الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
مَسْأَلَةٌ: الَّذِي يُقَالُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْبِيضَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا هَبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ اسْوَدَّ جِلْدُهُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِصِيَامِهَا، فَلَمَّا صَامَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ ابْيَضَّ ثُلُثُ جِلْدِهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي الثُّلُثُ الثَّانِي، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَقِيَّتُهُ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟
الْجَوَابُ: هَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي أَمَالِيهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ وَمَوْقُوفًا مِنْ آخَرَ، وَأَخْرَجَهُ ابن الجوزي فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَرْفُوعِ، وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ وَفِي إِسْنَادِهِ جَمَاعَةٌ مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُونَ.
مَسْأَلَةٌ: فِي حَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ: " «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَهُ» " مَا مَعْنَاهُ؟
الْجَوَابُ: كَانَ خَطَرَ لِي احْتِمَالَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ الصَّوْمَ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:" «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» " فَالضَّمِيرُ فِي "عَمِلَهُ" رَاجِعٌ إِلَى الصَّوْمِ الْمَفْهُومِ مِنْ صَائِمٍ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَا شُرِعَ هَذَا الْحُكْمُ، فَأَخْبَرَ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ بِحَضْرَتِهِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ هَذِهِ الْحَسَنَةَ مِنْهُمْ فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:" «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» " ثُمَّ رَاجَعْتُ طُرُقَ الْحَدِيثِ فَوَجَدْتُهَا تُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ ; فَإِنَّ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عبد الحق بن أبي سليمان، عَنْ عطاء، عَنْ زيد بن خالد الجهني قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» " وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عطاء، عَنْ زيد بن خالد مَرْفُوعًا:" «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» ". وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عطاء عَنْ زيد بن خالد
مَرْفُوعًا: " «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» ". وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عطاء، عَنْ زيد بن خالد مَرْفُوعًا:" «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» " دَلَّتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْحَدِيثِ: فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ الصَّوْمَ، لَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ تَفْطِيرَ الصَّائِمِ، وَإِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَغْيِيرِ الرُّوَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "مَنْ" فِيهِ بِمَعْنَى " مَا"، وَالْأَصْلُ: كَانَ لَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ، فَالضَّمِيرُ فِي "عَمِلَهُ" رَاجِعٌ إِلَى "مَنْ" بِمَعْنَى "مَا" مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ: كَانَ لَهُ أَجْرٌ، بِالتَّنْوِينِ، وَ: مِنْ عَمَلِهِ، بِالْجَرِّ. قُلْتُ: لَا، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ "مِنْ" إِنْ قُدِّرَتْ تَبْعِيضِيَّةً وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الصَّائِمِ كَانَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ; فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْمِثْلِيَّةَ، وَتِلْكَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ تَقْتَضِي الْبَعْضِيَّةَ، وَإِنْ قُدِّرَتْ تَبْعِيضِيَّةً وَالضَّمِيرُ لِلتَّفْطِيرِ، فَفَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. الثَّانِي أَنَّهَا إِنْ قُدِّرَتْ سَبَبِيَّةً وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ، فَفَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ غَيْرِهِ، إِنَّمَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ نَفْسِهِ، أَوْ لِلْمُفْطِرِ، لَمْ يَصِحَّ اعْتِلَاقُ مَا بَعْدَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا.
مَسْأَلَةٌ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ: رَجَبٌ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» ". وَحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَامَ مِنْ شَهْرٍ حَرَامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ، كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ» "، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا كَانَ كَصِيَامِ شَهْرٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ السَّبْعَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ» " هَلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْغَرِيبِ.
الْجَوَابُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَوْضُوعَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ قِسْمِ الضَّعِيفِ الَّذِي تَجُوزُ رِوَايَتُهُ فِي الْفَضَائِلِ، أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، والأصبهاني وابن شاهين، كِلَاهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الحافظ ابن حجر: وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ سِوَى منصور بن زائدة الأسدي، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ تَعْدِيلًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الذهبي فِي الْمِيزَانِ وَضَعَّفَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا
الْحَدِيثُ الثَّانِي فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وأبو نعيم وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ بَعْضُهَا بِلَفْظِ: عِبَادَةِ سَنَتَيْنِ، قَالَ الحافظ ابن حجر: وَهُوَ أَشْبَهُ، وَمَخْرَجُهُ أَحْسَنُ، وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ أَمْثَلُ مِنَ الضَّعِيفِ قَرِيبٌ مِنَ الْحَسَنِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِهِ، وَلَهُ طُرُقُ وَشَوَاهِدُ ضَعِيفَةٌ لَا تَثْبُتُ، إِلَّا أَنَّهُ يَرْتَقِي عَنْ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْغَرِيبِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، فَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا غَرِيبًا مَعًا، وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبًا لَا ضَعِيفًا ; لِصِحَّةٍ سَنَدِهِ أَوْ حُسْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا لَا غَرِيبًا لِتَعَدُّدِ إِسْنَادِهِ وَفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْقَبُولِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ.