الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - فصل اتهامه بأنه يخفي بعض العلوليين
قال صالح: لما تُوفي إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد، وولي عبد اللَّه بن إسحاق (1) كتب المتوكل إليه، أن وجه إلى أحمد بن حنبل: إن عندك طلبة أمير المؤمنين، فوجهه بحاجبه مظفر، وحضر صاحب البريد، وكان يعرف بابن الكلبي، وكتب إليه أيضًا.
قال مظفر: يقول لك الأمير: قد كتب إلي أمير المؤمنين: إن عندك طلبته؟ وقال له ابن الكلبي: مثل ذلك. وكان قد نام الناس، فدق الباب، وكان على أبي إزار، ففتح لهم الباب، وقعدوا على بابه، ومعهم شيء، فلما قُرئ عليه الكتاب.
فقال لهم أبي: ما أعرف هذا، وإني لأرى طاعته في العسر واليسر، والمنشط والمكره والأثرة، وإني لآسف عن تخلفي عن الصلاة جماعة، وعن حضور الجمعة ودعوة المسلمين.
قال صالح: وقد كان إسحاق بن إبراهيم وجه إلى أبي: الزم بيتك، ولا تخرج إلى جمعة ولا جماعة! وإلا نزل بك ما نزل بك في أيام أبي إسحاق.
قال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك ما عندك طلبته، فتحلف. قال: إن استحلفني حلفت، فأحلفه باللَّه وبالطلاق: أن ما عندك طلبة أمير المؤمنين، وكأنهم أومَئُوا إلى أن عنده علويًّا.
ثم قال له: أريد أن أفتش منزلك؟ قال صالح: وكنت حاضرا، فقال: ومنزل ابنك.
فقام مظفر وابن الكلبي، وامرأتان معهما، فدخلا ففتشا البيت، ثم فتشتا
(1) في "السيرة": وولي ابنه محمد بن عبد اللَّه بن إسحاق، والمثبت من "حلية الأولياء" لأبي نعيم 9/ 206، وانظر:"المناقب" لابن الجوزي ص 441.
المرأتان النساء، ثم دخلوا إلى منزلي ففتشوا الحريم ثم خرجوا.
فلما كان بعد يومين ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد صح عنده براءتك مما قذفت به.
"السيرة" لصالح ص 89 - 91
قال حنبل: إن رافعا رفع إلى المتوكل على أبي عبد اللَّه أن أحمد بن حنبل قد ربض علويا في منزله، وأنه يريد أن يخرجه ويبايع له، وكان الذي دسه رجل من أهل بغداد، وكان الرافع من أهل الجبل، ولم يكن عند أبي عبد اللَّه ولا عندنا من ذلك علم، وعلمنا بذلك بعد. فبتنا نحن ذات ليلة نيام، وذلك في الصيف، ونحن فوق السطوح سمعنا الجلبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد اللَّه، فقال لي أبي: ما هذا في دار أبي عبد اللَّه؟ فقلت: ما أدري، وأشرفت من السطح، فإذا النيران والشمع، فنزلنا سريعا، فبلغنا رسول مظفر إلى أبي وإلينا. فجئنا فدخلت فسألنا عن الخبر.
فقال أبو عبد اللَّه: ما علمت أنا نائم إذا الباب يدق، فقلت: من هذا؟ قال: أنا. قلت: من أنت؟
قال: أنا، افتح، فنزلت فعجبت، فهجموا علي ودخلوا.
وكان أبو عبد اللَّه قاعدا في الدار في إزاء فراشه، ومظفر وابن الكلبي صاحب الخبر، وجماعة معه، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: ورد على أمير المؤمنين أن عندك علويًّا ربضته لتبايع له، وتظهره، في كلام طويل وكلام كثير. فلما فرغ ابن الكلبي من قراءة الكتاب، وأبو عبد اللَّه يسمع، قال له مظفر: ما تقول؟ وما ترد؟
فقال أبو عبد اللَّه: ما أعرف من هذا شيئا، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي وآثرة علي، وإني لأدعو اللَّه له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، في كلام كثير غير هذا قاله أبو عبد اللَّه.
فقال مظفر لصاحب الخبر: اكتب ما سمعت.
فقال صاحب الخبر: ما أكتب من هذا.
فقال له مظفر: فأنا أكتب ما سمعت وأرفعه إلى صاحبي إسحاق بن إبراهيم.
وقال أبو عبد اللَّه لمظفر فيما يقول: ما خلعت يدا من طاعة، وإني لأرى له الطاعة، في كل أحوالي، في عسري ومنشطي ومكرهي.
ففتشوا منزل أبي عبد اللَّه، والبيوت والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب وكان معهم نساء ومناخيس، فجعلوا ينخسون بها الأرض، ونزل النساء إلى منزلنا ومنزل صالح، ففتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئا، ولم يحسوا بشيء {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25] وكتب بذلك إلى المتوكل، فوقع منه موقعا حسنا، وعلم أن أبا عبد اللَّه مكذوب عليه عنده. وكان الذي دس من رفع إلى أبي عبد اللَّه، رجل من أهل البدع والخلاف، ولم يمت حتى بين اللَّه أمره للمسلمين، وهو ابن الثلجي.
"ذكر المحنة" لحنبل ص 75
قال أبو جعفر بن ذريح العُكْبَري: طلبت أحمد بن حنبل في سنة ست وثلاثين ومائتين لأسأله عن مسألة، فسألت عنه فقالوا: خرج يصلي، فجلست حتى جاء فسلمت عليه فرد عليَّ السلام، فدخل الزقاق وأنا أماشيه، فلما بلغنا آخر الدرب إذا بابٌ يفرج، فدفعه وصار خلفه. وقال: اذهب عافاك اللَّه! فثنيت عليه. فقال: اذهب عافاك اللَّه، فخرج رجل، فسألته عن تخلفه عن كلامي.
فقال: ادعي عليه عند السلطان أن عنده علويا، فجاء محمد بن نصر فأحاط بالمحلة ففتشت فلم يوجد فيها شيء مما ذكر، فأحجم عن كلام العامة.
"المناقب" لابن الجوزي ص 443
قال المروذي: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: قد جاءني أبو علي يحيى بن خاقان فقال لي: إن كتابًا جاءَه فيه أن أمير المؤمنين يُقْرِئك السلام ويقول لك: لو سَلِمَ أحدٌ من الناس سلمت أنت، هاهنا رجل قد وقع عليك وهو في أيدينا محبوس، رفع عليك أن عَلويًّا قد توجه من قبل خراسان، وقد بعثت برجل من أصحابك يتلقاه وهو ذا محبوس، فإن شئت ضربته وإن شئت حبسته، وإن شئت بعثت به إليك.
قال: فقلت له: ما أعرف مما قال شيئًا، أرى أن تطلقوه ولا تعرضوا له.
فقلت لأبي عبد اللَّه: سفك اللَّه دمه قد أشاط بدمائكم.
فقال: ما أراد إلا استئصالنا، ولكن قلتُ: لعل له والدة أو أخوات أو بنات أرى أن تخلوا سبيله ولا تعرضوا له.
"المناقب" ص 443 - 444، "المحنة" لعبد الغني المقدسي ص 182، "الجوهر المحصل" ص 104
قال إبراهيم بن إسحاق: أن المتوكل أخذ العلوي الذي سعى بأبي عبد اللَّه إلى السلطان، فأرسله إلى أبي عبد اللَّه ليقول فيه مقاله للسلطان، فعفا عنه، وقال: لعله يكون له صبيان يحزنهم قتله.
"المناقب" لابن الجوزي ص 444