الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - فصل: قصته مع المتوكل
قال صالح: وجه المتوكل إلى أبي إسحاقَ بنَ إبراهيم (1) يأمره بحمل أبي إلى العسكر. فوجه إسحاق إلي أبي، فقال: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي يأمرني بإشخاصك إليه، فتأهب لذلك.
قال أبي: فقال لي إسحاق بن إبراهيم: اجعلني في حل.
فقلت: قد جعلتك وكل من حضر في حل.
قال أبي: فقال لي إسحاق: أسألك عن القرآن مسألة مسترشد لا مسألة امتحان، وليكن ذلك عندك مستورًا، ما تقول في القرآن؟
قال أبي: فقلت: القرآن كلام اللَّه ليس بمخلوق.
قال: فقل لي: من أين قلت غير مخلوق؟
قال أبي: فقلت له: قال اللَّه تبارك وتعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ففرق بين الخلق والأمر.
فقال إسحاق: الأمر مخلوق؟
فقال أبي: فقلت له: يا إسحاق، إن اللَّه يخلق خلقا (2).
فقال أبي: فقال لي: وعمن تحكي، أنه ليس بمخلوق؟
قال: فقلت: جعفر بن محمد قال: ليس بخالق ولا مخلوق. قال: فسكت.
قال أبي: فلما كانت الليلة الثانية، وجه إليَّ: ما تقول في الخروج؟
قال: فقلت: ذلك إليك.
فقال: الذي حكيت هو عن محمد بن الحنفية؟
(1) الأمير على شُرْط بغداد.
(2)
في "المناقب" ص 441: يا سبحان اللَّه أمخلوق يخلق مخلوقا.
فقلت: لا، حكيت عن جعفر بن محمد، عن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب. قال: فسكت.
قال صالح: ثم أخرج أبي حتى إذا صرنا بموضع يقال له: بصرى، بات أبي في مسجد، ونحن معه، فلما كان في جوف الليل، جاءه النيسابوري، فقال: يقول لك الأمير ارجع.
فقلت له: يا أبه، أرجو أن يكون فيه خيرا.
فقال: لم أزل الليلة أدعو اللَّه.
"السيرة" لصالح ص 83 - 85
قال أبو علي حنبل: ثم ولي جعفر المتوكل، فلما ولي انكشف ذلك عن المسلمين وأظهر اللَّه السنة، وفرج عن الناس، فكان أبو عبد اللَّه يحدثنا، ويحدث أصحابه، في أول أيام المتوكل، وسمعته يقول: ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم في زماننا هذا، ثم إن المتوكل ذكره، وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه، فجاء رسول إسحاق بن إبراهيم إلى أبي عبد اللَّه بالحضور، فمضى أبو عبد اللَّه عند صلاة العصر، وجئنا معه، فدخل عليه، وجلسنا بالباب، فلما خرج أبو عبد اللَّه، رجعنا معه، فقال له أبي، وسأله عما دعي له.
فقال أبو عبد اللَّه: قرأ علي كتاب جعفر، يأمرني بالخروج إلى العسكر.
قال أبو عبد اللَّه: وقال لي إسحاق بن إبراهيم: ما تقول في القرآن؟
فقلت: إن أمير المؤمنين، قد نهى عن هذا.
فقال: لا تعلم أحدا بما جرى بيني وبينك في هذا.
فقلت لإسحاق: مسألة مسترشد أو مسألة متعنت؟
قال: بل مسألة مسترشد.
فقلت له: القرآن كلام اللَّه عز وجل، وليس بمخلوق على كل الجهات، وقد
نهى أمير المؤمنين عن هذا.
وخرج إسحاق إلى العسكر، وقدّم ابنه محمد خليفة ببغداد، ولم يكن عند أبي عبد اللَّه ما يتحمل به وينفقه. فقال لي أبي -وكنت في تلك الأيام أختلف إلى السوق: إن عمك ليس عنده ما يتحمل به وينفقه وكانت عندي مائة درهم، فأتيت بها إليه فذهب بها إلى أبي عبد اللَّه. فقال له: يا أبا عبد اللَّه: هذِه الدراهم من عند أبي عليّ فتحمل بها، فأخذها أبو عبد اللَّه وأصلح بها ما احتاج، واكترى منه، وخرج ولم يلق محمد بن إسحاق -أي: ابن إبراهيم- أبيه بالعسكر، فحقدها إسحاق عليه [أي: على الإمام أحمد] مع ما قد تقدم منه، فيما كان جرى بينهما، في مسألته إياه عن القرآن، فقال إسحاق بن إبراهيم للمتوكل: يا أمير المؤمنين، إن أحمد بن حنبل خرج من بغداد، ولم يأت محمدا مولاك، ولم يسلم عليه.
فقال المتوكل: يُرَدُّ ولو وطأ بساطي.
وكان أبو عبد اللَّه قد بلغ بصرى، فوجه إليه رسولًا وقد بات ببصرى يأمره بالرجوع، فرجع أبو عبد اللَّه، وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا، وربما قرأ في منزلنا.
"ذكر المحنة" لحنبل ص 8 - 864