الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْقَرْضِ] [
اقْتَرَضَ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً]
مَسْأَلَةٌ: لَوِ اقْتَرَضَ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً هَلْ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ وَطْئِهَا الْآنَ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تُسْلِمَ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ ابْنَتَهَا، وَلَوِ اقْتَرَضَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: أَمَّا الْأُولَيَانِ فَالْمُتَّجِهُ فِيهِمَا مَنْعُ الِاقْتِرَاضِ كَمَا قَالَهُ الإسنوي فِي أُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَجُوزُ وَذَلِكَ مَنْقُولٌ.
[قَطْعُ الْمُجَادَلَةِ عِنْدَ تَغْيِيرِ الْمُعَامَلَةِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَبَعْدُ. . فَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَمَّا وَقَعَ كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْخُصُومِ فِي الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الْمُنَادَاةِ عَلَى الْفُلُوسِ كُلُّ رِطْلٍ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَهَلْ يُطَالَبُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ اللُّزُومِ أَوْ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ؟ وَهَلْ يُأْخَذُ مِنَ الْفُلُوسِ الْجُدُدُ الْمُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ فَرَأَيْتُ أَنْ أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَفِي جَمِيعِ فُرُوعِهِ تَخْرِيجًا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ نُودِيَ عَلَى الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ عِزَّةُ الْفُلُوسِ وَغُلُوُّهَا بَعْدَ كَثْرَتِهَا وَرُخْصِهَا، وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ البلقيني كَلَامًا مُخْتَصَرًا فَنَسُوقُهُ ثُمَّ نَتَكَلَّمُ بِمَا وَعَدْنَا بِهِ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَمِ الدِّينِ البلقيني رحمه الله قَالَ فِي فَوَائِدِ الْأَخِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ جلال الدين وَتَحْرِيرِهِ مَا قَالَ: اتَّفَقَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عِزَّةُ الْفُلُوسِ بِمِصْرَ وَعَلَى النَّاسِ دُيُونٌ فِي مِصْرَ مِنَ الْفُلُوسِ، وَكَانَ سِعْرُ الْفِضَّةِ قَبْلَ عِزَّةِ الْفُلُوسِ كُلُّ دِرْهَمٍ بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ مِنَ الْفُلُوسِ ثُمَّ صَارَ بِتِسْعَةٍ وَكَانَ الدِّينَارُ الْأُفْلُورِيُّ بِمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا مِنَ الْفُلُوسِ، وَالْهِرْجَةُ بِمِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، وَالنَّاصِرِيُّ بِمِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ، وَكَانَ الْقِنْطَارُ الْمِصْرِيُّ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَعَزَّتِ الْفُلُوسُ وَنُودِيَ عَلَى الدِّرْهَمِ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الدِّينَارِ بِنَاقِصِ خَمْسِينَ، فَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ فُلُوسًا وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ صَاحِبُ دَيْنِهِ الْفُلُوسَ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ: أَعْطِنِي عِوَضًا عَنْهَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً بِسِعْرِ يَوْمِ الْمُطَالَبَةِ، مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ؟ ، وَظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَرِيبَةُ الشَّبَهِ مِنْ مَسْأَلَةِ إِبِلِ الدِّيَةِ، وَالْمَنْقُولُ فِي إِبِلِ الدِّيَةِ أَنَّهَا إِذَا فُقِدَتْ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عَلَى الْجَدِيدِ، قَالَ الرافعي: فَتَقُومُ الْإِبِلُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ
وَتُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ فِي الْبَلَدِ تَخَيَّرَ الْجَانِي، وَتُقَوَّمُ الْإِبِلُ الَّتِي لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ مَعِيبَةٌ وَجَبَتْ قِيمَةُ الصِّحَاحِ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِبِلٌ فَيُقَوَّمُ مِنْ صِنْفِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِمْ، وَحَكَى صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَوَاضِعِ الْوُجُودِ أَوْ قِيمَةُ بَلَدِ الْإِعْوَازِ لَوْ كَانَتِ الْإِبِلُ مَوْجُودَةً فِيهَا؟ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي، وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ يَوْمِ الْوُجُوبِ، وَالْمُرَادُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ يَوْمُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، أَلَا تَرَاهُمْ قَالُوا إِنَّ الدِّيَةَ الْمُؤَجَّلَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تُقَوَّمُ كُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا عِنْدَ مَحَلِّهِ، وَقَالَ الروياني: إِنْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ وَالْإِبِلُ مَفْقُودَةٌ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ، أَمَّا إِذَا وَجَبَتْ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَلَمْ يَتَّفِقِ الْأَدَاءُ حَتَّى أَعْوَزَتْ تَجِبُ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْوَازِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ حِينَئِذٍ تَحَوَّلَ إِلَى الْقِيمَةِ انْتَهَى، قَالَ: فَهَذِهِ تُنَاظِرُ مَسْأَلَتَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَقَوِّمٌ مَعْلُومُ الْوَزْنِ وَهُوَ قِنْطَارٌ مِنَ الْفُلُوسِ مَثَلًا فَلَمْ يَجِدْهُ، فَإِنْ جَرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ الَّذِي نَقَلَهُ الرافعي فَلَا يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ إِلَّا بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِقْرَارِ فَيُنْظَرُ فِي سِعْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ الروياني فَتَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِعْوَازِ فَإِنَّ الْأَقَارِيرَ كَانَتْ قَبْلَ الْعِزَّةِ - انْتَهَى مَا أَجَابَ بِهِ ابن البلقيني.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ نَحَا فِي جَوَابِهِ إِلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْفُلُوسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عَدِمَتْ أَوْ عَزَّتْ فَلَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِزِيَادَةٍ، وَالْمِثْلِيُّ إِذَا عَدِمَ أَوْ عَزَّ فَلَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِزِيَادَةٍ لَمْ يَجِبْ تَحْصِيلُهُ كَمَا صَحَّحَهُ النووي فِي الْغَصْبِ بَلْ يُرْجَعُ إِلَى قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْفُلُوسَ مِنَ الْمُتَقَوِّمَاتِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ فِي الْأَصَحِّ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَضْرُوبَانِ مِثْلِيَّانِ بِلَا خِلَافٍ، إِلَّا أَنَّ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَأَقُولُ: تَتَرَتَّبُ الْفُلُوسُ فِي الذِّمَّةِ بِأُمُورٍ مِنْهَا: الْقَرْضُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَرْضَ الصَّحِيحَ يُرَدُّ فِيهِ الْمِثْلُ مُطْلَقًا، فَإِذَا اقْتَرَضَ مِنْهُ رِطْلَ فُلُوسٍ فَالْوَاجِبُ رَدُّ رِطْلٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ سَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَمْ نَقَصَتْ، أَمَّا فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَرْضَ كَالسَّلَمِ وَسَيَأْتِي النَّقْلُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ النَّقْصِ فَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ نَقْدًا فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا النَّقْدُ الَّذِي أَقْرَضَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ إِبْطَالِهِ فَمَعَ نَقْصِ قِيمَتِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَمِنْ صُورَةِ الزِّيَادَةِ أَنْ تَكُونَ الْمُعَامَلَةُ بِالْوَزْنِ ثُمَّ يُنَادَى عَلَيْهَا بِالْعَدَدِ، وَيَكُونُ الْعَدَدُ أَقَلَّ وَزْنًا، وَقَوْلِي: فَالْوَاجِبُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَحْصُلُ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، هَذَا عَلَى دَفْعِهِ وَهَذَا عَلَى قَبُولِهِ وَبِهِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَمَّا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى زِيَادَةٍ
أَوْ نَقْصٍ فَلَا إِشْكَالَ، فَإِنَّ رَدَّ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْقَرْضِ جَائِزٌ بَلْ مَنْدُوبٌ، وَأَخْذُ أَقَلَّ مِنْهُ إِبْرَاءٌ مِنَ الْبَاقِي، وَقَوْلِي مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ أَخَذَ بَدَلَهُ عُرُوضًا أَوْ نَقْدًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَهَذَا مَرْجِعُهُ إِلَى التَّرَاضِي أَيْضًا، فَإِنَّهُ اسْتِبْدَالٌ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ بَدَلِهِ فُلُوسًا مِنَ الْجُدُدِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا عَدَدًا فَهَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لِكَوْنِ الْكُلِّ نُحَاسًا أَوْ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِوَصْفٍ زَائِدٍ وَزِيَادَةِ قِيمَةٍ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا إِجْبَارَ فِيهَا أَيْضًا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِ رِطْلٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَزْيَدُ قِيمَةً، وَلَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى أَخْذِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهَا عَدَدًا لِأَنَّهُ أَنْقَصُ وَزْنًا، فَإِنْ عَدِمَتِ الْفُلُوسُ الْعِتْقَ فَلَمْ تُوجَدْ أَصْلًا رُجِعَ إِلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، فَيُأْخَذُ الْآنَ لَوْ قُدِّرَ انْعِدَامُهَا فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ دِينَارًا، وَلَوِ اقْتَرَضَ مِنْهُ فُلُوسًا عَدَدًا كَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا عَدَدًا وَجَعَلَهَا وَزْنًا كُلَّ رِطْلٍ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَبَضَهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِالْوَزْنِ رَجَعَ بِقَدْرِهِ وَزْنًا وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ وَلَا نَقْصُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَزْنُهُ مَعْلُومًا فَهُوَ قَرْضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِالْوَزْنِ أَوِ الْكَيْلِ، وَقَرْضُ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ وَالْعَدَدُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَالْمَقْبُوضُ [بِالْقَرْضِ] الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِثْلِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فَيُرْجَعُ إِلَى الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا أَخَذَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَوْ يَوْمَ الصَّرْفِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخَذَ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَيَرُدُّ مَا قِيمَتُهُ الْآنَ كَذَلِكَ وَهُوَ رِطْلٌ أَوْ مِثْلُهُ مِنَ الْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ.
فَرْعٌ: فَإِنْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفِضَّةِ فَإِنِ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَنْصَافًا بِالْوَزْنِ ثُمَّ نُودِيَ عَلَيْهَا بِأَنْقَصَ أَوْ بِأَزْيَدَ أَوْ بِالْعَدَدِ أَوِ اقْتَرَضَ عَدَدًا ثُمَّ نُودِيَ عَلَيْهَا بِالْوَزْنِ فَلَا يَخْفَى قِيَاسُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا السَّلَمُ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ بِشَرْطِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَسْمُ الْعَدَدِ لِاشْتِرَاطِ الْوَزْنِ فِيهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَزِمَهُ الْقَدْرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا، سَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَمَّا كَانَ وَقْتَ [تَسْلِيمِهِ] السَّلَمَ أَمْ نَقَصَتْ، وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ بَالِغًا ثَمَنُهُ مَا بَلَغَ، فَإِنْ عَدِمَ فَلَيْسَ إِلَّا الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوِ الصَّبْرُ إِلَى الْوُجُودِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فُلُوسًا - وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِعَيْنِهَا - أَخَذَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ رَجَعَ إِلَى مِثْلِهَا وَزْنًا.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا ثَمَنُ مَا بِيعَ بِهِ فِي الذِّمَّةِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ النَّقْدَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إِلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَجَازَ الْعَقْدَ بِذَلِكَ النَّقْدِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، كَمَا لَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَهَى. فَأَقُولُ هُنَا صُوَرٌ أَحَدَهَا أَنْ يَبِيعَ بِرِطْلِ فُلُوسٍ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا رِطْلٌ زَادَ سِعْرُهُ أَمْ نَقَصَ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَزْنًا فَجُعِلَ عَدَدًا أَمْ عَكْسُهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِأُوقِيَّةِ فِضَّةٍ أَوْ عَشَرَةِ أَنْصَافٍ - وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ذَهَبٍ - ثُمَّ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَلَيْسَ إِلَّا الْوَزْنُ الَّذِي سُمِّيَ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَبِيعَ بِأَلْفٍ فُلُوسًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا ثُمَّ يَتَغَيَّرُ السِّعْرُ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ لَهُ مَا يُسَمَّى أَلْفًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا طَرَأَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مَا يُسَمَّى أَلْفًا عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَتَكُونُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولَةً عَلَى الْجِنْسِ لَا عَلَى الْقَدْرِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي صُورَةِ الْإِبْطَالِ، إِذْ لَا قِيمَةَ حِينَئِذٍ إِلَّا عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا التَّشْبِيهُ بِمَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ إِذَا رَخُصَتْ، الثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيعَهُ بِعَدَدٍ مِنَ الْفِضَّةِ أَوْ مِنَ الْفُلُوسِ كَعَشَرَةِ أَنْصَافٍ أَوْ مِائَةِ فَلْسٍ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْوَزْنِ فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَالْمَقْبُوضُ بِهِ يُرْجَعُ بِقِيمَتِهِ فِيمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ لَا بِمَا بِيعَ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يُرْجَعُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْهُ بِالْمِثْلِ كَمَا صَحَّحَهُ الإسنوي فَكَانَ الْمَبِيعُ فُلُوسًا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ وَسَيَأْتِي.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا الْأُجْرَةُ وَفِيهَا الصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَيْعِ، وَالرُّجُوعُ فِي الثَّالِثَةِ إِلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا الصَّدَاقُ وَفِيهِ الصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ أَيْضًا، وَالرُّجُوعُ فِي الثَّالِثَةِ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا بَدَلُ الْغَصْبِ بِأَنْ غَصَبَ فُلُوسًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا ثُمَّ تَغَيَّرَ سِعْرُهَا، فَإِنْ تَغَيَّرَ إِلَى نَقْصٍ لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلٍ يُسَاوِي الْمَغْصُوبَ فِي الْقِيمَةِ فِي أَعْلَى أَحْوَالِهِ مِنَ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، أَوْ إِلَى زِيَادَةٍ لَزِمَهُ رَدُّ الْمِثْلِ وَزْنًا وَالزِّيَادَةُ لِلْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَدَدِيًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي قَدْرِ وَزْنِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا الْمَقْبُوضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَصْبِ وَهُوَ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا الْإِتْلَافُ بِلَا غَصْبٍ، وَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْمِثْلِ وَزْنًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ، وَكَذَا لَوْ بِيعَتِ الْفُلُوسُ أَوِ الْفِضَّةُ أَوِ الذَّهَبُ ثُمَّ حَصَلَ تَقَايُلٌ بَعْدَ تَلَفِهَا رُجِعَ إِلَى مِثْلِهَا وَزْنًا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ ثَمَنًا وَتَلِفَتْ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوِ الْتُقِطَتْ وَجَاءَ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ وَالتَّلَفِ فَالرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ إِلَى الْمِثْلِ وَزْنًا، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا طَرَأَ مِنْ زِيَادَةِ السِّعْرِ أَوْ نَقْصِهِ، وَكَذَا لَوْ بِيعَتْ ثُمَّ حَصَلَ تَخَالُفٌ وَفَسْخٌ وَهِيَ تَالِفَةٌ فِيمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ، لَكِنَّ الَّذِي أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ وُجُوبُ الْقِيمَةِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَمِنْهَا لَوِ اسْتُعِيرَتْ فَإِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ إِعَارَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلتَّزْيِينِ، وَالَّذِي أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ فِي تَلَفِ الْعَارِيَةِ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ يَوْمُ التَّلَفِ، وَصَحَّحَ السبكي الرُّجُوعَ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمُعْتَمَدُ إِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ، وَمِنْهَا لَوْ أُخِذَتْ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ فَتَلِفَتْ وَفِيهَا الْقِيمَةُ وَيُعْتَبَرُ يَوْمُ الْقَبْضِ فِيمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَيَوْمُ التَّلَفِ فِيمَا صَحَّحَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهَا لَوْ أُخِذَتْ عَلَى جِهَةِ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَاقْتَضَى الْحَالُ الرُّجُوعَ وَهِيَ تَالِفَةٌ رُجِعَ بِمِثْلِهَا وَزْنًا، وَكَذَا لَوْ جُعِلَتْ صَدَاقًا ثُمَّ تُشْطَرُ وَهِيَ تَالِفَةٌ رُجِعَ بِنِصْفِ مِثْلِهَا وَزْنًا، وَمِنْهَا لَوْ أَدَّاهَا الضَّامِنُ عَنِ الْمَضْمُونِ حَيْثُ لَهُ الرُّجُوعُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ.
فَصْلٌ فِي حُكْمِ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَافِ: إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ لِأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ مَعْلُومًا مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ سِعْرُهَا عَمَّا كَانَ حَالَةَ الْوَقْفِ فَلَهُ حَالَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُعَلَّقَ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ بِأَنْ يَشْرِطَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ أَوْ رِطْلَانِ مِنَ الْفُلُوسِ فَالْمُسْتَحَقُّ الْوَزْنُ الَّذِي شَرَطَهُ زَادَ سِعْرُهُ أَمْ نَقَصَ. الثَّانِي: أَنَّ يُعَلِّقَهُ بِغَيْرِهِ كَثَلَاثِمِائَةٍ مَثَلًا وَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ قِيمَةَ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ أَوْ قِيمَةَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفًا أَوْ قِيمَةَ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنَ الْفُلُوسِ، فَالْعِبْرَةُ بِمَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، فَلَوْ زَادَ سِعْرُ الدِّينَارِ فَصَارَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَلَهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ دِينَارٌ وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِينَارٍ، وَلَوْ نَقَصَ فَصَارَ بِمِائَتَيْنِ فَلَهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ دِينَارٌ وَفِي الثَّانِي دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَكَذَا لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ دَرَاهِمِ الْفِضَّةِ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ قِيمَةُ أَرْطَالِ الْفُلُوسِ فَالْمُسْتَحَقُّ مَا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةٍ فِي الْحَالِ الثَّانِي وَمَا هُوَ الْوَزْنُ الْمُقَرَّرُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ.
فَصْلٌ: إِذَا تَحَصَّلَ رَيْعُ الْوَقْفِ عِنْدَ النَّاظِرِ أَوِ الْمُبَاشِرِ أَوِ الْجَابِي فَنُودِيَ عَلَيْهِ بِرُخْصٍ نُظِرَ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي صَرْفِهِ بِأَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الصَّرْفَ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَحَصَلَ الرَّيْعُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَأُخِّرَ الصَّرْفُ يَوْمًا وَاحِدًا مَعَ حُضُورِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْبَلَدِ عَصَى وَأَثِمَ وَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْمُنَادَاةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ
وَحَبْسِهِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ نُودِيَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ لِلْوَقْفِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِأَنْ كَانَ شَرَطَ الْوَاقِفُ الصَّرْفَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَثَلًا فَحَصَلَ الرَّيْعُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ حَصَلَ عِنْدَ الْوَقْتِ الَّذِي شُرِطَ الصَّرْفُ عِنْدَهُ بَعْضُ الرَّيْعِ وَهُوَ يَسِيرٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَأُخِّرَ لِيَجْتَمِعَ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَهَذَا لَا تَقْصِيرَ فِيهِ، وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْوَقْفِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ رَخُصَتْ أُجْرَةُ عَقَارِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ، وَلَا يَنْقُصُ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ مِنْ مَعَالِيمِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَلَوْ نُودِيَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ لِلْوَقْفِ، ثُمَّ عِنْدَ الصَّرْفِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يُرَاعِي مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَيُعْمَلُ بِمَا يَقْتَضِيهِ.
فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ: إِذَا أَوْصَى لَهُ بِأَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَتَغَيَّرَ سِعْرُهَا مِنَ الْوَصِيَّةِ إِلَى الْمَوْتِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى الْحَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْوَقْفِ إِنْ عُلِّقَ بِالْوَزْنِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مَا ذُكِرَ سَوَاءٌ زَادَ السِّعْرُ أَمْ نَقَصَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ وَإِنْ عُلِّقَ بِالْقَدْرِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمُسَمَّى.
فَصْلٌ: وَمِمَّا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَقَرَّرَ لَهُ الْقَاضِي فَرْضًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمُعَامَلَةِ تَارِيخِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَغَيُّرِ السِّعْرِ مَا قَدْرُهُ مِائَةٌ يَوْمَ التَّقْرِيرِ أَوْ يَوْمَ الدَّفْعِ؟ وَأَقُولُ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا وَالتَّقْرِيرُ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ فِي الْأُجْرَةِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ، فَظَاهِرُ مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ أَنَّ عَلَيْهِ مَا يُسَمَّى مِائَةً عِنْدَ التَّقْرِيرِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا يُسَمَّى مِائَةً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيدُ فَطِيمًا فَالْمُقَرَّرُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، وَأَصْلُ الْوَاجِبِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ الْأَصْنَافُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ تَقْرِيرَ عِوَضٍ عَنْ ذَلِكَ مِنَ النُّقُودِ أَوِ الْفُلُوسِ ثُمَّ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَهَذَا الَّذِي قَرَّرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ سِعْرُ الْقُوتِ وَالْأُدْمِ احْتِيجَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْمُقَرَّرِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا يُسَمَّى مِائَةً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ قَطْعًا وَلَا يَطْرُقُهُ احْتِمَالٌ أَصْلًا.
فَصْلٌ: وَدَيْنُ الْمُكَاتَبَةِ يَأْتِي فِيهِ مَا فِي الْبَيْعِ، وَدَيْنُ الْمُخَارَجَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَالْمَدَارُ فِيهِ عَلَى قُدْرَةِ الْعَبْدِ.
فَصْلٌ: وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ طَبَّاخِ الشَّيْخُونِيَّةِ يَأْخُذُ أَنْصِبَاءَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الطَّعَامِ
وَالْخُبْزِ فَيَبِيعُهَا ثُمَّ يَدْفَعُ لَهُمْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَدْرًا مَعْلُومًا أَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ، وَأَقُولُ: إِنْ كَانَ أَخْذُهُ لَهَا عَلَى جِهَةِ الشِّرَاءِ مِنْ أَرْبَابِهَا فَهَذَا اشْتِرَاءٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، فَحُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ حُكْمُ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ مِنَ النُّقُودِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ أَرْبَابِهَا فِي الْبَيْعِ فَهُوَ وَكِيلٌ يُجْعَلُ فَبَيْعُهُ وَقَبْضُهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ إِنْ جُعِلَ ثَمَنُ نَصِيبِ كَلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَخْلِطْهُ بِغَيْرِهِ وَلَا تَصَرَّفَ فِيهِ دَفَعَهُ إِلَيْهِ بِرُمَّتِهِ، وَلَهُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي شَرَطَ لَهُ كَالثُّلُثِ مَثَلًا، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالتَّصَرُّفِ، فَالْقَدْرُ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ وَالْبَاقِي يَدْفَعُهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ ضَمِنَهُ أَيْضًا بِمِثْلِهِ.
فَرْعٌ: مِنْ فَتَاوَى ابن الصلاح، سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَبْلَغٍ مِنَ الْفُلُوسِ فِي الذِّمَّةِ فَانْعَدَمَ النُّحَاسُ فَهَلْ يُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْفُلُوسِ بِقِيمَةِ الْبَلَدِ الَّذِي عَقَدُوا النِّكَاحَ فِيهِ أَمْ بِقِيمَةِ الْبَلَدِ الَّذِي تُطَالِبُ فِيهِ؟ فَأَجَابَ: لَا يُرْجَعُ إِلَى قِيمَتِهَا أَصْلًا كَمَا لَا يُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الرُّجُوعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْفَسْخِ أَوِ الِانْفِسَاخِ.
وَهَذِهِ فَوَائِدُ نَخْتِمُ بِهَا الْكِتَابَ:
الْأُولَى: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إِبْطَالُ الْمُعَامَلَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا أَخْرَجَهُ أبو داود عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ( «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَارِيَةُ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ» ) .
الثَّانِيَةُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ كعب قَالَ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ آدَمُ عليه السلام.
الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ) وَلِأَنَّ فِيهِ إِفْسَادًا لِلنُّقُودِ وَإِضْرَارًا بِذَوِي الْحُقُوقِ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ، وَانْقِطَاعَ الْأَجْلَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِمَامِ، وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَى الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَخْفَى فَيُغْتَرُّ بِهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْإِمَامِ.
الرَّابِعَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْغِشُّ وَالْإِفْسَادُ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَالَ القاضي أبو الطيب: إِلَّا إِذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ
إِمْسَاكُهَا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ إِمْسَاكِ الْمَغْشُوشَةِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ يَغُرُّ بِهِ وَرَثَتَهُ إِذَا مَاتَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْحَيَاةِ، كَذَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.
السَّادِسَةُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِذَا كَانَ الْغِشُّ فِي الدَّرَاهِمِ مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَوْ صُفِّيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُورَةٌ جَازَتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا، فَإِنْ كَانَتِ الْفِضَّةُ مَعْلُومَةً لَا تَخْتَلِفُ صِحَّةُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا عَلَى عَيْنِهَا الْحَاضِرَةِ وَفِي الذِّمَّةِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتِ الْفِضَّةُ الَّتِي فِيهَا مَجْهُولَةً فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا الْجَوَازُ بِعَيْنِهِ وَفِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهَا بِالنُّحَاسِ كَمَا لَا يَضُرُّ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادُهَا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِضَّةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ بِأَعْيَانِهَا وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ بِعَيْنِهِ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا قَرْضُهَا. وَالرَّابِعُ: إِنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا غَالِبًا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ.
السَّابِعَةُ: قَالَ الخطابي: كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عائشة فِي قِصَّةِ شِرَائِهَا بريرة: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فَعَلْتُ تُرِيدُ الدَّرَاهِمَ، فَأَرْشَدَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْوَزْنِ، وَجَعَلَ الْمِعْيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ الْوَزْنُ الْجَارِي بَيْنَهُمْ فِي الدِّرْهَمِ سِتَّةَ دَوَانِيقَ - وَهُوَ دِرْهَمُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ - وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُخْتَلِفَةَ الْأَوْزَانِ فِي الْبُلْدَانِ، فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَالطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا مُنَاصَفَةً مِائَةً بَغْلِيَّةً وَمِائَةً طَبَرِيَّةً، فَكَانَ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَكَاةً، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ بَنِي أُمَيَّةَ قَالُوا: إِنْ ضَرَبْنَا الْبَغْلِيَّةَ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهَا الَّتِي تُعْتَبَرُ لِلزَّكَاةِ فَيُضَرُّ الْفُقَرَاءُ، وَإِنْ ضَرَبْنَا الطَّبَرِيَّةَ ضُرَّ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَجَمَعُوا الدِّرْهَمَ الْبَغْلِيَّ وَالطَّبَرِيَّ وَفَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ فَكَانَتْ تُحْمَلُ إِلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ضَرْبَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ سَأَلَ عَنْ أَوْزَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجْمَعُوا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمِثْقَالَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا إِلَّا حَبَّةً بِالشَّامِيِّ، وَأَنَّ كُلَّ عَشَرَةٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَضَرَبَهَا - انْتَهَى كَلَامُ الخطابي.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: اسْتَقَرَّ فِي الْإِسْلَامِ وَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةَ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ اسْتِقْرَارِهَا عَلَى هَذَا الْوَزْنِ فَقِيلَ كَانَتْ فِي الْفُرْسِ ثَلَاثَةُ أَوْزَانٍ مِنْهَا دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ الْمِثْقَالِ عِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَدِرْهَمٌ اثْنَا عَشَرَ
وَدِرْهَمٌ عَشْرٌ، فَلَمَّا احْتِيجَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى تَقْدِيرِهِ أُخِذَ الْوَسَطُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْزَانِ الثَّلَاثَةِ - وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا - فَكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا مِنْ قَرَارِيطِ الْمِثْقَالِ، وَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَأَى الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةً، مِنْهَا الْبَغْلِيُّ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَالطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، وَالْيَمَنِيُّ دَانِقٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ: انْظُرُوا أَغْلَبَ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا، فَكَانَ الْبَغْلِيُّ وَالطَّبَرِيُّ فَجُمِعَا فَكَانَا اثْنَيْ عَشَرَ دَانِقًا، فَأَخَذَ نِصْفَهَا فَجَعَلَهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، فَجَعَلَهُ دِرْهَمَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: أَمَرَ عبد الملك بِضَرْبِهَا فِي الْعِرَاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقَالَ المدائني: بَلْ ضَرَبَهَا فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِهَا فِي النَّوَاحِي سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ، قَالَ: وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَمْرِ أَخِيهِ عبد الله بن الزبير سَنَةَ سَبْعِينَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكَاسِرَةِ، ثُمَّ غَيَّرَهَا الحجاج، انْتَهَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: كَانَتِ الدَّنَانِيرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ وَعِنْدَ عَرَبِ الْحِجَازِ كُلُّهَا رُومِيَّةً تُضْرَبُ بِبِلَادِ الرُّومِ، عَلَيْهَا صُورَةُ الْمَلِكِ وَاسْمُ الَّذِي ضُرِبَتْ فِي أَيَّامِهِ مَكْتُوبٌ بِالرُّومِيَّةِ، وَوَزْنُ كُلِّ دِينَارٍ مِنْهَا مِثْقَالٌ كِمِثْقَالِنَا هَذَا - وَهُوَ وَزْنُ دِرْهَمَيْنِ وَدَانِقَيْنِ وَنِصْفٍ وَخَمْسَةِ أَسْبَاعِ حَبَّةٍ -.
وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ بِالْعِرَاقِ وَأَرْضِ الْمَشْرِقِ كُلُّهَا كِسْرَوِيَّةً عَلَيْهَا صُورَةُ كِسْرَى وَاسْمُهُ فِيهَا مَكْتُوبٌ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَوَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا مِثْقَالٌ، فَكَتَبَ مَلِكُ الرُّومِ - وَاسْمُهُ لاوي بن قرفط - إِلَى عبد الملك أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّ لَهُ سِكَكًا لِيُوَجِّهَ بِهَا إِلَيْهِ فَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الدَّنَانِيرَ، فَقَالَ عبد الملك لِرَسُولِهِ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا قَدْ عَمِلْنَا سِكَكًا نَقَشْنَا عَلَيْهَا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَاسْمَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ عبد الملك قَدْ جَعَلَ لِلدَّنَانِيرِ مَثَاقِيلَ مِنْ زُجَاجٍ لِئَلَّا تُغَيَّرَ أَوْ تُحَوَّلَ إِلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حِجَارَةٍ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ أَنْ لَا يَتَبَايَعَ أَحَدٌ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ نِدَائِهِ بِدِينَارٍ رُومِيٍّ، فَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ الْعَرَبِيَّةَ وَبَطَلَتِ الرُّومِيَّةُ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَيَقَعُ بِهَا الْمُبَايَعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ: وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إِلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَوَزْنَ الدِّرْهَمِ سِتَّةَ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ
مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ، بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مِنْ ضَرْبِ فَارِسَ وَالرُّومِ وَصِغَارًا وَكِبَارًا وَقِطَعَ فِضَّةٍ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَلَا مَنْقُوشَةٍ وَيَمَنِيَّةً وَمَغْرِبِيَّةً، فَرَأَوْا صَرْفَهَا إِلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ وَتَصْيِيرَهَا وَزْنًا وَاحِدًا وَأَعْيَانًا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنِ الْمَوَازِينِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ.
وَقَالَ الرافعي: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِهَذَا الْوَزْنِ وَهُوَ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمِثْقَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ مَعْرُوفَةَ الْمِقْدَارِ - وَهِيَ السَّابِقَةُ إِلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَبِهَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْحُقُوقِ وَالْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ - وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُهُ كَانَ هُنَاكَ دَرَاهِمُ أُخْرَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ، فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الدَّرَاهِمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فَقَالَ الْحَافِظُ أبو محمد عبد الحق فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: بَحَثْتُ غَايَةَ الْبَحْثِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ وَثِقْتُ بِتَمْيِيزِهِ فَكَلٌّ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ ثِنْتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ وَالدِّرْهَمُ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ، فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الْمَكِّيِّ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ، وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالدِّرْهَمِ الْمَذْكُورِ - هَذَا كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ. قَالَ النووي بَعْدَ إِيرَادِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ: وَزْنُ الرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَهُوَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا، انْتَهَى.
وَقَالَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ: حَدَّثَنَا محمد بن عمر الواقدي، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ضَرْبَهَا وَنَقَشَ عَلَيْهَا -. وَفِي الْأَوَائِلِ للعسكري أَنَّهُ نَقَشَ عَلَيْهَا اسْمَهُ، وَأَخْرَجَ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سفيان قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ وَزْنَ سَبْعَةٍ الحارث بن أبي ربيعة - يَعْنِي الْعَشَرَةَ عَدَدًا سَبْعَةً وَزْنًا.
وَأَخْرَجَ ابن عساكر عَنْ مغيرة قَالَ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ عبيد الله بن زياد وَهُوَ قَاتِلُ الحسين. وَفِي تَارِيخِ الذهبي: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ الْأُمَوِيُّ الْقَائِمُ بِالْأَنْدَلُسِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِمَا يُحْمَلُ إِلَيْهِمْ مِنْ دَرَاهِمِ الْمَشْرِقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أبي جعفر قَالَ: الْقِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَالْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ السدي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: 14] قَالَ: يَعْنِي الْمَضْرُوبَةَ حَتَّى صَارَتْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: فِي تَحْرِيرِ الدَّرَاهِمِ النُّقْرَةُ الَّتِي كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا فِي الْقَرْنِ الثَّامِنِ وَشَرَطَهَا أَرْبَابُ الدَّوْلَةِ الْقَلَاوُونِيَّةِ فِي أَوْقَافِهِمْ كشيخون، وصرغتمش، وَنَحْوِهِمَا، قَالَ الذهبي فِي تَارِيخِهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ: أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِضَرْبِ الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةِ لِيُتَعَامَلَ بِهَا بَدَلًا عَنْ قُرَاضَةِ الذَّهَبِ، فَجَلَسَ الْوَزِيرُ وَأَحْضَرَ الْوُلَاةَ وَالتُّجَّارَ وَالصَّيَارِفَةَ وَفُرِشَتِ الْأَنْطَاعُ وَأُفْرِغَ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ، وَقَالَ الْوَزِيرُ: قَدْ رَسَمَ مَوْلَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُعَامَلَتِكُمْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عِوَضًا عَنْ قُرَاضَةِ الذَّهَبِ رِفْقًا بِكُمْ وَإِنْقَاذًا لَكُمْ مِنَ التَّعَامُلِ بِالْحَرَامِ مِنَ الصَّرْفِ الرِّبَوِيِّ فَأَعْلِنُوا بِالدُّعَاءِ، ثُمَّ أُدِيرَتْ بِالْعِرَاقِ وَسُعِّرَتْ كُلُّ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، فَقَالَ الموفق أبو المعالي بن أبي الحديد الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ:
لَا عَدِمْنَا جَمِيلَ رَأْيِكَ فِينَا
…
أَنْتَ بَاعَدْتَنَا عَنِ التَّطْفِيفِ
وَرَسَمْتَ اللُّجَيْنَ حَتَّى أَلِفْنَا
…
هُ وَمَا كَانَ قَبْلُ بِالْمَأْلُوفِ
لَيْسَ لِلْجَمْعِ كَانَ مَنْعُكَ لِلصَّرْ
…
فِ وَلَكِنْ لِلْعَدْلِ وَالتَّعْرِيفِ
وَقَالَ ابن كثير فِي تَارِيخِهِ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ رَسَمَ السلطان الملك الناصر حسن بِضَرْبِ فُلُوسٍ جُدُدٍ عَلَى قَدْرِ الدِّينَارِ وَوَزْنِهِ وَجَعَلَ كُلَّ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فِلْسًا بِدِرْهَمٍ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ الْفُلُوسُ الْعِتْقُ كُلُّ رِطْلٍ وَنِصْفٍ بِدِرْهَمٍ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ النُّقْرَةَ كَانَ سِعْرُهَا كُلُّ دِرْهَمٍ ثُلُثَا رِطْلٍ مِنَ الْفُلُوسِ، كَمَا أَنَّ مَا قَالَهُ الذهبي صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ سِعْرُهَا حِينَ ضُرِبَتْ كُلُّ دِرْهَمٍ عُشْرُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابن
حجر فِي تَارِيخِهِ: أَنْبَاءُ الْغُمْرِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِيعَ الْإِرْدَبُّ الْقَمْحُ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا نُقْرَةً وَقِيمَتُهَا إِذْ ذَاكَ سِتُّ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَرُبْعٌ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا مِثْقَالٌ. وَقَالَ ابن حجر أَيْضًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ: غَلَا الْبَيْضُ بِدِمَشْقَ فَبِيعَتِ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ بِثُلُثِ دِرْهَمٍ مِنْ حِسَابِ سِتِّينَ بِدِينَارٍ، وَهَذَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ كُلَّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا مِثْقَالٌ.
التَّاسِعَةُ: التَّعَامُلُ بِالْفُلُوسِ قَدِيمٌ، قَالَ الجوهري فِي الصِّحَاحِ: الْفَلْسُ يُجْمَعُ عَلَى أَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ، وَقَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ صَارَ مُفْلِسًا كَأَنَّمَا صَارَتْ دَرَاهِمُهُ فُلُوسًا وَزُيُوفًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ صَارَ إِلَى حَالٍ يُقَالُ فِيهَا لَيْسَ مَعَهُ فَلْسٌ انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهَا فِي زَمَنِ الْعَرَبِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: ثَنَا محمد بن أبان عَنْ حماد عَنْ إبراهيم قَالَ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الْفُلُوسِ، أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِي الْفُلُوسِ - وإبراهيم هُوَ النَّخَعِيُّ -، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهَا فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ يَدًا بِيَدٍ، وَأَخْرَجَ عَنْ حماد مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْفُلُوسَ بِالدَّرَاهِمِ قَالَ: هُوَ صَرْفٌ فَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ، وَذَكَرَ الصولي فِي كِتَابِ الْأَوْرَاقِ أَنَّهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلِيَ هارون بن إبراهيم الهاشمي حِسْبَةَ بَغْدَادَ فِي زَمَنِ الْخَلِيفَةِ الْمُعْتَمِدِ فَأَمَرَ أَهْلَ بَغْدَادَ أَنْ يَتَعَامَلُوا بِالْفُلُوسِ فَتَعَامَلُوا بِهَا عَلَى كُرْهٍ ثُمَّ تَرَكُوهَا.
الْعَاشِرَةُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ زَافَتْ عَلَيْهِ وَرَقَةٌ فَلَا يُخَالِفِ النَّاسَ أَنَّهَا طِيَابٌ وَلْيَبْتَعْ بِهَا سَمَلَ ثَوْبٍ أَوْ سَحْقَ ثَوْبٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ زُيُوفًا وَقَسِيَّاتٍ بِدَرَاهِمَ دُونَ وَزْنِهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَهَاهُ وَقَالَ: أَوْقِدْ عَلَيْهَا حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِيهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ حَتَّى تَخْلُصَ الْفِضَّةُ ثُمَّ بِعِ الْفِضَّةَ بِوَزْنِهَا.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَرْضُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عطاء فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] قَالَ: كَانُوا يُقْرِضُونَ الدَّرَاهِمَ.