الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْتِ الْمَالِ الَّتِي يُقْطِعُهَا السُّلْطَانُ الْآنَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَإِنَّ إِقْطَاعَهَا صَحِيحٌ، وَيَخْتَصُّ الْمُقْطَعُ بِالْكَلَأِ الَّذِي فِيهَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَبِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَوَّغَ السُّلْطَانُ اسْتِغْلَالَهُ لِهَذَا الْمُقْطَعِ بِعَيْنِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَرْضَ أَكْدَزَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فِي الْإِقْطَاعِ وَالِاسْتِغْلَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَقْفِ]
[مسائل متفرقة]
بَابُ الْوَقْفِ
مَسْأَلَةٌ: وَقْفٌ تَعَطَّلَ رِيعُهُ وَفِيهِ إِمَامٌ وَغَيْرُهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ وَيُعْطِيَهُمْ؟ .
الْجَوَابُ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: الْمَسْجِدُ الْمُعَلَّقُ عَلَى بِنَاءِ الْغَيْرِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إِذَا زَالَتْ عَيْنُهُ هَلْ يَزُولُ حُكْمُهُ بِزَوَالِهَا؟ .
الْجَوَابُ: نَعَمْ يَزُولُ حُكْمُهُ إِذْ لَا تَعَلُّقَ لِوَقْفِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِالْأَرْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ: إِذَا انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ وَتَعَذَّرَتْ إِعَادَتُهُ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ مِنْ جُمْلَةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِمْ ذَلِكَ، بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُمْكِنُ فِي عَرْصَتِهِ عَلَى أَنَّ فِي صِحَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَئِمَّتِنَا أَفْتَى بِأَنَّ الْوَقْفَ فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ إِذَا كَانَ رِيعُهُ لَا يَفِي بِالْأُجْرَةِ أَوْ وَفَى بِهَا وَلَمْ يَزِدْ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا رِيعَ لَهُ تَوَفَّى مِنْهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ اسْتَأْجَرَهَا مُدَّةً وَأَدَّى أُجْرَتَهَا فَبَعْدَ انْتِهَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَلْزَمُ الْوَاقِفَ الْأُجْرَةُ فَلَا يَبْقَى إِلَّا تَفْرِيغُ الْأَرْضِ مِنْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْوَقْفِ شُكَّ فِي زَوَالِ حُكْمِهِ بِزَوَالِ عَيْنِهِ وَيَبْنِي مَالِكُ الْأَرْضِ مَكَانَهُ مَا شَاءَ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا أَسْفَلَ مِنْهُ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ أَوِ الْبَطْنِ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ وَقْفًا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَحَلِيمَةَ، وَخَدِيجَةَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ [وَعَقِبِهِمْ] تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي أَوْلَادِ الْوَاقِفِ فَانْقَرَضُوا وَآلَ الْأَمْرُ
إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَمَاتَ مُحَمَّدٌ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ، ثُمَّ مَاتَتْ حَلِيمَةُ عَنْ بِنْتٍ وَخَدِيجَةُ عَنِ ابْنِ بِنْتٍ، فَهَلْ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوَقْفِ لِقَوْلِهِ إِنَّهُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوْلَادِ الْوَاقِفِ؟ وَقَدْ قَالَ هُنَاكَ: إِنَّ مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْهُمْ وَلَدًا، وَلَا أَسْفَلَ مِنْهُ يَنْتَقِلُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا خَلَّفَ وَلَدًا مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ، أَمْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ دُونَ ابْنِ الْبِنْتِ؟ .
الْجَوَابُ: تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ فَقَطْ دُونَ ابْنِ الْبِنْتِ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَقْفَ لَا يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ إِلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ كُلِّهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَوْلَادِهِمْ، فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْأَوْلَادِ حَقًّا إِلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ اعْتُبِرَ الْأَعْلَى فَلَا، فَالْأَعْلَى حَقٌّ لِابْنِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْعُلْيَا.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَاتٍ وَشَرَطَ أَنْ مَا فَضَلَ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَهُ أَخٌ وَلِلْأَخِ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ بِصِفَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَصْرِفَ لَهُمْ مِنْهُ؟ .
الْجَوَابُ: نَعَمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مِنَ الْأَجَانِبِ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أُخْتِهِ، وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْلَادُهُ وَهُمْ أَطْفَالٌ بَعْدَ شَهْرٍ، وَلَهُ عَاصِبٌ فَطَلَبَ أَوْلَادُ أُخْتِهِ الْوَقْفَ وَنَازَعَهُمُ الْعَاصِبُ، وَقَالَ: إِنَّ الْوَقْفَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ؟ .
الْجَوَابُ: الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ صَحَّ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِجَازَةٍ، وَإِنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى وَارِثٍ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحَّ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَوُقِفَ الزَّائِدُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَوْلَادُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلِوَارِثِهِمْ رَدُّ الْوَقْفِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ خَاصَّةً، وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلْثِ هُوَ لِأَوْلَادِ الْأُخْتِ لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ فِيهِ النَّظَرَ لِمَنْ يَصْلُحُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ فَثَبَتَ صَلَاحُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَحُكِمَ لَهُ بِالنَّظَرِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَثْبَتَ حَاكِمٌ آخَرَ صَلَاحَ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَحَكَمَ لَهَا بِالنَّظَرِ فَهَلْ يَشْتَرِكَانِ أَوْ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ؟ .
الْجَوَابُ: إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِمَنْ يَصْلُحُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَثَبَتَتِ الصَّلَاحِيَةُ لِلرَّجُلِ وَحُكِمَ لَهُ بِالنَّظَرِ، فَلَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ، وَلَا يُظَنُّ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ بَلْ هُوَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إِذَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّهُ، بَلْ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ كَالْأَصْلَحِ وَالْأَرْشَدِ وَثَبَتَ الْأَصْلَحِيَّةُ وَالْأَرْشَدِيَّةُ لِوَاحِدٍ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ صَارَ أَصْلَحَ وَأَرْشَدَ لَمْ يَنْتَقِلْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَنْ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْأَثْنَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ نَظَرٌ لِأَحَدٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ إِذَا قُلْنَا لَا تَنْعَقِدُ إِمَامَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ فَذَاكَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الدَّوَامِ، وَمَقْصُودُ الْوَاقِفِ تَفْوِيضُ النَّظَرِ إِلَى وَاحِدٍ يَصْلُحُ لَا إِلَى كُلِّ مَنْ يَصْلُحُ وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى جَعْلِ النَّظَرِ لِجَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ إِذَا كَانُوا صَالِحِينَ، وَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْوَقْفِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ " مَنْ " فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ لَا عَلَى الْمَوْصُولَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا تَعُمُّ، بَلْ لَوْ فُرِضَ فِيهَا عُمُومٌ كَانَ مِنْ عُمُومِ الْبَدَلِ لَا مِنْ عُمُومِ الشُّمُولِ.
مَسْأَلَةٌ: وَاقِفٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إِلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إِلَى وَلَدِ وَلَدِهِ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى أَقْرَبِ الطَّبَقَاتِ إِلَيْهِ عَلَى مَا شَرَحَ، فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَنْ أَوْلَادِ عَمٍّ ثَلَاثَةٍ: مُحَمَّدٍ، وَخَاتُونَ أَخَوَانِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمٍّ، فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّتُهَا إِلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَطْ كَمَا فِي حُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي عَوَّلَ عَلَيْهَا الْوَاقِفُ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَا تُشَارِكُهُ إِخْوَتُهُ وَلَا ابْنُ عَمِّهِ؟ .
الْجَوَابُ: الظَّاهِرُ انْتِقَالُ حِصَّتِهَا إِلَى الثَّلَاثَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: أَقْرَبُ الطَّبَقَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْأَسْهُمِ فَقَطْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ عَقِبَ ذَلِكَ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِذِكْرِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْفَرِيضَةَ مَعْنَاهَا الْوَضْعِيُّ الْمُقَدَّرَةُ لَا مَدْلُولَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْصِبَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ
الْفَرِيضَةِ عَلَى مَنْعٍ وَلَا تَأْخِيرٍ، الثَّالِثُ: أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا بِحُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّامِلِ لِمَا ذُكِرَ لَمْ نُعْطِ بِنْتَ الْعَمِّ شَيْئًا الْبَتَّةَ، وَإِنْ فُقِدَ ابْنُ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرَائِضِ أَنَّهَا لَا مِيرَاثَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ هُنَا فَتَعَيَّنَ تَخْصِيصُهُ بِمَا ذَكَرْنَا.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَسَمَّاهُمْ، وَقَالَ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إِلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَأَنَّ الذُّكُورَ خَاصَّةً تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى وَلَدٌ، وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ، وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى إِخْوَتِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ مُضَافًا لِمَا بِأَيْدِيهِمْ، وَتُوُفِّيَ الْوَاقِفُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ثَلَاثَةِ ذُكُورٍ فَأَخَذُوا نَصِيبَهُ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ فَأَخَذَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَنْ وَلَدَيْنِ صَغِيرَيْنِ، وَوَلَدَيْ وَلَدٍ فَأَخَذَ وَلَدَاهُ نَصِيبَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدَانِ الصَّغِيرَانِ عَنْ وَلَدَيْ أَخِيهِمَا وَعَنْ عَمِّهِمَا فَهَلْ يَرْجِعُ نَصِيبُهُمَا إِلَى ابْنَيْ أَخِيهِمَا عَمَلًا بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلِحِرْصِ الْوَاقِفِ عَلَى وُصُولِ نَصِيبِ كُلِّ أَصْلٍ إِلَى فَرْعِهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى مِنْهُمْ وَلَدٌ، وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِزَوَالِ مَنْ حَجَبَهُمَا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِ جَدِّهِمَا أَوْ إِلَى عَمِّهِمَا؟ .
الْجَوَابُ: يَرْجِعُ إِلَى الْعَمِّ دُونَ وَلَدَيِ الْأَخِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، وَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّعَالِيلِ الثَّلَاثَةِ فَاسِدٌ؛ أَمَّا قَوْلُهُ: عَمَلًا بِوَاوِ الْعَطْفِ فَإِنَّهَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التَّشْرِيكُ مُطْلَقًا بَلْ تُفِيدُ حَجْبَ الْعُلْيَا السُّفْلَى وَإِلَّا لَاسْتَحَقَّ وَلَدُ الْأَخِ مَعَ وُجُودِ عَمَّيْهِمَا وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَحْرِصُ الْوَاقِفُ إِلَى آخِرِهِ، فَقَدْ قَالَ السبكي فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَقْفِيَّةٍ ذَكَرَ فِيهَا شِبْهَ ذَلِكَ: الْمَقَاصِدُ إِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ لَا تُعْتَبَرُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلِزَوَالِ مَنْ حَجَبَهُمَا إِلَى آخِرِهِ، فَذَاكَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً عِنْدَ مَوْتِ الْأَصْلِ الَّذِي هَذَانِ فَرْعَاهُ، وَأَمَّا زَوَالُهُ فِي الْأَثْنَاءِ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ إِلَى جِهَةٍ لَيْسَ هَذَانِ فَرْعَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَلْ هَذَا مَوْتٌ جَدِيدٌ لِجِهَةٍ غَيْرِ الْأُولَى يُنْظَرُ نَظَرًا آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ هَذَانِ الْوَلَدَانِ عَنْ نَسْلٍ لَاسْتَحَقَّ نَسْلُهُمَا مَا كَانَ بِيَدِهِمَا وَلَمْ يَعُدْ إِلَى وَلَدِ الْأَخِ شَيْءٌ، فَعُرِفَ أَنَّ زَوَالَ الْحَاجِبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِلَّا لَاسْتَحَقَّا مَعَ وُجُودِ النَّسْلِ وَكَانَا يَقُولَانِ قَدْ زَالَ الْحَاجِبُ لَنَا، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ هَذَا مُسْتَحِقٌّ مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ، وَشَرْطُ الْوَاقِفِ حِينَئِذٍ الْعَوْدُ إِلَى الْإِخْوَةِ الْمُشَارِكِينَ وَلَا إِخْوَةَ مُشَارِكُونَ فَانْتَقَلْنَا إِلَى أَعْلَى طَبَقَةٍ وَهُوَ الْعَمُّ عَمَلًا بِتَقْدِيمِ الْعُلْيَا عَلَى السُّفْلَى، وَأَكَّدَ ذَلِكَ قَوْلُ الْوَاقِفِ: الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ مُضَافًا لِمَا بِأَيْدِيهِمْ، وَالْعَمُّ
مُشَارِكٌ بِيَدِهِ حِصَّةٌ، وَوَلَدَا الْأَخِ لَا شَيْءَ بِأَيْدِيهِمَا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُمَا، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُؤَكَّدُ عِلَاوَةٌ وَلَيْسَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا بَلِ الْمُعَوَّلُ عَلَى مَا صَدَّرْنَا بِهِ.
مَسْأَلَةٌ: أَرْضٌ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ بِيَدِ جَمَاعَةٍ بَكْرِيَّةٍ يَسْتَغِلُّونَهَا، فَسَأَلَهُمُ السُّلْطَانُ عَنْ مُسْتَنَدِهِمْ فَأَظْهَرُوا مُحْضَرًا ثَابِتًا عَلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ أَنَّهَا وَقْفُ السُّلْطَانِ صلاح الدين بن أيوب عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ مُسْتَنَدُهُمُ السَّمَاعُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَحَكَمَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ؟ وَهَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بَعْضَ أَرَاضِي مِصْرَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجِهَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ وَهَلْ لِلْمُخَالِفِ الَّذِي يَرَى أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَنَّ أَرَاضِيَهَا لَا تُمَلَّكُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِبْطَالِ ذَلِكَ؟ .
الْجَوَابُ: نَعَمْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بَعْضَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ عَلَى مِثْلِ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَصَرَّحَ بِصِحَّتِهِ القاضي حسين، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ، وأسعد الميهني والشاشي، وَابْنُ الصَّلَاحِ، والنووي، وَقَالَ ابن الرفعة فِي الْمَطْلَبِ: إِنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَرَّحَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَ تَغْيِيرِهِ، وَأَمَّا السبكي فَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْوَقْفُ، لَكِنْ مَا وَجَدْنَاهُ مَوْقُوفًا لِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَهُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّغْيِيرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَكَى ابن الصلاح فِي مَجَامِيعِهِ صُورَةَ اسْتِفْتَاءٍ فِي أَرَاضِي وَقَفَهَا الْخَلِيفَةُ أَوِ السُّلْطَانُ نَائِبُ الْخَلِيفَةِ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَقِبِهِ هَلْ يَصِحُّ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْوُلَاةِ تَغْيِيرُهُ وَصَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى؟ فَأَجَابَ عُلَمَاءُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ اعْتِرَاضَهُ وَلَا تَغْيِيرَهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ، وَهُوَ كَانَ عَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَنِ السُّلْطَانَيْنِ الْعَادِلَيْنِ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ، وَصَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ وَكَانَ مُفْتِيهِمَا وَقَاضِيهِمَا، وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُمَا مَا وَقَفَا الَّذِي وَقَفَاهُ إِلَّا بِإِفْتَائِهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى الْمَذْكُورِينَ صَحِيحٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهُ وَلَا نَقْلُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَثُبُوتُ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى الِاسْتِفَاضَةِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ صَحِيحٌ، أَمَّا فِي الْوَقْفِ فَأَصْلًا، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَحِقِّينَ فَضِمْنًا كَمَا قَالَهُ ابن الصلاح، وابن الفركاح، وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ الَّذِي يَرَى أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ بِنَقْضٍ وَلَا إِبْطَالٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ فِي الْأَصْلِ حَاكِمٌ
شَافِعِيٌّ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَمَعْنَاهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ الْوَقْفِ بِمَا ذُكِرَ، وَمَا ثَبَتَ وَقْفُهُ قَدِيمًا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرَائِطِ، وَالثَّانِي: حُكْمُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَأَخِّرُ، وَأَمْرٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّ أَمْرَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَفِعْلَهُ يَرْفَعَانِ الْخِلَافَ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ صَلَاحَ الدِّينِ مَا وَقَفَ الَّذِي وَقَفَهُ حَتَّى أَفْتَاهُ بِذَلِكَ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَوْلَا إِرَادَةُ الِاخْتِصَارِ لَسُقْتُ عِبَارَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا ثَبَتَ وَقْفِيَةُ عَيْنٍ وَلَمْ يُعْلَمْ مَآلُ الْوَقْفِ، وَقُلْنَا إِنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ أَمْ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ؟ .
الْجَوَابُ: يَخْتَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ أَقَارِبِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ صُرِفَ إِلَيْهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ حِزْبًا وَيَدْعُو لَهُ وَجَعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنْ عَقَارٍ وَقَفَهُ لِذَلِكَ، فَأَقَامَ الْقَارِئُ مُدَّةً يَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَ التَّوْبَةَ فَمَا طَرِيقُهُ؟ .
الْجَوَابُ: طَرِيقُهُ أَنْ يَحْسِبَ الْأَيَّامَ الَّتِي لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا وَيَقْرَأُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ حِزْبًا، وَيَدْعُو عَقِبَ كُلِّ حِزْبٍ لِلْوَاقِفِ حَتَّى يُوَفِّيَ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَاقِفٌ وَقَفَ مَدْرَسَةً وَقَرَّرَ بِهَا شَيْخًا وَصُوفِيَّةً فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُقَرِّرَ فِي الْمَشْيَخَةِ اثْنَيْنِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الِاسْتِنَابَةُ إِذَا كَانَ بِهِ ضَعْفٌ فِي بَدَنِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ وَظِيفَةٌ أُخْرَى تُعَارِضُ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ؟ .
الْجَوَابُ: أَوْقَافُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ كُلُّهَا أَصْلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ، فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ عَالِمٍ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَسِيبٍ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ، وَيَجُوزُ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ - الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ وَتَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَا اسْتَنَابَ، وَاشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْوَظِيفَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَخْذُ الْوَاحِدِ عِدَّةَ وَظَائِفَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ، وَلَوْ قَرَّرَهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَالُ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِجَعْلِ أَحَدٍ، وَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الَّذِي وَقَفَهُ فَهُوَ تَوَهُّمٌ
فَاسِدٌ لَا يُفِيدُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي مَلَكَهَا وَاقِفُوهَا فَلَهَا حُكْمٌ آخَرُ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا عَجَزَ الْوَقْفُ عَنْ تَوْفِيَةِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَهَلْ تُقَدَّمُ مِنْهُ الشَّعَائِرُ وَالشَّيْخُ أَمْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: يُنْظَرُ فِي هَذَا الْوَقْفِ فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَدَارِسِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَخَوَانِقِهَا رُوعِيَ فِي ذَلِكَ صِفَةُ الْأَحَقِّيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ قُدِّمُ الْأَوَّلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْعُلَمَاءِ، وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ وَالْأَفْقَرُ فَالْأَفْقَرُ، فَإِنِ اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي الْحَاجَةِ قُدِّمَ الْآكَدُ فَالْآكَدُ فَيُقَدَّمُ الْمُدَرِّسُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ الْإِمَامُ، ثُمَّ الْقَيِّمُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَيْسَ مَأْخَذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اتُّبِعْ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ تَقْدِيمَ أَحَدٍ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدٌ بَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِالسَّوِيَّةِ الشَّعَائِرُ وَغَيْرُهُمْ.
مَسْأَلَةٌ: الْمَدَارِسُ الْمَبْنِيَّةُ الْآنَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُعْلَمُ لِلْوَاقِفِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ لِفَقْدِ كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَا يُقَامُ بِهَا جُمُعَةٌ هَلْ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: الْمَدَارِسُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ حَالُهَا مَعْلُومٌ فَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّ الْوَاقِفِ أَنَّهَا مَسْجِدٌ كَالشَّيْخُونِيَّةِ فِي الْإِيوَانَيْنِ خَاصَّةً دُونَ الصَّحْنِ، وَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ كَالْكَامِلِيَّةِ وَالْبِيبَرْسِيَّةِ، فَإِنَّ فَرْضَ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهَا مَسْجِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالُوا: إِنَّ الْمَسْجِدَ الْمَوْقُوفَ عَلَى قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَهُ أَوْ يُصَلِّيَ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ فَهَلِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبَطُ كَذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمُ الْإِذْنُ فِي الِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا بِالنَّوْمِ وَالْجُلُوسِ وَالْأَكْلِ وَاجْتِمَاعِ الْخُصُومِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ، وَإِقْرَاءِ الصِّبْيَانِ أَوْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا كَانَ عَلَى وَفْقِ شَرْطِ الْوَاقِفِ؟ .
الْجَوَابُ: الْمَسْجِدُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ وَالِاعْتِكَافُ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ؟ نَقَلَ الأسنوي فِي الْأَلْغَازِ أَنَّ كَلَامَ القفال فِي فَتَاوِيهِ يُوهِمُ الْمَنْعَ ثُمَّ قَالَ الأسنوي: مِنْ عِنْدِهِ وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ، وَأَقُولُ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى أَشْخَاصٍ مُعَيَّنَةٍ كَزَيْدٍ، وَعَمْرٍو، وَبَكْرٍ مَثَلًا أَوْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ