الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أسامة بن زيد الليثي عَنْ نافع قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَطَّلِي فَيَأْمُرُنِي أَطْلِيهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ سَفَلَتَهُ وَلِيَهَا هُوَ، وَأَخْرَجَ الْخَرَائِطِيُّ عَنْ مكحول قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّامَ دَخَلُوا الْحَمَّامَاتِ وَاطَّلَوْا بِالنُّورَةِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافع، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَكَانَ يَتَنَوَّرُ فِي الْبَيْتِ وَيَلْبَسُ إِزَارًا، وَيَأْمُرُنِي أَطْلِي مَا ظَهَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْمُرُنِي أَنْ أُؤَخَّرَ عَنْهُ فَيَلِيَ فَرْجَهُ، وَأَخْرَجَ عبد الرزاق عَنْ أم كلثوم قَالَتْ: أَمَرَتْنِي عائشة فَطَلَيْتُهَا بِالنُّورَةِ، ثُمَّ طَلَيْتُهَا بِالْحِنَّاءِ عَلَى أَثَرِهَا مَا بَيْنَ قَرْنِهَا إِلَى قَدَمِهَا، مِنْ حَصْبَاءَ كَانَتْ بِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ: حَدَّثَنَا مالك بن إسماعيل، عَنْ كامل، عَنْ حبيب قَالَ: دَخَلَ الْحَمَّامَ عطاء وطاووس وَمُجَاهِدٌ، فَاطَّلَوْا فِيهِ، وَحَدَّثَنَا أبو أسامة عَنْ عمر بن حمزة أَنَّ سالما اطَّلَى مَرَّةً.
وَأَخْرَجَ ابن عساكر عَنْ أبي عثمان والربيع وأبي حارثة قَالَ: بَلَغَ عمر أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَتَدَلَّكَ بَعْدَ النُّورَةِ بِخُبْزِ عُصْفُرٍ مَعْجُونٍ بِخَمْرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَدَلَّكْتَ بِخَمْرٍ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ظَاهِرَ الْخَمْرِ وَبَاطِنَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ مَسَّ الْخَمْرِ كَمَا حَرَّمَ شُرْبَهَا، فَلَا تُمِسُّوهَا أَجْسَامَكُمْ فَإِنَّهَا نَجَسٌ.
[ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَنَوَّرْ]
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ: حَدَّثَنَا حسين بن علي، عَنْ زائدة، عَنْ هشام، عَنِ الحسن - هو البصري - قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لَا يَطَّلُونَ» . قَالَ ابن كثير: هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الحسن، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهَا، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا أَدْرِي مَنْ أَخْبَرَنِي عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَنَوَّرْ» . وَأَخْرَجَ أبو داود فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سعيد، عَنْ قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَنَوَّرْ وَلَا أبو بكر وَلَا عمر وَلَا عثمان» ، كِلَاهُمَا مُنْقَطِعٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مسلم الملائي عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَنَوَّرُ، فَإِذَا كَثُرَ شَعَرُهُ حَلَقَهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مسلم الملائي ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ أَخَذَهُ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ.
قُلْتُ: فَرَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَوَّلًا ضَعِيفٌ، وَثَانِيًا مَعَارَضٌ
بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْهُ سَنَدًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَثَالِثًا أَنَّ تِلْكَ مُثْبِتَةٌ وَهَذَا نَافٍ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ تَقْدِيمُ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي، خُصُوصًا أَنَّ الَّتِي رَوَتِ الْإِثْبَاتَ بَاشَرَتِ الْوَاقِعَةَ، وَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ أَجْدَرُ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ ; فَإِنَّهَا مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْخَلْوَةِ غَالِبًا، لَا بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَجْوِبَةٍ، وَسَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَتَارَةً كَانَ يَتَنَوَّرُ وَتَارَةً كَانَ يَحْلِقُ وَلَا يَتَنَوَّرُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَتَقَدَّمَ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَوَّرُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ مسكين بن عبد العزيز، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَارِيَتُهُ تَحْلِقُ عَنْهُ الشَّعَرَ، فَقَالَ: إِنَّ النُّورَةَ تُرِقُّ الْجِلْدَ. فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، هَذَا فِي أَوْقَاتٍ وَهَذَا فِي أَوْقَاتٍ، نَعَمْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّنَوُّرَ وَيُعَلِّلُهُ بِأَنَّهُ مِنَ النَّعِيمِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا حبان بن علي، عَنْ محمد بن قيس الأسدي، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَطِيبُ بِالْحَدِيدِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَنَوَّرُ؟ قَالَ: إِنَّهَا مِنَ النَّعِيمِ وَأَنَا أَكْرَهُهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وكيع، عَنْ محمد بن قيس الأسدي، عَنْ علي بن أبي عائشة قَالَ: كَانَ عمر رَجُلًا أَهْدَبَ، وَكَانَ يَحْلِقُ عَنْهُ الشِّعَرَ، وَذُكِرَتْ لَهُ النُّورَةُ فَقَالَ: النُّورَةُ مِنَ النَّعِيمِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الْإِكْثَارَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: حَدَّثَنَا بقية، حَدَّثَنِي أرطاة بن المنذر، حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَمَّامِ، وَكَثْرَةَ طِلَاءِ النُّورَةِ، وَالتَّوَطِّيَ عَلَى الْفُرُشِ ; فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ. فَهَذَا الْأَثَرُ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ، وَأَوْلَى مَا اعْتُمِدَ فِي التَّوْقِيتِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ، وَهُوَ التَّنَوُّرُ كُلَّ شَهْرٍ، فَيُكْرَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ لِلْخَرَائِطِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ، ثَنَا حميد - يعني ابن يعقوب مولى بني هاشم، وَكَانَ ثِقَةً - عَنِ العباس بن فضل، عَنِ القاسم، عَنْ أبي حازم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَكْذِبُوا، فَوَاللَّهِ مَا اطَّلَى نَبِيٌّ قَطُّ، لَكِنْ قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: مَا اطَّلَى نَبِيٌّ قَطُّ ; أَيْ: مَا مَالَ إِلَى هَوَاهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ مَيْلِ الطُّلَى، وَهِيَ الْأَعْنَاقُ، وَاحِدَتُهَا طُلَاةٌ، يُقَالُ: أَطْلَى الرَّجُلُ إِطْلَاءً: إِذَا مَالَتْ عُنُقُهُ إِلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُلَخَّصِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي حَدِيثِهِ عليه السلام: «مَا
أَطْلَى نَبِيٌّ قَطُّ» : أَيْ: مَا مَالَتْ طُلَاتُهُ، أَيْ عُنُقُهُ، أَيْ مَا جَارَ، وَقَالَ عبد الغافر الفارسي فِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ: فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: مَا أَطْلَى نَبِيٌّ قَطُّ - أَيْ مَا مَالَ إِلَى هَوًى - وَالْأَصْلُ فِيهِ مَيْلُ عُنُقِ الْإِنْسَانِ، يُقَالُ: أَطْلَى الرَّجُلُ ; أَيْ مَالَتْ عُنُقُهُ لِلْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا صَاحِبُ الْقَامُوسِ.
خَاتِمَةٌ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَنْ صُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ بلقيس:{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} [النمل: 44] فَإِذَا هِيَ شَعْرَاءُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مَا يُذْهِبُهُ؟ قَالُوا: يُذْهِبُهُ الْمُوسَى، قَالَ: أَثَرُ الْمُوسَى قَبِيحٌ، فَجَعَلَتِ الشَّيَاطِينُ النُّورَةَ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جُعِلَتْ لَهُ النُّورَةُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مِثْلَهُ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السدي فِي الْقِصَّةِ أَنَّ الشَّيَاطِينَ صَنَعُوا لَهُ نُورَةً مِنْ أَصْدَافٍ فَطَلَوْهَا فَذَهَبَ الشَّعَرُ.