب، فدخل أبو عبد اللَّه على المعتز، فقال: السلام عليكم، وجلس، ولم يسلم عليه بالإمرة.
فسمعت أبا عبد اللَّه بعد يقول: لما دخلت عليه، وجلست، قال مؤدبه: أصلح اللَّه الأمير، هذا هو الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك.
فقال الصبي: إن علمني شيئًا؟ تعلمته.
قال أبو عبد اللَّه: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره، وكان صغيرا.
ودامت علة أبي عبد اللَّه، وبلغ المتوكل ما هو فيه، وكلمه يحيى بن خاقان أيضا، وأخبره أنه رجل لا يريد الدنيا، فأذن له في الانصراف، فجاء عبيد اللَّه بن يحيى وقت العصر، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن يفرش لك حراقة تنحدر فيها.
فقال أبو عبد اللَّه: اطلبوا لي زورقا أنحدر الساعة، فطلبوا له زورقا،
فانحدر لوقته.
قال حنبل: فما علمنا بقدومه حتى قيل: إنه قد وافى، فاستقبلته بناحية القطيعة، وقد خرج من الزورق، فمشيت معه، فقال لي: تقدم لا يراك الناس فيعرفوني، فتقدمته. قال: فلما وصل، ألقى نفسه على قفاه من التعب والعياء.
"طبقات الحنابلة" 1/ 25 - 26، "سير أعلام النبلاء" 11/ 269 - 272، "المنهج الأحمد" 1/ 78
قال أبو الحسين بن المنادي: امتنع أحمد من الحديث قبل أن يموت عثمان بثمان سنين أقل أو أكثر، وذلك أن المتوكل وجه إليه -فيما بلغنا- يقرأ عليه السلام ويجعل المعتز في حجره ويعلمه العلم، فقال للرسول: اقرأ على أمير المؤمنين السلام وأعلمه أن عليَّ يمينا مقفلة أني لا أتم حديثا حتى أموت. وقد كان أمير المؤمنين أعفاني مما أكره، وهذا مما أكره فقام الرسول من عنده.
"طبقات الحنابلة" 1/ 27، "المناقب" ص 458، "الجوهر المحصل" ص 109
قال المرُّوذي: سمعت يعقوب -رسول الخليفة- يقول لأبي عبد اللَّه: يجيئك ابني بين المغرب والعشاء فتحدثه بحديث واحد أو حديثين.
فقال: لا، لا يجيء، فلما خرج سمعته يقول: ترى لو بلغ أنفه طرف السماء حدثته، أنا أحدث! حتى يوضع الحبل في عنقي.
"المناقب" ص 451
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: أنا منذ كذا وكذا أستخير اللَّه عز وجل أن أحلف أن لا أحدِّث، وقال: قد تركنا الحديث وليس يتركونا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 452
قال المرُّوذي: كان أبو عبد اللَّه بالعسكر يقول: انظر هل تجد لي ماء الباقلاء؟ فكنت ربما بللت خبزه بالماء فيأكله بالملح، ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ما ذاق طبيخًا ولا دسمًا.
"المناقب" لابن الجوزي ص 455، "سير أعلام النبلاء" 11/ 280
قال أبو داود: كتب المتوكل إلى خليفته أن يحمل أحمد إليه، فحمل إليه، فلما قدم أحمد أمر أن يفرغ له قصر ويبسط له فيه ويجري على مائدته كل يوم كذا وكذا، وأراد أن يسمع ولده الحديث فأبى أحمد ولم يجلس على بساطه، ولم ينظر إلى مائدته وكان صائما، فإذا كان عند الإفطار أمر رفيقه الذي معه أن يشتري له ماء الباقلاء فيفطر عليه، فبقي أياما على هذِه الحال، وكان علي بن الجهم من أهل السنة حسن الرأي في أحمد، فكلم أمير المؤمنين فيه وقال: هذا رجل زاهد لا ينتفع به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له؟ ففعل. ورجع أحمد إلى منزله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 457، "الجوهر المحصل" ص 47
قال عبد اللَّه: سمعت أبي سنة سبع وثلاثين ومائتين يقول: قد استخرت اللَّه أن لا أحدث حديثا على تمامه أبدا، ثم قال: إن اللَّه يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وإني أعاهد اللَّه أن لا أحدث بحديث على تمامه أبدا، ثم قال: ولا لك، وإن كنت تشتهي. فقلت له بعد ذلك بأشهر: أليس يروى عن شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن ابن عباس قال: العهد يمين؟
قال: نعم. ثم سكت، فظننت أنه سيكفر. فلما كان بعد أيام، قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة، ثم لم أسمعه يحدث بحديث على تمامه.
"سير أعلام النبلاء" 11/ 309 - 310
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه في العسكر، يقول لولده: قال اللَّه تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أتدرون ما العقود؟ إنما هو العهود، وإني أعاهد اللَّه عز وجل، ثم قال: واللَّه، واللَّه، واللَّه، وعلي عهد اللَّه وميثاقه ألا حدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثا تاما، حتى ألقى اللَّه، ثم التفت إلى ولده، وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي، ثم بلغه عن رجل من